للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[جنوب السودان]

الجذور التاريخية والأبعاد السياسية وآفاق المستقبل

حسن أبو حلو

مدخل:

في ١٥ أغسطس عام ١٩٥٥م وبينما السودان يجهز نفسه ويستعد لإعلان

الاستقلال عن الحكم الإنجليزي الذي تم بعد خمسة شهور من هذا التاريخ صدرت

الأوامر لفرقة عسكرية جنوبية بالتوجه شمالاً للاشتراك في احتفالات الاستقلال،

وكانت هذه الفرقة تضم ١٧٠٠ وضابط تعسكر في مدينة (توريت) ، وكان عليها أن

تسافر إلى جوبا ثم تواصل مسيرتها إلى الخرطوم، وترددت القوة في تنفيذ الأوامر، وعندما طلبت تزويدها بالذخيرة رُفِضَ طلبها؛ فازدادت المخاوف وانطلقت إشاعة: بأن ضابطاً شمالياً أطلق النار على جندي جنوبي فقتله؛ وكانت الشرارة، فهاجم

الجنوبيون مساكن لشماليين، وقتلوا من فيها، ووقعت مذبحة بشعة؛ لتبدأ ما نطلق

عليه: (عمليات تمرد الجنوب على الشمال في السودان) وبذلك ظهرت قضية من

أخطر القضايا التي تواجه عالمنا الإسلامي، وأصبحت خنجراً في ظهر المسلمين

ضمن عشرات الخناجر التي يعاني منها الجسد الإسلامي، وتستنزف قواه وإمكانياته

وتفاعلت الأزمة لتؤثر فيها معطيات كثيرة داخلية وخارجية، وتدخلت فيها قوى

بقصد استثمارها لتحقيق مخططاتها وأهدافها الاستراتيجية، وتعددت أطراف الحرب

وتناقضت وتشابكت مواقفها.

وتتناول هذه الدراسة بُعدين من أبعاد هذه المشكلة هما: التركيبة الداخلية

للشعب السوداني، والدور الأمريكي في زيادة حدة المشكلة.

التركيبة الجغرافية والعرقية واللغوية والدينية للسودان:

يرجع السودان بحدوده الحالية إلى اتفاقية ١٨٩٩م أو ما يعرف باتفاقية الحكم

الثنائي بين مصر وبريطانيا، ومساحته حوالي ٢. ٥ مليون كيلو متر مربع؛ أي

أكبر دولة في أفريقيا مساحةً، ويليها الجزائر، وهذه المساحة تبلغ نحو مرتين

ونصف من مساحة مصر، وما يقرب من مساحة أوروبا الغربية.

هذه المساحة الشاسعة للسودان أتاحت لأهله سكنى مناطق متفرقة بصورة

هائلة؛ فنجد - مثلاً - شعب مصر - وهم أكثر من ضِعْفِ سكان السودان -

يعيشون في حوالي خمسة آلاف قرية بينما نجد السودانيين يعيشون في أكثر من

ستين ألف قرية مما زاد من ضَعْف السلطة المركزية وتحكمها على مجمل مساحتها، وهذا الضعف أوجد صعوبة أمام الحكومة في حسم أي تمرد مسلح يقع في

أراضيها وبخاصة المنطقة الجنوبية التي تتركز فيها الغابات والمستنقعات.

ينقسم السودان عموماً إلى إقليمين:

الإقليم الشمالي: ويضم ٦ ولايات: الشمالية وعاصمتها الدامر، وكسلا

وعاصمتها كسلا، والنيل الأزرق وعاصمتها وادي مدني، والخرطوم وعاصمتها

الخرطوم، وكردفان وعاصمتها الأبيض، ودارفور وعاصمتها الفاشر.

الإقليم الجنوبي: ويشمل ثلاث ولايات: أعالي النيل وعاصمتها مالكال،

وبحر الغزال وعاصمتها واو، والاستوائية وعاصمتها جوبا.

تبلغ مساحة الجنوب حوالي ٦٥٠. ٠٠٠ كيلو متر مربع أي حوالي ربع

مساحة السودان، وفي سنة ١٩٩٧م كان عدد سكان السودان حوالي ٣٠. ٣ مليون

نسمة، بينما كان عدد سكان الجنوب حوالي ٧. ٢ مليون نسمة أي ربع سكان

السودان تقريباً.

ووفق إحصاء عام ١٩٩٢م كان عدد المسلمين ٨٣% من مجموع السكان بينما

الوثنيون ١٤% والنصارى ٣%.

أما في الجنوب فتبلغ نسبة الوثنيين ٦٠% والنصارى ١٧% والمسلمين ٢٣%، أي نسبة المسلمين أكبر من نسبة المسيحيين حتى في الجنوب. ولعل المرء

يندهش ويتعجب من مطالبة الدول المجاورة للسودان والدول الأوربية بدولة

للمسيحيين في الجنوب ونسبتهم الأقل، وتزداد الدهشة والعجب حينما نعلم أن نسبة

البروتستانت في الجنوب من عدد المسيحيين ٢٠% والباقي كاثوليك، بينما نجد أن

الذي يطالب بهذه الدولة المسيحية المزعومة هو مجلس الكنائس العالمي الذي تسيطر

عليه الكنيسة البروتستانتية.

يصل عدد القبائل في السودان إلى ٢٥٧ قبيلة تندرج تحت عدة قوميات أهمها:

١ - عرب: وهم حوالي ٤٠% ويتركزون في الشمال بصفة خاصة، وأهم

قبائلهم الكبابيش والبقارة.

٢ - بجاة: حوالي ١٢% وتعيش في حوض أركويت في الشرق وهم

يمتازون بالشدة، ويوجد منهم فصيل يسمى مؤتمر البجا يخوض الآن حرباً ضد

الحكومة مطالباً بالانفصال.

٣- نوبيون: حوالي ٣% وهؤلاء خلاف النوبيين الذين يعيشون في مصر،

وقلة منهم اعتنقت الإسلام وآخرون اعتنقوا المسيحية بفضل البعثات التبشيرية،

وتخوض جماعة منهم - تسمى جبهة تحرير النوبة - قتالاً ضد الحكومة.

٤ - الفور: حوالي ١٢% وهم سكان دارفور غرب السودان وتراجعوا إلى

جبال مرة نتيجة صدامهم بالعرب، واعتنقوا الإسلام وتشبهوا بالعرب في ملابسهم؛

ولكن اللغة العربية لم تتمكن منهم، وقامت أيضاً فيهم حركة تطالب بالحكم الذاتي

وتقاتل الحكومة من أجله.

٥ - الزنوج: ٣٠% ويتركزون في الجنوب ويندرجون تحت ثلاث

مجموعات سلالية رئيسة هي: النيليون - النيليون الحاميون - المجموعة السودانية.

وأهم مجموعاتهم هي (النيليون) : وتضم قبائل الدينكا والنوير والشلوك

وغيرها من القبائل الفرعية، ويصل مجموع النيليين إلى حوالي ثلثي سكان

الجنوب، ويتركزون في منطقتي بحر الغزال وأعالي النيل، وتعد قبيلة الدينكا أهم

قبائلهم؛ بل أهم قبائل الجنوب على الإطلاق؛ حيث يزيد عددها وحدها عن ثلث

سكان الجنوب ويعيشون في قسمين: حول بحر الغزال، وحول النيل الأبيض،

ويفصل بينهما جيب كبير تحتله قبائل النوير، وتكثر المستنقعات في هذا الجيب

الذي يعيش فيه قبائل النوير التي تعتبر ثاني أكبر مجموعة نيلية بعد الدينكا؛ حيث

يصل عدد أفرادها إلى نصف الدينكا، ونتيجة للحواجز الطبيعية التي تمثلها

المستنقعات فإن اختراق منطقتهم بواسطة العالم الخارجي كان دائماً أمراً محفوفاً

بالمخاطر، وقد زاد ذلك من عزلتهم ونزوعهم إلى الاستقلال والاعتزاز بالنفس.

أما قبائل الشلوك فهي أصغر قبائل النيليين عدداً؛ ولكنهم أكثر المجموعات النيلية

من حيث تطور نظامهم الاجتماعي والسياسي.

ومن الأهمية بمكان دراسة هذا التنوع العرقي في الجنوب لفهم طبيعة الصراع

هناك، وخاصة فهم الانشقاق الذي حدث في جسد الحركة الشعبية لتحرير السودان

بزعامة (جون جارانج) الفصيل الرئيس الذي يقاتل الحكم منذ ١٦ عاماً؛ ففي

أغسطس ١٩٩١م انشق جناح الناصر بزعامة ريك مشار وهو من قبائل النوير،

ولام أكول وهو من الشلوك عن جون جارانج وهو من قبيلة الدينكا مما يجعل البعد

القبلي ذا أثر كبير في توجهات المشكلة ومسارها.

حقيقة الدور الأمريكي:

كانت أمريكا تدرك أهمية منطقه شرق إفريقيا والقرن الإفريقي؛ فكان (إعلان

دالس) وزير الخارجية الأمريكي في أواخر الخمسينات: (إن اعتبارات الأمن في

منطقة البحر الأحمر هي التي حكمت علينا أن نضم إرتيريا إلى الحبشة) .

ومع نهاية الحرب الباردة بدأ السودان يدخل على الأجندة الأمريكية.

ولكن ما حقيقة الدوافع الأمريكية في النظر إلى السودان؟

يقع السودان في موقع قريب من منطقة القرن الإفريقي، وتمثل هذه المنطقة

أهمية حيوية للتحكم في الملاحة في البحر الأحمر تبعاً لما يلي:

هذا البحر تمر به نسبة كبيرة من تجارة العالم خاصة ناقلات النفط القادمة من

الخليج إلى أوربا وأمريكا. والمعروف أن تدفق البترول والتحكم فيه وفي أسعاره

كان دائماً ورقة ضغط أمريكية على أوربا واليابان والصين تُلوِّح بها في وجه هؤلاء

الكبار الذين يريدون الخروج عن السياسة الأمريكية وأهدافها في العالم، فضلاً عن

أن أمريكا تعد منطقة القرن الإفريقي العمق الاستراتيجي لقواتها الموجودة في

المنطقة.

كما يمثل البحر الأحمر عمقاً حيوياً لـ (إسرائيل) ؛ حيث يطل السودان عليه؛ وأمن (إسرائيل) يعد من أولويات السياسة الأمريكية وأهدافها استراتيجياً.

إن السودان مدخل مهم إلى منطقة البحيرات العظمى؛ حيث قامت أمريكا

بمحاولة ترتيب الأوضاع هناك، فقامت بدعم قبيلة التوتسي التي استولت على

الحكم في زائير (الكونغو) ، وفي تقرير للبنتاجون نشر مؤخراً اعتبر أن منطقة

البحيرات العظمى هي مصدر استراتيجي مهم لا يمكن الاستغناء أو التنازل عنه؛

باعتبار أن هذه المنطقة تمثل حلقة الوصل الرئيسة بين الدول الإفريقية ودول

الشرق الأوسط، إضافة إلى أن من يتحكم في هذه المنطقة سيحدد - إلى حد كبير -

الآثار الاستراتيجية والسياسية لمنطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا، وأكد التقرير أن

النهج الاستقلالي الذي تسعى دول المنطقة إلى تبنيه ممثلاً في السعي إلى إنشاء

السوق الإفريقية المشتركة سوف يؤثر على المصالح الأمريكية، وأن السودان

والحكم الإسلامي فيه سوف يحدث بلبلة في المنطقة، وأن الهدف الأمريكي هو

إحداث تغيير سياسي سريع في السودان وعلمنة الحكم ليرتبط مع بقية دول

البحيرات العظمى في إطار تحالف قوي يضم أوغندة وإثيوبيا وإرتيريا والكونغو

والسودان الجديد، ومن ثم التحكم في منطقة حوض النيل لإخضاع الدول الواقعة

عليه للسياسات الأمريكية.

إيقاف المد الإسلامي وانتشاره في إفريقيا:

فقد صرحت أولبرايت في ٥-١-١٩٩٨م: (لا ينبغي أن تترك هذه المنطقة

(تقصد شرق إفريقيا) دون توجيه استراتيجي أمريكي من شأنه أن يؤدي إلى نتائج

في مقدمتها قيام عدة دول إسلامية في الشرق الإفريقي) .

وفي حديث لوزير الخارجية السوداني مصطفى إسماعيل نشر مؤخراً قال:

(إن السياسة الأمريكية الآن تحاول أن تصنع عدواً لتخيف به الآخرين، وآلياتها

الإعلامية والسياسية تصب في هذا الاتجاه، ومن ثم فهي تدعو الأطراف الأخرى -

في ضوء ذلك - للاعتماد عليها. وأمريكا تصور السودان الآن على أنه العدو) .

في ضوء هذه الأهداف السابقة بدأت أمريكا في رسم السياسات التي تمكنها من

الوصول إلى هذه الأهداف.

والمتتبع للسياسة الأمريكية في أي بقعة أو بؤرة من بؤر التوتر في العالم

يلحظ خاصية هامة يجب علينا فهمها والاهتمام بها وهي: الاستدراج البطيء

والتعامل الهادئ مع الخصم الممزوج بالتصعيد التدريجي، أي (سياسة الشد

والإرخاء) حتى إذا تهيأت الظروف دفعت الأحداث إلى إحكام الطوق والحصار

العسكري بالأساطيل والجيوش والحلفاء، ثم يتبع بعدها أسلوب ساعة الحسم.

إن عدم فهم هذه الخاصية وإدراكها يوقعنا في الحيرة والاضطراب ووصف

السياسة الأمريكية بالتناقض والارتباك، وهي ليست كذلك في كل وقت؛ ولكن

يحدث أحياناً خلاف بين صانعي القرار الأمريكي حول وصول الوضع إلى ساعة

الحسم وهنا قد يحدث نوع من الاجتهادات المختلفة التي تؤثر بدورها على المواقف

التي تتخذها أمريكا.

ومثال ذلك: ما حدث بالنسبة للسودان في قرار إعادة الدبلوماسيين الأمريكيين

إلى السفارة الأمريكية في الخرطوم، فبعد أسبوع واحد تراجعت الخارجية الأمريكية

عن القرار.

وحديثنا عن السياسة الأمريكية تجاه السودان يسير وفق أربعة محاور: ...

المحور الأول: (سياسة الاسترخاء) ، ومن ذلك:

- صدور تقارير صحفية تفيد اعتزام الإدارة الأمريكية بحث إمكانية إسقاط

النظام السوداني من قائمة الدول الراعية للإرهاب تمهيداً لإتمام الصفقة النفطية بين

الحكومة السودانية ومؤسسة (أوكسيدنتال) النفطية الأمريكية.

- الترحيب الرسمي الأمريكي باتفاق السلام الموقع في ٢١-٤-١٩٩٧م بين

الحكومة السودانية وست من فصائل المعارضة الجنوبية.

- زيارة وفد أكاديمي أمريكي للسودان، وبحث المشكلات التي تعيق تطوير

علاقاته بالولايات المتحدة.

- إقرار صندوق النقد الدولي اتفاق المرحلة الأولى من الإصلاح الاقتصادي

ابتداءًا من أواخر يونيه ١٩٩٧م.

- إعراب الإدارة الأمريكية عن انزاعجها مما نسب إلى الرئيس الإرتيري

حول وجود مشاركة إرتيرية في القتال الدائر بشرق السودان.

وفي تصريح لمسؤول في مجلس الأمن القومي الأمريكي: " إن أمريكا لا تؤيد

الدعوة لتقسيم السودان، وترغب في أن يحافظ على وحدته ضمن صورته الحالية

المعترف بها من المجموعة الدولية.

السماح للسودان باستيراد المواد الغذائية من الخارج؛ حيث إنها غير مدرجة

في العقوبات.

المحور الثاني: (سياسة الشد) :

- صدور عدة تقارير من وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي

التي قدمت إلى الكونجرس في الفترة من سبتمبر إلى نوفمبر ١٩٩٦م والتي أجمعت

على اعتبار السودان بين الدول الأشد خطراً.

- تصريحات مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي في ديسمبر

١٩٩٦م التي تؤكد أن استراتيجية الإطاحة بالنظام السوداني هي أفضل الخيارات

المتاحة.

- في أواخر عام ١٩٩٦م صدر إعلان من جماعة التحالف النصراني

وجماعات ضغط أخرى قريبة منها عن رغبتها في إجازة قانون في الكونجرس

يفرض عقوبات سياسية واقتصادية على دول يتهمها التحالف باضطهاد الأقليات

النصرانية، ومنها: مصر، والسودان، والصين، والسعودية، وحيث إن فرض

عقوبات اقتصادية يضر بالمصالح الأمريكية في هذه البلدان فإن السودان أصبح عند

بعض صانعي القرار الأمريكي المثال الأقل تكلفة لبيان اهتمام الإدارة في واشنطن

بالموضوع وترضيته جماعات الضغط المسيحية.

- في ٢٤-١١-١٩٩٧م قررت الولايات المتحدة سحب البعثة الدبلوماسية من

السودان.

- تصريح مادلين أولبرايت أثناء جولتها في المنطقة بأن الولايات المتحدة

تسعى لإسقاط النظام في الخرطوم سلماً أو حرباً.

المحور الثالث: (سياسة إحكام الطوق) :

- في عام ١٩٩٦م تم تخصيص مبلغ ٢٠ مليون دولار في صورة مساعدات

عسكرية لثلاث دول إفريقية تتعاون لإسقاط النظام السوداني، وهي: إرتيريا،

وأوغندة، وإثيوبيا، وهو ما أكدته السفارة الأمريكية.

- في ١٥-١٢-١٩٩٧م اتهم البشير أمريكا بأنها حرضت حركة التمرد على

إلغاء ما تم التوصل إليه، وألقت بكل مبادئ منظمة الإيغاد في سلة المهملات دعماً

لاستمرار القتال.

- عملت إدارة كلينتون على شق الصف الإفريقي عبر صنع لوبي بين الدول

الموالية لواشنطن يتبنى فكرة إقرار آلية متعلقة بتشكيل قوة عسكرية من هذا اللوبي

تتولى التدخل لفض ما تسميه واشنطن بالصراعات في القارة، وهي الآلية التي

تشرف عليها واشنطن في أوغندة.

- الجولات المتتالية للمسؤولين الأمريكيين في المنطقة بدءاً من كلينتون

ومروراً بأولبرايت وانتهاءًا بسوزان رايس مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية

لشؤون القرن الإفريقي، ويسعى هؤلاء المسؤولون إلى القضاء على أي تعارض

في الأهداف، وإلى تخفيض حدة التنافس بين زعماء المنطقة.

- حاولت أمريكا ترتيب لقاء يجمع بين جارانج والمنشقين عنه في نيويورك؛

ولكن المفاوضات بين الأطراف وصلت إلى طريق مسدود.

المحور الرابع: (مؤشرات لحظة الحسم) :

بعد إتمام الحصار على السودان كان الوضع مهيأ لزحف عسكري من تحالف

المعارضة مدعوماً بجيوش دول الجوار (إثيوبيا، وإرتيريا، وأوغندة) وخاصة بعد

أن أصبحت مصر على الحياد بعد المحاولة التي لم تفلح لاغتيال الرئيس حسني

مبارك في إثيوبيا، والتي اتهمت بها السودان وبدا النظام السوداني شبه معزول،

وظهر أن هذا التوقيت هو الأنسب لتوجيه تلك الضربة القاصمة للنظام؛ ولكن

سرعان ما حدثت تطورات كان من أبرزها: تورط أوغندة في الصراع الذي اندلع

مجدداً في الكونغو، واندلاع قتال ضارٍ بين الحليفين: إثيوبيا وإرتيريا، وتغير

الموقف المصري من النظام السوداني بعد أن أعاد حساباته في الاستراتيجية وأصبح

يقف حجر عثرة في سبيل هذه المخططات.

وهنا بدأت أمريكا تغير من سياساتها تجاه السودان لتبدأ مرحلة جديدة من أهم

خصائصها:

- تقليل الاعتماد على دول الجوار نظراً لتشتتها وتشرذمها.

- محاولة إضعاف الدور المصري في السودان وممارسة الضغوط على النظام

المصري لرفع يده من القضية السودانية.

- تحريك الأساطيل الأمريكية تجاه السودان، واستخدام أساليب القصف

الصاروخي لضرب منشآت حيوية كما حدث في ضرب مصنع الشفاء في الخرطوم.

- إرسال المبعوثين إلى الجنوب كما حدث في زيارة عضوي الكونجرس إلى

المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، ثم عودتهم ومطالبتهم الإدارة الأمريكية

بالتدخل.

- افتعال القضايا التي تستحوذ على اهتمام الرأي العام العالمي، وإلصاق

الاتهامات بحكومة البشير مثل قضايا: المجاعة، وتجارة الرقيق ...

- التحرك نحو إيجاد مناطق معزولة ضد الطيران السوداني على غرار شمال

وجنوب العراق تمهيداً لانفصاله.

- تعيين مبعوث خاص بالسودان، وذلك للتركيز على هذه القضية والدلالة

على أنها بؤرة الاهتمام الأمريكي.

إن الحالة السودانية تشبه من وجوه كثيرة المسألة العراقية بالنسبة للولايات

المتحدة؛ مما جعلها بين خيارين:

١ - الاحتواء: وذلك بجعل السودان في حالة حصار دائم ليساعد ذلك على

انهيار النظام، أو ثورة الشعب عليه.

٢ - التفكيك: أي تجزئته إلى دويلات عدة تحت أي صبغة أو مسمى من

المسميات مثل: حق تقرير المصير، أو الكونفدرالية. وقد ذكرت جريدة الأسبوع

المصرية في ٢٢-١٢-١٩٩٧م أن أولبرايت استشارت جيمي كارتر الخبير في

الشؤون السودانية، والقرن الإفريقي (الرئيس الأمريكي الأسبق) فأشار بتفتيت

السودان؛ للسيطرة على المنطقة، وإزالة النظم المعادية وبالذات التي لها توجه

إسلامي.

إن الفترة القادمة سوف تشهد تطورات لاحقة في المنطقة خاصة بعد انتهاء

أمريكا من حرب البلقان التي أسفرت عن أطلسة أوروبا ودخولها في الحظيرة

الأمريكية، وباتت منطقة الشرق الأوسط هي الآن المنطقة المرشحة للأطلسة

الأمريكية لتأمين منطقة جنوب البلقان وأوربا، والعراق والسودان هما أكثر دولتين

في المنطقة المرشحة للأطلسة الأمريكية كما فُعِلَ بيوغسلافيا.

ولعل تسارع الحكومة السودانية وحرصها على إجراء المصالحة مع أطراف

المعارضة المختلفة، وتحسين العلاقات مع دول الجوار يوحي بأن الحكومة تريد

استباق الأحداث لإحباط هذه المحاولات.

ولكن العامل الحاسم ليس في يد طرف خارجي أو داخلي ولكنه في الرجوع

إلى الله؛ فبقدر تمسك النظام في السودان بإيمانه بالله واحتكامه إليه يكون ثباته

وصموده أمام أي عدوان أو قوة مهما بلغت هيمنتها وغطرستها: [يريدون أن يطفئوا

نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون] . {التوبة: ٣٢} .

المراجع:

- دراسات في الجغرافية البشرية للسودان، د. عبد العزيز كامل، دار

المعارف مصر.

- حوار حول مشكلة الجنوب السوداني، تحرير عمر مرسي - مركز

المحروسة.

- جنوب السودان وصناعة التآمر ضد ديار المسلمين، د. عبد العظيم الديب، مكتبة السنة.