[الحاجة الماسة للتقارير المتخصصة]
د. سامي محمد صالح الدلال
منذ حوالي قرن من الزمان، وخاصة بعد سقوط الخلافة الإسلامية عام ١٩٢٤؛ فإن المسلمين سجلوا غياباً مذهلاً عن ساحة الأحداث، محلياً ودولياً، وأصبحوا منفعلين وليسوا فاعلين.
غير أن الأعمال الجهادية في أفغانستان والشيشان وكشمير والفلبين، ثم الانتفاضة الأولى والثانية في فلسطين، قد أعادت للمسلمين شيئاً من الوعي.
وعندما أحس الصليبيون واليهود بهذا الدبيب في أمة الإسلام، زحفت الخشية إلى قلوبهم من إمكان أن يتحول ذلك في يوم من الأيام إلى قوة تمكِّن المسلمين من تهشيم الأسوار التي أحاطوها بها، والمتمثلة بالأنظمة الحاكمة التي زرعوها في بلادهم وجعلوها نائبة عنهم في قهر المسلمين في عقر ديارهم وفي مصادرة آمالهم في الاستظلال بشريعة ربهم، فراحوا يعيدون حساباتهم ويحدِّثون خططهم ويجددون برامجهم بما يضمن لهم إبقاء هذه الأمة تحت سياط الذل والمهانة، وما أحداث البوسنة والهرسك وكوسوفا وتيمور الشرقية وأفغانستان والعراق إلا بعض الصور المعبرة عن ذلك.
لقد كان لافتاً للنظر أن كثيراً من الإسلاميين لم يكونوا على مستوى الأحداث التي تقع والمكائد التي تدبر والمؤامرات التي تنفذ، ومن ثَم صاروا في غياب عن الوعي بما يجري في كثير من بقاع العالم، بل إنهم انقادوا، تحت تأثير ما أشاعه الغرب، إلى الإيمان العميق بعدم صحة نظرية المؤامرة، هكذا بإطلاق. وبناء عليه فإنه من وجهة نظرهم أن ما يحدث في العالم لم يسبقه تخطيط ولا تدبير من أعداء الإسلام، بل إنه يقع هكذا اتفاقاً، فاستتبع هذا الرأي لازمه، وهو أن لا داعي لملاحقة تلك التخطيطات والتدبيرات للتعرف عليها؛ لأنه لا وجود لها أصلاً، بحسب رأيهم.
وهكذا أصبح تصرُّف هؤلاء يخضع فقط إلى رد الفعل إزاء الأحداث المتتالية، فجاءت ردود أفعالهم وكأنهم لا يعيشون عصرهم ولا يدرون ما يُفعل بهم، أي أنهم غَيَّبوا أنفسهم تماماً عن فقه الواقع.
لقد أدى ذلك إلى عدة أمور، من أهمها:
١ - عدم فرز الأعداء عن الأصدقاء: ومن مفارقات ذلك أن الولايات المتحدة التي تقتل المسلمين وتحتل بلدانهم اعتُبرت صديقة، وأن المسلمين الذين يقاتلونها اعتُبروا أعداءً. أي إنه انقلاب كامل لمفهوم الولاء والبراء. ومن المفارقات أيضاً اعتبار انتفاضة الفلسطينيين على اليهود المحتلين غير شرعية؛ لأنها لم تحظ بموافقة ولي الأمر حينها، أي ياسر عرفات.
٢ - اختلال فقه الموازنات: وهذا أمر طبيعي، بل هو تحصيل حاصل؛ ذلك أن فقه الموازنات يعتمد، في بعض ما يعتمد عليه، على المعرفة الدقيقة بالواقع، وهذا غير متحصل لدى الإسلاميين الذين أشرنا إليهم. وبناء عليه فإن مواقفهم إزاء الأحداث تجدها مجللة بالعجب العجاب، تتميز بعدم الاتزان وبالانفعال وبردود الفعل السريعة وغير المدروسة، فتحدث البلبلة وتطيش الآراء ويدب الخلاف بين الأتباع.
٣ - ركوب موجة التسويغات: وسببها دخول هؤلاء في أنفاق مظلمة لم يتبينوا ما وراء أكمتها؛ فإذا ما جاءت النتائج على خلاف ما اعتقدوه أنه مقدماتها شرعوا يبررون ويعتذرون. ومن أبرز ذلك انخراطهم في المشاريع الديمقراطية، وعقدهم الصفقات السياسية مع الأحزاب العلمانية.
٤ - الدفاع عن قضايا باطلة: وذلك لوقوعهم في استدراجات الخصم. ومن ذلك الدخول في تحالفات مشبوهة مع العلمانيين، أو الانجرار إلى مواقف مبرمجة مسبقاً كمشاركتهم في المؤتمرات القومية، مما ترتب عليه في كلتا الحالتين الدفاع عن أولئك لتبرير المواقف!!
وقد نتج عن كل ذلك أن الركن الأول في الفتوى، وهو فقه الواقع أو «معرفة حالهم» بحسب اصطلاح شيخ الإسلام ابن تيمية، قد أصابه الشلل وأحاط به الفشل.
وأما الركن الثاني من الفتوى وهو معرفة حكم الله في مثلهم، والمقتضي معرفة النصوص التي تتعلق بها كل حالة، ثم معرفة كيفية تنزيل النص على الواقعة؛ فقد أصابه أيضاً الخلل؛ وذلك بسبب لجوء هؤلاء في كثير من الأحيان إلى لَيِّ عنق النصوص ليوافق ما ذهبوا إليه.
من هنا؛ فإن الحاجة قد أصبحت ماسة جداً لأجل استحداث الوسائل التي تجلِّي للمسلمين، وللعلماء والدعاة منهم بالذات، ما يبين حقيقة الواقع وما تضطرم على سطحه من أحداث وتتلبس بين ثناياه من ملابسات.
وإننا نرى أن من أهم تلك الوسائل هو إعداد التقارير المنوعة، وفي كافة المجالات، التي توضح حقيقة مجريات الأمور وما يدور في الكواليس، وتعد الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية من أهم ما ينبغي أن يعلمه الإسلاميون أصحاب القرار والتوجيه؛ حيث إن هذه التقارير توفر:
١ - المعلومات الدقيقة.
٢ - الإحصاءات الموثقة.
٣ - التحليلات العميقة من جهة المختصين.
٤ - الربط بين الواقع والمخططات الموضوعة.
٥ - الاستنتاجات الضرورية.
٦ - الاقتراحات المناسبة.
ولذلك نرى أنه من الأهمية بمكان الاهتمام بهذه التقارير بالمواصفات التي ذكرناها؛ حيث إنها تجعل الحقيقة مكشوفة قدر الإمكان لكل من له علاقة بالشؤون العامة والخاصة للمسلمين، علماً أن أعداء الإسلام يوظفون طاقات كبيرة وينفقون أموالاً وفيرة على المراكز الاستراتيجية التي تعد لهم مثل هذه التقارير مما يوفر لهم كافة الإمكانات ويضع بين أيديهم كافة البدائل عندما يكونون بصدد اتخاذ قراراتهم، ليس فقط الهام منها، بل حتى القرارات العادية.
ولذلك فإننا نشجع بقوة كافة المسلمين المهتمين بشؤون دينهم وأمور دعوتهم على متابعة الاطلاع على التقارير التي تعدها الجهات الإسلامية الموثوقة، ليكونوا على بينة من أمرهم، وسديدي الرأي في تنفيذ أمر ربهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.