المسلمون والعالم
[الغرب وأزمة اللاجئين القادمين من العالم العربي والإسلامي!]
يحيى أبو زكريا [*]
على الرغم من أنّ دول الاتحاد الأوروبي قد وضعت قوانين صارمة للتعامل
مع اللاجئين القادمين من العالم الثالث، إلا أنّ هناك كمّاً هائلاً من اللاجئين ما زالوا
يتدفقون على دول الاتحاد الأوروبي طمعاً في الحصول على الكرامة السياسية التي
توفرها الدول الغربية لمواطنيها، وطمعاً في الحصول على وضع مادي مريح.
وتعتبر دول شمال أوروبا من الدول المرغوبة للكثير من طالبي اللجوء من العالم
الثالث؛ على اعتبار أنّ هذه الدول وتحديداً السويد توفّر للاجئين ما لا توفره كل
الدول الأوروبية مجتمعة، وقوانينها تشكّل أرقى ما توصل إليه العقل الغربي في
إحقاق إنسانيّة مواطنيه. ولو أنّ السويد وغيرها من دول أوروبا الشمالية فتحت
أبوابها للاجئين لجاءها ملايين البشر، ولذلك تلجأ هذه الدول إلى الحدّ من ظاهرة
اللجوء بمختلف الوسائل.
ووصول اللاجئين إلى دول اللجوء يتم عبر مختلف الطرق القانونية وغيرها.
الطريق الأول والطبيعي يتمّ عبر مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة
والتي تقوم بالاتفاق مع الدول الغربية المانحة على نقل اللاجئين المضطهدين
وأصحاب الوضعيات الخاصة إلى دول أوروبيّة تقوم باستقبال هؤلاء اللاجئين
وتوفر لهم ذروة الأمن السياسي والاقتصادي، وبمجرّد دخول هؤلاء اللاجئين إلى
هذه الدول الغربية المانحة فإنهم يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون
دون فرق على الإطلاق، وبعد سنوات محدّدة من إقامتهم يمنحون جنسية البلد الذي
يقيمون فيه دون تعقيدات إدارية أو بيروقراطية.
والذين يأتون إلى بلاد أوروبا عن طريق مفوضية شؤون اللاجئين هم قلة
باعتبار أنّ هناك اتفاقية معينة بين الدول الأوروبية ومفوضية شؤون اللاجئين حول
نسبة اللاجئين المستقدمين إلى أوروبا.
أمّا الشريحة الأخرى من اللاجئين وهي الأكثر عدداً؛ فهي تصل إلى دول
اللجوء بطرق مختلفة؛ فهناك جوازات السفر المزوّرة عربية وأوروبية، وكثيراً ما
يسعى طالبو اللجوء وراء جوازات سفر دول معينة على اعتبار أنّها تتيح لهم دخول
بعض البلاد الأوروبية بلا تأشيرة، ويقوم طالب اللجوء بتمزيق هذا الجواز قبل
تسليم نفسه لسلطات البلد الأوروبي، وهناك الجوازات الأوروبية التي يحصل عليها
طالبو اللجوء من تركيا أو اليونان أو قبرص أو بعض العواصم العربية التي تنشط
فيها حركة بيع الجوازات والتأشيرات المزورة كبيروت على سبيل المثال.
وكثيراً ما يُعتقل حاملو هذه الجوازات في مطارات شرق أوسطية أو في
أوروبا الشرقية أو في دول جنوب أوروبا؛ وذلك قبل مغادرتهم إلى الدولة
الأوروبية المقصودة.
إضافة إلى هذه الشريحة المغامرة بمفردها، فإن هناك عائلات ترهن مصيرها
بأيدي مهربين دوليين محترفين مقابل عشرة آلاف دولار للعائلة الواحدة، وأحياناً
للفرد الواحد. ولأنّ الكثير من اللاجئين الباحثين عن الفردوس المفقود والوطن
الموعود وقعوا ضحايا لاحتيال العديد من المهربين، وبات دفع هذا المبلغ وهو
١٠.٠٠٠ دولار أو أكثر بعد وصول هذه العائلة إلى الدولة الغربية المانحة للجوء،
وكثير من هؤلاء المهربين يعملون ضمن منظمات تهريب متخصصة في كل فنون
التزوير، وأحياناً يقوم فرد حاصل على اللجوء في دولة غربية معينة بإعداد عدته
والتوجه إلى دمشق أو بيروت أو عمان أو أنقرة أو لارنكا أو طهران، وهناك يبدأ
بتنفيذ خطته مع عوائل تبحث عن فرصة لتحسين أوضاعها.
وفي ملفات مفوضية شؤون اللاجئين وصفحات الجرائد الغربية مئات
القصص لعوائل قضوا نحبهم وهم في مراكب بحرية متوجهين من روسيا إلى
السويد أو الدانمارك، أو من تركيا إلى اليونان أو إيطاليا، أو من المغرب إلى
أسبانيا أو دول أوروبا الواقعة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط.
وعلى الرغم من أنّ دول الاتحاد الأوروبي تدرس آليات للقضاء على ظاهرة
اللجوء والهجرة غير الشرعية إلى أراضيها، إلاّ أنّ هذه الظاهرة تزداد اتساعاً،
وخصوصاً في ظل غياب الديمقراطية والأمن الاقتصادي في العالم العربي
والإسلامي والثالث.
وفي ظل التفاوت المريع بين الشمال والجنوب سياسياً واقتصاديّاً وحضارياّ
فإن العواصم الغربية ستبقى هدفاً للباحثين عن أمل فيما تبقى من حياتهم، أو على
الأقل إذا لم يتمكنوا هم من هذه النعم الحضارية فليعش أولادهم حياة أفضل، ليس
تحت الراية العربية والإسلامية للأسف الشديد بل تحت راية الغرب؛ وتلك المفارقة
الكبرى!
* اللجوء إلى الغرب بين الظاهر والباطن:
عندما يتمعن المرء في قوافل اللاجئين من العالم العربي والإسلامي والثالث
الذين وصلوا إلى السويد، تختلط لديه المشاعر الحساسة بالدموع والتحسر، وذم
الأنظمة التي شردت هؤلاء الذين يبحثون عن الأمن السياسي والغذائي، والأمن
الاجتماعي، والأمن الثقافي والعقائدي، والأمن الاقتصادي، وبالنهاية الأمن
المستقبلي.
وعلى الرغم من أن الحكومة السويدية لم تقصر في تحمل أعباء هؤلاء
اللاجئين والهاربين من أوطانهم ووفرت لهم البيت الدافئ والراتب الشهري الذي
يقيهم العوز، ووفرت لهم كل ما يحتاجه هؤلاء اللاجئون؛ إلا أن هناك ظواهر
بدأت تتجذر في حياة اللاجئين وتطفو على السطح لتؤكد أن هذه الظواهر ليست
عابرة ولا هي وليدة الانتقال المفاجئ من قارة إلى قارة مغايرة أخرى.
وليتصور القارئ الكريم حالة عائلة عراقية أو فلسطينية دفعت عشرات
الآلاف من الدولارات للوصول إلى السويد وهي محملة بأحلام وردية ودنو موعد
الاستقرار والطمأنينة؛ وبمجرد أن تصل هذه العائلة إلى موقع اللجوء يدب فيها
الانهيار، وينفصل الأب عن الأم، والعكس أيضاً، وتتقوى الأم بالقوانين السويدية
التي تنحاز إلى المرأة على حساب الرجل، وتطالب بكافة حقوقها بما في ذلك حق
الحصول على الراتب الشهري باسمها؛ وهنا تتحطم الآمال، ويبدأ فصل فظيع من
الألم والحسرة، وتهدم الآمال؛ فماذا يتم بعد ذلك؟
وكثيراً ما تنتكس النسوة الشرقيات، فتطرد المرأة زوجها من البيت شر طردة،
وتتلقفه الدوائر المعنية لتمنحه بيتاً، وتحظر عليه أن يتوجه إلى بيت زوجته وإلا
كان مصيره السجن. أما الأولاد فيراهم حسب القوانين المرعية الإجراء.
وعندها تتبدد الأحلام الوردية التي شيدت في محطات الانتقال وعلى أرصفة
العذابات. والمحاكم السويدية تعج بقضايا الطلاق بين الأجانب بدءاً بالجالية
الإيرانية فالعراقية فالفلسطينية إلى آخره.
والعديد من الأزواج الأجانب وجدوا أنفسهم في السجن؛ لأنهم تجرؤوا على
ضرب زوجاتهم على طريقة حل المشكلات لدى الكثيرين في العالم العربي
والإسلامي، والقانون السويدي يعتبر أن إجبار المرأة على ما يقره الشرع الإسلامي
للرجل اغتصاب.
والزوج الذي تعوَّد أن يقول لزوجته في بلاده: (سأقتلك) هذا القول الذي
تعود عليه كثيرون هو جريمة يعاقب عليها القانون في السويد، ويعتبر هذه الكلمة
شروعاً في القتل.
وقد فاقت حالات الطلاق وسط الأجانب مثيلاتها بين السويديين، والسبب
حسب بعض الاختصاصين يعود إلى مكانة المرأة الشرقية مادياً؛ حيث تصرف لها
الحكومة السويدية راتباً باسمها، وهو الأمر الذي يشعرها بالعزوف عن زوجها،
والسبب الآخر يعود إلى احتماء المرأة الشرقية بالقوانين السويدية، وهو ما جعل
بعضهم يقول إن كل هذا يندرج ضمن خطة الهدف منها تفتيت الأسر المسلمة؛
لأنها الوسيلة الوحيدة التي تضمن خروج الأولاد من هويتهم إلى الهوية الجديدة.
وإضافة إلى حالات الضجيج والعجيج التي تعج بها المحاكم السويدية فإن
المصحات العقلية والنفسية تعج هي الأخرى بالمهاجرين الذين وجدوا أنفسهم في
حالة فراغ قصوى، وكأن الحلم الذي تشبثوا به ودفعوا الغالي والنفيس لأجله لم
يروه في عين الواقع، فأنعكس ذلك تراكمات على نفسياتهم وطموحاتهم وطرائق
حياتهم.
ويطرح العديد من اللاجئين تساؤلات من جملتها: ألم يتحقق لنا كل شيء؛
فلا عوز مادي، ولا خوف من سلطان جائر؛ فلماذا هذه الاضطرابات النفسية
والاجتماعية؟
هذه الاسئلة وغيرها يحاول باحثون سويديون وباحثون أجانب الإجابة عنها
في محاولة لإدماج هؤلاء الأجانب اللاجئين في الواقع السويدي بدون انكسارات
نفسية، خصوصاً أن هذه الانكسارات تؤدي إلى الانتحار والقتل، وقد لجأ بعض
الأزواج إلى قتل زوجاتهم، ولجأت بعض النسوة إلى الانتحار وإحراق أجسادهن،
وإحدى هذه المنتحرات دفعت كل ما تملك للوصول إلى السويد، وعندما وصلت
تبخرت أحلامها وتبددت طموحاتها.
ومن الطبيعي أن ينتاب العديد من اللاجئين تصدعات نفسية واجتماعية
وشخصية؛ ذلك أن الانتقال من بلدة إلى أخرى ضمن الدائرة الجغرافية الواحدة يولد
هموماً وغموماً؛ فما بال الإنسان في الانتقال من قارة إلى قارة مغايرة اجتماعياً
وعقائدياً ونمطياً ومسلكياً وثقافياً وما إلى ذلك؟ وإذا كانت الحكومة السويدية تقدم كل
ما لديها في سبيل إسعاد اللاجئين مادياً؛ فإن السؤال المركزي هو حول غياب
المؤسسات العربية والإسلاميّة الفاعلة في إمداد المهاجرين العرب بأسباب البقاء؛
وذلك عن طريق الرعاية الفكرية والثقافية وحتى الترفيهية، لكن إذا كان المواطنون
في الداخل العربي محرومين من هذه الرعاية؛ فما بالك برعاية المهاجرين في
الخارج؟
ويبقى القول: إن انهيار الأسر وزلزلتها ينعكس سلباً على الأطفال الذين
تتولى مؤسسات الرعاية الاجتماعية سحبهم من الوالدين بحجة عدم أهلية الوالدين
في رعاية القطط ناهيك عن البشر، ويُوزَّع هؤلاء الأولاد على عوائل سويدية توفر
بزعمهم الحنان والطمأنينة لهؤلاء الأطفال؛ لكن عند هذا الوضع هل يمكن الحديث
عن الحفاظ على هوية أولادنا في الغرب؟
* العراقيون في طليعة طالبي اللجوء السياسي والإنساني في السويد:
أصبحت قصص اللاجئين وكيفية وصولهم إلى السويد ومواطن اللجوء ضرباً
من الخيال والأسطورة، وبين طالب اللجوء وموطن اللجوء عشرات المحطات،
وكل محطة مغامرة في حد ذاتها.
وحتى عندما يصل اللاجئون إلى موطن اللجوء فلا أحد يستطيع الجزم أنّ
الاستقرار بات قاب قوسين أو أدنى، وبعد كل ذلك العناء الذي يكابده اللاجئ
ينتظره عناء أكبر وكوابيس لا قِبَل له بها خصوصاً إذا كان هذا اللاجئ برفقة
زوجته وأولاده.
وعلى الرغم من أن المناطق الساخنة في العالم كثيرة للغاية؛ إلا أنّ العراقيين
ما زالوا في صدر قائمة طالبي اللجوء في السويد؛ حيث أكدّت إحصائية لدائرة
الهجرة السويدية أن عدد العراقيين الوافدين إلى السويد خلال الأشهر العشرة
الماضية قد بلغ ٢٨١٠ أشخاص من أصل ٩٠٧٣ شخصاً وصلوا إلى السويد من
دول أخرى وعبر طرق مختلفة إلى السويد.
وتؤكد إحصائية دائرة الهجرة أنه لا يوجد شيء في الأفق يدل على أن عدد
طالبي اللجوء من العراقيين سينخفض في الشهور أو الأعوام المقبلة، بل إنّ عدد
اللاجئين سيزداد.
والوصول إلى السويد ليس كل شيء، بل إن طالب اللجوء يجب أن يقدم كل
المسوغات المقنعة التي دفعته إلى طلب اللجوء، وعليه أن يكون صادقاً في كل
التفاصيل؛ لأنّ دائرة الهجرة في السويد ومن خلال تجربتها العميقة مع اللاجئين
باتت تميز بين الصادق والكاذب، وكان العديد من اللاجئين في السابق يكفيهم أن
يصمموا قصة خيالية يتحول بموجبها بائع البطاطا في بلده إلى مناضل سياسي
عريق واكب كل التطورات السياسية في بلده وكان عامل تأثير فيها، ويتحول
النكرة إلى معرفة معرّفة بكل أدوات التعريف السياسي والثقافي. وكثيراً ما يدعي
السوري أنه عراقي، والمغربي أنه فلسطيني، ويدعي الأردني أنه لبناني، وهكذا
دواليك.
وبعد هذا الاحتكاك المتواصل مع قضية اللاجئين أصبح لدائرة الهجرة خبرة
واسعة في التمييز بين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، علماً أن من يحصل على
الإقامة في السويد ثم يتبين أنه قدم اسماً مزوراً وانتماء قومياً مزوراً تسقط إقامته
ويعطى فرصة للدفاع عن نفسه مجدداً.
وتجدر الإشارة إلى أن السويد استقدمت آلاف العراقيين من مدينة رفحا
السعودية الذين فروا من العراق أثناء حرب الخليج الثانية وأقاموا في الأراضي
السعودية، كما منحت السويد حق اللجوء لآلاف العراقيين الذين هم في طليعة
الجالية العربية في السويد.
وتزمع دائرة الهجرة على تضييق الخناق بالاتفاق مع بقية الدول الأوروبية
على طالبي اللجوء؛ على اعتبار أن السويد قدمت أكثر من مثيلاتها الأوروبيات
للاجئين من كل دول العالم.
(*) صحفي جزائري مقيم في استوكهولم.