تأملات دعوية
[معيار تصحيح الأخطاء]
عبد الله المسلم
لا شك أن تصحيح الخطأ أمر يسعى إليه كل امرئ جاد في حياته حريص
على تحقيق أهدافه، فضلاً عن المؤمنين الصادقين، الذين يرون الخطأ يأخذ مدى
أبعد من مجرد لوم الضمير وعتاب النفس.
لكن علاج الأخطاء أحياناً يوقع في خطأ آخر، ومن ثم فوقوع الخطأ ليس هو
وحده المعيار الأوحد في تقبل مقولة من ينتقِد واعتباره أنه على الحق، والسعي
لإثبات وقوع الخطأ ليس منجياً للمنتقَد ولا كافياً في سلامة موقف المنتقِد.
وها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- ينكر على أصحابه في أكثر من موقف
أسلوب تعاملهم مع الخطأ وعلاجهم له، ومن ذلك القصة المشهورة للرجل الذي بال
في المسجد، وقصة معاوية بن الحكم السلمي حين تكلم في الصلاة، وقصة الشاب
الذي جاء يستأذن بالزنا فهمّ به أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وغيرها
كثير.
وحين نتحدث عن أخطاء إخواننا فإن دراسة الظروف والأجواء التي ولّدت
الموقف الخاطئ أمرٌ له أهميته في إعطاء الخطأ حجمه الطبيعي والمعقول، إضافة
إلى إدراك البيئة وطبيعة المجتمعات التي يعيشها إخواننا.
ومن الأمور المهمة لتقويم أخطاء إخواننا أن نطبق المقياس والمعيار الشرعي
في الحكم على الأعمال والمشروعات والبرامج؛ فمجرد كون الأمر لا يروق لنا،
أو لم نألفه، أو لم يعجب فلاناً من الناس، أو حكم عليه بأنه غير مناسب.. مهما
كان شأن هذا الشخص، كل ذلك ما لم يكن منطلقاً من جانب شرعي فلا يسوغ قبوله، فضلاً عن أن يكون سبباً في الحكم على إخواننا وإسقاطهم.
وأحياناً في تقويمنا للأعمال والبرامج الدعوية نفترض الكمال في البشر،
فنريد فقيهاً متمكناً، وأن يكون في الوقت نفسه سياسياً ماهراً، واقتصادياً بارعاً،
ومفكراً يدرك القضايا الساخنة في عصره ويعيها، وقيادياً يجيد فن الإدارة وتوجيه
الناس وتفعيل الطاقات، إلى غير ذلك مما يصعب أن يتحقق في جماعة فضلاً عن
فرد. ولماذا لا نقبل في فرد من الأفراد أن يتميز في ميدان من الميادين ولو على
حساب ثغرة أخرى يسدها غيره؟
وحين يُلْجِئُ إخوانَنا صراعُهم مع أعداء الله تبارك وتعالى إلى الوقوع في
أخطاء وتجاوزات، فذلك وإن كان لا يسوغ منهم، ونبل مقصدهم لا يسوّغ لهم ذلك، إلا أن من يتحدث عنهم ينبغي أن يتحدث عن الجميع، ولا يسوغ له أن يشن
حملة ظالمة على إخوانه، ويدع الظالم الأكبر الذي يتربص بأهل الإسلام الدوائر،
فظلمه وجوره وخطؤه لا يقارن بخطأ الدعاة.
بل الأدهى من ذلك أن يقف المنتقِد في صف واحد مع أعداء الله في مواجهة
إخوانه ورفاق دربه، وأن يسوّغ للظالمين بطشهم وجورهم.
فمتى ندرك حق إخواننا علينا؟ ومتى نعي مسؤوليتنا عن نصرتهم وموالاتهم
والوقوف معهم في صف وخندق واحد؟
كل ذلك لا يعني ألا نتحدث عن الأخطاء وألا ننتقد؛ بل هذا من النصح
الواجب للمؤمنين، لكن ينبغي أن يكون في إطار ما يحقق المصلحة، وألا يخل ذلك
بواجب الولاء والنصرة للمؤمنين.