[الشيخ الداعية: يوسف بن عبد الله الصيني في حوار مع البيان:]
الصين أكبر سوق مفتوح للدعوة الإسلامية ولكن!
حاوره في الرياض: خباب بن مروان الحمد
يؤلمك أن تجد بلاداً شاسعة الأرجاء، يوجد فيها أكثر من عشرين مليون مسلم، قلَّما تجد فيها رعاية من الدعاة والمصلحين، مع أنَّ أهلها يوصفون بأنَّهم قوم فارغو القلب، وأصحاب خلقٍ رفيع، وتستطيع أن تقنعهم بحجَّتك، وبيانك المؤثّر، وتنظمهم في سلك المسلمين متى وُفقت لذلك، تلك هي بلاد الصين ومقر مليار نسمة يدبُّون على أرضها غادين رائحين.
والشيخ يوسف بن عبد الله الصيني، داعية أحسبه ممَّن نذر نفسه للدعوة الإسلامية لأهل الصين؛ فهو يمتلك زمام اللغة الصينية، ويجيد الحديث باللغة العربية، وقد ولد من عائلة مسلمة، وكان أجداده القدماء من أصول عربية، سافروا إلى الصين قبل (٨٠٠) سنة للدعوة إلى الله، ثم أقاموا فيها واستقروا بأرضها، وعاشوا هناك فأصبحوا صينيين، وقد درس الشيخ يوسف في المعهد الإسلامي مدَّة ثلاث سنوات، ثمَّ تخرج فيه، وأكمل دراسته في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، ثمَّ رجع للصين وأقام فيها مدَّة سنتين كان له فيها عدَّة جهود دعوية في شرق الصين، وقد واصل مشواره العلمي حيث درس في جامعة الملك سعود مناهج طرق التدريس وإعداد المعلمين، وتخرج فيها هذا العام (١٤٢٦هـ) .
وفي لقاء ماتع جمعني به في الرياض قبل سفره إلى الصين للاستقرار فيها، كان هذا الحوار حيث يحدثنا عن الدعوة في الصين: همومها، وشجونها، والتطلعات المستقبلية لها، عله يكون محفزاً للمهتمين بشؤون الإسلام في شرق آسيا، بأن يواصلوا مسيرتهم الدعوية، فينطلقوا في آفاقٍ أرحب بنشر الإسلام والدعوة إليه، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه.
^: أهلاً بك يا شيخ يوسف في هذا اللقاء، والذي نرجو أن تحدث القرَّاء من خلاله حول هموم العمل الدعوي في الصين، ولعلِّي أبدأ معكم في التعرف على أوضاع المسلمين في الصين من ناحية دينية واقتصادية واجتماعية؟
بسم الله الرحمن الرحيم. أنا مسرور بكم جداً، لاهتمامكم في مجلة البيان بشؤون المسلمين، وابتداءً فإني أقول: إنَّ الصين بلاد كبيرة؛ فهي بمثابة قارة، والمسلمون في الصين منتشرون في كل مكان منها، وهم كذلك يجتمعون في أحياء أو مناطق معينة تخصُّهم، وهذه ميزة للمسلمين في الصين؛ فهم منتشرون ومع انتشارهم فهم مجتمعون، وأكثر وجود المسلمين في شمال غرب الصين، وهي منطقة تتكون من خمس مقاطعات هي: قانسو ـ تشينغهاي ـ شينجيانغ ـ شانسي ـ نينغشيا.
والظروف الاقتصادية في هذه المقاطعات متخلفة اقتصادياً وعلمياً وصحياً.
وأمَّا مناطق جنوب الصين فإنَّ المسلمين قليلون فيها جداً، مع أنَّها أوَّل محطة وصل إليها المسلمون في الصين عن طريق التجار؛ حيث كان هناك طريقان إليها: الطريق البرِّي، والطريق البحري، فجاء تجار العرب من البر.
وأول مسجد في الصين، هو مسجد نعرفه بأنَّه (منار) واسمه (تذكر النبي) وهو موجود في مدينة (غونتو) بشرق الصين، وهو أقدم المساجد في الصين؛ مبني منذ أكثر من ١٤٠٠ سنة، ويقال إنَّ من بناه هو سعد بن أبي وقاص وأبناؤه، حيث ذهب مع سبعين صحابياً وسافر إلى هناك ولم يرجع، وبعض العلماء يخالف هذه الرواية، وبعضهم قال إنَّ سعد بن أبي وقاص لم يسافر للصين، وهناك مقبرة باسم سعد بن أبي وقاص موجودة بمدينة (غونتو) .
وأمَّا في بكين عاصمة الصين فيوجد بها ستون مسجداً، ويوجد بها مثقفون مسلمون ومفكرون وبعض المسؤولين في الحكومة من المسلمين.
وأمَّا شرق الصين فيوجد فيها بعض المسلمين إلا أنَّهم قليلون، ويوجد فيها مساجد قليلة، ولأن شرق الصين مركز (الكنفوشيوسية) وتعتبر مقرّاً ثقافياً واقتصادياً قويّاً؛ فإنَّ بعض أبناء المسلمين يتعلمون هناك حتى يحصلوا على منصب حكومي.
وأمَّا الناحية الدينية في شرق الصين أو شمال الصين فإنَّها ضعيفة، وبعض الشباب يعرف أنه من عائلة مسلمة، ولا يعرف شيئاً غير ذلك، بالإضافة إلى أنَّه لا يأكل لحم الخنزير، وأمَّا أركان الإسلام والإيمان فلا يعرف منها شيئاً، فهو مسلوب الهوية، ولكن مع هذا فعنده عاطفة قوية للدفاع عن الإسلام، وإذا قال لهم أحدٌ: إنَّ الإسلام غير جيد، فإنهم يغضبون ويدافعون عن الإسلام، ولكن حين تسألهم ما الإسلام؟ فإنهم لا يعرفون شيئاً؛ لأنهم حينما درسوا بالابتدائية، والمتوسطة، والثانوية، والجامعة، تسلَّل إلى أذهانهم فكر الشيوعيَّة وفاقد الشيء لا يعطيه، وقد أعددنا خطة دعوية لذلك والله نسأل للجميع السداد والتوفيق.
^: كم عدد المسلمين بالصين؟ وهل يوجد تداخل بين الحكومة الصينية وبين المسلمين من ناحية سياسية؟
لا أعلم إحصائية معتبرة عن عدد المسلمين في الصين، ولكن في الثمانينيات قالت الحكومة إن عدد المسلمين في الصين (٢٠) مليوناً، والآن يقول كثير من المهتمين، إنَّ عدد المسلمين (٣٠) مليوناً وبعضهم يقول (٥٠) مليون مسلم، والذي أظنه أن عدد المسلمين في الصين لا يتجاوزون (٣٠) مليوناً.
وبالنسبة للتداخل بين المسلمين والحكومة الصينية من الناحية السياسية فإن الحكومة توكل لبعض المسلمين بعض الأعمال، كمجلس الشورى السياسي، فيوجد من يكون إمام مسجد وهو عضو في مجلس الشورى السياسي الصيني، وهذا الرجل يشارك في إبداء اقتراحات، كغيره من المندوبين النصارى وغيرهم، ويقدمون آراء واقتراحات ويشاركون بذلك في ذلك المجلس.
^: ذكرت آنفاً أنَّك حين تعلمت دين الإسلام، دعاك ذلك لأن تتحرك بالدعوة إلى الله في أرض الصين؛ فما هي خطَّة العمل الدعوية المأمولة إن شاء اللَّه؟
الحقيقة أنَّ الصين بلاد كبيرة، ويوجد بها عدد من إخواني الدعاة، ولكني بدأت أولاً بالمسلمين وقراهم، حيث أقصد مساجدهم بالدعوة في المنطقة التي أنا منها وهي شرق الصين، وفي هذه المنطقة يوجد ٨٠ مسجداً، ووجدت الدعوة مناسبة لأنَّ المسلمين متفرقون، وعلمهم بدين الإسلام قليل، وكنت أجلس لطلاب المرحلة الثانوية والجامعية في العطلة الصيفية، وأعلمهم علوم الدين الأساسية.
وشرق الصين مركز ثقافي للـ (كنفوشيوسية) وأهل الشرق متأثرون جداً بها، ولذلك فإنَّ نسبة المسلمين فيها قليلة، وإيمان المسلمين ضعيف؛ ولهذا نحن نعلمهم ما هو ديننا؟ وماذا يجب علينا؟ وكيف يكون المسلمون مؤمنين بالله حقّاً؟ ونعطيهم المعلومات الأساس، ثم بدأنا نؤسس جمعية إسلامية في إحدى مدن شرق الصين، وأخذنا رخصة من الحكومة بذلك، والعمل جارٍ بدأب والحمد لله.
^: ما الحدود المسموح بها للدعاة في الدعوة إلى الله، وما هي الخطوط الحمراء التي يقف عندها الدعاة وتضايقهم عندها الحكومة الصينية؟
الحكومة تمنح رخصة لكل مسجد من قِبَل إدارة الأديان في الصين؛ فالمسجد مكان للدعوة إلى الله قانونياً، فداخل المسجد مسموح بالدعوة، وأمَّا خارج المسجد فالحكومة لا تريد ذلك، وقد يمكن الدعوة خارج المسجد للرجل النشيط، ولكن حتماً سيجد الدعاة المضايقة من الحكومة إن هم فعلوا ذلك، ولا شك أنَّ هذه قيود تحدُّ من حركتنا، وتجعل مكاننا محصوراً في بقع محدودة.
^: بماذا تنصح الدعاة المسلمين عموماً لإفادة أهل الصين؟ وما الأسلوب الأمثل لدعوة أهل الصين إلى الإسلام؟
بداية أنا أريد من الدعاة أن يفهموا ثقافة الصين وعاداتهم بشكل أفضل، فبعض الدعاة الذين يأتون من خارج الصين، قد لا يعرفون شيئاً من ثقافة الصين؛ فالصينيون عندهم ثقافة خاصة، ولديهم اهتمام بالعقل والمنطق؛ فأسلوب الإقناع أحسن وأفضل وسيلة لهدايتهم، ولهذا فإن إسلام الصينيين قد يكون أعسر من إسلام المناطق التي في شرق وجنوب آسيا؛ فشرق آسيا هي الصين والكوريَّتان واليابان، وشرق جنوب آسيا هي الفلبين وماليزيا وأندونيسيا، فالصينيون بخلاف الفلبينيين لا يسلمون بسرعة، وإذا دعوتهم للإسلام فإنهم يردون عليك، ولهذا فهم يحتاجون للنقاش والإقناع، ولكن من كانت عنده حجة وبيِّنة، وردٌّ قوي واضح على الشبهات المثارة، فإنَّ الصيني غير المسلم ينهزم أمامه، ومن خلال تجربتي رأيت أنَّ الصيني يناقش أولاً ثم يستسلم.
ونحن لا نحتاج للتعريف بدين الإسلام بأمور فرعية كما يفعله بعضهم؛ فهذه المسائل لا تهمنا كثيراً، مثل: لماذا تزوج رسول الله # أكثر من أربع نساء ومات عن تسع من زوجاته؟ فمثل هذه الأسئلة (وقس عليها) لا يحتاجها أهل الصين؛ والذي أرى أنَّ الصينيين بحاجة إليه هو الذي نركِّز عليه، وهو شرح فضائل الإسلام، والمسائل الأساسية في دين الإسلام كأركان الإسلام والإيمان والإحسان؛ فنحن إذا بدأنا بالأصول دخلنا في الشيء المهم، وهو الذي يحتاجه الناس في الصين، وأنا أقول إنَّ الصينيين قلوبهم فارغة، وإذا شرح الداعية بالشكل الواضح فسيقبلون منه دين الإسلام، بشرط أن يكون الأسلوب في الشرح مقنعاً.
ومن أنسب ما وجدته جيداً في دعوة الصينيين، أن يستحثَّهم الداعية على التفكير؛ فالصينيون أكثر الناس علمانية، فلا يؤمن جميع الشعب بالإله، ويقولون كما تلقوا عن الشيوعيين: لا إله والحياة مادة، ولا يصدقون أنَّ الخالق موجود، ولهذا دعهم يفكرون، واطرح عليهم الأسئلة التي تستحثّهم للتأمل: هل يوجد خالق؟ هل الناس يحتاجون إلى الإيمان بالله؟ وأيضاً أعطهم بعض القصص والثقافة العامة من بيئتهم، وبعض الأدلة والبراهين، حتى يعترفوا بأننا نعيش ونحتاج في حياتنا للإيمان بالله. ولا بأس من عقد نماذج في المقارنة بين الأديان، مثل النصرانية والبوذية والأديان الأخرى، والمقارنة بين الإنجيل والقرآن، والمقارنة بين الفكر الغربي والدين الإسلامي، حتى يعرفوا أن دين الإسلام دين الحق، ومن ثمَّ نخبرهم ما هو الإسلام على حقيقته.
^: ما الأشياء العملية، والمفيدة لدعوة الصينيين، والتي ترى أنَّها تنقصهم؟
أنا أودُّ من الإخوة المهتمين بالدعوة إلى الله، أن يفيدوا الصينيين عن طريق ترجمة الكتب الإسلامية، والداعية لو سافر للصين ويمتلك اللغة الصينية القوية فإنَّه كم سيخاطب: مائة، ألف؟ ويبقى مليار، ومع أهمية الدعوة المباشرة إلاَّ أنَّني أرى أن يُنتدَب أناس منَّ الله عليهم بمعرفة اللغة الصينية، ويقوموا بترجمة الكتب باللغة الصينية بالألفاظ القوية المقنعة، وأنا أركز بأنَّ صاحب اللغة القوية هو الذي يترجم، فأنا قرأت بعض الكتب المترجمة باللغة الصينية، فوجدتها مليئة بالأخطاء اللغوية، مع ألفاظ ضعيفة؛ فكيف تريد من الصينيين أن يفهوا دين الإسلام على حقيقته، والكتب المترجمة لهم ضعيفة الأسلوب؟
ومن الطرق الهامة للصينيين دعوياً، إنشاء موقع على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ونشر الكتب الهامة الموضحة لدين الإسلام؛ فهم شعب قارئ، ويستخدم (الإنترنت) وإذا وجد هناك موقعاً إسلامياً، باللغة الصينية، فسيستفيدون جداً منه، ويقتنعون بهذا الدين الحق بإذن الله، وأنا أرى أن هاتين الطريقتين، من أهم الطرق المفيدة لدعوتهم لدين الإسلام، ونستطيع أن ندخل الإسلام بسرعة إلى قلوبهم، والغربيون يعرفون هذا، فأرى الاهتمام بهذين الأسلوبين لدعوة بلد المليار نسمة لدين الإسلام؛ فالصين بنظري تعتبر أكبر سوق مفتوحة للدعوة، وجُلّ أديانهم وثنية لا تصمد أمام العرض العلمي والموضوعي.
^: ما جهود النصارى في الدعوة بالصين؟
عندهم جهود قوية جداً، وهم لا يشددون في دينهم، ويستخدمون الإعلام لنشر أفكارهم وفق خطة نشطة جداً، وعندهم دعاة متميزون يعرفون الفكر والثقافة وحاجات الناس، وأكثر من يتقبل دعوة النصارى النساء؛ لأن النساء عموماً أسرع تقبلاً من غيرهن، ثم إذا دخلت المرأة في النصرانية؛ فإنها تخبر صديقاتها وعوائلها، وبهذا الطريق يتنصر بعض الصينيين.
ومن ضمن الأشياء التي عند النصارى، قوة مساعداتهم للمنصِّرين برؤوس الأموال، لتكوين مشروعات تخدم دينهم، وأعطي مثالاً على ذلك:
فمدينتنا إحدى مدن شرق الصين، ولم يكن يوجد بها قبل عشر سنوات إلا كنيسة واحدة، وكانت هذه الكنيسة جديدة، وقبل ثلاث سنوات حين مررت بهذه الكنيسة دخلتها وسألت: كم عدد النصارى؟ فقالوا: ليس عندنا إحصاء ولكن هم تقريباً من ألفين إلى خمسة آلاف، وبعد سنة دخلت هذه الكنيسة مرَّة أخرى، وقلت كم عددكم؟ فقالوا: من (٢٠) إلى (٢٥) ألفاً، وفي السنة الماضية وهي السنة الخامسة، سألت رئيس الأديان في تلك المدينة والتي هي في شرق الصين: كم عدد النصارى؟ فقال: لا نعرف العدد ولكن كل النصارى يجتمعون يوم الأحد في عدَّة كنائس أو بيوت، ويمارسون فيها طقوسهم الدينية، ثمَّ قال رئيس الأديان: ونحن لا نسمح لهم بالاجتماع إلا إذا أعطيناهم رخصة، وقد أعطينا عام (٢٠٠٤م) وهي السنة الماضية (١٦٠) رخصة في هذه المدينة الصغيرة فقط! وأنا أقدِّر أنَّ كل كنيسة يوجد بها من (٣٠٠) إلى (٥٠٠) ولك أن تعلم أنَّ في هذه المدينة التي حدَّثتك عنها يوجد (٢٣) مسجداً فقط.
^: ولكن فضيلة الشيخ يوسف: ما جهود دعاة المسلمين إزاء جهود النصارى؟
بالنسبة لي فلم أقم بالصين باستقرار تام؛ لأنني درست خارجها، وإن كانت هناك مشاركات دعوية وإنشاء جمعية إسلامية في شرق الصين، ولكن بالنسبة للدعاة بالصين فهم في الحقيقة فئة قليلة، وفي شمال غرب الصين يوجد أئمة مساجد، أما الدعاة المتفرغون فلا تكاد تجد أحداً منهم إلاًَّ نادراً.
نعم! توجد معاهد إسلامية في شمال غرب الصين، ولكن مع الأسف لا توجد خطة وخطوات دعوية مميَّزة، وكذلك فإنَّ في الشمال الغربي ثقافة المسلمين ولغتهم الصينية ضعيفة، ولا يمكن أن يؤثروا على الشرق؛ لأنَّهم يعدُّون متخلفين من ناحية تعليمية وثقافية، فلا توجد لغة أو علم قوي في تلك المنطقة حتى يؤثروا في المناطق الأخرى من الصين مع كثرتهم في تلك المنطقة أكثر من غيرهم، ولا ريب أنَّه إذا كان المرء ضعيفاً في اللغة ويريد أن يؤثر في منطقة شرق الصين فلا يستطيع التأثير، وأيضاً فإنَّ الطلاب في الشمال الغربي يدخلون ويدرسون في المساجد والمعاهد الإسلامية، ولكن كثيراً منهم لم يدخل مدرسة ابتدائية وثانوية حكومية، لذلك عندهم لغة التواصل الفكري ضعيفة.
^: هل توجد بشارات وأمور مفرحة في الصين يُستطاع من خلالها إفادة أهل الصين بالدعوة والتعليم؟
بعد أحداث سبتمبر صار كل شيء في العالم يتعلق بالإسلام، وصار الصينيون يريدون أن يقرؤوا في كتب الإسلام ويتعلموا بشكل أكبر وإيجابية أفضل، فصار الصينيون يعرفون الإسلام، وصدقني أن هناك بعض المناطق في الصين مثل مناطق الجنوب ما سمعوا باسم الإسلام أو المسلمين إطلاقاً، ولهذا حين ذهبنا مع تجار العرب إلى بعض مناطق الصين، وقلنا لهم نحن مسلمون تساءلوا مستنكرين: ما الإسلام؟ فهم لم يسمعوا بالإسلام ألبتة!!
^: هل يدرس الطلاب المسلمون في الجامعات الصينية، وما النشاطات الإسلامية الموجودة في هذه الجامعات؟
نعم! يوجد كثير من الشباب المسلمين الذين يدرسون في الجامعات، وفي الحقيقة إذا كان الداعية رجلاً عملياً، فإنه يجتمع بالشباب المسلمين في الجامعة بطريقة مناسبة مثل السياحة في بعض المناطق القريبة منها، أو المخيمات الصيفية ثم يعلمهم الدين، ولا شك أنه يوجد دعاة بين الشباب الجامعيين ولكنَّهم قلَّة، والحقيقة أن هذا مشروع مهم جداً ويحتاج للمساعدة علمياً ومادياً برأس مال قوي، وأنا آسى على بعض الشباب الصينيين المسلمين الذين يدرسون خارج الصين في دول عربية، ويتعلمون الإسلام على حقيقته وحين يرجع بعضهم للصين يتكاسلون عن الدعوة إلى الله في المنطقة التي هم منها، وهذا كسل لا ينبغي، بل ينبغي أن يكونوا جادين في الدعوة إلى الله في بلادهم.
^: ذكرت أن كثيراً من الطلاب المسلمين يدرسون في الجامعات الصينية، ولكن ألا ترى أنَّ هؤلاء الطلاب غُيِّبوا عن دينهم، وصارت ثقافاتهم صينية؟
يوجد كثير من الطلاب يدرسون بالجامعات، ويتأثرون بالتأكيد بالثقافة والقيم الصينية، بل يكادون لا يعرفون شيئاً من الإسلام؛ لأن كل شيء بالثقافة الصينية، وهذا في شرق وشمال الصين، وأما في الشمال الغربي للصين، فهم يدرسون مواد الدين، ولكنهم قليلون، إضافة إلى الضعف الذي لديهم من ناحية لغوية.
ولكن في السنوات الأخيرة وخصوصاً بعد أحداث سبتمبر، شعر الشباب الذين يدرسون بالجامعة وخاصة من أبناء المسلمين بحبِّهم لدينهم، وبدؤوا يقرؤون كتب الإسلام الدينية، ويريدون أن يعرفوا ما هو ديننا؟ ومن الممكن أنَّ ٢٠% من طلاب الجامعة منتسبون للإسلام بالهوية، لكنهم بدؤوا يصلون ويصومون ويطبقون الإسلام، فكان لهذه الأحداث آثارها الإيجابية الكبيرة ـ ولله الحمد ـ لأنهم قبل ذلك كانوا لا يهتمون بدين الإسلام، وحين طالعوا كتب الإسلام أعجبهم وصاروا أشد تمسكاً به، والمشكلة عندنا في الحقيقة قلة الكتب الدينية التي تشرح الإسلام بلغة قوية، ولها أسلوب جذاب ومؤثر.
^: هل توجد جهود دعوية مع الطالبات في الدعوة إلى الإسلام؟
ذكرت لك أنَّ بعض الجمعيات الإسلامية مثلاً في شرق الصين يلقون على الطالبات شيئاً من دروس الدين، فتوجد جهود ولكنَّها يسيرة، وبعض الطالبات يتحجبن بعد أن يتأصل الإسلام في قلوبهن، وبعضهن قد لا يبقين محجبات، والحقيقة أننا نأتي للنساء المسلمات وندعوهن ولو كنَّ متبرجات، ولو شدَّدنا في الأمر فإنهن لن يأتين لحضور دروس الدين، ودورنا تعزيز الإيمان في قلوب النساء ليتحجبن بعد تأثُّرهن بقيم ومبادئ هذا الدين.
^: لا شك أنَّك في جولاتك بالصين وجدت انحرافات عند كثير من المنتسبين للإسلام؛ فهل حقّاً توجد عادات وتقاليد وانحرافات عند بعض المسلمين؟
أكثر الانحرافات هو التأثر بـ (الكنفوشيوسية) ، والتأثر بالعادات الصينية، وكذلك التأثر بالانحرافات الصوفية لطول البقاء وقلة الدعوة لبعض المسلمين، كما يوجد في شمال غرب الصين، ويوجد في الشمال الغربي من الصين الطواف بالقبور والشرك بالله، والاستغاثة بغير الله؛ نسأل الله العافية. وعلى كلٍ فإنَّ الانحرافات تختلف باختلاف المناطق التي في الصين، ولكن من أبرز الانحرافات التي رأيتها منتشرة في الصين، تلك الانحرافات المتعلقة بالجنائز، وهي متأثرة بالثقافة الصينية؛ فإذا مات الميت يأتي أولاده ويلبسون اللباس الأبيض عند الجنازة، وحين يفارقون الجنازة يجلسون من سبع أيام إلى أربعين يوماً وهم لابسون لتلك الملابس، وكذلك ينتشر عندنا، حين يموت الميت أن يأتي بعض أقاربه أو أصحابه، ويُنَوِّر على القبر بالمصباح مدَّة سبع ليال، وهذه بدع متواترة نرجو أن تزول بالدعوة المستمرة إن شاء الله.
^: أنت شاركت في الدعوة إلى الإسلام في الصين، ولا بد أن تقع للداعية إشكاليات تواجهه على هذا الطريق؛ فهلاَّ أبرزت أهمَّها؟
المشكلات الموجودة أن كثيراً من المتبرعين يريد أن يبني مساجد ولا يريد أن يعين على ترجمة الكتب، ولا المساعدة في إنشاء مواقع بـ (الإنترنت) لشرح دين الإسلام الصحيح باللغة الصينية، وكذلك إعانة شباب المسلمين بالجامعات ودعمهم برأس مال يعينهم ليقوموا بالدعوة وتنشيط برامجهم الدعوية؛ ولهذا أقول: بعض الناس يبني مساجد جيدة ومكلفة، ولكن الداخلين فيها والمعلمين قلة؛ وكذلك نعاني من قلَّة دعم أهل الخير والإحسان للمراكز والجمعيات الإسلامية ممَّا يؤثِّر سلباً على أنشطتها، وأرجو من الدعاة خارج الصين أن يعوا مسائل الخلاف الموجودة بين المذاهب، وأهمية التعريف بأدب الحوار ونصح المسلمين الصينيين وخاصة الكبار منهم، فقد أتى بعض الدعاة المخلصين وحين رأى الصينيين يتمشون مع المذهب الحنفي حيث لا يرون رفع اليدين إلا مرة واحدة بخلاف بعض المذاهب التي ترى رفع اليدين في الصلاة أربع مرات، فهذا قد أنكر على بعض المسلمين الصينيين بشدة على ذلك الفعل، وقال إنَّ صلاتكم باطلة لأنكم لم تتبعوا السنَّة! وحين أنكر عليهم لم يجد منهم آذاناً صاغية، وكان الكبار منهم يقولون: نحن نصلي لله مدة خمسين سنة؛ فهل كل تلك الصلوات باطلة؟ ولا شك أن هذا الأسلوب في الدعوة خاطئ، ما دام فعل هؤلاء المصلين مأثوراً عن مذاهب معتبرة، ولذلك ينبغي عدم التعرض لمثل هذا جمعاً للصف بين المسلمين.
وإنني أنادي وأقول إن كثيراً من الدعوات الباطلة كالرافضة مثلاً كونت بدعم من إيران إذاعة خاصة بالصينيين، وهي تدعوهم باسم الإسلام لدينهم الباطل؛ فأين رؤوس الأموال الإسلامية لتكوين إذاعة خاصة بالصينيين المسلمين السنة؟
فهل تعمل الجهات الدعوية في العالم الإسلامي على فتح إذاعة للمسلمين وتشجيع مواقع (الإنترنت) للدعوة للإسلام في عصر هذه أسلحته الفاعلة في الدعوة إلى الله؟
^: برؤيتك المستقبلية؛ هل تظن أن الإسلام سينتشر بالصين بعد عشرسنوات؟
هناك نكتة واقعية حيث كان بعض الشباب يفاخر ويقول إن الإسلام سينتشر على يد المسلمين الصينيين؛ لأن هناك عالم أمريكي (صاموئيل هنتنغتون) يقول: في القرن الحادي والعشرين ستكون الحرب بين الأمم المتحضرة، وإذا كانت تلك الحضارتان الإسلام و (الكنفوشيوسية) اجتمعتا معاً فَسَتُسْقِطْ تلك الحضارتان (الحضارة الغربية) فكان بعض الشباب الصينيين يحللون ذلك ويقولون: الذي يُسقِط الحضارة الغربية هم المسلمون الصينيون ـ إن شاء الله ـ حيث إنهم هم الذين يعرفون الإسلام ويعرفون (الكنفوشيوسية) . فكان بعض الشبان الصينيين يقولون: الإسلام سينتشر عندنا، ونحن الذين سنُسقط الحضارة الغربية، وهذا الكلام كان في الثمانينيات الميلادية من القرن الفائت.
ولكن هذا الأمر علمه عند الله، وأنا متفائلٌ بالمستقبل، إلا أنَّه بصراحة: الدعوة للإسلام في الصين ضعيفة، وتحتاج إلى جهود كبيرة، ونحن ـ إن شاء الله ـ سنبذل الكثير من الجهود للدعوة إلى الإسلام في الصين، وننصر دين الله فيها، ونتفاءل بعدها بمشيئة الله، وحين يعرف الناس الإسلام فإنَّهم سيدخلون في دين الله أفواجاً.