عقد في باريس في يومي التاسع والعاشر من شهر يناير ٢٠٠٣م مؤتمر لجمعيات الحقوق الإنسانية والجمعيات الخيرية في العالم، تحت رعاية منظمة الحقوق الإنسانية في العالم العربي، حضرها أكثر من مائتين وعشرين وفداً، يمثلون مائة وإحدى وخمسين منظمة، ومن خمسة وستين بلداً، وعدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان في العالم العربي وبقية دول العالم. وقد تعذر حضور وفود بعض الدول، مثل السعودية التي لم يعط وفدها تأشيرات دخول فرنسا، وهم عدد من الأكاديميين ومن مؤسسات خيرية وإنسانية، كما تأخر حضور الوفد الفلسطيني لمدة يومين؛ حيث أُوقفوا على الحواجز الإسرائيلية عدة أيام. وعقدت جلسة الافتتاح برئاسة الدكتور هيثم مناع رئيس الهيئة العربية لحقوق الإنسان، وكان من ضيوف الجلسة: المشير عبد الرحمن سوار الذهب، وقدمت كلمة الدكتور الأب عطا الله حنا المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية في القدس بالنيابة؛ حيث تعذر عليه الحضور، ثم كلمة الوفد السعودي الذي لم يتمكن من الحضور كذلك، وقد قرأها الدكتور وليد الطبطبائي عضو مجلس الأمة الكويتي، ورئيس لجنة حقوق الإنسان بالمجلس. وقد كانت الندوة الأولى هي: التأسيس الفكري لمفاهيم بنيوية أو أساسية، وقد رأس الندوة الدكتور عبد الرحمن النعيمي من جامعة قطر، وتحدث فيها الدكتور منصف المرزوقي من تونس، والدكتور محمد الأحمري من التجمع الإسلامي لأمريكا الشمالية. تناول المرزوقي مفهوم الحضارات حوار أم صراع؟ وأشار إلى أن مفهوم صراع الحضارات مفهوم سياسي وعسكري دارويني يهدف لتصفية الضعفاء وبقاء الأقوياء، وتحدث الأحمري عن تأسيس لفكر الحقوق الإنسانية والإغاثية في عالم جديد، كما تحدث عن ظواهر المذاهب الفكرية التي أعلنت نهايتها؛ متمثلة في الداروينية السياسية، والجبرية الفكرية القائلة بنهاية القدرات الفكرية للإنسان، وتكلم عن مقولة نهاية التاريخ، وأكد على الاستفادة من تراث الأمم في تأصيل مقولات حقوق الإنسان، وتوطين وترسيخ تلك المفهومات. وقد لقيت الندوة اهتماماً كبيراً من الجمهور، وأثارت عدداً كبيراً من الاستفسارات والتعقيبات. وقد أسهم المتحدثان بالدور الأساسي في صياغة بيان المؤتمر النهائي. والندوة الثانية: كانت عن آثار أحداث ١١ سبتمبر على الجمعيات والمؤسسات الخيرية في العالم، ورأس الجلسة الدكتور همت أرسوي من تركيا، جامعة أنقرة، وشارك فيها الدكتور عبد العزيز النويضي من المغرب، وهو مستشار سابق لرئيس الوزراء المغربي، تحدث فيها عن القوانين الاستثنائية بعد ١١ سبتمبر وآثارها على المجتمعات النامية. كما تحدث فيها المحامي إبراهيم التاوتي من الجزائر عن المستجدات القانونية في البلاد الفرنكفونية، وبخاصة فرنسا، وكندا. الندوة الثالثة: دروس من التجربة الأفغانية، رأسها أوجين مولير من سويسرا، تحدث فيها محمد هيثم الخياط مستشار منظمة الصحة العالمية من القاهرة، وكانت مساهمته عن العلاقات بين المنظمات الإنسانية ومنظمة الصحة العالمية في تجربة أفغانستان. والمشارك الثاني في الندوة الدكتور نجيب النعيمي، وقد تحدث عن حقوق معتقلي جوانتانامو في القانون الدولي، والنعيمي وزير العدل القطري السابق هو محامي المعتقلين، ولقيت مشاركته اهتماماً كبيراً من الحاضرين؛ لأنه كان يتحدث عن تجربة شخصية ميدانية، ومعرفة بالقوانين، ومواجهات ميدانية مع المسؤولين. ثم عقدت الندوة الرابعة: عن اللاجئين الفلسطينيين، وحقوقهم الإنسانية في لبنان وغيرها؛ حيث لا يتمتعون بأدنى حقوق الإنسان. وشارك في نقاشات المؤتمر عدد كبير من الحضور من غير المتحدثين الرسميين، ولم يكن الجو فيه خطابياً أو من جهة واحدة، بل كان المجال متاحاً بشكل كاف لجميع المشاركين لإبداء ملاحظاتهم، وتأييدهم أو اختلافهم مع المقدمين للمشاركات. ولم يقلّ عدد المشاركين في الندوة الواحدة عن اثنين، وكان غالباً أربعة أشخاص، وكانت جميع المشاركات تقدم بثلاث لغات هي: العربية، والفرنسية، والإنجليزية. وقد تم الإتفاق على تأسيس هيئة عليا للقيام بالتنسيق بين هذه المجموعات، ومجلس دائم، وقدم مشروع (بيان باريس للجمعيات والمؤسسات الخيرية والإنسانية) ، والذي سبق عرضه على أكثر من ثلاثين خبيراً، وشارك في صياغته النهائية عدد من الخبراء والمحامين ليكون مشروعاً دولياً تلتزم به المنظمات، ويعرض على الأمم المتحدة لطلب إقراره نظاماً لعمل وحقوق هذه المؤسسات، وقد شمل مواد عديدة مهمة تهتم بحقوق المؤسسات، وحدود عملها، وعلاقاتها بالدول والقوانين الدولية والمحلية، وحماية حقوق العاملين في تلك المؤسسات، والتأكيد على الالتزام الدولي به.