للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مأساة مبتعث في بلاد العم سام]

أحمد عبد العزيز العامر

يكفل الدستور الأمريكي في تعديلاته المعروفة باسم (وثيقة الحقوق) للأفراد حقوقهم وحرياتهم، وهذه الوثيقة التي أضيفت للدستور الأمريكي عام ١٧٩١م تتضمن نصوص حرية القول والصحافة والعبادة، وحقوق المواطنين في عقد الاجتماعات السلمية، وحرمة المساكن ضد التفتيش بغير موجب، أو احتجاز من فيها من أشخاص أو ما تحويه من ممتلكات، وإن من حق كل شخص توجه إليه تهمة خرق القانون أن يحظى بمحاكمة سريعة أمام هيئة محلفين مشكلة من مواطنين عاديين.

وجاء في وثيقة إعلان استقلال الأمريكيين: «إننا نعتبر هذه الحقائق بديهية وهي أن الناس جميعاً خلقوا متساوين، وأن خالقهم منحهم حقوقاً ثابتة غير قابلة للتصرف بها، وأن من بينها حق الحياة والحرية ونشدان السعادة» فما مدى صحة ما جاء في تلك النصوص؟ وما مدى صحة تطبيقها في الواقع المعاش؟ هذا ما سنراه في هذه المأساة (١) .

أمامنا قضية الأخ (حميدان التركي) الطالب السعودي المبتعث من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لنيل درجة الدكتوراه في الصوتيات بعد نيله درجة الماجستير بامتياز من جامعة (بولدر) بولاية كلورادو، بعد اتهامه بمزاعم بدأت بدعوى مخالفة أنظمة الإقامة ودعوى الإرهاب؛ ففي شهر نوفمبر ٢٠٠٤ اقتحم منزله ثلاثون من مكتب التحقيقات الفدرالية ورجال مكتب الهجرة وبادروا على الفور بتهديد زوجته مع تصويب السلاح إلى رأسها مستفسرين عن مكان سلاح زوجها المزعوم! ثم قاموا باعتقال زوجته الفاضلة (سارة الخنيزان) وفُرِّق بينها وبين أطفالها الخمسة ١٢ يوماً ثم سمح لها بالخروج لبلدها بشرط تنازلها عن حقوقها القانونية!! وانتهت قضية الأخ حميدان التركي باتهامات مزعومة في حق العاملة الأندونيسية لديه، ونحسب تلك التهم لا يمكن أن يرتكبها شاب مسلم مثله، وهو يعيش مع زوجته وأطفاله والعاملة بمنزل واحد، والأعجب أن التحقيقات مع العاملة تكررت (١٢ مرة) من قِبَل المباحث الفيدرالية وكانت في كل مرة تشيد بمعاملة تلك العائلة معها، وفي المرة الـ (١٣) تغيرت أقوالها بنسبة ١٨٠درجة، هل تدرون ما السبب؟ ذلك يعود في نظرنا لما يلي:

١ـ العداء للمسلمين كما هو معروف بعد أحداث ١١ سبتمبر خاصة.

٢ ـ العنصرية الممقوتة التي يتبنّاها بعض الأمريكان من رجال القضاء الذين ناقشوا تلك الحادثة بتلك الخلفيات.

٣ ـ قيام (دار البشير) التي يملكها المتهم بجهد ريادي في الدعوة والتعريف بالإسلام ودحض شبهات الإرهاب عنه، فضلاً عن التأثير الإيجابي (لموقعه الإلكتروني: www.al-basheer.com) على الجالية الإسلامية في أمريكا.

٤ ـ أما المخفي والأعظم فقد تحدثت عنه الأكاديمية السعودية (أميمة الجلاهمة) في مقال لها عن هذه الواقعة نشرته صحيفة الوطن في العدد ٢١٠٨ الصادر في ١٢/٦/١٤٢٧هـ الموافق ٨/٧/٢٠٠٦م، وحيث إن علم الصوتيات أثبت أن البصمة الصوتية الأصلية تختلف عن البصمة المصطنعة، وهذا العلم قد يكون له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالشؤون الأمنية، وما ذكر من أن مكتب التحقيقات الفدرالية سبق أن عرض على الأخ الباحث التعاون معه لكنه رفض، والنتيجة هي ما حصل من معاناة تفضح عدالة القوم وديمقراطيتهم ذاتها.

فقد أسيء لهذه الأسرة من السجن إلى الإقامة الجبرية ثم تفريق أطفالهما الخمسة عن والديهم بما يخالف أدنى حقوق الإنسان، والأغرب أن يسمح الأمريكان لزوجته بالعودة لبلادها بشرط تنازلها عن حقوقها القانونية، مع أن للطالب جهوداً متميزة بتعرية العنف والفكر المتطرف كما هو واضح في موقعه الإلكتروني.

لكن القضاء الأمريكي أنهى تلك المسرحية بالإدانة بعدما أعلن المحلَّفون أن المتهم مذنب بتهم من قبيل الاختطاف والتآمر على الاختطاف والتحرش؛ مع وعد بالنطق النهائي في ٣١/٧/٢٠٠٦م، حيث لوَّحوا بالسجن المؤبد للمتهم والتي قال عنها المحامي (راتشيلينو) إن الحكم يتعارض مع قوانين العدالة، وأن المحاكمة باطلة لخروجها عن المسار المحدد لها؛ فالديمقراطية والقضاء الأمريكيان بهذا الحكم أو بهذه المهزلة سقطا بامتياز، مع العلم أن تقرير منظمة (هيومان رايتس ووتش) لعام ٢٠٠٦ اتهم الإدارة الأمريكية، بأنها في ديمقراطيتها الكاذبة تضعف تيار الدفاع عن حقوق الإنسان عبر العالم، حينما جعلت التعذيب والسلوكيات والمعاملة السيئة، جزءاً مكملاً لاستراتيجيتها المناهضة لما يسمى بالحرب على الإرهاب. ألا ترون موقفهم من الحرب الهمجية النازية ضد الفلسطينيين وتأييدهم لها؟ هل هذه هي الديمقراطية الأمريكية؟ خاب وخسر من يطلب الخير في مثل تلك الديمقراطية.

ويوضح ذلك بصورة جلية شهادة المفكر الأمريكي الشهير (نعوم تشومسكي) في زيارته الأخيرة للبنان حيث هاجم الديمقراطية الأمريكية ووضح عوارها بما لا مزيد عليه.

ونحن على ثقة أن الباطل لا يدوم (وحسبنا الله ونعم الوكيل) .


(١) انظر: كتاب (هذه هي أمريكا) من منشورات وكالة الإعلام الأمريكية.