للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

تيمور الشرقية..

ذئاب الصليبية تفترس الغنمة القاصية

د.توفيق محمد علوان [*]

كنا قد تعرضنا في مقال سابق - معركة الإسلام في إندونيسيا (العدد ١٤١) -

إلى تيمور الشرقية في إندونيسيا باعتبارها مثالاً فاجعاً على نوع من أشد أنواع

التنصير ضراوة وخبثاً، ولم نكن نظن أن الأحداث سوف تتداعى بهذه السرعة

المذهلة لتثبت - دون ريب - ما ذهبنا إليه، وما أطلقناه حينئذٍ من صرخة مدوية

كي يستيقظ المسلمون من غفوتهم المدمرة؛ ذلك أن التعامي عن الخطر الماثل في

هذه القضية لم يعد تخاذلاً معيباً فحسب، بل هو فاقرة مدمدمة وكارثة عقدية بالمعنى

الحرفي للكلمة. إن الاستعمار البرتغالي والهولندي والإنجليزي المتتابع لهذه البلاد

قد خلف التلمظ الصليبي على أشرس حالاته تعطشاً وافتراساً؛ يضاف إلى ذلك

الهيمنة الأمريكية المتغطرسة والمنحازة دون مواربة أو خجل وبصورة دائمة إلى

صف الصليبية واليهودية، مع ما تستدعيه الحالة المزرية التي انتهت إليها بعض

أقطار العالم الإسلامي من الغفلة المميتة.

العار.. مسلمون يباركون غزو الصليب:

والأشد من ذلك عاراً وخيانة تلك الحالة المشينة من انحياز بعض الأبواق

المنسوبة للإسلام لصف الصليبية من غير تورع أو حياء، بل راحت - مع الأسف- تردد الدعاوى الصليبية الحاقدة، في الصحافة الغربية عند تناولها لهذه القضية

دون تفكير.

ومن أمثلة ذلك: تصدير إحدى المجلات العربية تناولها لقضية تيمور الشرقية

بقولها:

(كان ينبغي ألا يربح دعاة الاستقلال التام الاستفتاء من أجل أن يحافظوا

على حياتهم) (في تعريض صريح بالجهود المستميتة لمن أرادوا أن يستبقوا تيمور- كما هو مفترض - جزءاً لا يتجزأ من إندونيسيا المسلمة وسط تدخلات دولية

جبارة وظالمة وضغوط غربية على غاية الضراوة) ، وقالت: (الحل الذي ارتآه

الجيش على ما يبدو هو الوقوف وراء الميليشيات المعادية للاستقلال والتستر على

ما تقوم به من انتهاكات) (وكأن تدخل الأمم المتحدة المتحدثة الرسمية باسم أمريكا،

وتدخل الفاتيكان، وتدخل دول الجوار الصليبي كأستراليا، وتدخل دول غرب

أوروبا جماعياً في تقرير مصير واحدة من محافظات عددها سبع وعشرون محافظة

في دولة مستقلة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، كل هذا لم تعتبره المجلة

الموقرة (انتهاكات) ، أما قتال المسلمين في تيمور المهددين بالفناء الكامل والإبادة

الجماعية والمذابح والاغتصاب - في حال إعلان الاستقلال - بما هو معلوم من

(عدالة) المجتمع الدولي تحت علم الأمم المتحدة والمجربة على أفدح صورة وأبشعها

في البوسنة ومن بعدها كوسوفا، وغير ذلك مما لا يخفى على مبصر؛ فإنه -أي

ذلك القتال- في نظر المجلة الموقرة هو (الانتهاك والقتل والتدمير) وقالت: ...

(وكان سلوك الجيش الإندونيسي مريباً على امتداد هذه التجربة السوداء - لا سيما

بعدما جزم الصحفيون الغربيون ومراقبو الأمم المتحدة بأن عسكر جاكرتا لا يكف

عن استفزازهم بغرض ترحيلهم إلى خارج تيمور) ، كما وصفت المجلة الجيش

الإندونيسي الذي يقوم بأخص واجبات أي جيش في أية دولة ألا وهو ضبط النظام

والأمن عند اشتعال الفوضى في أية بقعة من البلاد وصفته المجلة الموقرة بأنه

(جيش الاحتلال لتيمور منذ عام ١٩٧٥م) (المجلة الموقرة يبدو أنها مصابة بعمى

الألوان حتى إنها تعتبر تدخل جيش دولة للسيطرة على الأمور المتردية فيها

(تجربة سوداء) بينما وجود الصحفيين والأجانب وإقحام أنفسهم في هذه القضية

الداخلية تعتبره نوعاً من التصرف الذي لا يثير أي نوع من الريبة أو الغضاضة؛

فالمجلة الموقرة التي اعتبرت هذه التجربة الداخلية سوداء كان عليها أن تنظر فقط

إلى أحوال المسلمين تحت الحماية الدولية في كوسوفا، وأن تنظر إليهم في داغستان

وفي فلسطين وفي لبنان وفي كشمير تحت القوى الهمجية المختلفة لكي تميز بدقة

الفرق بين الألوان وخاصة اللون (الأسود) منها؛ خصوصاً بعد أن أكدت المجلة

الموقرة ذاتها:

(أن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون قد حذر الحكومة الإندونيسية أن عليها في

حال فشلها في تيمور أن تستعين بقوات خارجية) ، وبينما أدلى الأمين العام للأمم

المتحدة كوفي أنان مهدداً بإجراءات دولية، وحمَّل الرئيس البرتغالي جورجي

سامبايو الأمم المتحدة ومجلس الأمن مسؤولية ما قد تؤول إليه أوضاع تيمور؛

فالمجلة الموقرة لا ترى في هذا الهجوم المتعدد الأذرع على مستوى الصيليبيين بدءاً

من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون والرئيس البرتغالي جورجي سامبايو، مع التهديد

السافر بالتدخل في شؤون دولة عضو في الأمم المتحدة، لم تجد المجلة الموقرة في

هذا ما يدعو للاستنكار أو العتب، ولا عجب بعدما تحولت بعض الأقلام والأبواق

(المسلمة) إلى ببغاوات تردد من دون وعي أو تدبر ما ينطق به السادة الصليبيون

في الغرب، وهو ما يمثل أبشع فصول هذه المأساة وأشدها شناعة؛ إذ تمزق

أطراف الجسد الإسلامي بمباركة أقلام وألسنة إسلامية؛ فإذا نحن أمام صورة قاتمة

كئيبة على غاية المرارة والألم [١] .

ولما كان الحكم على أي قضية فرع من تصورها، ولما رأينا الكثيرين من

المفكرين والكتاب حال تناولهم لهذه المسألة - وبغض النظر عن إخلاصهم أو عدمه - قد شاب تناولهم القصور نظراً للجهل بالمعلومات الأولية عن هذا الركن من العالم، ومن واقع تجربتي الذاتية من خلال عملي أستاذاً للتفسير في الجامعة الإسلامية

الحكومية في إندونيسيا LAIN، ومن واقع معايشتي لواقع هذه المسألة المؤلمة

وغيرها مما خفي وكان أعظم من أحوال إندونيسيا مع الصليبية والأطماع الوحشية

التي لا حد لها في تنصير إندونيسيا، فلسوف أبدأ بإعطاء القارئ الكريم معلومات

مجردة عن تيمور سواء من ناحية التاريخ أو الجغرافيا أو الثروات يقيناً بأن هذا هو

الأصل الأول الذي تنبني عليه أية رؤية راشدة لتلك المسألة الشائكة المصيرية.

المكان والسكان:

- المساحة: ١٤. ٨٧٤ كيلو متر مربع.

- العاصمة: ديلي.

- الحدود الجغرافية: بحر باندا ومضيق ويتار شمالاً، بحر تيمور جنوباً،

محافظة نوساتيجارا الشرقية غرباً، بحر مالوكا شرقاً.

- الأنهار: نهر لاشو، نهر سيشال، نهر سوماسي، نهر ماروبو، نهر

بيلوليك.

- الجبال: جبل تارومان، جبل موندو بيرديدو، جبل لاكولو.

- البحيرات: بحيرة سوروبيل، بحيرة مالاي.

- درجة الرطوبة في الجو: ٨٣%.

- درجة غزارة الأمطار: ١٢٠٠ - ١٣٠٠ مليمتر في السنة.

- الثروة الحيوانية والنباتية:

النبات: أنواع أخشاب متميزة، الخشب الأحمر، خشب الرقائق، وغيرها

من أنواع الأخشاب.

الحيوان: القرود والخيل والبقر وبعض الحيوانات المميزة لإندونيسيا.

- عدد السكان: ٧١٩، ٨٣٩ نسمة (حسب إحصاء ١٩٩٥م) .

- كثافة السكان: ٥٦ شخصاً لكل كيلو متر مربع.

الديانات:

- مسلمون: ١.٧ %.

- بروتستانت: ٢.٧ %.

- الروم الكاثوليك: ٩١.٤%.

- الهندوس: ٠.٣ %.

- البوذيون: ٠.١ %.

المنتجات الرئيسة:

- المنتجات الزراعية: الأرز، الذرة، البن، وغيرها.

- المنتجات التجارية: الزيت، الكاكاو.

- الحيوانات الأليفة: الأبقار، الجاموس، الخيل، الأغنام، الدجاج،

الخنزير.

- الثروة السمكية: التونا، وغيرها من الأسماك البحرية.

- الغابات: أنواع الأخشاب.

- أعمال يدوية: حرف في نقش المعادن، النسيج.

- البترول (النفط) حيث ظهر مؤخراً.

- الأماكن السياحية:

حديقة مينا ياتور، شواطئ باسير بوتيه، شواطئ ليكيسا، أماكن الحرب

العالمية الثانية.

- الخدمات الفندقية: ٢٢ فندقاً خمسة نجوم فأقل (حسب إحصاء ١٩٩٤م) .

الإسلام والصليبية وجهاً لوجه: هيئة الأمم المتحدة الأمريكية:

ببالغ الأسف والمرارة، يتبين لنا عند مراجعة الإحصاءات الرسمية أن

الهجوم التنصيري الصليبي المتواصل وطوال أربعة قرون ماضية يمضي مصحوباً

بحرب عنصرية جبارة من دول البرتغال وأسبانيا وهولندا، والآن عن طريق

الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا مجتمعة مع الفاتيكان، وتسخير الأمم المتحدة

كما سيأتي بيانه من أجل تمزيق الجسد الإسلامي في إندونيسيا وقطع تيمور الشرقية

نهائياً منه لتتحول إلى دولة نصرانية عنصرية متعصبة لبث الفرقة والفوضى في

هذا الجزء العزيز النائي من الوطن الإسلامي الأكبر، وحتى تنهال عليها الإمدادات

العسكرية والاقتصادية لتكون رأس جسر مسموم لتحقيق الأمل الصليبي الذي لم يفلح

في تنصير إندونيسيا المسلمة؛ حيث إن جميع الوثائق التي بثتها مؤتمرات التنصير

قد رشحت إندونيسيا لأن تكون أول دولة إسلامية تتحول إلى النصرانية، بل إنهم

قد حددوا عام ٢٠٠٠م لتحقيق هذا الحلم المحموم، فلما جاءت سنة ٢٠٠٠م ولم

تزدد إندونيسيا إلا ارتباطاً بالإسلام والمسلمين جن جنون عصبة القساوسة

والمنصرين في الفاتيكان والدول الغربية الوالغة في دماء المسلمين، وقد بدا ذلك

على صورته الشنعاء في تهديدات الرئيس كلينتون، وتوجيهات الفاتيكان، واتحاد

دول أوروبا مجتمعة لفصل تيمور، كما بدا في اللهجة الهجومية المتوعدة التي ليس

لها سابقة من سكرتير عام الأمم المتحدة، ذلك الذي لزم الصمت المخزي إزاء

اندفاع قوات الأطلنطي في كوسوفا، والصمت المخزي طوال فترة الحصار على

العراق، والصمت المخزي طوال فرض الحصار على ليبيا، والصمت المخزي

طوال عربدة (إسرائيل) في عهد نتنياهو، وفي العهد الحاضر في فلسطين ولبنان،

هذا الصامت الأبدي، الآن قد نطق فجأة وفي أفصح لسان وبأقوى العبارات

المتعصبة المتوعدة للحكومة الإندونيسية، المهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور،

الداعية دون رحمة لمنع بيع السلاح إلى إندونيسيا قاطبة، المعاتبة الرئيس

الأمريكي على رقته ووداعته وتدليله للحكومة الإندونيسية، السكرتير العام للأمم

المتحدة الذي لزم السكوت التام إزاء المجازر المتتابعة لدماء المسلمين في كشمير

وداغستان وجمهوريات الاتحاد السوفييتي الهالك، الصامت إزاء العدوان الهمجي

الأمريكي دون سبب على السودان، الصامت على التحريض الغربي المستمر

للشرذمة المثيرة للفساد في جنوب السودان، الآن تفوه بأقسى العبارات المزمجرة

لفصل تيمور عن إندونيسيا ولاتهام الحكومة الإندونيسية بالتدخل في الحريات

الشخصية. إن السكرتير العام الناطق باسم أمريكا والعالم الغربي بأسره قد أفصح

معبراً عن أشد الوجوه الصليبية ضراوة، أولئك المتمسحون بعدم التدخل في

الشؤون الداخلية للبلاد، فقضوا باستبعاد واغتصاب وتمزيق أطراف المسلمين في

صربيا العاتية المجرمة الجبارة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا، فقضوا

بالحرب التي لا هوادة فيها على داغستان، والشيشان من قبل ومن بعد، وغيرها

من الجمهوريات الإسلامية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للهند فقضوا بسحق

الفئة المسلمة في كشمير. الآن أصبح التدخل الدولي السريع بالقوات الدولية

المقترحة تحت قيادة أستراليا عملاً من أعمال العدل وإقرار السلام العالمي ورحمة

وحماية الأقليات، تمزيق الجسد الإسلامي إرباً إرباً حماية للسلام العالمي والأمن

العالمي، هذا هو المنطق الصليبي الجبار الذي كشف اليوم عن أشد الأنياب تهجماً

وضراوة.

لماذا غَيَّر الغرب وجهه؟

هل تكون هذه هي الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل الصليبي الدامي في أحشاء

الجسد الإسلامي ولقهر المسلمين وإخضاعهم طوعاً أو كرهاً للمقررات الصليبية

الجائرة التي أصابتهم بالخسائر الفادحة في عقائدهم وديارهم بعدما واتت الفرصة

الكاملة الآن لتغيير مواقف الغرب بصورة فاجعة بعد أن كان الغرب نفسه أول من

عزز القوات الإندونيسية في عهد الرئيس السابق سوهارتو ورفض انفصال تيمور

عن إندونيسيا، وبعد أن قرر شعب تيمور في الاستفتاء الرسمي عام ١٩٧٦م

الانضمام إلى إندونيسيا الوطن الأم؟

إن سبب هذا التحول الجذري في مواقف الغرب يرجع إلى أسباب:

١ - أن القوات التي كانت تطالب سابقاً بتحرير تيمور إنما كانت قوات

شيوعية تابعة للمعسكر الشرقي إبان قوة الاتحاد السوفييتي السابقة؛ فالغرب وإن

كان قد بذل جهوداً كبرى على مستوى التنصير وكذلك على مستوى الغزو العسكري

المباشرة للاستئثار بتيمور وغيرها من الجزر الإندونيسية المتفرقة، إلا أن

الشيوعيين قد ركبوا موجة التحرر، فكان من الحكمة آنذاك إبقاء إندونيسيا وتيمور

جسداً واحداً يتم فيه استئناف جهود التنصير وبث الفتنة، وذلك عند الغرب خير من

فصل تيمور تحت حكومة موالية للاتحاد السوفييتي آنذاك.

٢ - وجود المعسكر الشرقي بكامل قواه المتحدية للمعسكر الغربي، وقيام

الحرب الباردة بين المعسكرين كان عنصراً كابحاً وملجماً للرغبات الشريرة للغرب

الصليبي في تتويج جهود المنصِّرين لأربعة قرون عن طريق دولة صليبية مستقلة

في تيمور الشرقية.

٣ - الأمم المتحدة آنذاك كانت بصورة أو بأخرى تمثل رغبات جميع

الأطراف المشاركة فيها بغض النظر عن توجهاتهم؛ مستبقيةً على الحد الأدنى من

التوازن الظاهري ومانعة من استئثار طائفة دون أخرى بالمقررات والعقوبات

والتهديدات والتدخلات في شؤون الدول الأخرى.

٤ - تخوُّف الولايات الأمريكية بالذات من الأعمال المتهورة والتصرفات

الطائشة التي بدأت تمارسها عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، وتحسبها من الإقدام

على أعمال تكلفها غالياً سواء من المواجهة المباشرة من الدول المعنية أو الرغبة

المبدئية في المعارضة من المعسكر الشرقي دون النظر إلى الموضوع.

٥ - اجتماع الطبيعة العدوانية، والتعصب الصليبي، والانحراف الأخلاقي،

والرغبة في احتقار الدول الإسلامية، مع انتفاء عوامل الخوف من العواقب

الانتخابية كلها جميعاً مع الظروف الدولية المواتية في رئيس واحد هو الرئيس

الأمريكي بيل كلينتون الذي وجد نفسه مطلق اليد وهو الذي لا يحول بينه وبين

رغباته وازع من ضمير، مع رغبته الدفينة في إذلال المسلمين مع مواقفه السابقة

خصوصاً في العلاقات بين (إسرائيل) والعرب المؤدية إلى أشد حالات التحيز

ظهوراً، وتعصبه الأعمى لليهودية والنصرانية، مع انتفاء الخوف مع الانتخابات

القادمة حيث قضى سنواته في الرئاسة كاملة، كل هذه العوامل عجلت بتحقيق الحلم

الصليبي على يديه ووجود البوق الدولي الخاضع دون حيلة لمقررات أمريكا في

صورة الأمم المتحدة وأمينها العام الخاضع للأذقان.

هذه هي الأسباب المتراكمة التي تذهب بكل عجب من تخلي الغرب عن

مواقفه السابقة بالكامل وتبنيه السياسات المعتمدة عنده من تمزيق أطراف الجسد

الإسلامي دون رحمة؛ ومن شاء دليلاً دامغاً على ذلك فليراجع وقائع محاكمات

المفكر الفرنسي روجيه جارودي الذي أشهر إسلامه وأعلن أسرار المخطط الغربي

لتمزيق الدول الإسلامية المحيطة بـ (إسرائيل) وشرذمتها إلى دويلات تمكن

(إسرائيل) من التسيد على جيرانها من الدول الإسلامية ممهورة بالخرائط المبينة

للخطط الكاملة للتقسيم التي شملت: مصر وسوريا والعراق ولبنان، وغيرها من

الدول.

وقد نشرها بنصها مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام بمصر فمن شاء

فليراجعها، فهي عظيمة النفع في هذا المقام للتعريف بالطابع الإجرامي المتعمد

لمخططات الغرب البالغة التعصب، وكذا فليراجع تصريحات رئيس الوزراء

البريطاني الأسبق جون ميجور الذي أعقب تاتشر في رئاسة الوزارة البريطانية إبان

أزمة البوسنة والهرسك، فإن وضوحها في هذا المقام لا يحتاج إلى بيان حاشا من

طَمَسَ اللهُ على بصيرته وأعمى قلبه فلا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلاً.

أولاً: ذئاب جائعة وغنم قاصية:

لقد تركز الهجوم الصليبي الكاثوليكي على تيمور ضمن الهجوم الشامل على

إندونيسيا المسلمة من أقصى الشرق؛ حيث عانت هذه المنطقة من نقاط ضعف

بالغة الخطر أحالتها إلى فريسة سهلة أمام الذئاب الصليبية المتعطشة للافتراس وهذه

النقاط كما يلي:

١ - بعدها الجغرافي الشاسع عن مناطق التجمعات الإسلامية الحاشدة في

جاوة وسومطره وكاليمنتان وغيرها من حاضرات الإسلام التي يحتشد فيها تسعون

بالمائة من تعداد السكان البالغ مائتي مليوناً من المسلمين، مما أضعف تأثير الإسلام، وحال دون النجدة في حال الرغبة الإسلامية في ذلك، وكذلك تعرضها للنسيان

والإهمال نظراً للمسافات الهائلة التي تفصلها عن سائر الجسد الإسلامي.

٢ - المسألة الخطيرة وهي: قربها دون أي حائل من مراكز التنصير الهائلة

في هذه المنطقة من العالم (أستراليا والفلبين على سبيل المثال) والتي لا تألو جهداً

في اقتحام هذه الدولة الإسلامية، وإمداد المنصرين بكل احتياجاتهم ومتطلبات

دعواتهم الهدامة؛ فإن تيمور الشرقية (المسلمون ١.٧ % من عدد السكان،

والكاثوليك ٩١.٤ %، والبروتستانت ٢.٧ %) تشترك مع نوساتنجارا الشرقية ... (المسلمون ٩.١٢ % من عدد السكان، والكاثوليك ٥٢.٨٩ % والبروتستانت ٣٣.١٦ %) سيأتي الكلام عليها فيما بعد؛ حيث إن هذه هي فريسة المستقبل التالية لتيمور لا سمح الله إنهما تقعان في ركن واحد من إندونيسيا في مجموعة من الجزر، وعاصمة تيمور هي (ديلي) ، وعاصمة نوساتنجارا هي (كوبانج) وتقع في الجنوب الغربي للمنطقة، وكما يتبين لك من الأرقام فقد تم للصليبية السيطرة الكاملة على الشمال والجنوب قسمة بين البروتستانت والكاثوليك، أما الأمر البالغ الأهمية فهو الموقع الجغرافي للجزيرة بكاملها؛ فإنها تقع في أقصى الشرق والجنوب من إندونيسيا، ليس وراءها جزر أخرى، ولا يفصلها عن استراليا إلا (بحر تيمور) ، فغدت فريسة سهلة، وهذا سبب جوهري في سقوط تيمور على هذا الوضع المأساوي، وليست وحدها التي واجهت هذا المصير (من وراء ذلك: سولاويسي إيريان جايا وغيرها) ، وسنأتي على ذكر الأخطار الداهمة التي تنتظرها في مقام آخر - إن شاء الله - وغني عن البيان شرح أسباب المصير المحتوم الذي كان ينتظرها مع بعدها في أقصى طرف إندونيسيا بحاجز مائي مع مركز صليبي حاقد ينفث السموم ويؤلب الفتن بالليل والنهار، فواجهت هذا المصير المؤلم في غيبة الوعي والنجدة وأدنى حاجات الإنقاذ من الجسد الإسلامي المثخن بالجراح.

ثانياً: من مناجم الذهب إلى أرض الديناصورات:

بالنظرة الفاحصة لسبب اختيار الصليبيين لهذه الجزيرة بالذات مكثفين

جهودهم لمدة تناهز ثلاثة قرون وحصولهم على النتائج الحالية، نجد أن هذه

الأراضي لها من الخصائص الطبيعية ما يؤدي دون عنت إلى الفهم الكامل لسبب

المأساة الراهنة، وبيان ذلك ما يلي:

أولا: جزء من الاختيار قد ركز على الثروات الطبيعية؛ ففي تيمور الشرقية

ثروة من الأخشاب المتميزة بنوعيتها وأثمانها الغالية، وعلى الرغم من أن معظم

أجزاء إندونيسيا تغطيها الغابات، إلا أن تيمور الشرقية بها من الأخشاب المتنوعة

التي توفر ثروة كبيرة (ربما لا يستطيع السكان مع بدائيتهم الاستفادة من الثروات؛

حيث إن تيمور هي ثاني أفقر محافظة في إندونيسيا من ناحية دخل الفرد؛ غير أن

مقصود القوى الصليبية البحث عن إمكانات الثروة؛ حيث يمكن بعد ذلك دون جهد

استغلالها حسب مقتضيات المخطط الصليبي) .

ثانياً: الموقع الاستراتيجي لاستغلال تيمور التي تعتبر رأس جسر لمواصلة

العملية التنصيرية من أجل التمزيق النهائي لإندونيسيا، ويكفيك دليلاً على أن تيمور

لها هذا الموقع البالغ الحساسية أنها كانت هي المرتكز للقتال بين الحلفاء والمحور

في الحرب العالمية الثانية؛ بحيث صارت بقايا هذه المواقع الحربية آثاراً تتميز بها

تيمور الشرقية باعتبارها مناطق أثرية يطالعها الزائرون من كل مكان؛ وإذن، فهي

قاعدة نموذجية لمن أراد الارتكاز والهجوم أو الارتكاز وبث الفتن والقلاقل، وقد تم

بنجاح تجربة ذلك في الحرب العالمية الثانية كما بينا.

ثالثاً: كون المكان نائياً وبعيداً عن المدنية والتحضر؛ حيث تنعدم المقاومة

ويفشو الجهل وتنتشر العماية والتخلف بين سكانها؛ بحيث يسهل توجيههم دون

مراجعة، فإن أهالي هذه المنطقة من إندونيسيا يعيشون في حالة من الجهالة المطبقة، كما أن حياتهم بالغة البدائية (يسمونها في إندونيسيا) (bedi) (بدوي) (أي بدائي: وهي كلمة إندونيسية من أصل عربي) فبعضهم قبائل شبه عراة حفاة بريون لا يعرفون عن العالم من حولهم شيئاً، وإنَّ استمالتهم بأقل الهدايا والعطايا له التأثير البالغ نظراً لبعدهم عن العمران وحياتهم البدائية المفرطة، وهي مجاهل وأحراش تتناوشها أمراض قاتلة، فإن نوساتنجارا الشرقية (التي تعد تيمور الشرقية جزءاً منها) هي أقل جزيرة من ناحية سقوط الأمطار على مستوى إندونيسيا بكاملها وينتشر فيها الضعف وفقر الإمكانات؛ فالأهالي الذين تحولوا إلى النصرانية في هذه المنطقة من إندونيسيا لم يتحولوا حباً في النصرانية، وإنما حباً في هدايا وعطايا الأرز والقمح؛ حيث يعيشون حياة برية وسط أحراش قاحلة وجزر متباعدة متفرقة (نوساتنجارا الشرقية تتكون من ١١١ جزيرة مساحتها الكلية ٤٨٠٠٠ ... كيلو متر مربع) بمعنى أن مساحة الجزيرة الواحدة منها في المتوسط من ٤٥٠ - ٤٨٠ كيلو متر مربع) وأكبر هذه الجزر هي تيمور الشرقية.

ولنا أن نتصور هذه الجماعات المتفرقة على هيئة قبلية في عدد يزيد على

مائة جزيرة متباعدة يطحنهم الفقر لندرة الأمطار وتفشو فيهم الجهالة والبدائية،

وكأنهم يعيشون ما قبل التاريخ، وبالفعل فإن مناطقهم على مستوى إندونيسيا هي

الوحيدة التي ما زالت ترتع فيها أنواع الزواحف العملاقة الشبيهة بالديناصورات،

وهي لا توجد في أي منطقة أخرى في العالم، حتى أصبحت مزاراً لمن أراد أن

يرجع بذاكرته إلى عهد الديناصورات الأولى.

ثالثا: الخنجر المسموم: الدولة المسخ.. ولا مؤهلات:

لقد عرف الصليبيون هذه الصفات فنزلوا هناك ومعهم الأرز والهدايا فأحالوا

هذه الأحراش الموحشة إلى النصرانية دون مقاومة تذكر، ثم ها هم اليوم يحيلون

هذه الأحراش الموحشة إلى دولة مستقلة ذات سيادة ستنضم إلى أسرة الأمم المتحدة

أسرع من البرق ثم تنهال هناك الإمدادات العسكرية والمالية، ليس لأهلية الأهالي

لأن يكونوا دولة مستقلة، ولا حتى لأهليتهم لأن يكونوا إقليماً ذا حكم ذاتي، وإنما

لأهلية المنطقة بكاملها لأن تكون خنجراً مسموماً لطعن الجسد الإسلامي المثخن

بالجراح في إندونيسيا المسلمة؛ ومن هنا فإننا نرفع اليوم عقيرتنا مرة أخرى

لتحذير المسلمين في أنحاء العالم بأن ما يحدث اليوم في تيمور الشرقية - إن تم

التغاضي عنه، ومر دون رد فعل إسلامي مناسب (لا سمح الله) - فستسمعون

قريباً عن نظائره الكثيرة في هذه الرقعة النائية المنسية من عالمنا الإسلامي الكبير،

وكل المناطق قبل تيمور كانت في الخطر الداهم؛ فكيف وبعد قيام دولة صليبية

مستقلة تتولى كبر الأحقاد البابوية، أحقاد الرهبان ذوي الأنياب الدامية المتخفية

خلف أشد الوجوه مسالمة وسماحة، وجوه الرهبان أصحاب العيون الوادعة والشفاه

المبتسمة، أصحاب القلوب الميتة المريرة الزرقاء.

ولما كان الجسد الإسلامي من أوله إلى آخره وحدة لا تنفصم لها عرى، فهذا

نداء من القلب إلى الدعاة الربانيين من كل جانب، الذين يفزعون عند كل صيحة

ينصرون الله ورسوله.

إنه نذير مبين من أقصى الأرض وحجة دامغة على كل من سمعه من أتباع

محمد صلى الله عليه وسلم، أن يقولوا يوم القيامة: إنا كنا غافلين، أو يقولوا: ما

كان لنا بذلك من علم.

إن الأرقام المؤلمة لتنطق بحقائق دامية، وعلى كل داعٍ إلى الله - تعالى -

وكل كاظم يريد الله ورسوله والدار الآخرة أن يضعها عصائب على عينيه، فلا

ندري: ربما انقذف من ظهر الغيب جيل باهر يدافع دون تراخٍ عن جهاد

المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فكانوا نبوءة محمد صلى الله عليه

وسلم وقد بعثت حية تنطق بعد أكثر من ألف عام.

ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد!


(*) أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك في كلية التربية للبنات بالرياض، والكاتب ذو خلفية متخصصة عن إندونيسيا لتدريسه سابقا في الجامعة الإسلامية (LAIN) بجاكرتا وهو ملم باللغة الإندونيسية ومطلع على كثير من شئونها التاريخية والسياسية.
(١) انظر مجلة الوسط، العدد: ٣٩٨، ١٣/٩/١٩٩٩م.