للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الافتتاحية

أيها المسلمون:

إلى متى هذا الهوان..؟

واقعة مثيرة حدثت في الأسابيع الماضية لكنها تُجُوهلَتْ، لا أظنها تقل خطراً

وجلالاً عن واقعة مذبحة الخليل الشهيرة، وما أعقبها من تخاذل غير مستغرب على

هيئة الأمم ومؤسساتها، في إصدار قرار عادل يدين الجريمة ويحدد سبل حماية

المواطنين الفلسطينيين العُزل من «جنون» المستوطنين اليهود المسلحين وأعوانهم

في جهاز الشرطة وجيش الإحتلال الصهيوني.

والشعور العام، في أوساط الإعلام العربي خاصة، بحجم الخطر الذي تمثله

الواقعة الجديدة، أوقع الإعلام العربي في زلل فاحش، حين تعمد إخفاء معالم تلك

الواقعة، وحاول التعتيم على صلب موضوعها، بإثارة الكثير من الغبار حول

شكليات وملحقات لا تمت للموضوع الأصلي «الخطير» بصلة.

والشعور العام، في أوساط المؤسسات «القومية» العربية، والإسلامية

بحجم «الجريمة» التي اقترفتها الأمم المتحدة بحق الإسلام وشريعته، كان أيضاً

سبباً في التجاهل «المريب» من هذه المؤسسات وأجهزتها، لمعطيات الواقعة

رغم أنه طلب رسمياً من الجامعة العربية تحديداً إصدار بيان واضح يدين هذا

العدوان، ويطالب باعتذار علني للمسلمين، ولكن الجامعة جعلت كما يقولون أذناً

من طين وأذناً من عجين، ولا من رأى ولا من سمع.

* * *

القصة بتمامها، أن الأمم المتحدة عينت في العام الماضي، المدعو «كسبار

بيرو» مقرراً خاصاً لحقوق الإنسان في السودان، وقد نشط «بيرو» في

إعداد تقرير كامل عن أوضاع «حقوق الإنسان» في السودان، جاء مليئاً

بالاتهامات للحكومة السودانية في مختلف المجالات، وليس هذا بالمهم، فهذا شأنهم

وشأن السودان، ولكن ما هو ليس شأناً سودانياً بل هو شأن إسلامي عام يخص كل

مسلم على وجه الخصوص، أن مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان كتب في تقريره

مهاجماً الشريعة الإسلامية، ومعتبراً أحكامها في الحدود والقصاص إهداراً لحقوق

الإنسان الأساسية، ثم لم يقف التقرير عند هذه الإهانة لدين الإسلام، بل ذهب إلى

الهجوم على ممارسة «الدعوة إلى الإسلام» في المناطق الوثنية وغيرها، واعتبر

ذلك «انتهاكاً» لحقوق الإنسان، إضافة إلى هجومه على استعمال اللغة العربية

لغة أولى للتعليم في السودان، معتبراً ذلك خرقاً لحقوق الإنسان.

* * *

في أعقاب هذه «الفضيحة» ناشد السودان الأمم المتحدة سحب الفقرات

الخاصة بالطعن في الإسلام وشريعته، وطلب اعتذاراً «للمسلمين» عن هذا الجرم

في حق دينهم، بيد أن الأمم المتحدة رفضت بإصرار تحقيق هذا الطلب

«البدهي» بل إن الولايات المتحدة تقدمت بمشروع قرار يوصي بقبول تقرير ... «كسبار بيرو» بل وإمعاناً في الاستهتار، يوصي بمد خدمته في السودان عاماً آخراً، أيضاً المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، دافع عن تقرير

«بيرو» واعتبر أن «الحريات الأساسية» أهم من «الخصوصيات

الإقليمية» ، ولعله استحى أن يقول «الدينية» ، وعلى كل حال فكل ما لا يقل إجراماً عن تقرير «بيرو» ، حيث يكون «مفهوم الإنسان الأوربي» عن الحريات، أقدس وأجل من دين الإسلام وشريعته بل ويلزم الإسلام بالخضوع للمقررات الأوربية في ذلك.

* * *

وكما قدمنا، الإعلام العربي تجاهل الواقعة على خطرها ومن تعاطى معها

حاول إخفاء صلب الواقعة، وجوهر الجريمة، وصور الخبر على أنه نزاع بين

السودان والأمم المتحدة في شأن إهدار حقوق الإنسان في السودان كذلك

«المؤسسات القومية» ، تجاهلت هذا العدوان على الإسلام، وكأن الإسلام وشريعته أصبحتا شأناً وطنياً خاصاً بقطر من الأقطار، وليس دين الأمة بكاملها، وما يمسه ويجرحه فهو يمس كل مسلم، ويطعنه في أعمق مشاعره «وحقوقه» الأولية.

ولنا أن نتخيل هذا الطعن الوارد في تقرير صادر عن الأمم المتحدة موجه إلى

المسيحية أو اليهودية، فماذا سيكون رد الفعل على مثل ذلك الطعن؟ بل إننا نقطع

بأن مثل هذا السؤال مجرد فرض وهمي، إذ أن أحداً في المنظمة الدولية لا يجروء

ولا يجول بخاطره أن يتعرض، ولو من بعيد، إلى اليهودية أو المسيحية، ولا

حتى عباد البقر، فهل صحيح أن الإسلام هو الدين المستباح عند المنظمة الدولية،

في عقيدته التي تطعن «بدم بارد» في أصولها، ويكابرون في مجرد تقديم اعتذار، وحتى إنسانه الذي يذبح في مسجده ومصلاه بالجملة ومع ذلك تعاند المنظمة أو

بعض كبرائها في إدانة المجرمين وحماتهم، وتتهرب من الالتزام «بحق الإنسان

الفلسطيني المسلم» في أن «يعيش» ، وتحرمه من «الحماية» ضد مسلحين

يحملون براكين مكبوتة، من الحقد والمرارة والعنصرية ضد كل ما هو عربي أو

مسلم!

هل أصبح الإسلام هو الدين المستباح في عالم اليوم؟ وهل أصبح طموح

المسلمين في كل مكان أي يطالبوا بإقامة «مناطق أمنة» لعقيدتهم التي تنتهك

بصورة شبه اعتيادية وعلى مختلف الأصعدة من المنظمات الدولية إلى كتاب

وفنانين يحظون بمباركة وحماية أكبر زعامات العالم السياسية وحتى بيوت الأزياء

والموضة؟ !

ما الذي يراد بالضبط من المسلمين هذه الأيام؟ وما معنى هذا المسلسل

المتوالي من الاستفزاز والاستثارة المدعم بتيار إعلامي لا ينقطع مدده من دعاوى

«الإرهاب الإسلامي» ! والتطرف الإسلامي! والخطر الإسلامي! وأي شراك خبيثة تلك التي تنصب للمسلمين اليوم في غير مكان وناحية؟ !

* * *

خبر.. أصدر البرلمان التركي قراراً برفع الحصانة البرلمانية عن النائب

«حسن ميزارتش» من «حزب الرفاه» الإسلامي، ثم ألقت قوات الأمن ... القبض عليه بعد صدور قرار باعتقاله، والتهمة «إهانة ذكرى مصطفى كمال أتاتورك» !

انتهى الخبر، وانتهت معه وبه افتتاحية العدد.