للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[أمريكا رجل مخمور في يديه حفنة دولارات وبندقية]

أحمد فهمي

في إحدى خطبه الكثيرة التي أعقبت هجمات ١١ سبتمبر/ أيلول مباشرة، قال

الرئيس الأمريكي جورج بوش: «قد تكون مبانينا اهتزت بفعل الإرهابيين، ولكن

المجتمع الأمريكي أبداً لن يهتز» .

وتلك بالطبع كذبة كبيرة؛ فالمجتمع الأمريكي لم يتوقف اهتزازه منذ ذلك

التاريخ، بل قد يظن من لا يعلم أن المباني قد انهارت من قوة الزلزلة التي انتابت

«الشعوب الأمريكية» وليس العكس.

والباحث في ما وراء الحدث يرى بوضوح أن أزمة الأمريكيين تكمن في كون

هذا الهجوم نجح في تخطي الأهداف التقليدية المتمثلة في مظاهر القوة العسكرية

والاقتصادية؛ ليضرب في عمق لم يتوصل إليه أحد قبل، ولم يتوقع الأمريكيون

أنفسهم أن يُضربوا فيه بهذه القوة.

ولا نقصد بالعمق تدمير البرجين والبنتاجون، إنما مقصدنا ذلك العمق الذي

انهار في الداخل الأمريكي بفعل توابع الزلزال.

لقد اكتشف الأمريكيون، واكتشف العالم معهم أن المارد الذي يحمل بين يديه

وسائل الرغبة والرهبة يكاد ألاَّ يقوى على حملها، وأن توجيه الضربة إلى الساعد

الذي يحمل البندقية أسهل ألف مرة من مقارعة النار بالسيف. لقد بان للعالم بأسره

أو لذوي العقول فيهم أن الولايات المرتعبة الأمريكية حفرت من حولها بحاراً من

الوهم كانت هي أول من غرق فيها، وأن الجسد الذي يحمل العصا والجزرة قد

نخره المرض وبات مفككاً.

ومشكلة منفذي العمليات الانتحارية الأخيرة أنهم كشفوا العورة الأمريكية؛

لينظر الأمريكيون إلى أنفسهم وقد فقدوا رجولتهم، فانطلقوا في هيستيريا جماعية

يعبِّرون عن رغبة عارمة في الانتقام للشرف المستباح. وما بين الرغبة في الانتقام

وممارسة الخوف يقضي جل الأمريكيين أوقاتهم في حقبة ألفية جديدة كانت أحلامهم

فيها تتجاوز قمة مركز التجارة العالمي الذي انهار مع الحلم الأمريكي.

وكان خبراء البيت الأبيض الذين أوكل إليهم كتابة خطاب بوش الابن في

الكونجرس الأمريكي على حق حينما عبَّروا عن الأزمة بقولهم: «إن الحرية

أصبحت في حالة حرب مع الخوف» . ثم عُدِّلت إلى: «لقد اندلعت الحرب بين

الحرية والخوف» ؛ فما يعانيه الشعب الأمريكي اليوم أحد أسبابه الرئيسة أنهم لم

يعتادوا أن يفكروا بوصفهم أمة من قبل؛ فهم مجتمع لا مركزي تسوده النزعة

الفردية، يعتقد الناس فيه أن بإمكانهم الاهتمام بأنفسهم بعيداً عن الآخرين، وبعيداً

عن تدخل الدولة، وفي المقابل تمارس الإدارة الأمريكية سياساتها الخارجية بمعزل

عن الشعب الذي لا يأبه إلا بشؤونه الداخلية. وقد كان بوش الابن قبل توليه معبِّراً

عن هذا التوجه الأمريكي الذي يجهل الكثير عن العالم الخارجي؛ فحينما سئل في

حملاته الانتخابية الرئاسية عن حاكم باكستان العسكري ورئيس وزراء الهند، لم

يعرف الثاني، وقال إن الأول اسمه: «جنرال» !

والحرية في مفهومها أو تطبيقاتها الأمريكية أخذت أبعاداً شتى جعلت

مصطلح الحرية نفسه قاصراً عن التعبير عنها. نعم كانت الحرية حجر البداية،

ولكن الحجر الأخير الذي سقط على رءوس الأمريكيين لم يكن مكتوباً عليه قطُّ

الحرية، بل وفق مفهومنا نحن المسلمين، نقرأ بلغتنا على ذاك الحجر أحرف:

«العبودية» .

أوصلت الحرية العالم الأمريكي إلى أن أصبح كيانات مستقلة تعيش داخل

دولة واحدة: قوى اقتصادية وسياسية واجتماعية متصارعة، تحدوها مصالحها

الخاصة، وداخل كل كيان يتحرك المنتمون إليه وفق مصالحهم الشخصية، فلا

توجد ثقافة متوارثة أو مختلقة لدى الأمريكيين تجعلهم يعيشون كتلة واحدة منصهرة،

وقد اعتادوا على ذلك وألفوه وأحبوه، حتى إذا وقعت الحادثة كان على لسان كل

أمريكي عبارة: (يا إلهي! ينبغي أن نفكر ونعيش كأمة واحدة) ، فماذا صنعوا؟

كعادتهم المثلى في التعبير بالشراء. انطلقوا إلى المحلات التجارية لشراء الملايين

من الأعلام الصغيرة، يعلقونها على بيوتهم وسياراتهم ويلوحون بها في بلاهة:

(نحن أمة واحدة) .

وإجمالاً نستطيع القول إن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كشفت مظاهر

مَرَضية كثيرة في جسد الدولة الأمريكية نستطيع توزيعها بسخاء على مجالات

عديدة: القوة العسكرية الأمن القوة الاقتصادية المجتمع النظام السياسي، ولكننا

نجتزئ منها ثلاثة فقط تحتاج معها إلى وقفات وتأمل.

أولاً: القوة العسكرية (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) .

قد يعجب بعض الناس من إدراج القوة العسكرية الأمريكية ضمن مجالات

كشفت الهجمات الأخيرة عن مظاهر ضعفها، ومرد هذا العجب محدودية النظرة

للجانب العسكري في معلومات مباشرة من قبيل حجم القوات، وكفاءة التصنيع

العسكري، ومستوى التدريب، وتنوع الأسلحة وتطورها، وضخامة كمّها.... إلخ؛

في حين تخفى بنود أخرى كثيرة رغم أهميتها في رسم معالم السياسة الأمريكية،

ومن هذه البنود:

- مصالح شركات صناعة السلاح، ومعظمها شركات غير حكومية هدفها

الأول تحقيق الأرباح عن طريق زيادة المبيعات، وهذه الشركات تجمعها هيئة

مشتركة تعبر عن مصالحها، ولها نفوذ ضخم في الأوساط السياسية ولدى متخذي

القرار، وقد عبَّر الرئيس الأسبق أيزنهاور عن مدى تغلغلها في المؤسسة السياسية

الأمريكية بقوله: «إن التأثير الكامل للنفوذ السياسي للبنية الصناعية العسكرية

واضح في كل مكتب وكل مدينة، وهي تعد خطراً كبيراً؛ لأن قوتها الهائلة تعمل

على انهيار التوازن السياسي» .

ومعروف للمراقبين الصلات القوية التي تربط عائلة بوش بشركة (بوينج)

التي تنتج العديد من الطائرات العسكرية مثل إف ١٦ وغيرها، وهذه الشركات

تتعرض لخسارة بالغة لو توقفت الإدارة الأمريكية عن التعاقد معها بصورة دائمة

على صفقات ضخمة، كما تتأثر أيضاً بالمناخ العالمي، وكلما زاد حجم التوتر

والاضطراب الدولي فذلك يعني زيادة في طلبات الشراء والأرباح وفرص العمل،

وكثير من الخبراء والمحللين يعتقدون أن مقتل جون كنيدي الرئيس الأسبق كان

وراءه مافيا السلاح؛ لأنه قرر الانسحاب من فيتنام التي كانت تضخ عشرات

المليارات إلى خزائن تلك الشركات، ويكفي أن نعلم أن الحرب أهلكت خمسة آلاف

طائرة هليوكوبتر، وألقي على الفيتناميين ٥,٦ مليون طن من القنابل.

وخلال حملته الانتخابية دعا بوش إلى «العبور فوق جبل كامل من الأسلحة

لمواجهة أنواع جديدة من التهديدات» ، لكنه بذلك وجه تهديداً لمتعهدي وزارة الدفاع

وخدمات التسلح، وهذا ما دفع بعض المحللين للظن في دور محتمل للأيدي الخفية

داخل الإدارة الأمريكية في هجمات سبتمبر.

- بند آخر يتمثل في حجم ميزانية وزارة الدفاع، ويسعى صقور البنتاجون

دوماً إلى زيادة ميزانيتهم، ويضغطون على الكونجرس والبيت الأبيض بشتى

الوسائل لتحقيق هذا الغرض. وهنا تبدو شبكة من العلاقات الخفية بين البنتاجون

وشركات السلاح وعناصر أخرى من النظام السياسي الأمريكي تتوافق على هدف

واحد وهو بذل كل وسيلة ممكنة للحفاظ على حجم الميزانية وزيادتها، وبعد انهيار

الاتحاد السوفييتي تعرض اللوبي العسكري إلى ضربة قاصمة بزوال الخطر الأعظم

والمسوّغ الأكبر لميزانية عسكرية ضخمة، وبالفعل تم تخفيضها. وبرزت الحاجة

لصنع عدو جديد، أو بمعنى أدق البحث عن عدو قائم وتنصيبه عدواً أكبر للولايات

المتحدة، وهنا يصبح تضخيم العدو المحتمل أمراً حيوياً لكَمٍّ هائل من المؤسسات

الأمريكية حكومية وغير حكومية، ويمكن بسهولة ملاحظة المبالغة الهائلة في

التعامل العسكري مع هؤلاء الأعداء، كما حدث في العراق ويحدث في أفغانستان.

وحينما وقعت هجمات سبتمبر وجدت المؤسسة العسكرية نفسها في موقف لا

تحسد عليه؛ فالعدو الذي تحول إلى أسطورة ضرب بقنابل بشرية ذابت في الهواء،

وتحول الحديث عن جيش أمريكا الذي لا يبارَى إلى نوع من الهراء؛ فأكبر

خسارة منذ ستين عاماً، لم يكن للجيش أن يواجهها، وحتى بفرض معرفته المسبقة

كانت طائرتان فقط من بين مئات الأسراب تكفيان لحسم المشكلة، وهو ما جعل

كثيرين داخل أمريكا وخارجها يتساءلون عن جدوى نفقات التسليح الباهظة في

مواجهة عدو يستعمل أسلحة بشرية مزودة بالسكاكين. ومن يتابع الأحداث بعد

فسيلاحظ التكلف الشديد في إظهار أهمية الحشود العسكرية المبالغ فيها، والتنوع

الهائل في الأسلحة والقذائف.

- بند ثالث: وهو تحول الجيش الأمريكي إلى ما يمكن أن نطلق عليه

تجارياً: «البضاعة للعرض فقط» ، وبالمفهوم العسكري: «للترهيب فقط» ،

ومن يراقب الأداء العسكري للقادة والوحدات والجنود يتيقن من أن ذلك كله للعرض،

وليس هناك استعداد لتشويه رونق البضاعة بتراب الحروب هنا أو هناك، ولم

يدرك أطفال الأفغان تلك الحقيقة وهم ينطلقون في الشوارع لدى بدء الحرب

يتساءلون: أين الأمريكيون لنضربهم؟ وكما يكرر رامسفيلد دائماً: «نحن

موجودون على الأرض لتقديم المشورة والنصح فقط» . وهذا المفهوم قد يشمل

أحياناً أنواعاً من الأسلحة يفضل بعض القادة الأمريكيين عدم المجازفة بها في حرب

كهذه، كما حدث بالنسبة لاستخدام رادارات جي ستارز المحمولة جواً لكونها معدات

ثمينة.

- ومن البنود المهمة أيضاً: الحديث عن مَعْلَمٍ بارز بات يحكم الصناعة

الأمريكية في معظم المجالات ومنها العسكري، وهو ما يمكن أن نسميه: «هوس

التطوير» ، ونعني به التطوير الدائم لكل شيء حتى لو لم يكن له فائدة؛ فلا يمكن

في أمريكا أن تظل السلعة أو المنتج على نفس الصورة أكثر من شهور معدودة دون

تغيير أو تطوير، وهناك قانون صدر يمنع الشركات من مضاعفة إمكانات أي منتج

صناعي في أقل من سنتين.

وهذه الظاهرة تنطبق على صناعة السلاح، وهو ما ينتج عنه إرهاق شديد

للميزانية العامة ودافعي الضرائب، وسرعة تقادم وتراكم الأسلحة في الجيش

الأمريكي الذي تواجهه مشكلة تصريف القديم منها، ولا شك أن مثل هذه الحروب

السهلة تعد وسيلة نموذجية لتصريف كمٍّ هائل من الذخائر وتجربة كمٍّ آخر منها ومن

الأسلحة الجديدة، والمتابع لتصريحات بوش الابن ورامسفيلد الوزير عن معركتهم

الحاسمة ضد الإرهاب يدرك مستوى الخداع الذي تمارسه الإدارة الأمريكية على كل

الأطراف بمن فيهم الشعب الأمريكي نفسه، وسعيها لصناعة نصر حاسم على

طريقة هوليود: قضينا على الدفاعات الجوية (غير الموجودة!) دمرنا كل

المطارات (المهجورة!) السماء الأفغانية أصبحت مفتوحة (لم تقفل يوماً!) قرب

الانتقال إلى المرحلة الثانية من الهجوم (لن يعدوَ أحد وراءكم!) .. إلخ، ويتحول

الإدراك إلى سخرية حقيقية حينما يتبين أن خبراء الاستخبارات والبنتاجون يعقدون

جلسات استماع مع كبار المخرجين وكتبة السيناريو في هوليود للاستنارة برؤيتهم

الخيالية في استقراء التطورات المستقبلية.

نقول إنه حينما تنجح كيانات خاصة داخل الدولة في جعل أهدافها محوراً

استراتيجياً للعمل السياسي داخلياً وخارجياً، فذلك يعني أن مرضاً عضالاً تعاني منه

الدولة، حوَّلها إلى الشركات المتحدة الأمريكية.

ثانياً: المجتمع (يحسبون كل صيحة عليهم) .

لن نفهم ما حدث في أمريكا حقيقة إلا بعد النظر في الأمر بموضوعية بعيداً

عن العاطفة الجارفة للفكر، وأولى درجات الموضوعية أن نقر بأن أمريكا خاصة

بعد إقرار قانون الحقوق المدنية تعد من أكثر النظم الكافرة على مدار التاريخ تحقيقاً

للعدل مع شعوبها، والقاعدة التي بين أيدينا تقول: (إن الله يقيم الدولة العادلة ولو

كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة) ، والعدل الأمريكي عدل

نسبي، ولكن مقارنة بالأحوال العالمية المتردية نجده متفرداً بعض الشيء، ولأن

العدل الأمريكي عدل بشري لا يقبس من نور الوحي، فدعائمه ذات سَمْتٍ خاص،

وحينما عبَّر المفكر الأمريكي فوكوياما عن افتتانه بذلك النموذج واعتبره نهاية

التاريخ لم يكن مبالغاً؛ إذ ربما يكون حقيقة باعتبار النتاج البشري، ولكن ما غفل

عنه فوكوياما أن الدعائم التي تحفظ لذلك النظام توازنه دعائم مؤقتة سرعان ما

تذوب، ولكن وفق أعمار الدول والحضارات. وحينما أطلقت الإدارة الأمريكية

على حربها الأخيرة اسم: «العدالة الدائمة» توافق ذلك مع كون الحدث الدامي

مؤشراً لاقتراب العدالة الأمريكية برمتها من خط النهاية؛ لتكون العدالة الإلهية هي

الأحق بالدوام من عدالة البشر.

نقول إن هجمات الحادي عشر من سبتمبر خلخلت دعائم الحضارة الأمريكية

وأفقدتها توازنها الذي ربما كان سيستمر فترة أطول لولا ما حدث في واشنطن

ونيويورك، ولو رجعنا إلى عبارة بوش في خطاب الأزمة: «لقد اندلعت الحرب

بين الحرية والخوف» لتؤكد لنا أن الدعامة الأساسية التي قامت عليها العدالة

الأمريكية هي الحرية المطلقة، ولو رجعنا إلى الوراء أكثر للرئيس الأسبق

روزفلت، فسنجد من أقواله المأثورة: «إن الذي يريد أن يجمع بين الأمن

والحرية لا يستحق أياً منهما» ، فالحرية هي عنصر التوحد والتماسك في

«المجتمعات» الأمريكية، والأمريكيون يدينون بالفضل في تماسكهم النسبي سنوات

طويلة لحريتهم المقدسة؛ فما الذي حدث بعد ١١ سبتمبر؟ لقد تحقق الشق الأول

من قولة روزفلت، وعزمت إدارة بوش على الجمع بين النقيضين في الشريعة

الأمريكية: الحرية والأمن، وما نراه حالياً، وما يتوقع لاحقاً إن شاء الله سيكون

تطبيقاً للشق الثاني من قولة روزفلت: «لا يستحق أياً منهما» حيث يكتشف

الأمريكيون بعد عناء المواجهة أنهم فقدوا الحرية والأمن معاً؛ ومن ثم يفقد مجتمعهم

و (حضارتهم) الدعامة الأساسية «البشرية» ، ويقترب من الانهيار.

ولا يعني ذلك قطعاً أن الشعب لو تمسك بحريته نجت حضارته، بل على

العكس من ذلك فإن تمسك الأمريكيين بحريتهم هو سبب آخر من أسباب السقوط،

وهذه حكمة إلهية؛ فالمنهج الرباني المتمثل في الإسلام هو وحده الذي يرتقي دوماً

من يتمسك به، أما غيره من نتاج البشر فما يُظن أنه سبب للرقي تكمن في طياته

حيثيات السقوط؛ فحريتهم المقدسة إن تمسكوا بها تلفوا، وإن نبذوها هلكوا.

١ - لماذا يخاف الأمريكيون؟

بالطبع هناك الأسباب المباشرة مثل: فجأة الحدث، وفداحة الخطب، وجهالة

العدوّ، وترقب العَوْد.

ولكن عادة تكون هناك أسباب كامنة لها دور كبير في حجم الخوف ومظاهره،

ولن يفسر ردة الفعل الهائلة لدى الأمريكيين مجرد استعراض الأسباب المباشرة.

والتأمل في الحالة الأمريكية يبرز لنا ثلاثة عوامل تجعل الهلع الأمريكي

مقبولاً إلى حد كبير:

الأول: جعلت الأحداث الأخيرة من الشعب الأمريكي ما يمكن أن نسميه:

«الشعب المبستر» ، فقد نقلته من حالة الأمن التام، إلى وضعية الرعب في

لحظات قصيرة جداً؛ حيث تعرض الأمريكيون لما يشبه البسترة التي تمثلت

أعراضها في توتر وفزع زائدين عن الحد؛ فما كانوا ليفكروا قطُّ في تهديد

يعقرهم في عقر دارهم بلا مقدمات ولا إنذارات، وقد مرت عليهم عشرات السنين

لم يسمعوا فيها صَفَّارة إنذار، ولم تُقصف بيوتهم بالقنابل، بل ولا الحجارة، وفَقْدُ

الأمن أشد على النفس من افتقاده، لا شك في ذلك.

الثاني: الشعب الأمريكي يعيش حياته في العراء، بمعنى الكلمة، ولا نعني

البعد الأخلاقي لها، بل ما نقصده أن الحياة الأمريكية مفتوحة ومكشوفة؛ فهم

«كانوا» يعيشون حياة من لا يخشى الخوف، فأخرج ما لديه للعيان، ولكن ما أن

جاء نذير سبتمبر حتى وقعوا في أزمة كبيرة، فهم أشبه بتاجر فاق حجم بضاعته

مساحة محله، ولا يرى بأساً في ذلك، حتى إذا أدركه أعداؤه استعصى عليه

إرجاعها إلى مكانها الطبيعي بعد أن فاقته حجماً.

وهذا ما حدث لهم، وشل الحياة العامة في بلادهم لفترة غير قصيرة؛ حيث

تحولت معظم مظاهر تلك الحياة إما إلى ثغرات وإما إلى أهداف محتملة

«للإرهابيين» ، وهو ما أنتج منظومة متكاملة من مشاعر الرهبة والفزع والقلق

الدائمة، وهو ما دفع الخائف الأعظم ديك تشيني إلى التصريح في إحدى مرات

ظهوره: «إن الحياة في أمريكا قد تغيرت إلى الأبد ولن تعود إلى ما كانت عليه» .

الثالث: أن الأمريكيين لا يؤمنون بالقَدَر ولا يُسلِّمون به، ومن ثم استسلموا

إلى متاهة «ماذا لو؟» الشيطانية، ولهذه المتاهة قدرة على تحويل التقدم التقني

والإمكانات الهائلة إلى وبال على صاحبها؛ إذ كلما عنّ له فكر حوَّله إلى فعل. ولا

شك في أن متابعة يوميات المجتمع الأمريكي في الأسابيع الأخيرة تعطي شواهد لا

حصر لها على هذه الظاهرة، مثل الإقبال الشديد على اقتناء الهواتف الخلوية،

وحمل الأطعمة بدون داعٍ تحسباً لأي إقامة مفاجئة تحت الأنقاض، والهوس بشراء

أقنعة الغاز التي نفدت من الأسواق، والفزع من طائرات رش المحاصيل.. إلخ.

ولأنه لا توجد طريقة واحدة تصل الأمريكيين بربهم في إطار عقيدتهم، لم

يجدوا إلا أن يعلقوا لافتات على المنازل والمكاتب تناجي الرب أن ينقذ أمريكا. أما

جورج بوش، فلم يجد شيئاً يطمئنهم به إلا أن يقول: «اذهبوا إلى ديزني لاند،

وانسوا ما حدث» ! .

٢ - صراع الحضارات يبدأ في أمريكا:

أمريكا دولة متعددة الجنسيات، متعددة الأعراق، متعددة الثقافات، لم تستطع

أن تصهر كل ذلك في بوتقة واحدة، فارتضت أن تسود «الحرية» عالمها، ولكل

أن يفعل ما يشاء، وقد زاد ذلك من التميز العرقي في أمريكا لدرجة هائلة، وما

يسمى بالذوبان في المجتمع الأمريكي كلام زائف؛ إذ لا يتعدى قشوراً ثقافية

خارجية، بينما الانتماء الأساسي يبقى كما هو، والغريب أن الشعب نفسه عند

الأزمات يتعامل وفق هذه القاعدة، فأثناء الحرب العالمية الثانية تعرض اليابانيون

الأمريكيون إلى اضطهاد شديد، وجُمعوا في معسكرات اعتقال جماعية، وتعرضوا

للقتل، وخلال الحرب الفيتنامية، تعرض الأمريكيون من أصول آسيوية للاضطهاد

كذلك لعدم القدرة على التمييز بين الفيتنامي والصيني والكمبودي، ومنذ سنوات

قريبة حدثت أزمة في صناعة السيارات الأمريكية بسبب الإغراق الياباني،

فتعرض الصينيون في ديترويت عاصمة صناعة السيارات للاعتداء إلى حد القتل

لتشابه ملامحهم مع اليابانيين، وأخيراً بعد هجمات سبتمبر تكرر الأمر مع المسلمين

مع اكتسابه بعداً دينياً واضحاً، وتعرض بعضهم للقتل الخطأ أيضاً حيث قُتل قبطي

مصري ظناً أنه مسلم، أضف إلى ذلك كله تنامي العنصرية البيضاء تجاه سائر

الأعراق والألوان.

ويرى بعضهم أن الهجمات الأخيرة عملت على توحد الشعب الأمريكي

بمختلف فصائله، لكن يردُّ على ذلك خبراء من أمريكا نفسها يرون أن هناك فرقاً

كبيراً بين الانكماش نتيجة الخوف والاندماج إثر التوحد، ويقول الدكتور (كلارك

ماكولي) أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة بنسلفانيا: «إن ابن لادن الشخصية

الأحدث على ملصقاتنا، ولكن ماذا لو فقدناه؟ ما الذي سيحدث لو أُسر أو قُتل؟

سيقول كثيرون: لقد نجحنا، دعونا نتوقف عن العبث ونذهب لبيوتنا، ولكن

المشكلة أكبر من أن تكون مشكلة شخص واحد، وسوف نكون في مشكلة كبيرة» .

وإذا كان صمويل هنتنجتون يبشر بصدام الحضارات، فنحن نبشره أن ذاك

الصدام سيصيب أمريكا نفسها؛ فهي بحق نموذج مصغر للعالم، تعبِّر عن أخطائه

وأمراضه، وكما تجذب العقول الفذة من سائر الأنحاء، تجلب معها عيوب الدنيا

بأسرها، وما رآه الأمريكيون يوماً مفخرة لكونهم أذابوا العالم كله في بوتقتهم،

سيصبح عن قريب محزنة حينما يتحول إلى مصفاة تتسرب من ثقوبها حضارتهم.

ثالثاً: الأمن (كأنهم خُشُب مسنَّدة) .

حكمت حركة طالبان أفغانستان ما يقرب من خمس سنوات حتى الآن، وكان

أعظم إنجاز لها اعترف به العدو قبل الصديق أنها نجحت في تحقيق الأمن في بلاد

لم تنعم به طيلة عشرين عاماً كاملة، وبإمكانات شهد الصديق قبل العدو أنها تسمى

إمكانات مجازاً، وفي أمريكا يحكم نظامها السياسي البلاد منذ القرن التاسع عشر،

ومقارنة بما تملك من إمكانات، فإن مستوى ذلك النظام يكاد لا يقرب منزلة طالبان

في هذا المضمار.

وقبل أحداث سبتمبر مباشرة كانت قناة CBS التلفزيونية المعروفة تعرض

مسلسلاً يحمل اسم وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) ، تدور قصته حول

مجموعة إرهابية إسلامية تخطط للقيام بعمل إرهابي ضخم، وطبعاً يتمكن رجال

الوكالة من إحباط هذه العمليات ببطولتهم المعهودة، وبينما لم تنته حلقات المسلسل

بعد حتى فوجئ الناس بما يمكن وصفه أنه أعظم إخفاق في تاريخ أجهزة المخابرات

الأمريكية، وأيضاً من مجموعة يدعون أنها إسلامية «إرهابية» . إن ما حدث

يمثل بالضبط الفرق بين الوهم والحقيقة في المقدرة الأمنية الأمريكية، ويثبت للعالم

أجمع وفي مقدمتهم المسلمون، أن أمريكا تستمد قوتها من هوليود أولاً قبل نيويورك

وواشنطن، ولقد كشفت تفجيرات سبتمبر وما تلاها عورات أمريكا الأمنية بصورة

فجة، سنلقي الضوء على بعضها ليقر في الأذهان أن أمريكا أسطورة بالفعل،

والأساطير لا تعيش طويلاً على أرض الواقع:

١ - التضخم سمة أساسية لكل شيء في أمريكا: لا نعلم السبب في ذلك،

لكنها حقيقة، هم يحبون الضخامة في كل شيء، وفرق كبير بين ما يصنعونه وما

يطلبونه، وبين ما يطلبونه وما يحتاجونه، وبين ما يحتاجونه وما يكتفون به.

حياتهم مضت على هذا الأساس وتوازنت عليه، ولو توقف الأمريكان مثلاً عن

شراء البيتزا لاهتز الاقتصاد الأمريكي بأسره، وعلى المستوى الأمني توجد أكثر

من أربعين وكالة رسمية كبيرة تعنى بالشؤون الأمنية للبلاد، تتجاوز ميزانيتها

خمسين مليار دولار سنوياً، وتمتلك كمّاً هائلاً من الإمكانات التكنولوجية، ويعمل

فيها عشرات الآلاف من الأمريكيين، وتجمع الملايين من المعلومات سنوياً، وتقدم

خدماتها إلى عشرات الإدارات الحكومية المختلفة، وتعجز عن كشف عملية كبيرة

يعد لها داخل أمريكا لمدة لا تقل عن سنتين، وتُخفق في معرفة مرسل الجمرة

الخبيثة بعد أكثر من شهر على بدء إرسالها، وإذا تثاءبت وحذرت الناس كان

الخطر وهمياً. هذه حقيقة الأجهزة الأمنية الأمريكية: ضجيج ولا طحن، أعجزها

تضخمها الهائل عن الاستفادة بما لديها.

وبعد كل ما حدث لم يستطيعوا التخلص من دائهم، بل مضوا يستزيدون منه

فيعلن الرئيس الأمريكي عن إنشاء المزيد من الأجهزة الأمنية، وتعيين خبراء في

مناصب جديدة، وزيادة ميزانية الـ (سي آي إيه) ، والانطلاق نحو جمع المزيد

من المعلومات، وإطلاق المزيد من الأقمار.. إلخ.

٢ - العدو غير معروف والهدف مجهول: الوسائل والغايات في أمريكا لها

فلسفة مستقلة خاصة بها، ولأن التغير المستمر سمة لاصقة وسائدة في المجتمع

الأمريكي، بحيث تداخلت الوسائل والغايات إلى حد كبير، فما يعتبر غاية اليوم

كان وسيلة بالأمس، ووسيلة اليوم غاية الغد، وحينما أنشئت وكالة المخابرات

المركزية بعد الحرب العالمية الثانية، كانت غايتها رعاية الأمن الأمريكي، ولكن

اليوم أصبحت الـ (سي آي إيه) بحد ذاتها غاية بغضِّ النظر عن الدور الذي تقوم

به، وفارق كبير بين أن تتحرك الوكالة انطلاقاً من كونها وسيلة لحفظ الأمن،

وبين تحركها بغرض حفظ ميزانيتها أو كوادرها، أو مصالحها الخاصة التي

صيغت عبر عشرات السنين.

هذا التداخل في الدور المنوط بالوكالة ومعها باقي الأجهزة الأمنية، أعاقها

عن تطوير نفسها بما يتناسب مع التغيرات العالمية الحادثة. يقول جيمس بامفورد

المتخصص في شؤون المخابرات: «لقد ركزت المخابرات لمدة نصف قرن من

الزمن على روسيا، وبعد انتهاء الحرب الباردة منذ عشر سنوات ركزت على

الطرق التقنية والثقافية لكنها لم تستفد بها في الوقت المناسب، كما أنها لا تمتلك

عدداً كافياً من المحللين العارفين بالأصولية؛ ولذلك أخفقت في معرفة الإشارات

والتوجهات قبل وقوع الحدث» .

ومما كشف العوار أكثر أن تلك الأجهزة استعاضت عن الفطنة بالشك،

فمضت تقلب في الركام الهائل من المعلومات المتجددة دائماً تبحث عن رائحة أي

مؤامرة محتملة، ثم تسارع للناس تنذرهم: احذروا طائرات الرش، ابتعدوا عن

الجسور والكباري، تنبهوا لعملية إرهابية كبيرة قبل رمضان. وسئل مسؤول أمني

كبير: ما الذي جعلكم تطلقون تحذيرات لم تتأكدوا من جديتها؟ فقال: «كان بين

أيدينا خيارات: إما أن نحذر الناس ويصدق التحذير فنصبح أبطالاً، أو نحذرهم

ولا يقع شيء فنُلام، أو لا نحذرهم ويقع المحظور فتطير رؤوسنا» هكذا.

٣ - الأمن فاقد التركيز، والمجتمع فاقد التمييز: يقول المعلق الأمريكي

الشهير (جورج ويل) معبراً عن توجه أمني: لا شيء يمكن استبعاد التفكير فيه،

وإن كان هذا النهج معتمداً أمنياً في أمريكا، فإن كثيراً من الخبراء يقولون: إنه

يؤدي في النهاية إلى تشتيت الفكر والجهد، وهذا بالضبط ما تعاني منه الأجهزة

الأمنية الأمريكية.

فهي أولاً: ترزح تحت كمٍّ هائل من المهام غير الواضحة، والمتضاربة

أحياناً، فجهاز (إف بي آي) مثلاً، حينما قدم ميزانيته السنوية الأخيرة حدد مهمته

بأنها العمل على كشف المخططات التي تهدد أمن البلاد وإجهاضها، ولكن لما تبين

إخفاقه بعد هجمات سبتمبر، تركزت مهمته في كشف أبعاد ما حدث، وبينما هو

غارق لأذنيه في محاولة الفهم، صدرت له الأوامر بتركيز الجهود على كشف خبايا

مؤامرة الجمرة الخبيثة، وكانت النتيجة المبهرة التي توصل إليها لاحقاً أنه دعا

الشعب الأمريكي إلى مساعدته في حل اللغز، وأعلن عن جائزة مليونية إضافية،

ثم صدرت أوامر أخرى بتخصيصه لمعالجة القضايا الإرهابية دون غيرها؛ وربما

للنجاح الذي حققه.

أما ثانياً: فالاستراتيجية الأمنية الأمريكية من إحدى مسلَّماتها اتخاذ إجراءات

تأمين مبالَغ فيها إلى حد كبير، تضفي مزيداً من العبء بلا داعٍ على الأجهزة

المثقلة بالمهام؛ فعلى سبيل المثال: صدرت الأوامر بالتحقق من جميع العاملين في

صناعة الطيران، وفحص ملفاتهم وأحوالهم، وهذا يعني تناول أكثر من ٨٠٠ ألف

عامل بالفحص والتدقيق، وإنفاق أكثر من مليار دولار لتحقيق ذلك.

وثالثاً: تعاني الوكالات الأمنية الأمريكية من التنافس الشديد فيما بينها، ومن

كمٍّ هائل من البيروقراطية يعوق تحقيق التعاون فيما بينها. يقول السيناتور تورشلي

أحد المطالبين بمحاسبة الوكالات الأمنية: «إن أجراس إنذار قرعت، تحذر من

وقوع أعمال إرهابية، لكن أحداً لم يجمع تلك الإنذارات والإشارات بعضها مع

بعض قبل سبتمبر. إن هذه الأجهزة تشعر بالغيرة فيما بينها، ولا تتواصل بالشكل

الملائم» . وحلاً لهذه المشكلة المعقدة اتخذ بوش قراراً جريئاً بإنشاء وزارة أمنية

جديدة تتولى الإشراف والتنسيق بين مختلف الوكالات الأمنية، وكما يقول

المختصون إنه بذلك أضاف بعداً رأسياً للأزمة البيروقراطية أفقية.

وتواجه الأجهزة الأمنية بعد ذلك كله شعباً يتراوح بين العبث والهلع في

التعامل مع الأزمات؛ ففي أزمة الجمرة الخبيثة، انهالت عشرات الآلاف من

البلاغات التي تتحدث عن اشتباه في جمرة بعضها كان بسبب الخوف الشديد من أي

مسحوق أبيض دون بينة، وبعضها الآخر كان على سبيل المزاح أو الانتقام أو غير

ذلك، حتى إن تلميذاً في مدرسة أراد إلغاء الامتحانات، فوضع على طاولة في

المدرسة مسحوقاً أبيض فأُغلقت المدرسة بكاملها، ويقول أحد مسؤولي (إف بي

آي) : «كيف نؤدي عملنا ونحن مطالبون بالتحري عن آلاف البلاغات

اليومية بخصوص الجمرة الخبيثة.. لقد أصبنا بالشلل» .

ثم ماذا بعد؟

تلك هي الحضارة الأمريكية في صورتها المثالية: دولارات، وجيوش،

ولكنها تفتقر إلى مجتمع يحرسها، ولأن الهجمات الأخيرة لم توجه إلى المال أو

السلاح، وإنما وجهت إلى اليد التي تحملهما، بان العيب، وزال الريب؛

فالأمريكيون وإن كانوا يقشعرُّون من تسعة عشر انتحارياً دمروا عدداً من المباني،

لا يدركون أنهم بمثابة أكثر من مائتين وخمسين مليون انتحاري يسعون لتدمير دولة

بأسرها، تحدوهم في ذلك حضارتهم الفائقة التي ترتقي بهم إلى الطابق الأخير

لتقذفهم من عَلُ، فماذا يحدث للإنسان حينما يبتغي حكم نفسه المتغيرة بعقله القاصر

وفق علمه الناقص؟

والجواب ما تراه دون ما تقرؤه؛ فهذه الحضارة الأوروبية كفرت بمناهج الله

كلها حتى المحرف منها، ومضت تشق لنفسها طريقاً علَّه يوصلها إلى ... ؟ لا

ندري، لسبب بسيط أن الغرب نفسه لا يدري إلى أي وجهة يسير، أو بمعنى آخر

لقد شق الغرب لنفسه طريقاً للوراء كي يسير عليه للأمام.

وبمعنى ثالث: المنهج الغربي ليس منهجاً للسير في أي اتجاه بقدر ما هو

منهج للمراوحة في المكان؛ فهو منهج ينطلق من نفس الإنسان وينتهي داخلها،

ونتيجة لذلك فالثقافة الغربية الآن بمعناها الواسع تحدوها الرغبة في التحرر التام من

القيود بكل أشكالها، وسوف تتساقط القيود، أو ما بقي منها واحداً في إثر الآخر

والله أعلم حتى يجد الرجل الأوروبي نفسه يوماً ما طليقاً بلا قيد، حراً من غير

شرط، حينها فقط ستدرك الحضارة الغربية أنها سكرت حتى الثمالة.

إن أصدق وصف للحضارة الغربية أنها حضارة تبغي الانتحار، حضارة

ترتقي إلى الطابق الأخير؛ كي تلقي بنفسها من عَلُ!