خواطر في الدعوة
[ثقافة الكتاب]
محمد العبدة
من الظواهر الملفتة للنظر في حياتنا الثقافية هذه الأيام مزاحمة الشريط
المسموع للكتاب المقروء، وخاصة عند جيل الشباب الذي ضاق وقته في زحمة
الدراسة وزحمة العمل. وهذا العصر هو عصر السرعة، فهو يستمع للشريط في
غدوه ورواحه، وربما في المنزل وهو يقوم بأعمال أخرى، والسماع أسهل من
القراءة، فالقراءة بحاجة إلى صفاء في الذهن واستجماع طاقة التركيز، ولهذا بدا
وكأن الكتاب - وبخاصة إذا كان من الحجم المتوسط أو الكبير - ثقيل الظل على
هؤلاء الشباب.
وقبل أن نتكلم على أهمية الكتاب لا بد من القول أن الشريط الإسلامي الذي
يتضمن المحاضرات والدروس القيمة والخطب المؤثرة الصادقة، قد ساهم مساهمة
كبيرة في نشر الوعي بين صفوف طبقات كثيرة من الناس - وأعطاهم ثقافة لا بأس
بها، وهو وسيلة فعالة لأسباب كثيرة منها: سهولة التلقي، وسهولة الشراء،
وسرعة الانتقال، ولكن هل يغني هذا كله عن الكتاب؟ خاصة للشاب المسلم الذي
يؤهل نفسه ليكون داعية، والجواب: لا. ذلك لأن الشريط وإن كان يتضمن علماً
مثل الكتاب أحياناً، ولكن طريقة السماع لا تعطي العمق الذي تعيه القراءة،
والمعلومات التي في الكتاب لا يستطيع الشريط استيعابها، وفي الكتاب تعيش مع
المؤلف ومع الكلمات فتعطيك روحاً من روحها، ونحن نتكلم عن الكتاب المعاصر
الذي لا يوجد في شريط والذي يتحدث عن قضايا مهمة جداً من قضايا العصر،
فهل يهمل لأن حجمه فوق المتوسط، فكيف إذا انتقلنا إلى كتب الأمهات والأصول
مما كتبه الأجداد، وهو ذخيرة وأي ذخيرة في فهم الكتاب والسنة، ولا بد من
الرجوع إليها وخاصة التي تعتبر وحيدة في فنها، ولا نتكلم عن الكتيبات التي
زاحمت الكتاب أيضاً، وهي وإن كانت وسيلة ناجحة لطبقات معينة لكن يخشى أن
تصبح هي الأصل ويستسهل الناس أمثالها، وينفرون من الكتاب حتى ولو كان من
الحجم المتوسط.
لا يبني الداعية شخصيته بهذه الثقافة وحدها، لا بد أن يعيش مع الكتاب،
ومع الكتاب النافع المهم، ويتذكر أنه قبل كل شريط كانت هناك قراءة وكتابة، وأن
العالم أو الداعية الذي يستمع له قد أفنى حياته في القراءة قبل أن يقدم الشريط الجيد، وأما الاعتذار بضيق الوقت فهو حجة واهية، لأن الذي ينظم وقته لا بد أن يجد
وقتاً كافياً يعيش فيه مع الكتاب، ونقول له أخيراً: إن القراءة متعة بحد ذاتها، وإن
أول ما نزل من القرآن:
[اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَذِي خَلَقَ] .