وقفه مع آية
[إنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
ويُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً]
[الإسراء: ٩]
" أضواء البيان " - للشيخ الشنقيطي (٣ / ٣٩٦ - ٣٩٧) .
... ومن هدي القرآن الذي هو أقوم؛ هديه إلى أن التقدم لا ينافي التمسك
بالدين، فما خيله أعداء الدين لضعاف العقول ممن ينتمي إلى الإسلام من أن التقدم
لا يمكن إلا بالانسلاخ من دين الإسلام باطلٌ لا أساس له، والقرآن الكريم يدعو إلى
التقدم في جميع الميادين التي لها أهمية في دنيا أو دين، ولكن ذلك التقدم في
حدود الدين، والتحلي بآدابه الكريمة، وتعاليمه السماوية، قال تعالى: [وأَعِدُّوا
لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ] ، وقال: [وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ
وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ] يدل على الاستعداد
لمكافحة العدو في حدود الدين الحنيف، وداود من أنبياء (سورة الأنعام) المذكورين
فيها في قوله تعالى [ومِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ] ، وقد قال تعالى مخاطباً لنبينا -صلى الله
عليه وسلم- وعليهم بعد أن ذكرهم: [أُوْلَئِكَ الَذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ] .
وقد ثبت في " صحيح البخاري " عن مجاهد أنه سأل ابن عباس- رضي الله
عنهما-: من أين أخذت السجدة في " ص "؟ ، فقال: أو ما تقرأ: [ومِن ذُرِّيَّتِهِ
دَاوُودَ ... أُوْلَئِكَ الَذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ] ، فسجدها داود، فسجدها رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-.
فدل ذلك على أنا مخاطبون بما تضمنته الآية مما أمر به داود. فعلينا أن
نستعد لكفاح العدو مع التمسك بديننا، وانظر قوله تعالى: [وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم
مِّن قُوَّةٍ] ، فهو أمر جازم بإعداد كل ما في الاستطاعة من قوة ولو بلغت القوة من
التطور ما بلغت. فهو أمر جازم بمسايرة التطور في الأمور الدنيوية، وعدم الجمود
على الحالات الأُول إذا طرأ تطور جديد، ولكن كل ذلك مع التمسك بالدين.