للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأملات دعوية

[سلامة المنهج والعصمة]

محمد بن عبد الله الدويش

www. dweesh. com

مع انتشار الصحوة الإسلامية اليوم، وفشوِّ العلم الشرعي، كثر الحديث عن

المنهج والاعتناء بسلامته.

والمنهج يرتبط بالدعوة والتغيير ارتباطاً وثيقاً؛ ولذا فقد جاء ذلك في وصف

الطائفة المنصورة القائمة بالحق إلى قيام الساعة، وورد تحديد ذلك بقتال الدجال؛

ففي رواية أبي داود: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على

من ناوأهم حتى يقاتل آخرُهم المسيحَ الدجال» [١] .

وجاءت صفة هؤلاء أنهم من كانوا على مثل ما كان عليه النبي صلى الله

عليه وسلم وصحابته.

وخط الاهتمام بسلامة المنهج يتجه نحو الرقي والتصاعد، وهو أمر باعث

للفأل والاستبشار بمستقبل التغيير.

لكن الحرص على المنهج ليس وحده كافياً؛ فثمة أمور كثيراً ما يحصل الخلط

فيها، ومنها:

الربط بين المنهج والعصمة:

ونشأ عن ذلك الربط عدة ممارسات منها: التعامل مع الاتجاهات التي تسير

وفق المنهج السلفي على أنها معصومة وإن كان ذلك لا يقرر على المستوى النظري

فالنقد يتعامل معه بحساسية مفرطة، وردَّة الفعل تجاهه تركز حول الطعن في

السلفية وكراهيتها.

وفي الطرف المقابل يتعامل مع كل من يبدو عليه خلل منهجي بالرفض

والنفور، وتتحول النظرة إلى أحكام قاطعة بالرفض المطلق والقبول المطلق.

الخلط بين المنهج والأسلوب:

تتفاوت الاتجاهات الإسلامية اليوم في مدى انضباطها الشرعي والمنهجي؛

وثمة اتجاهات لها تجربة ثرية في مواقع عدة من العمل الإسلامي، وقد تكون حققت

جوانب من النجاح وسدت ثغرات عدة، إلا أن التحفظ المنهجي عليها قد يعوق

بعض الغيورين على سلامة المنهج عن الاستفادة من تجربتها، بل ربما تحول الأمر

إلى اعتبار المخالفة أمراً مقصوداً لذاته.

وفي المقابل قد يكون لدى بعض الاتجاهات التي تتسم بالانضباط الشرعي

والمنهجي إخفاق وفشل في تجارب ووسائل وبرامج عملية، فينشغل أصحابها عن

المراجعة والتقويم بالحديث عن سلامة المنهج، وقد يتلقى بعض المعجبين والمحبين

لهم الأمر مجملاً دون تمييز بين المنهج وبين الممارسة والأسلوب.

إن سلامة المنهج لا تغني أبداً عن سلامة أسلوب تقديمه للناس، والخطوة

الأخيرة لا تتم بمجرد وضوح معالم المنهج بل لا بد من الاعتناء ببرامج العمل التي

تتيح تقبل الناس له، وتجنب الدعاة تكرار الإخفاقات والتجارب غير الناجحة التي

كثيراً ما ينسبها الآخرون إلى المنهج ذاته، وقد أشار طائفة من أهل العلم إلى ذلك

عند حديثهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك قول شيخ الإسلام

ابن تيمية رحمه الله واصفاً حال من يفتقر إلى الفقه في أمره ونهيه: «فيأتي بالأمر

والنهي معتقداً أنه مطيع في ذلك لله ورسوله وهو معتدٍ في حدوده» [٢] .

والخلاصة أنه لا بد من الاعتناء بالانضباط الشرعي والمنهجي، ولا بد من

دعوة العاملين للإسلام جميعاً إليه، ولا بد أن يضاف إلى ذلك تقديمه للناس بالقالب

والإطار المناسب، كما ينبغي ألا تشغلنا سلامة منهجنا عن التقويم والمراجعة

الجريئة لأساليب عملنا.

ولا بد من الارتقاء بالتفكير، وسعة الأفق وإلاَّ فسوف يتجاوزنا القطار،

ونفوِّت على أنفسنا فرصاً ثمينة.


(١) رواه أبو داود (٢٤٨٤) ، وأصل الحديث متواتر.
(٢) مجموع الفتاوى، (٢٨/١٢٨) .