الورقة الأخيرة
[انتحار العلمانية]
د. أحمد بن محمد العيسى
كيف يمكن تفسير ظاهرة (نصر حامد أبو زيد) الذي حكمت إحدى محاكم
القاهرة بردته عن الإسلام وتفريقه عن زوجته؟ .
(أبو زيد) الذي يدرّس القرآن الكريم والسنة النبوية (! !) في كلية الآداب
بجامعة القاهرة، يعتبر أن ما ورد في كتبه من أفكار إلحادية اجتهاداً يؤجر عليه! ،
وذلك مثل قوله: إن ما جاء في القرآن الكريم عن الله (عز وجل) ، وعن الملائكة،
والعرش، والشياطين، ومشاهد يوم القيامة: هي من الأساطير التي يجب أن
تتجاوزها أفهامنا في العصر الحديث لأنها بزعمه نزلت في عصر يحتاج إلى مثل
هذا السياق اللغوي لكي يفهمه الناس.
هناك فرضيتان لتفسير هذه الظاهرة:
الأولى: أن نعتبر هذه الحالة ظاهرة إلحادية فردية كان باعثها حب الظهور
وغرام الشهرة، كما هو الحال عند (سلمان رشدي) و (تسليمه نسرين) ..
الثانية: أن نعتبرها مرحلة متطورة للعلمانية في العالم العربي، ابتدأت منذ
عهد الرواد أمثال: (طه حسين) ، و (لطفي السيد) ، و (سلامة موسى) .. وغيرهم، ووصلت عبر مراحل ومراحل إلى (فرج فودة) ، و (غالي شكري) ، و (نصر
حامد أبو زيد) .. وغيرهم.. فتكون بذرة الشك التي بذرها (طه حسين) في كتابه
(في الشعر الجاهلي) الذي أعيد طبعه مؤخراً قد ترعرعت ووصلت إلى الحال التي
نقرؤها عند علمانيي عصرنا..
وهكذا أصبحت حالة (أبو زيد) مؤشراً على تطور جديد للعلمانية، بعد أن
أزاحت عن وجهها حجاب المصطلحات الفضفاضة، ليظهر وجه الإلحاد البشع..!
هاتان الفرضيتان تحتاجان إلى تأمل.. ولكن، لعل ردود الفعل العلمانية على
حكم المحكمة تدل على أن الفرضية الثانية تعبر بشكل أكبر عن الواقع، ومن ذلك
قول قائلهم: (إن الفضيلة الأصولية تدفع الجميع إلى الأقاصي، وتجنباً لكارثة لن
تكون أقل من كارثة الاجتياح المغولي لكنها تأتي هذه المرة من الداخل تُستحسن
المسارعة في مراجعة كل شيء، والاستعداد للتجرؤ على الينابيع التي يشرب
الأصوليون ماءهم منها..) ! !
فهل يكون هذا شاهداً على انتحار العلمانية؟ ! !