المسلمون والعالم
مسلمو الروهنجيا يواجهون الإبادة..
فهل نفعل شيئاً؟
بقلم: د. محمد يونس [*]
أراكان كانت واحدة من الممالك المسلمة المزدهرة في جنوب شرق آسيا،
الكائنة على طول الساحل الشرقي لخليج البنجال، وقد فقدت استقلالها منذ حوالي
قرنين من الزمان، وكانت قد احتلتها القوات البورمية الغازية ... ثم انتقلت أراكان
إلى أيدي البريطانيين، وانتهى بها المطاف مجدداً إلى قبضة البورميين.
يعرف مسلمو أراكان بـ (الروهنجيا) ، وقد تعرضوا لاضطهاد وحشي هائل
على أيدي القوات البورمية المحتلة؛ حتى نتج عن ذلك خمس هجرات جماعية على
نطاق واسع، شملت مئات الآلاف من البشر في كل مرة منذ أن نالت بورما
استقلالها في عام ١٩٤٨م.
الخلفية التاريخية لمسلمي أراكان:
كان العرب المسلمون أول من وصل وأدخل الإسلام في أراكان خلال قرن من
ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، تبعهم الفارسيون والبربر والمغول والباتان
والبنجاليون الذين جاؤوا إلى أراكان دعاة وتجاراً في أوقات مختلفة.
بعد أن دخل الإسلام البنجال في عام ١٢٠٣م تنامى المد الإسلامي في أراكان
، وقامت دولة إسلامية بمساعدة سلاطين البنجال في عام ١٤٣٠م، وقد دامت أكثر
من ثلاثة قرون قبل احتلالها من قبل البوذيين البورميين في عام ١٧٨٤م، وبعد
فترة وجيزة تحت حكمهم احتلت بريطانيا أراكان مع أجزاء أخرى من بورما، وتم
ضمها إلى الهند البريطانية، وفي عام ١٩٣٧م: تم فصلها من الهند البريطانية
وأصبحت جزءاً من بورما المستقلة في عام ١٩٤٨م.
حملة الإبادة ضد مسلمي الروهنجيا:
بعد أن ضم البورميون أراكان عام ١٩٤٨م: جرت حملة إبادة جماعية مجردة
من الرحمة ضد المسلمين، كانت سبباً في حدوث هجرات جماعية للاجئين على
نطاق واسع بين وقت وآخر، ولقد كُثِّفَ اضطهاد الروهنجيا المسلمين خلال الحكم
العسكري الاشتراكي الذي بدأ عام ١٩٦٢م واستمر قرابة ثلاثة عقود، جرى فيها
تصفية الروهنجيا سياسيّاً، وإفقارهم اقتصاديّاً، وشلهم اجتماعيّاً، ولقد تم تنزيلهم
إلى مرتبة العبيد، دون التمتع بأيّ حقوق للإنسان تساويهم بغيرهم وتعتبرهم ... بشراً.... تولى بعد ذلك نظام عسكري جديد يعرف بمجلس حفظ النظام والقانون (SLORC) مقاليد الحكم في عام ١٩٨٨م بعد حدوث انتفاضة سريعة واسعة الانتشار ضد حكم الحزب الاشتراكي الحاكم.
مع ذلك: بدا النظام الجديد أكثر استبداداً وقسوة ضد الروهنجيا؛ حيث قام
بإطلاق العنان لعهد الإرهاب في شمال أراكان ذي الأكثرية المسلمة، حيث قتل
المسلمون، واقتلعت قراهم، واغتصبت النساء، وطردوا في جماعات؛ مما نتج
عنه هجرة جماعية أخرى بدأت منذ أواخر عام ١٩٩١م، وهؤلاء الذين ما زالوا في
أراكان يعدون أيامهم، وهم في بؤس شديد وخوف ومعاناة.
مظاهر انتهاكات حقوق الإنسان:
إن الاضطهاد والمضايقات وانتهاكات حقوق الإنسان ضد الروهنجيا ليست لها
ما يعادلها؛ سواء بالنسبة لمظاهر انتهاكات حقوق الإنسان في الأجزاء الأخرى من
بورما أو بالنسبة للأقليات التي تقطن الأجزاء المتفرقة من العالم، وفوق كل ذلك
(وهو ما يعتبر غاية الظلم) : إلغاء مواطنتهم، والإعلان بأنهم (سكان غير شرعيين)
في وطنهم، ويمكن ذكر بعض من الجرائم الشائنة التي يرتكبها النظام البوذي ضد
مسلمي أراكان:
- فَقَدَ جميع الروهنجيا مواطنتهم بعد أن قام (مجلس حفظ النظام والقانون)
بالإعلان بأن (الروهنجيا) أجانب غير شرعيين؛ حيث تم إصدار شهادات جنسية
لكافة مواطني بورما عدا الروهنجيا.
- حُدِّدَتْ حركة الروهنجيا إلى درجة عدم السماح لهم بالانتقال من قرية إلى
أخرى دون تصريح مسبق، هذا الحظر في الحركة والتنقل أوجد واقعاً مريراً،
فأصبح المسلمون وكأنهم في سجن كبير.
- الاعتقالات الاعتباطية وتعذيب المسلمين بدون أي أسس قانونية.
- الإعدامات المتعجلة والقتل بناءً على الأحكام العرفية للروهنجيا على يد
العسكر وأفراد الأمن الآخرين، دون خوف مرتكب الجريمة من مواجهة أي
عقوبات أو محاكمة.
- إكراه الرجال والنساء والأطفال المسلمين على العمل بالسخرة تحت ظروف
إذلالية، وغالباً ما يتعرضون للاغتصاب والضرب والإيذاء الجسدي وحتى القتل.
- اقتلاع القرى المسلمة قسراً، ويُجبر سكانها على إخلائها وهجر منازلهم،
ويطردون إما عبر الحدود أو يعاد ترحيلهم إلى مناطق أخرى.
- يجري إنشاء مستوطنات جديدة للبوذيين في أراضي المسلمين التي يتم
إخلاؤها، كما يُستخدم المسلمون عمالاً لبناء مساكن هؤلاء المستوطنين البوذيين،
ويتم تسخيرهم للعمل بحصاد المحاصيل الزراعية لهم دون مقابل.
- فرض ضرائب على المنتجات الخاصة بالمسلمين، إلى درجة أن أحوالهم
تدنت عن حد الكفاف.
- مصادرة الأراضي والعقارات والمشاريع التجارية التي يملكها المسلمون
بدون أسباب.
- تدنيس الأماكن الدينية، مثل: المساجد، والمدارس الدينية، والمقابر،
حيث يدخلها رجال الأمن بأحذيتهم ويحتسون فيها الخمر.
- لا يحق للطلبة المسلمين مواصلة تعليمهم العالي، حيث لا يعتبرونهم
مواطنين، ويجبرون على إحناء الرأس أمام علم بورما، وإلا فسوف يواجهون
الطرد.
وبإصرار الأنظمة البورمية على إنكار الحقوق الشرعية للمسلمين الروهنجيا
طوال العقود الخمسة الأخيرة، وعملهم المستمر لتنفيذ مخططهم الشرير، وهو
(التدمير الكامل لشعب الروهنجيا) : فقد أصبح لزاماً على المجتمع الدولي والأمة
الإسلامية على وجه الخصوص التدخل حتى باسم الإنسانية لإنقاذ ٣. ٥ مليون
نفس من التصفية الكاملة.
وبالنظر لما سبق ذكره فإن مسلمي بورما يناشدون العالم الإسلامي بالنظر في:
تقديم الدعم والمساعدة الكاملة سياسيّاً ومعنويّاً وماديّاً للنضال القائم للروهنجيا
حتى ينالوا حقوقهم المشروعة.
منح المساعدات الخاصة لتنمية البرامج التعليمية للروهنجيا.
منح المساعدة الخاصة لمشاريع التنمية الاقتصادية للروهنجيا.
تقديم المساعدة الضرورية للحفاظ على المعاهد الدينية والأنشطة الدعوية.
إثارة موضوع الروهنجيا في المحافل الدولية والإقليمية؛ لاتخاذ الحلول
اللازمة حول إنصاف المسلمين وإعطائهم حقوقهم.
هذا وبالله التوفيق، فهو الموفق والمعين ...
(*) رئيس منظمة تضامن الروهنجيا (أراكان: بورما) .