للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلون والعالم

[تطورات الأحداث في مورو]

محمد علي طه

شنَّت الحكومة الفلبينية النصرانية بقيادة الرئيس المخلوع جوزيف أسترادا،

وبالتعاون مع وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان الحاقدين على الإسلام والمسلمين،

شنَّت حرباً شاملة على الجهاد الإسلامي ممثلاً بجبهة تحرير مورو الإسلامية،

مستهدفة استئصالها وإبادة قادتها وأفرادها، وتدمير المعسكرات والقواعد التابعة لها،

وبدأت الحرب الشاملة في منتصف إبريل (نيسان) ٢٠٠٠م.

وقد حشدت الحكومة لتحقيق هذا الهدف ما يُقارب نسبته ٨٠% من قواتها،

واستعدت لذلك بشراء الأسلحة وطلب العون الخارجي من أمريكا والاستعانة

بالطائرات المقاتلة (F١٦) ، وأشركت كل أنواع الأسلحة برية وجوية حتى

البحرية لقصف المواقع القريبة من المياه.

استطاعت الحكومة تحقيق بعض النجاح، فاستولت على مساحات مختلفة من

المناطق والمعسكرات التي كان يستولي عليها المجاهدون، كما قتلت العديد من

المسلمين الأبرياء، وأحرقت ودمرت عدداً كبيراً من المنازل والمزارع والمساجد،

وحولت آلافاً من المسلمين إلى لاجئين.

غير أنه لم يتحقق لها ما تريد وما خططت له من القضاء التام على الجهاد

والمجاهدين؛ إذ إن أجزاءً هامة وكبيرة من المعسكرات والقواعد وبخاصة الأجزاء

الجبلية والغابية (غابات) لا تزال بيد المجاهدين ولم يتجرأ الجيش على دخولها

واقتحامها، ومن ذلك أن معسكر أبي بكر الصديق الذي يُعد المعقل الرئيس

للمجاهدين ومقر إقامة قيادتهم المركزية حيث يتواجد الشيخ هاشم سلامات [*] قائد

المجاهدين، هذا المعسكر الكبير احتل منه جيش الحكومة ما نسبته ٤٠ %، وهو

ما كان يشمل مراكز التعليم والتدريس، ومصحة علاج مدمني المخدرات وتأهيلهم،

ومنازل المجاهدين والأسواق، وتم هذا الاحتلال بعد قصف الطائرات والأسلحة

بأنواعها.

والحال نفسه ينطبق على معسكرات عمر بن الخطاب وبُشرى وبلال التي

أخذ منها جيش الحكومة أجزاءً، وبعضها لم يحتل منه سوى نقاط مرور أو أجزاء

بسيطة.

ومع ذلك فإن الجيش النصراني الحاقد لم يحقق ذلك إلا بعد خسائر فادحة في

الأرواح والمعدات؛ فقد بلغ عدد القتلى من الجيش أكثر من ألفي قتيل من ضمنهم

قيادات عسكرية ذات رتب عالية، وجرح أكثر من ثلاثة آلاف جندي، ودمرت

العشرات من المدرعات والسيارات، كما أصيبت بعض الطائرات التي كان لها

الأثر الأكبر - كما يقول قادة الجيش - في تحقيق ٨٠% من الإنجازات

والانتصارات.

أما الخسائر المالية فهائلة؛ إذ إن الحرب كانت تكلف الخزانة ملايين

البيسوات يومياً، مما أدى إلى انخفاض سعر البيسو وارتفاع الأسعار، وحدوث

الضائقات الاقتصادية. ومقابل خسائر الجيش الفادحة استشهد من المجاهدين ما

يربو على مائتي مجاهد، بينما جُرح ما يزيد على خمسمائة مجاهد.

غيَّر المجاهدون إثر هذه الأحداث أسلوب قتالهم، فتحولوا من القتال شبه

النظامي والدفاع عن المعسكرات والقواعد، إلى التركيز على حرب العصابات

والهجوم المباغت لاستنفاد قوى العدو وإقلاق هدوئه وتكبيده الخسائر، ولا تزال

المناوشات في مواقع التَّماس مستمرة. وللعلم فإنه يوجد لدى المجاهدين (٤٥)

قاعدة ومعسكراً، وقد زاد تعدادهم بعد الأحداث الأخيرة، وناصرهم إخوانهم

بالانضمام إليهم، وقد وصل تعداد المقاتلين تحت قيادة الجبهة الإسلامية (M. I.

L. F) إلى عشرات الآلاف، وقد تم تسليح نسبة كبيرة منهم تسليحاً جيداً من

الغنائم التي خسرها الجيش في المعارك، أو مما يتم شراؤه من الضباط والجنود

لانتشار الفساد بين أوساط الجيش.

نسبة كبيرة من المسلمين في مورو تناصر الجبهة وتؤيدها، ويصرح قادة

الجبهة أن نسبة ٨٠% من شعب مورو يقف معهم.

الإطاحة بالرئيس أسترادا:

بعد نهاية الأحداث الكبرى من الحرب الشاملة فإن الرئيس الفلبيني الذي أعلن

الحرب ضد المسلمين، والذي تلطخت يداه بدمائهم، قد أصابته نقمة الله ودعوات

المظلومين، وطُرد طرداً من القصر الرئاسي.

كان الرئيس الفلبيني (جوزيف أسترادا) قد أخفق في إدارة أمور البلاد، لعدم

توفر الكفاية فيه لهذا المنصب، إضافة إلى ولعه الشهير والشديد باللهو ومعاقرة

الخمر، ثم أضاف إلى ذلك الاختلاسات المالية وأخذ الرشوات والمشاركة في تجارة

المواد المحرمة، وكانت المعارضة تتلقط سقطاته وأخطاءه، وتضرب على وترها

لإثارة الرأي العام ضده، والمطالبة باستقالته.

لجأ الرئيس وأعوانه في قيادة الجيش إلى أسلوب صرف الأنظار، فأعلن

الحرب الشاملة ضد المجاهدين، لكن السحر انقلب على الساحر كما يقولون فزاد

الطين بلة والأمر علة، وكانت الخسائر البشرية والمالية الهائلة سبباً آخر في اشتداد

حركة المعارضة ضده، فخرج الشعب في مظاهرات يطالب باستقالته، ثم

تضافرت الأدلة على فضائحه المالية مما أقنع الدوائر التشريعية بإحالته إلى

المحاكمة، فكانت تلك المحاكمات التي شُغل بها الإعلام العالمي فترة من الزمن،

تبعها استقالات عديدة من شخصيات وزارية وعسكرية، ثم تخلى عنه حليفا الأمس

ضد الإسلام: وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان اللذان شاركا المعارضة في

مهرجاناتها، وأدى ذلك كله إلى أن يُخرَج عنوة من القصر الرئاسي أمام عدسات

الكاميرات وتشفي المعارضة والمسلمين.

الذي حدث للرئيس المخلوع جوزيف أسترادا كان قد حدث سابقاً للرئيس

الطاغية (ماركوس) وهما (ماركوس، أسترادا) الوحيدان اللذان أعلنا الحرب

الشاملة ضد المسلمين، فباءا بغضب من الله وعقابه.

في الأيام القادمة يُنتظر أن يتم تقديم الرئيس السابق - أسترادا - للمحاكمة

رغم محاولاته المتكررة واستجدائه أن لا يحدث ذلك، وقد حاول أن يحصل على

اللجوء السياسي في دول الجوار غير أن طلبه قوبل بالرفض، وعلى الباغي تدور

الدوائر، وما هي من الظالمين ببعيد.

جماعة أبي سياف:

أبو سياف هو لقب مؤسس الجماعة، واسمه: عبد الرزاق الزنكلاني، وهو

من مسلمي الجنوب من جزيرة باسيلان، درس العلم الشرعي في جامعة أم القرى،

وتخرَّج فيها، ثم التحق بمراكز التدريب التابعة لجبهة مورو الوطنية في ليبيا،

وتلقى هناك تدريبات عسكرية وقيادية، بعدها عاد إلى منطقته جزيرة باسيلان في

جنوب جزيرة ميندناو جنوب الفلبين وهي عبارة عن جزيرة كبيرة منعزلة فيها

أكثرية مسلمة، لكنها تعاني من اضطهاد النصارى القادمين من الشمال الذين دفعت

بهم الحكومة وساعدتهم لتغيير الخارطة السكانية في الجنوب المسلم، وحرضتهم

على قتل المسلمين وسلب أراضيهم، بل كونت منهم جماعات مسلحة لتحقيق هذا

المطلب، ومن ذلك جماعة الفئران وجماعة الأخطبوط.

موقع الجزيرة المستقل، ومعاناة المسلمين في باسيلان، شجعا أبا سياف على

تأسيس جماعة مستقلة، ونشط في أوساط الشباب هناك، ثم اتخذ له قاعدة في الغابة

للتأهيل والتدريب الدعوي والجهادي؛ إذ إنه أراد أن تكون جماعته دعوية جهادية:

دعوية لتعليم المسلمين دينهم، وجهادية للوقوف ضد النصارى المدعومين من الدولة

والدفاع عن المسلمين.

بدأ أبو سياف وجماعته أعمالاً عسكرية ضد النصارى الذين يقتلون المسلمين

أو الأجانب الذين يساعدونهم أو يأتون للتنصير في صفوف المسلمين [١] ، مما

أدخله في الصراع مع الحكومة ممثلة بالجيش وقوات الأمن؛ وقد كان يتلقى

مساعدات مالية وتدريبية من شخصيات إسلامية.

كثير من الذين عرفوا أبا سياف يصفونه بأنه كان صاحب عقيدة سليمة وفكر

سوي، وأنه عُرف بكثرة العبادة؛ إذ كان صوَّاماً قوَّاماً.

قُتل أبو سياف في عام ١٩٩٨م في إحدى المواجهات مع قوات الحكومة،

وتقول إحدى الروايات إنه كان في زيارة دعوية لإحدى القرى معتكفاً يقوم الليل في

أحد المساجد، فحاصرته قوات الحكومة واشتبك معها فقُتل شهيداً نحسبه كذلك رحمه

الله.

تولى القيادة بعده أخوه الأصغر (قذَّافي الزنكلاني) ، إلا أنه ليس مثل أخيه

علماً ورجاحة عقل، إضافة إلى سنِّه الصغيرة، ولذا لم يُجمَع على قيادته، فبدأت

الجماعة تتشظى إلى مجموعات.

بدأت الجماعة سبيل اختطاف الأجانب والسيَّاح واتخاذهم رهائن، للحصول

على المال والمساعدة في الإنفاق على الجماعة، ومن جهة أخرى لتدويخ الحكومة

وأجهزتها الأمنية، وإحراجها أمام العالم الخارجي، وهناك من يغلِّب الظن أن بعضاً

من جماعاتها قد تم اختراقه من قبل أجهزة الأمن الحكومية للاستفادة من ذلك في

تشويه سمعة الإسلام وتلويث مقاصد الجهاد في الجنوب، وأن المجاهدين لا يسعون

لنيل حقوق مشروعة بقدر ما يسعون لإرضاء طموحات شخصية وجمع الأموال،

إضافة إلى أن الحكومة استفادت من ذلك في إيجاد المسوِّغ للقيام بهجوم وحشي على

المناطق المسلمة التي يتواجد فيها أعضاء الجماعة، فقتلوا المسلمين ودمروا

منازلهم، وأحرقوا مزارعهم ونكلوا بهم تحت دعوى ملاحقة أعضاء جماعة

أبي سياف.

حاولت الجماعات الإسلامية الموجودة في الساحة تقديم النصح لقيادات هذه

الجماعة بالتخلي عن أسلوب اختطاف الأبرياء واستخدامهم رهائن للحصول على

المال، كما وضَّحوا لهم عدم مشروعيته وأثره السيئ واستغلال الإعلام المحلي

والعالمي له، غير أن قيادة الجماعة تظن أنه أسلوب مناسب، ومن ضمن من قدم

لهم النصح قائد جبهة تحرير مورو الإسلامية الشيخ هاشم سلامات الذي ينقل قواده

ونوابه أنه يبارك وجود الجماعة؛ لأنها تشترك مع جبهته في الهدف، لكنه لا

يرضى عن أسلوبها. لا يزال عدد من الجماعة حياً مع قيادته رغم محاولات

الحكومة المستمرة استئصالهم، غير أنها لا تشكل جماعة كبيرة إذ يبلغ عدد مقاتليها

ما يزيد قليلاً على مائتي مقاتل، ومناصروها كذلك قليلون.

موقف الرئيسة الجديدة:

اسمها (جلوريا وكابا جل أرويو) ، وهي ابنة رئيس سابق للفلبين، عُرف

بتعاطفه مع الفقراء، وكذا موقفه المتعاطف مع المسلمين، والواضح من خلال

تصريحات ابنته أنها متأثرة به كثيراً؛ إذ إنها غالباً ما تستشهد بمقولاته ومواقفه،

ولذا فقد أعلنت بُعَيد تنصيبها رئيسة للفلبين وقف العمليات العسكرية ضد المناوئين

للحكومة، ومنهم جبهة تحرير مورو الإسلامية.

إلا أنها حين سئلت: هل يعني توقف العمليات العسكرية انسحاب الجيش من

المواقع التي أخذها من أيدي المجاهدين؟ ردت بالنفي، ودعت إلى الجلوس مرة

أخرى على مائدة المفاوضات لإحلال سلام عادل وكريم.

وهناك مساعٍ حثيثة ووساطات لبدء الحوار من دول مجاورة، إلا أن

المجاهدين يشترطون ما يلي لبدء المفاوضات مع الحكومة الجديدة:

١ - عقد المفاوضات خارج الفلبين (في دولة إسلامية أو عربية) .

٢ - اشتراك منظمة المؤتمر الإسلامي أو دولة إسلامية عضوة فيه.

٣ - إعلان الحكومة وقف إطلاق النار من جانب واحد.

٤ - انسحاب قوات الحكومة من معسكرات وقواعد المجاهدين.

والمجاهدون يناشدون إخوانهم المسلمين دعمهم المادي والمعنوي، ويذكرونهم

أن ما يحدث لهم وما يفعله بهم النصارى سببه أنهم مسلمون! !


(*) شيخ المجاهدين هاشم سلامات كانت الحكومة قد رصدت لقتله مع بعض القيادات ملايين البيسوات (العملة الفلبينية PISO) ، كما أشاعت أنه قد هرب إلى الخارج أثناء الأحداث، وطلب اللجوء السياسي في بلاد الجوار، إلا أنه بفضل الله لا يزال حياً يرابط مع مقاتليه.
(١) شملت هذه الأعمال العسكرية القتل والاختطاف، والهجموم على مؤسسات حكومية.