محنة الشعب الصومالي
محمد عثمان عقال
بعد مرور عام ونصف على سقوط الطاغية سياد بري لا زالت الأحوال في
الصومال تتردى من سيئ إلى أسوأ، حيث يذوق هذا الشعب الجريح القتل الجماعي
والمجاعة بأيدي الجهات القبلية التي مزقت أرض الصومال، وقسمت الشعب المسلم
إلى قبائل متناحرة متقاتلة، كل هذا رغم مقومات الوحدة لهذا الشعب. فهو شعب
مسلم بالكامل وجنس واحد، كما أن أصول الناس ولغتهم وتاريخهم تعتبر شيئاً واحداً.
إن ما يحدث في الصومال، وإن كان بأيدي هذه القبائل المتناحرة؛ إلا أن
المؤامرة ليست بعيدة عنه لإضعافه وتشريد شعبه.
لقد قسمت الصومال ومزقت من قبل على أيدي المستعمر الغربي، ففي مؤتمر
برلين قسمت الصومال بين بريطانيا، التي استولت على الجزء الشمالي المشرف
على خليج عدن، وأسمته: المحمية الصومالية، واحتلت إيطاليا الجزء الجنوبي،
وأخذت فرنسا ما سمته الصومال الفرنسي (جيبوتي الآن) .
واقتطعت بريطانيا جزءاً آخر هو الذي ألحقته بكينيا لدى نيلها الاستقلال عام
١٩٦٣م والمسمى (NFD) ، وأخيراً احتلت الحبشة نصيبها المسمى بإقليم اوغادين
عام ١٩٥٤م بعد انسحاب بريطانيا إثر اتفاقية سرية مع الحبشة. والصومال الحالي
هو عبارة عن الجزء الإيطالي والمحمية الصومالية.
ومخطط الاستعمار الغربي ينفذ اليوم على أيدي العلمانيين والمجرمين الذين
يقودون الجبهات القبلية التي ذاق الشعب الصومالي على أيديها كل أنواع القتل
والنهب والاغتصاب. لقد استفادت هذه الجبهات من النظام الاجتماعي القبلي لهذا
الشعب، مع أن هذا النظام كان مبنياً على التعاون والإخاء ونصرة المظلوم والتكافل
حتى وصل الأمر إلى المثل المعروف وهو أن القبيلة الطيبة لا يوجد فيها أحد جائع.
لا شك أن سياد بري خلال إحدى وعشرين سنه من الظلم والاستبداد والتعذيب
والتحريش كان بمثابة رأس الفتنة، ثم أجهزت الجهات القبلية على الباقي حتى
أصبح الشعب الصومالى شعباً مشرداً لاجئاً في جميع أنحاء العالم.
الجبهات وتوجهها:
١- جبهة الإنقاذ SSDF أسسها في كينيا العقيد عبد الله يوسف عام ١٩٧٨م
وهي أول جبهة مسلحة حاربت نظام سياد بري إثر قمعه القبائل في الشمال الشرقي
والمنطقة الوسطى، وهي تسيطر الآن على شمال شرق الصومال والمنطقة
الوسطى، ويرأس هذه الجبهة الآن محمد أبشر موسى.
٢- جبهة التحرير الوطني SNM، أسست عام ١٩٨٢ في بريطانيا،
وقاومت نظام سياد بري في الأجزاء الشمالية من البلاد. وبعد سقوط بري أعلنت
هذه الجبهة انفصال الجزء الشمالي عن بقية البلاد كحكومة مستقلة سمتها «أرض
الصومال» . ويرأسها الآن عبد الرحمن محمد علي.
٣- جبهة منظمة المؤتمر الصومالي UCS، والتي سيطرت على العاصمة
والمناطق المجاورة بعد سقوط النظام الفاسد ولكن ما لبثت قليلاً حتى انقسمت إلى
قسمين متناحرين اندلعت حرب دامية بينهما في العاصمة قتل على أثرها الآلاف.
والجنرال محمد فارح عيديد يرأس قسماً والقسم الآخر يرأسه علي مهدي محمد
الرئيس المؤقت للبلاد والذي يمثل الجماعة الموالية للغرب والمدعومة من قبل
أمريكا.
وقف الفتنة:
لقد قام نفر من الدعاة بنشر الدعوة الإسلامية في أرجاء البلاد، حتى وصل
أمر الناس إلى مرحلة محمودة هن الالتزام الطيب بالإسلام، وكان الاتحاد الإسلامي
- وهو أكبر تجمع إسلامي في البلاد - طليعة الشعب الصومالي في محاولة وقف
الفتنة منذ عهد سياد بري. حيث تصدى لمحاولاته التفريقية لهذا الشعب إلى قبائل
متناحرة متبعاً بذلك قاعدة: فرق تسد.
وبعد سقوط نظام سياد بري بذل الاتحاد جهوداً جبارة للتوسط بين الجبهات
المتقاتلة، كما بذلوا جهوداً لحماية المصالح العامة مثل: الموانئ والمستشفيات
ومواد الإغاثة، وتوزيعها على الفقراء والمساكين وضحايا الحرب، وأكبر مثال في
هذا هو «بوصاصو» في شمال شرق الصومال و «مركا» في جنوب البلاد.
إن على المسلمين الصوماليين نبذ العصبية القبلية، والتوبة إلى الله، وإنقاذ
هذا الشعب من الدمار والهلاك الذي لحقه بسبب سياد بري وبسبب الجهات العلمانية
القبلية، وعلى الإخوة أتباع الحركات الإسلامية في الصومال توحيد صفوفهم ونبذ
الحزبية والفرقة لمواجهة التنصير الغربي في معسكرات اللاجئين سواء في كينيا
والحبشة، أو في داخل البلاد.
وإن على المحسنين المسلمين الميسورين أن يدعموا الدعاة المسلمين في
الصومال حتى يتمكنوا من أداء واجبهم تجاه تحرير الصومال وتضميد جراح هذا
الشعب المسلم.