خواطر في الدعوة
[الحزبية]
محمد العبدة
ليس هناك أضر على الدعوة الإسلامية المعاصرة من الحزبية المنغلقة الضيقة، إنها داء وبيل يفتك بالإخوة الإسلامية، فيقطع أواصرها ويجعل صفوهاً كدراً.
هل يجوز للمسلم أن يكون وجهه الطلق؛ وابتسامته العريضة، وسلامه الحار
لمن هو من حزبه أو جماعته؛ ولغيره العبوس والسلام البارد؟ ! وهل يجوز
للمسلم أن يغض الطرف عن أخطاء أصحابه؛ وإذا وقع غيره في الأخطاء نفسها
شهّر به وتكلم عليه؟ ! وإذا ذكرت له انحرافاً في الفكر أو التصور وقع به واحد
منهم أتى بالمبررات وقال: هذه أخطاء؛ ولكنها لا تخدش في أصل المنهج!
وبسبب هذه الحزبية تراه لا يطَّلع ولا يقرأ ولا يستقي إلا من طرف واحد، من
كتب أصحابه وممن يوصى أن لا يقرأ إلا لهم، فيتخرج ضيّق الأفق، مشوه
الشخصية الثقافية، لا ينظر إلا من زاوية واحدة ولا يعرف إلا الفكر الأحادي.
كيف تغلغلت هذه الحزبية إلى صفوف الدعوة؟ ومن الذي يمدها حتى تستمر؟ لا شك أنها التربية السيئة التي تمارس على الفرد فيقال له: نحن الأفضل،
وغيرنا فيه نقص كذا ونقص كذا، وكل هذا حباً في التكثير والتجميع، فلا بد أن
يشوه الطرف الآخر حتى لا يذهب الفرد إليهم، وكأننا أحزاب تتنافس على
الانتخابات فهي تشتري الأصوات بالدعاية والمال.
ومن هذه التربية أن يحال بين الفرد في أول عهده بالدعوة وتلقي العلم، وبين
الجلوس إلى العلماء أو من عندهم علم وخبرة، فيربونه بأدبهم وسمتهم وتجربتهم،
وإذا حيل بينه وبين هذا فهو يتلقى ممن يباشر عملية التربية، فإذا كان ديناً وعنده
علم وليس فيه حب الزعامة كانت التربية أقرب للصواب، وإذا كان ممن يحب
الزعامة أو فيه شيء من زغل العلم فعندئذ يتخرج من تحت عباءته شباب متحزبون
مشوهون. ولا ينجو من هذا الداء إلا من تنبه له من البداية، وعرف أن أنواعاً من
التربية ستؤدي حتماً إلى الحزبية، فخاف واحتاط لنفسه، فهو يحاسب نفسه ويلتفت
وراءه ويجدد ويتجدد بين كل فترة وأخرى، حتى لا يقع في هذا الداء الذي تطاير
شرره وعم بلاؤه.