شأن الظلم والطغيان أن يولِّد عند الشعوب ردَّات من الفعل لا يمكن معرفة نتائجها ولا الحدود التي يمكن أن تقف عندها، فقد كانت ثورة هائجة يدفعها ما تعانيه تلك الشعوب من التخلف والقهر والفقر والطغيان، والليل المظلم الطويل الذي أرخى سدوله على دولة الصومال تلك البقعة من أرض المسلمين، لم يكن لديها مشروع للحُكْم ولم تُعدّ للأمر عدّته، فعقيب انهيار حكم الطاغية المستبدّ محمد سياد بري عام ١٩٩١م حدث فلتانٌ أمني، وتفاقمت الظاهرة التي عرفت بـ «أمراء الحرب» ممن احترف القتل والتدمير وإهلاك الحرث والنسل، في هذا الجو الخانق قامت ثلّة من علماء المسلمين بما يجب عليهم في مثل تلك الظروف، يحاولون لملمة الأمور على قدر ما يستطيعون، استشعاراً لرسالتهم الحقيقية، وقياماً بالدور المناط بأهل العلم إذا عدم الوالي المستوفي للشروط، فظهرت المحاكم الإسلامية التي سعت لاستتباب الأمن وفصل الخصومات بين الناس بالحق، ولأن الحق لا بدّ له من قوة تؤازره وتدفع عنه «مصحف يهدي وسيف ينصر» تكونت القوات التابعة للمحاكم الإسلامية، واستطاعت هذه المحاكم أن تقوم بدور الحكومة عند غيابها الفعلي، واستتبَّ الأمن إلى حدود بعيدة، لكن أمريكا التي حملت على كاهلها محاربة الإسلام في كل بقعة من بقاع الأرض اتخذت من شعار محاربة الإرهاب ـ ذلك الشعار الذي استُبيحت به الديار وهُتكت به الأعراض وأُزهقت به النفوس وسُرقت به خيرات البلاد ـ غطاءً لإجهاض هذا التوجه، ومؤازرة لمعارضيه من تيارات العلمنة، وقامت بتشكيل تحالف من أمراء الحرب تدعمهم بالمال والسلاح وتقف خلفهم لمحاربة قوات المحاكم الإسلامية. وتدور هذه الأيام رحى الحرب بين جنود الرحمن وبين تحالف الشيطان، جنود الرحمن يسعون لنصرة الإسلام، وتحالف الشيطان يسعى لنصرة عبّاد الصليب، وخذلان عباد الله الصالحين، إنهم يحاربون الله ـ تعالى ـ، فلهم الخيبة والهزيمة والخذلان، فمن يحارب الله هو المغلوب بلا شك، ولو كان يملك كل أنواع الأسلحة التي في العالم وأضعافها {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[المجادلة: ٢١] ، ولكن القوم لا يفقهون.