[إدارة المحتسبين]
إبراهيم بن سليمان الحيدري
المنظمات الدعوية والخيرية عامرة بالمحتسبين الذين يبذلون وقتهم وجهدهم رغبة في الأجر من الله وتحقيقاً لأهداف المنظمة التي يعملون فيها. إلا أن التعامل مع المحتسبين لا يخلو من مشكلات. بعض هذه المشكلات ناتج عن ضعف مفهوم وأداء الاحتساب لدى بعض المحتسبين، إلا أن بعضها الآخر ناتج عن عدم كفاءة إدارتهم من قِبَل الجهات التي يعملون فيها.
- لندرك أنهم قلة:
إن أول خطوة نحو إدارة فاعلة للمحتسبين هي أن ندرك انهم عملة نادرة؛ فالقليل من الناس من يحمل دوافع تقوده للاحتساب، والأقل من هؤلاء من لديه القدرة على تحمل مسؤولية الأعمال التي سيقوم بها، والأقل من يستطيع أن يحتسب فيما يجيده من مهارات، وأخيراً فقليل من الناس من يستطيع أن ينفكّ من أعماله الخاصة وشواغله المتنوعة ليجد الوقت الكافي للاحتساب المنظم.
- بحر.. لا شاطئ له:
تلعب الدوافع دوراً كبيراً في عملية الاحتساب وبالإضافة إلى دافع تحصيل الأجر فإن هناك دوافع نبيلة أخرى تقود المحتسب للعمل بلا مقابل مالي، وهي متنوعة ومتجددة في الذات البشرية ما بين دوافع شخصية كالرغبة في تطوير الذات أو الشعور بالرضا ووظيفة كتقليل نسبة الجهل لدى بعض التربويين أو الحد من ظاهرة التدخين عند بعض الأطباء.
ينبغي على المتعاملين مع المحتسبين أن يدركوا تنوع الدوافع النبيلة لدى المحتسبين وأن يبذلوا جهدهم للتعرف عليها فهي خطوة مهمة لاستثمار طاقات المحتسبين وقدراتهم في المكان المناسب وبالطريقة المناسبة.
- التدريب مفتاح النجاح:
لا يكفي أن نتعرف على نوعية الدوافع التي تقود المحتسب للعمل لكي يقوم بالدور المطلوب كما تريده المنظمة، بل لا بد أن تحدد المنظمة الفجوة بين إمكانات المحتسب ومتطلبات الدور المطلوب منه لتقدير نوعية وكمية البرامج التعليمية والتدريبية التي يحتاجها المحتسب. إن تدريب وتأهيل المحتسب يسهم وبشكل فاعل في أن يعمل المحتسب بطريقة ومستوى يتوافق مع توقعات المنظمة التي يحتسب فيها ويسهم بفاعلية في تحقيق أهدافها بالإضافة إلى أن التدريب يضيف للمحتسب شعوراً بالإنجاز والإتقان الذي يولد الرضا عن الذات.
- التحفيز سلم الاستمرار:
من أبرز مشكلات المحتسبين هو انقطاعهم وعدم استمرارهم أو بقاؤهم ضعفاء فاقدين للحماس. إن التحفيز هو الوصفة المناسبة ليقدم المحتسبون أفضل ما لديهم وهم راضون بما يفعلون. إلا أن التحفيز التقليدي الذي ينحصر في خطابات شكر وجمل ثناء لم يعد يجدي في هذا المجال؛ فإننا بحاجة أن ننظر إلى تحفيز المحتسبين من زوايا جديدة:
- اكتشفه مبكراً بما يحمله من دوافع وأهداف ومشاعر وأفكار، لتختار له المكان الملائم والمهام المناسبة.
- أشعل دوافعه باستمرار، واجعلها حاضرة أمامه قريبة إلى المهام الموكلة إليه؛ فالزمن كفيل بأن يطفئ جذوة الدوافع في قلبه.
- أرِهِ نتائج أعماله وأثره على المجموعة أو القضية التي يعمل من أجلها.
- اجعل منظمتك أفضل مكان يحقق فيها أهدافه وينفذ فيها طموحاته الخيرية.
- اجعله ينمو معك؛ فأغلب الناس يتوقون إلى تطوير ذواتهم وتنمية مهاراتهم وسوف يعتبر المحتسب أن البرامج التطويرية التي تقيمها من أجله أفضل هدية تقدمها له.
- نقيّم أو لا نقيّم؟
يرى بعضهم أن في تقييم المحتسبين خدشاً لكرامتهم ومعاملة لا تليق لما يحملونه من دوافع نبيلة. بينما يرى آخرون أن الأخطاء التي تقع من المحتسبين لا تطاق ولا يمكن السكوت عنها.. فهل نقيِّم المحتسبين أم لا؟
بل نقيِّم. فعلى العكس، إن الدوافع النبيلة التي يحملها المحتسب بين جنباته تجعله أكثر الناس تقبلاً للتقييم الذي يهدف إلى التطوير وتسريع الوصول إلى أهدافه وإشباع دوافعه؛ مع ملاحظة أهمية التوجه إلى تقييم الأعمال أكثر من تقييم الاشخاص.
- من يدير المحتسبين:
إن مهمة التعامل مع المحتسبين ليست شاقة بقدر ما هي متشعبة؛ ولذا فلا يليق أن تكتفي المنظمات التي تتعامل مع المحتسبين بأن تجعل إدارتهم جزءاً من مهام قيادات المنظمة أو إدارتها العليا والذين تزدحم أوقاتهم بكثير من الأعمال والمشاغل، وعلى المنظمة ـ على الأقل ـ إذا ما تعاملت مع أكثر من عشرة متطوعين أن توكل مهمة إدارتهم والاعتناء بشؤونهم إلى شخص متفرغ ومناسب.
إن المحتسبين عملة نادرة قادتهم دوافع قوية ونبيلة للخروج من دوائرهم الضيقة إلى عالم الإحسان الفسيح، ونجاحنا هو أن نستثمرهم ليحققوا دوافعهم وأهداف منظماتنا.
(*) ماجستير في الإدارة؛ باحث في إدارة العمل الخيري.