للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جهاد المسلمين في أفغانستان

يمر بأخطر مراحله

عود على بدء

لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر.. أن يكون حيادياً في موقفه من الغزو

الشيوعي لأفغانستان، وانطلاقاً من هذه القناعة، ولأن المسلمين كالجسد الواحد إذا

اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، لهذا وذاك وقف

المسئولون عن المنتدى الإسلامي إلى جانب إخوانهم المسلمين الأفغان، وقدموا كل

ما يقدرون عليه، وكانوا يعيشون بقلوبهم وعواطفهم ومشاعرهم مع المشردين

الأفغان في محنتهم ومصيبتهم، ومنذ بداية المعارك كان أهل المنتدى يرون

وجوب وحدة المجاهدين الذين يجمعهم منهج أهل السنة، وعليهم جميعاً أن يترفعوا

عن المصالح الشخصية والعقلية القبلية ويكونوا على قلب رجل واحد، وسجلنا هذه

المعاني وغيرها في أول عدد من أعداد " البيان " على شكل رسالة مفتوحة إلى

المجاهدين الأفغان، وفي عدد آخر تحدثنا عن باكستان ودورها تحت عنوان

باكستان أمام التحديات.. وعندما أعلن الشيوعيون عن مبادرتهم في إنهاء الحرب

قدمنا دراسة شاملة في (البيان) تحت عنوان (جهاد المسلمين في أفغانستان يمر

بأخطر مراحله) ، ثم رأينا أن نجمع المقالات بل الأبحاث الثلاثة في كتاب.. ونحن

إذ نقدم هذا الكتاب إلى قراء " البيان " نرجو أن يكون من وراء ذلك فوائد كثيرة

وعبر عديدة.

وقبل بضعة أشهر بدأت أجهزة الإعلام العالمية تتحدث عن اتفاق أمريكي

سوفييتي حول أفغانستان، وفي ٩ / ٢ /١٩٨٨ أعلن " غورباتشوف " الأمين العام

للحزب الشيوعي الروسي أن جيش بلاده سيبدأ في الانسحاب من أفغانستان ابتداء

من ١٥ مايو /١٩٨٨، وسيتم انسحاب جميع القوات السوفييتية خلال عشرة أشهر.

وقد اطلعنا على الأخبار والبيانات الصادرة عن هذه الجهة أو تلك،

والتصريحات الرسمية الصادرة عن الدول الكبرى والصغرى فما وجدنا شيئاً جديداً

نضيفه على ما سبق ذكره في بحثنا السابق (جهاد المسلمين في أفغانستان يمر

بأخطر مراحله) . ومن أهم أقسام هذا البحث ما يلي:

* المبادرة سوفييتية وليست أفغانية.

* هل يرغب السوفييت في الانسحاب من أفغانستان.

* وهل يقبل السوفييت الانسحاب دون قيد أو شرط.

* أهدافهم من وراء المبادرة.

* موقف المجاهدين من المبادرة.

* أين مواطن الخلل؟

* وما النصر إلا من عند الله.

مرة أخرى نقول من يقرأ هذا البحث بإمعان لن يجد جديداً، وهذا من فضل

الله وتوفيقه، والذين ينطلقون من مناهج ثابتة ويتحررون من ضغط العاطفة، ومن

الرغبة في تسجيل مواقف يرضون بها هذه الجهة أو تلك يستطيعون رصد الأحداث،

وفهم الواقع بدقة، ولا يتناقضون في تحليلاتهم ومواقفهم.

واستجابة لرغبة قرائنا سنكتب عن الأحداث الجديدة ولكن سنتناولها بإيجاز،

ونريد من إخواننا المسلمين أن يراقبوا هذه الأحداث بدقة ويعلموا من خلالها كيف

تتغير الأحوال عندما تتفق الدولتان العظميان على موقف من المواقف ووعي

المشكلة جزء من حلها.

* رفض سكرتير وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على موقف بلاده من

حكومة المجاهدين، وقال: سمعت بها الآن، ثم بدأت أجهزة الإعلام تنقل عن إدارة

البيت الأبيض عزمها على إيقاف المساعدات التي تقدمها للأفغان.

* المصادر الرسمية السوفييتية والغربية والأمريكية تدعو إلى وجوب عودة

ظاهر شاه وتشكيل حكومة ائتلافية، كما تدعو إلى ضرورة اشتراك السياسيين

الأفغان المقيمين في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا بهذه الحكومة،

وهؤلاء السياسيون الذين يتحدثون عنهم عملاء للغرب وخصوم للإسلام والمجاهدين.

* مصادر سوفييتية وغربية تتساءل: لماذا لا تشارك المنظمات الأخرى؟

يعنون: المنظمات الرافضية الهزيلة مثل: حركة إسلامي - آية الله محسني -

الشورى والاتفاق - آية الله بهئشتي، وغيرهما.. في اتحاد المجاهدين السبعة

ويريدون من وراء هذا أن تكون الأكثرية المطلقة ضد الإسلام السني.

ولهذا جاء في بيان غورباتشوف الآنف الذكر: " إننا نعتقد أن إيران الدولة

المجاورة لا يجب أن تظل بمعزل عن أية تسوية سياسية في أفغانستان ".

ونذكر القراء بما ذكرنا في أبحاثنا الماضية عن دور إيران، كما نذكر القراء

بتعاون نظام الآيات وعملائهم داخل أفغانستان مع الشيوعيين السوفييت، وعند

المجاهدين حقائق مذهلة عن مثل هذا التعاون.. وبكل أسف فقد سمعنا أن بعض

المجاهدين يهدد إذا أخرج من باكستان في الالتجاء لإيران، فليتذكر هؤلاء مواقف

إيران بجدية ... وليتذكر كيف يعاملون الأفغان السنة في إيران:

والمستجير بعمرو حين كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار وتحاول الهند

بالتنسيق مع السوفييت إشراك إيران في حل مشكلة أفغانستان، وتصرح باكستان

بأنها تطلع إيران على كل ما تجريه من مفاوضات تتعلق بهذه المسألة.

وهؤلاء المجاهدون الأبطال الذين قدموا آلاف الشهداء، وسجلوا أروع

الصفحات في تاريخ أمتنا الإسلامية الحديث، ونالوا إعجاب العالم وتقديره.. هؤلاء

المجاهدون الأشاوس تغير أسلوب الحديث عنهم في الصحف وأجهزة الإعلام

العالمية وقسمتهم إلى قسمين:

* معتدلون.

* متطرفون.

فالمعتدلون - مجددي وكيلاني ومحمدي - وهم الذين ينادون بعودة ظاهر شاه

وتشكل حكومة ائتلافية، وهم الذين يريدون الخير لبلدهم وما إلى ذلك من ألفاظ

رقيقة وألقاب فضفاضة.

أما المتطرفون فهم الذين نعرف بأنهم يريدون أن يحكموا شرع الله في بلدهم..

أصبحوا الآن متطرفين وسيقال غداً بأنهم دعاة عنف وإرهاب، وأنهم متعطشون

لسفك الدماء ...

وكما قلنا في أبحاثنا السابقة، ستغلق في وجوههم الأبواب التي كانت مفتوحة،

وستمنع عنهم المساعدات، وسوف تهاجمهم أجهزة الإعلام، وسيتأثر بهذه الدعاية

المسمومة كثير من المغفلين الذين يغيرون قناعاتهم بسهولة ويسر.

وليعلم إخواننا أن الجنة حفت بالمكاره، والنار بالمغريات، والمهم إرضاء الله

سبحانه وتعالى، وحذار مما يسمى بالحكومة الائتلافية أو الحيادية فليس هناك شيء

اسمه الحياد، وكيف يكون الإنسان حيادياً بين الشيوعية والإسلام، أو بين العلمانية

والإسلام؟ بل كيف يكون هناك ائتلاف بين أعداء الله وعبيده الطائعين الراكعين.

قال تعالى: [فَلا تُطِعِ المُكَذِّبِينَ، ودُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ] .

إن أعداء الله جددوا تحالفهم واتفقوا أن لا تقوم في أفغانستان دولة مسلمة

سنية وسيشعلون نار الفتن ويستخدمون جميع التناقضات، ونقاط الضعف في هذا

البلد المسلم، فحذار حذار أن توجه البنادق إلى غير صدور الشيوعيين والعلمانيين

الكافرين، وكما قلنا سابقاً فأهم شيء في جهاد المسلمين الأفغان الاستقلالية، ولن

يتمتعوا بالاستقلال إلا إذا انتقلوا إلى داخل أفغانستان واستفادوا من جبالها الشامخة،

وجعلوا من أرضها مقبرة لكل أفاك أثيم.

ما نأمله من إخواننا المجاهدين أن يتعاملوا مع هذه المرحلة بنوايا خالصة،

وعزائم قوية، وعليهم أن يرصوا صفوفهم، ويحذروا من إرجاف المرجفين،

وتخذيل المتقاعسين الذين يبحثون عن أي حل في أفغانستان.. إن دماء وأعراض

الملايين لا يجوز بحال من الأحوال أن يستهان بها أو أن تهدر بموقف متسرع أو

قرار غير مدروس.. إنها الأمانة يجب الوقوف عندها طويلاً.. طويلاً.. ولا

ندري لعلها بعون الله تعالى وتوفيقه بداية نصر الإسلام التي لن تكون أيسر من

الجهاد نفسه.. إن كثيرين ممن صبروا على آلام الجهاد ولأوائه قد لا يطيقون

الصبر على غنائم النصر، ولا يملكون كبح جماح شهوة السلطان والسلطة، فتكون

القاصمة القاضية.

ولنا في غزوة أحد وماتنزل عنها من الآيات عظة وعبرة.. - لقد صبر

الأصحاب على مرارة الطريق وآلامه، وانتصروا في غزوة بدر، وظنوا أن الجهاد

قد انتهى بهذا، ودخلوا غزوة أحد ظانين أن النصر لهم لا محالة، وجاءت الغنائم،

وضعفت النفوس، وبرز حظ الدنيا فكانت الهزيمة كما قال الله تعالى: [ولَقَدْ

صَدَقَكُمُ اللَّهُ وعْدَهُ إذْ تَحُسُّونَهُم بِإذْنِهِ حَتَّى إذَا فَشِلْتُمْ وتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وعَصَيْتُم مِّنْ

بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا ومِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ] .

حتى قال بعض الأصحاب. ".. والله ما علمت أن فينا من يريد الدنيا حتى

نزلت هذه الآية ... ".

ولقد حذرنا الله تبارك وتعالى وبين لنا سبب الفشل والهزيمة وذهاب الريح

فقال:

[ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ]

فالتنازع والتفرق، وتنوع الاتجاهات، وتوزع المقاصد وتنوع الولاءات إن لم

يسبب الهزيمة - لا سمح الله - فهو بلا ريب سبب في تأخير النصر.

إذاً فليستمر الجهاد، وليكن من الداخل، دون منة هذا الطرف أو ذاك، أو

وصاية هذه الجهة أو تلك، وليكن بطريقة مدروسة، وليكن بطريقة مستقلة.. جهاد

دائم مستمر حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله تبارك وتعالى.

اللهم اجمع كلمة إخواننا المجاهدين على الهدى، ووحد صفهم، واربط بين

قلوبهم بحبك، اللهم خذ بأيديهم، وكن لهم ولا تكن عليهم، وارحم ضعيفهم، واجبر

كسرهم، وسدد رميهم، واخذل عدوهم.. اللهم أبطل بحولك وقوتك مكر الأعداء،

وأزل هذه الغمة عن هذه الأمة، ورد أمة محمد إليك رداً جميلاً.. يا عزيز يا كريم

يا واسح الفضل وعظيم الاقتدار ... آمين ... آمين، وصلى الله على نبينا محمد

وآله وصحبه.