[أفغانستان ونفوذ تجار الحرب]
همدرد أبو أحمد (*)
إن نظرية الرئيس الأفغاني (حامد كرزاي) في إبعاد بعض (بارونا) الحرب من مجلس الوزراء لم يدم طويلاً، وخلال أيام قليلة؛ فقد رجع اثنان منهم إلى الحكم مع سلطة أكثر ليكونا محافظين لولايتين مهمتين. وهذا ما يشير بوضوح إلى أن الحكومة الأفغانية، وخاصة التحالف العسكري تحت قيادة الولايات المتحدة، لا زالت لا تريد أو لا تستطيع إنهاء سلطة (البارونات) التعسفية.
وعلى جانب آخر فإن (البارونات) حقيقة حية في الحياة في أفغانستان، ولهم حضور على الساحة الأفغانية منذ عام ١٩٧٨م؛ حيث كوّنوا ميليشيات للحرب إلى جانب حزب الشعب الأفغاني، أو مجموعات جهادية لقتال الحكومة الموالية للاتحاد السوفييتي. وفي نهاية المطاف كثير منهم انضموا إلى طالبان. وفي تلك الآونة بدأ أكثر (البارونات) ، وبخاصة المنتمين إلى التحالف الشمالي يطلبون العون من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، وإيران والهند، والدول الأخرى ضد طالبان. وازدهر هؤلاء عندما سقطت حكومة طالبان، واحتلوا المناصب المهمة في الحكومة الانتقالية للرئيس (كرزاي) . وكان في باله تهميش (البارونات) من الساحة تدريجياً، لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة؛ لأن الولايات المتحدة كانت تحتاجهم إلى جانبها لمواصلة الحرب غير المنتهية ضد القاعدة وطالبان.
وبعد نجاح (كرزاي) في الانتخابات الأخيرة في أكتوبر عام ٢٠٠٤م وعد بأن لا يضم إلى مجلس وزرائه إلا الأشخاص المهنيين. وهذا الإعلان لقى ترحيباً وحفاوة داخل البلاد وخارجها، وازداد الثناء عليه بعد إقالة كل من (آغا شيرزئي، وسيد حسين أنوري) . والإعلام الغربي قد رحب بهذا الأمر كإجراء لتقليل أهمية أولئك (البارونات) ، لكنه تجاهل وجود (إسماعيل خان) محافظ هرات سابقاً، و (كريم خان براهوي) محافظ ولاية نيمروز سابقاً في مجلس الوزراء مع كونهما من غير المهنيين، وأيضاً غير مناسبين لحقائبهما الجديدة. وقد سلم (كرزاي) حقائب وزارة الطاقة إلى (إسماعيل خان) بعد إقالته من منصب محافظ هرات لتقليل قوته؛ بينما لا يناسبه المنصب الجديد لانعدام أي خبرة لديه في هذا المجال؛ بسبب قضائه معظم حياته قائداً. وعلى جانب آخر لا يناسب (براهوي) لحقيبة وزارة شؤون القبائل والثغور؛ لأنه بلوشي، وهذا المنصب دائماً كان للبشتون؛ لأنهم يمثلون الأغلبية في البلاد.
والحقيقة أن إقالة (البارون) البشتوني (شيرزئي) من الوزارة لم تأت بدافع أنه لم يعد مقبولاً لدى الحكومة، بل لأنه لم يكن حاصلاً على الشهادة المطلوبة للتأهل لهذا المنصب تحت الدستور الأفغاني الجديد. الدافع نفسه كان وراء إقالة (أنوري) أحد (البارونات) من الشيعة الهزارة، ووزير الزراعة سابقاً. وتعويضاً عن الوزارة؛ فإن (شيرزئي) عاد محافظاً لولاية قندهار كما كان في الماضي، بينما استلم (أنوري) حقيبة محافظ ولاية كابول. وهذا التعيين قد انتهك قاعدة أخرى كررها (كرزاي) خلال السنوات الثلاث الماضية بأنه لن يولي هذا المنصب ابن البلد. وقد عُدّ إجراء إقالة (شيرزئي) خطوة جيدة على الدرب الصحيح؛ لأنه اشتهر بالقساوة، وتفويض المناصب المهمة إلى مؤيديه، والإذن لهم بالتورط في الفساد المالي وانتهاك حقوق الإنسان. وعلى صعيد آخر فإن (محمد يوسف بشتون) أيضاً لم يعد مناسباً لمنصب المحافط لولاية قندهار معقل طالبان؛ لأنه لم يكن رجلاً شعبياً؛ إلا أن كلاهما يغيران أمكنتهما الآن. وهذا يدل على أن الأمور لم تشهد أي تغيير في أفغانستان في ضوء الحقائق الأرضية.
وقد نال (أنوري) السمعة كقائد للمجاهدين أيام الحرب ضد الروس في المناطق غربي كابول. وحظي بالقوة خلال حكومة المجاهدين المدمرة؛ حيث حارب بعضهم، وقاموا بتدمير معظم مدينة كابول. وكان (أنوري) عضواً في التحالف الذي ساعد التحالف الأمريكي للإطاحة بحكم طالبان. وقد نال منصب وزير كجائزة على ذلك؛ إلا أنه كبقية الوزراء (البارونات) لم يكن يحظى بالخبرة الإدارية والتقنية التي تحتاجها أي وزارة. ولكونه باروناً شيعياً مهماً يفقد الشهادة المطلوبة لمنصب الوزير كان من اللازم منحه مكاناً مهماً في الحكومة بعد إقالته من الوزارة. ولعل منصب محافظ كابول أنسب له في رأي حكومة (كرزاي) ؛ لأنه شيعي من الهزارة، وهم يحتلون رقعة واسعة من الأرض حول كابول العاصمة.
وأكثر المحافظين في ٣٤ ولاية من أفغانستان من (بارونات) الحرب السابقين، وعدد المحافظين غير (البارونات) في تناقص من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنهم أيضاً يعتمدون على رؤساء الشرطة والأمن، والذين هم بدورهم من القادة المجاهدين السابقين أو (البارونات) . والولايات الجنوبية والشرقية والغربية والشمالية لا زالت في يد (البارونات) مثلاً (أستاذ عطا محمد) محافظ لبلخ و (جمعة خان همدرد) محافظ ولاية بغلان و (حاجي دين محمد) يتولى منصب المحافظ لقندهار، بينما يتولى المنصب نفسه في ولاية (فراه وغور وغزني، وأرزكان وهلمند) كل من (بشير بغلاني) والدكتور (إبراهيم وجان محمد خان، وشير محمد أخوند زاده) على التوالي. ومن المضحك أن ثلاثة من المحافظين في حكومة (كرزاي) وهم (جمعة خان همدرد) و (بشير بغلاني) و (منشي عبد المجيد) محافظ ولاية قندوز من القادة السابقين المنتمين إلى الحزب الإسلامي لـ (حكمت يار) ؛ في حين أن حكمت يار من المطلوبين المهمين في القائمة الأمريكية.
هذا، وقد أرسل إخفاق الرئيس كرزاي، والحكومة الأمريكية في إقصاء (البارونات) من المناصب المهمة في السلطة مؤشراً خطأً إلى كل من ينمو على قوة السلاح والنار. وبدأ (البارونات) وتابعوهم يشعرون أنهم لا استغناء عنهم، ويدركون أن مساعدتهم مهمة جداً في حرب أمريكا على الإرهاب، وبخاصة في أفغانستان؛ حيث أنشأ (أسامة بن لادن) قاعدة قوته بالمساعدة من طالبان. وطبعاً هذا تعويض، وبسبب ذلك فليست أمريكا تبدي لهم السماحة فقط، بل إنها تقوِّيهم لضرب القاعدة الأفغانية وطالبان.
وإن مصطلح «بارونات الحرب» ودوره في أفغانستان ما بعد طالبان قد تسبب لنقاش ساخن بين مؤيدي (كرزاي) ، وبعض مناهضيه كالجنرال (عبد الرشيد دوستم) المرشح المهزوم في الانتخابات الرئاسية. ويقول (مأمور حسن) أحد قادة الحركة الإسلامية (جنبش إسلامي) حزب دوستم الأوزبكي، والذي يتكلم دائماً عن حقوق الأقليات غير البشتون: إن مصطلح «بارون الحرب» وُضع لإدانة كل من حارب السوفييت أو القاعدة وطالبان. وقد وجّه (حسن) نقداً جارحاً إلى كرزاي؛ بسبب إعلانه العفو عن طالبان قائلاً: إن هذا الإعلان بمثابة الغدر بالشعب الأفغاني. وهذا الرأي نفسه يبديه كثير من القادة المجاهدين القدامى من غير البشتونيين. ويؤكدون أن (كرزاي) يتوسل إلى طالبان لكسب التأييد له بينهم؛ لتقليل الاعتماد على الطاجيك والأوزبيك والهزارة والتركمان، والذين ساندوه في بداية حكمه السهل الكسر.
هذا، ومن ناحيتهم فإن القادة المجاهدين «بارونات الحرب» الذين كانوا مع المجموعات الإسلامية في غضون الجهاد الأفغاني قلقون من النفوذ النامي للمتغربين والملكيين والعلمانيين في حكومة (كرزاي) على حساب الإسلاميين. وهكذا سيصبح الصراع على تعريف ودور بارونات الحرب قضية مصيرية، تهدد التحالف الصعب وغير الطبيعي بين معسكر كرزاي، والتحالف الشمالي.
وعلى صعيد آخر فإن مدة أكثر من ربع قرن من الحرب قد جعل (البارونات) يتأقلمون مع البيئة الأفغانية؛ فهناك كثير من الأفغان يخافونهم ويبغضونهم؛ لكن عدداً كبيراً منهم يرحبون بهم، ويرون أنهم خلَّصوهم من الاحتلال السوفييتي، وقدموا التضحيات لعظمة الإسلام وأفغانستان. ولم يكن من السهل تحديد قوتهم؛ لأن الولايات المتحدة كانت ولا زالت تحتاجهم للقضاء على العناصر المتبقية من القاعدة وطالبان. ولأجل ذلك تبنت الحكومة أسلوباً خاصاً لمعالجة (البارونات) : مثلاً تمّ عزل (إسماعيل خان) من منصب محافظ ولاية هرات، جراء تأييده لإيران، ومناهضته للحكومة المركزية. وهناك إجراءات لتقليل قوة الجنرال (دوستم) ؛ بسبب معارضته لـ (كرزاي) وعلاقاته المتينة مع روسيا، وزد إليها ماضيه القاسي ... لكن في الوقت نفسه لم يمسّ أحد (البارونات) الموالين لأمريكا.
وأكثر (البارونات) سيبقون على هذا الوضع بشكل أو بآخر ما دامت القوات الأجنبية تحت القيادة الأمريكية في أفغانستان، أو يتم سحق مقاومة طالبان.
والانتخابات البرلمانية القادمة ستمنح صبغة شرعية لـ (لبارونات) وميليشياتهم؛ وهذا سيعطيهم فرصة لرفع صوتهم في المؤسسات المنتخبة. ومن الممكن أن نسمع في المستقبل القريب مصطلحات جديدة مثل: الحسن (المعتدل) والسيئ (المتطرف) . وأيضاً هناك احتمال استقطاب واجتماع (البارونات) المجاهدين تحت راية التحالف الشمالي، واجتماع الساسة الموالين للغرب تحت قيادة الرئيس كرزاي.
(*) كاتب ومحلل سياسي باكستاني.