ندوات ومحاضرات
التطورات الأخيرة لعملية السلام
والتوقعات المستقبلية
(٢من٢)
إعداد: وائل عبد الغني
صُدّر الجزء الأول من الندوة برصد تاريخي لعملية السلام وتطورها وأهم
الدلالات التي يُخْرَجُ بها، ثم عرج إلى الحديث عن الموقف الشرعي من الهرولة
نحو عملية السلام، ومن ثم عولجت آثار عملية السلام على النظام الإقليمي العربي، وبهذه الحلقة تختتم وقائع الندوة.
-البيان-
على ضوء ما يجري داخل إسرائيل، ما هي توقعاتكم لردود الأفعال العربية:
الداخلية والخارجية؟
د. جمال: بالنسبة للداخل: ردود الأفعال أصبحت محسومة من خلال
شرطي إسرائيل المتثمل في السلطة التنفيذية الذي يقوم بدوره؛ وخارجياً فكل
السياسات تصبّ في خط إسرائيل؛ لذا: فإسرائيل أمنت ردود الأفعال؛ هذا طبعاً
في حسابات البشر وفقاً لاستقراء الواقع؛ أما ما يحدث مستقبلاً فهو في علم الله..
[وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ] [الأنفال: ٣٠] لأن ردود أفعال
الشعوب لا يمكن حسابها بدقة؛ رغم وجود مراكز استراتيجية لجمع المعلومات عن
ذلك لدى الأعداء؛ إلا أن هناك تخوفاً وعدم وضوح، رغم أن العدو يتحرك حركة
منظمة ومدروسة.
* الواضح أن عملية التسوية السياسية في المنطقة تمر بمرحلة من التحول؛
فعلى ضوء توازنات القوى في المنطقة، وطبيعة الاتفاقيات بين الأطراف؛ ما هي
سيناريوهات المستقبل المتوقعة؟
د. حامد: يمكننا أن نتصور ثلاثة سيناريوهات مستقبلية لعملية التسوية
السياسية، وكلها خيارات مطروحة على النحو التالي:
السيناريو الأول: استمرار حالة الجمود الحالية (حالة اللاسلم واللاحرب) :
في ظل حكومة الليكود الحالية، وفي ظل توازنات القوى في المنطقة العربية؛ فإنه
من المتصور أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه فالكيان الصهيوني ينشئ واقعاً
جديداً كل يوم، ويعمل على إبقائه وحمايته، والأطراف العربية تعيش على آمال
(استئناف التفاوض) مع الكيان الصهيوني.
هذا السيناريو لا يُتَصوّر تغييره إلا بتوافر شرطين على الأقل:
الأول: إعادة إشعال الانتفاضة الشعبية داخل الأرض المحتلة مع إحداث
نقلات نوعية في أساليب هذه الانتفاضة والقيام بعمليات استشهادية جديدة.. وهذا
يستلزم بدايةً كف أيدي أجهزة الأمن العرفاتية عن ملاحقة أعضاء حركتي حماس
والجهاد، وكافة الفاعليات القائدة للانتفاضة الفلسطينية، وكسر طوق تنسيقها مع
أجهزة الأمن الإسرائيلية في هذا الصدد، وتوفير كافة وسائل الدعم الشعبي
للانتفاضة باعتبارها نوعاً من المقاومة المشروعة للاحتلال الأجنبي.
الثاني: ضرورة وجود حد أدنى من المواقف العربية المشتركة إزاء عملية
(التطبيع) مع إسرائيل؛ وإنهاء حالة التشرذم العربي الحالية بصدد الموقف من
الكيان الصهيوني.. وليس إصرار (قطر) على عقد ما يسمى بـ (المؤتمر
الاقتصادي) رغم كل ما يجري على أرض الواقع إلا مؤشراً واضحاً على حقيقة
أوضاع التضامن العربي. ولن نتحدث عن تخاذل بعض أطراف التفاوض العربي
في دعم الموقف السوري في العملية ذاتها.. وهو ما جعل الكيان الصهيوني يتلاعب
بالأطراف العربية ويفرض ما يريد من سياسات على أرض الواقع..
السيناريو الثاني: استئناف عملية التفاوض السياسي، والتوصل إلى تسويات
سياسية جزئية في المنطقة.
وفي ظل معادلات الواقع الاستراتيجي والسياسي؛ فإن معظم الأطراف
العربية ليس لديها ما يمنع من التوصل إلى تسويات سياسية جزئية، واتفاقيات غير
متكافئة أخرى جديدة يتم من خلال آلية الدعاية السياسية توفير صناعة القبول بها..
إن التوصل إلى تسوية شاملة في المنطقة يعني على الأقل قيام الكيان
الصهيوني من وجهة نظر الأطراف العربية المفاوضة بتنفيذ تعهداته، والاتفاقيات
التي أبرمها منذ أوائل التسعينات؛ وهذا يعني:
١- التوصل إلى تسوية نهائية على المسار الفلسطيني؛ ويعني ذلك استكمال
تنفيذ المرحلة الثالثة من الاتفاق الذي يتعلق بمفاوضات الوضع النهائي التي تنتهي
بقيام (الدولة الفلسطينية) .
٢- الانسحاب الكامل من جنوب لبنان.
٣- الانسحاب الكامل من الجولان والعودة إلى حدود ما قبل ١٩٦٧م.
بالطبع فكل المؤشرات الواقعية حتى هذه اللحظة تقول: إن هذا الأمر ضرب
من الخيال السياسي.
وإن المطروح هو تسوية جزئية بالغة التواضع تقوم على مفهوم (السلام
الإسرائيلي) بكل ما يعنيه ذلك من إهدار وإضاعة للحقوق العربية؛ فالسلام
الإسرائيلي المطروح بقوة ووضوح وسبق أن أشرنا إليه يتضمن:
عدم التنازل عن الجولان، وعدم السماح بقيام دولة فلسطينية؛ وتهويد القدس
تماماً، وجعل القدس الكبرى العاصمة الأبدية للكيان الصهيوني؛ مع الاستمرار في
سياسات هدم الأقصى لإقامة هيكل سليمان.
بالإضافة إلى ذلك إدخال المنطقة بكاملها في حقبة السلام الإسرائيلي عبر
سياسات فرض التطبيع الاقتصادي والثقافي وفرض الأمر الواقع.
السيناريو الثالث: اندلاع حرب جديدة في المنطقة وهذا السيناريو ليس
مستبعداً؛ بل ربما يكون أكثر احتمالاً في الوقت الراهن، في ظل جمود الأوضاع
على صعيد مفاوضات التسوية السياسية.
وقد لوّح القادة الإسرائيليون بهذا الخيار أكثر من مرة في الوقت الذي تعلن فيه
أطراف عربية مهمة في توازنات القوى في المنطقة أن السلام خيارها الاستراتيجي
الوحيد! ! والطرف الأكثر ترشيحاً لاحتمال المواجهة معه هو (سوريا) ولذلك: فإنه
يمكننا أن نتصور (حرباً خاطفة) تقوم فيها القوات الجوية الإسرائيلية بضرب
القوات السورية في الجنوب اللبناني ويمكن أن نتصور الهجوم المباشر على
الأراضي السورية، ويمكن توريط تركيا في مثل هذه المهمة..
وغير مستبعد توسيع دائرة الحرب لتشمل العديد من دول المنطقة.
* هذا يجعلنا نطرح بعداً آخر من أبعاد الصراع أصبح يشكل دوراً خطيراً في
صياغة شكل الصراع ويحدد معالمه وآلياته.
هذا الجانب هو التحالفات الإسرائيلية مع العديد من القوى، والاستفادة من
ذلك في دعم استراتيجيتها، الأمنية والتوسعية، بالإضافة إلى التحركات السريعة
والمؤثرة في المنطقة: نريد بداية بلورة هذه الجوانب!
د. جمال: عقد العدو عدة اتفاقيات استراتيجية للدفاع المشترك:
إسرائيل اليونان.
إسرائيل تركيا.
إسرائيل الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى مناورات مشتركة مع حلف شمال الأطلسي، وإنزال على
الساحل الجنوبي للبحر المتوسط للتعرف على طبيعة أرض المعارك المستقبلية.
تجهيز البنية الأساس في كثير من الدول العربية.
عملية مسح جغرافي وطبوغرافي لخدمة المرحلة القادمة.
إلى جانب تدمير السلوكيات والأخلاق وإفساد الذمم ونشر المخدرات والإيدز.
إنساء الناس قضية المقدسات.
ومن جانب آخر: تخريب الوطن الإسلامي من الداخل عن طريق إثارة الفتن:
المسلمون × النصارى
الأنظمة × الصحوة
الأغلبية × الأقليات
النزاعات العرقية لإنهاك الداخل.
لذلك أتساءل: لماذا يجري كل ذلك إن لم يكن لقرار مصيري هو الحرب؟
لذلك أقول للحكام: هاتوا علماء التاريخ وعلماء الإسلام والمختصين والباحثين
وادرسوا استراتيجية العدو بدقة؛ لتدركوا أننا منذ ضَرْبِ الخلافة ووصول
الاستعمار الأجنبي إلى بلادنا لم نضع أقدامنا على الطريق الصحيح.. كل الذي
يحدث أن الأمة تكبل ... تخدر.. تنوّم بحجة إرادة السلام! !
* التحالف الإسرائيلي مع عسكر تركيا رغم أنف الشعب التركي له أهداف
وحسابات ومصالح مشتركة فهل لنا أن نحيط بالأهداف الظاهرة على الأقل؟
أ. كمال: كان لتركيا في النظام القديم دور بارز باعتبارها دولة جوار للاتحاد
السوفييتي فكانت جزءاً من الصيغة الأمنية في المنطقة مثلها مثل إسرائيل؛ وبعد
قيام النظام الجديد بدأ كل منهما يبحث له عن دور في اللعبة الدولية، فحاول كلاهما
أن يفجر فكرة حرب الأصولية من أجل حماية العالم الغربي، فتوافقت على إثر ذلك
مصالح العسكر في تركيا مع إسرائيل في الارتباط بالنظام الغربي ... وظهر
التحالف العسكري تحت دعوى إتاحة فضاء للطيارين الإسرائيليين للتدريب في
أراضي تركيا لتكون قريبة من دول الجوار: العراق سوريا إيران للتدريب على
طبيعة أرض المعارك المستقبلية هناك ولرصد الأهداف الاستراتيجية.
وهدف ثان: هو ضرب الصحوة الإسلامية والعالم الإسلامي، والحيلولة دون
تمكن الإسلاميين من السلطة في تركيا، والمساهمة في الضغط على الرفاه لصالح
العسكر وحماية العلمانية هناك.
وهدف ثالث: هو إيجاد مجالات مجاورة للضغط بها على دول الجوار وهو
ما يعرف بسياسة شد الأطراف لتهديد القلب.
وهدف رابع: هو محاولة تطويق الصحوة الإسلامية في دول آسيا الوسطى
التي تمثل قوة جبارة مضافة إلى العالم الإسلامي عن طريق تحييدها إن لم يستطيعوا
إسقاطها كلية؛ لذلك دخلت تركيا هذه المناطق لتطرح نموذجها العلماني بديلاً هناك؛ لأن المنطقة هناك تشهد مخاضاً إسلامياً سواء في جورجيا أو طاجيكستان أو
أذربيجان أو في الشيشان وتحاول تركيا بإيعاز من إسرائيل والغرب السيطرة عليه
وإجهاضه.
* هل اكتفت إسرائيل بدور تركيا في دول آسيا الوسطى؟
أ. كمال: لا؛ فالولايات المتحدة وإسرائيل لها توجه قوي نحو هذه الدول؛
إذ يكفي أن كل هذه الدول التي استقلت في آسيا الوسطى ويا للأسف أقامت إسرائيل
معها علاقات دبلوماسية وكانت أسبق من الوجود العربي. وهذا دأب إسرائيل
لتعويض النقص الاستراتيجي؛ فتحاول السبق إلى أي مكان فيه فراغ أو تحول
سياسي.
* ما الهدف الاستراتيجي الأكبر للتحالفات مع القوى؟
د. جمال: المراد بداية تحزيم العالم الإسلامي من منطقة الشمال، وتأمين
حوض البحر الأبيض المتوسط؛ لأن تركيا من الدول الضاغطة على النظام العربي؛ بالإضافة إلى أن تركيا واليونان عضوان في حلف شمال الأطلسي، ووفقاً للوائح
الحلف لا يجوز لدول الحلف عقد تحالفات عسكرية مع دول من خارج الحلف إلا
بموافقة الحلف؛ ومعنى هذا: أن الحلف وافق ضمنياً على هذا التحالف الجديد وهذا
لا يعني سوى أن الحلف بدأ يتوسع جنوباً بشكل غير معلن، وبذلك خرج من
أوروبا، ودخل في منطقة الخطر (العالم الإسلامي) .
هذا بمحاذاة الاتفاق الإسرائيلي الأردني؛ ومعناه أن هذه الأرض لها منطق
أمني واحد، وهذه المنطقة كذلك منطقة عمليات لحلف شمال الأطلنطي عند حدوث
أي تغيرات في المنطقة؛ هذا بالإضافة إلى القوات الأمريكية وقواعدها المنتشرة في
المنطقة؛ ولعل كل ما يجري هو من قبيل الإعداد لصدام محتمل من أجل القدس.
* ننتقل إلى جانب آخر على الصعيد الآسيوي: إلى روسيا التي بدا نفوذ
اليهود فيها واضحاً: فإلى أي حد بلغ هذا النفوذ؟
أ. كمال: كل التحولات التي جرت في روسيا كان وراءها اليهود: فريق
جورباتشوف كلهم كانوا من اليهود، وجميعهم زار إسرائيل؛ بل الثورات الحمراء
في روسيا كان وراءها يهود.
والآن معظم الأسماء التي تصنع السياسة هناك من اليهود، فلم يعد بلاط
كلينتون وحده بل يلتسن أيضاً.
النائب الأول لرئيس الحكومة أناتولي تشوبايس كوزيريف وزير الخارجية
جرينوفسكي بانونومسكي تشيرنومردين.
كل رؤساء الأحزاب في روسيا بلا استثناء من اليهود.
كل أجهزة الإعلام المجلات كلها ما عدا البرافدا رؤساء تحريرها يهود وكان
لهم جميعاً دور في مساندة إسرائيل.
إذن فأغلب من يشغلون المناصب العليا والحساسة ويملكون صناعة القرار في
روسيا كانوا من اليهود.
اليهود السوفييت فتح لهم باب الهجرة إلى إسرائيل وهم أكثر من مليون،
و٥٠% منهم من ذوي التخصصات العالية، ولهم حزب متحالف مع الليكود.
الظاهرة التي تحدث الآن أن اليهود الأمريكيين في ظل التحول الحادث في
روسيا هم الذين يذهبون إلى هناك يحاولون السيطرة على الاقتصاد الروسي لصالح
إسرائيل.
* ننطلق بعد ذلك جنوباً إلى الهند والانفتاح الإسرائيلي الهندي! ما أهدافه؟..
وما أرباحه بالنسبة لإسرائيل؟
* أ. كمال: الهند دولة جوار لباكستان (الإسلامية) التي تمثل جزءاً من قوس
الأزمات ومصدراً من مصادر الخطر على أمن إسرائيل رغم بعد المسافة لامتلاكها
قوة نووية، ومن هنا فمن مصلحة إسرائيل عمل محور مع الهند؛ رغم أن الهند
كانت قوة من قوى عدم الانحياز وكانت مع العرب وكانت تمثل مجالاً محرماً على
إسرائيل؛ لذلك حاولت إسرائيل اختراقه ونجحت، وكان أكبر مظاهر ذلك هو
زيارة فايتسمان للهند أوائل هذا العام، التي هدفت بشكل أساس إلى تحديث أسطول
طائرات (الميج) الهندية الروسية الصنع، وهي تمثل صفقة العصر (٧٠٠ طائرة) .
كذلك طرحت إسرائيل عقد تدريب قوات الأمن الهندية على مكافحة الشغب
(أي: المسلمين) .
هناك تشابه بين الهند وإسرائيل، وهو أن كلتيهما لم توقعا على معاهدة حظر
انتشار الأسلحة النووية؛ ويوجد نوع من الدعم الدولي المشترك في هذه المسألة،
وكذلك قدمت إسرائيل عرضاً للهند بشراء طائرات (كافير) الإسرائيلية لكنها رفضت.
الوفد الإسرائيلي ضم عدداً كبيراً من رجال الصناعة؛ وأبرم اتفاقيات في
مجالات الزراعة والتجارة والتكنولوجيا، وقدموا ١٠٠ مشروع للعمل مع الهند.
الشاهد في الموضوع: أن إسرائيل رغم كونها دولة صغيرة وضعيفة وفيها
عيوب هائلة، إلا أنها تسعى لتقوية نفوذها من خلال الانتشار في العالم، وفي
المقابل نجد تحركات الدول العربية ضعيفة إن لم تكن منعدمة!
* ننتقل إلى حلف شمال الأطلسي واجتماعاته هذه الأيام: ماذا وراءها؟
أ. كمال: هذه الاجتماعات طبعاً لإعادة الترتيبات الأمنية للحلف الذي بدأ
يمتد شرقاً في أوروبا الشرقية لمحاولة دمج روسيا في النظام الغربي؛ إضافة إلى
التمكين للنظام العالمي ذي القطب الواحد لتضييق الخناق على الإسلام.
* ماذا عن دور أوروبا في اللعبة؟
أ. كمال: أوروبا كلها موافقة على سياسات إسرائيل، وأغلب دولها يؤيد ذلك
جهاراً.
وفي الفترة الماضية اتفقت أربع دول أوروبية هي بريطانيا فرنسا إيطاليا
أسبانيا على إقامة قوة أوروبية سريعة الانتشار الـ (. ٤) منفصلة عن حلف
الأطلنطي.
د. جمال: هذه القوة قامت بعمل مناورات مشتركة مع مصر، وعملت إنزالاً
على الساحل الشمالي في مصر تمهيداً لأي تدخل مستقبلي عند الحاجة في الشمال
الإفريقي، أو بمعنى آخر: التحرش بإسرائيل أو وصول الإسلاميين إلى الحكم في
أي بلد عربي. والعجيب أن لأعدائنا استراتيجية ثابتة؛ أما نحن فمتأخرون حتى
في قراءة فكر العدو؛ وهذا الذي وصلوا إليه هو: الخطوات قبل الأخيرة لنهاية
الصراع. لكن هذا تفكير البشر وجهد البشر، حتى لا يصيبنا الإحباط واليأس
[وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ] [الأنفال: ٣٠] .
* ومن فم التنين الجائع (الأطلنطي) ننتقل إلى اللقمة التي يسيل لها لعاب
الجميع! (القارة السوداء إفريقيا) لنرصد التحركات الاستخباراتية الإسرائيلية:
صورها وأهدافها.
أ. كمال: كانت خطة إسرائيل ككيان ضعيف ومليء بالنقائض هي توسيع
وجودها في العالم من خلال نشاط الاستخبارات؛ وهذا النشاط كان واسعاً جداً بحيث
يشمل العالم كله: لمحاصرة منابع النيل، ولتحزيم الوطن الإسلامي والعربي من
الجنوب، ومنع انتشار الإسلام باعتبار هذا التحزيم حوائط صد لقطع الصلة بين
شمال القارة المسلمة وجنوبها الذي يقل فيه الإسلام، كذلك لفتح أسواق جديدة
لصادراتها وبالذات السلاح، وللاستفادة من الثروات الطبيعية المتوافرة بكثرة مثل:
الماس والذهب واليورانيوم والكوبالت ... في عام ١٩٧٢م كان عدد الإسرائيليين
المتواجدين في إفريقيا ٢٠ ألفاً، وفي عام ٩٥ تقول الإحصائيات إنه تم عقد ١٣٠٠
صفقة حققت إسرائيل منها في عام ٩٦ أرباحاً قدرت بـ ١. ٤ مليار دولار،
وتحصل في مقابلها على مواد خام. وعلى سبيل المثال فإن من الدول التي عقدت
معها إسرائيل صفقات سلاح سرية: رواندا، وبورندي، وأوغندا، وإرتيريا؛
ولهذا دلالة واضحة في الأحداث التي جرت وتجري الآن.
كذلك من عوامل التواجد القوي: مسألة حماية الرؤساء وهو مجال خصب؛
فللاستخبارات الإسرائيلية هناك حوالي ١٥٠٠ خبير لحماية رؤساء إفريقيا (حماية
شخصية) .
هناك مشروعات اقتصادية دخلتها إسرائيل مع ٤٢ شركة إفريقية بعقود بدأتها
بـ ٢٠٠ مليون دولار، ثم صارت شريكة في ٥٠٠ مليار دولار؛ وبهذا تصبح
مسألة السوق الشرق الأوسطية ليست هي المخرج الوحيد للرواج الإسرائيلي؛ لأنها
اليوم خطت خطوة أوسع لتحزيم العالم العربي عن طريق السيطرة على جزر حنيش
بمضيق باب المندب في البحر الأحمر ثم بوجود قواعد عسكرية في إرتيريا وإثيوبيا.
* هل للأصابع الاستخباراتية الإسرائيلية دور فيما يجري الآن من تغيرات
على الخريطة الإفريقية؟
أ. كمال: أصابع اليهود في أغلب الأحداث الإفريقية واضحة، ففي
سيراليون (٨٥% مسلمون) مثلاً والصهاينة لهم يد في دفع الانقلابيين الجدد للإطاحة
بأحمد تيجان أول رئيس مسلم لسيراليون.
كذلك أحداث رواندا وبورندي، ثم زائير: كانت المخابرات الإسرائيلية تلعب
دوراً كبيراً فيها للقضاء على الهوتو، ذوي الأغلبية المسلمة واللسان العربي لصالح
التوتسي ذوي الولاءات الغربية رغم أنهم أقلية.
وتقوم كل من أوغندا وإثيوبيا وجنوب إفريقيا بخدمة مصالح اليهود والغرب
هناك على حساب النفوذ الإسلامي والعربي باعتباره نفوذاً تقليدياً في إفريقيا.
وباستقراء الأحداث نجد أن الرؤساء الجدد يكونون من الزنوج المحررين القادمين
من أوروبا أو من الاشتراكيين القدامى، وبمجرد تولي رئيس جديد من هؤلاء
السلطة؛ فإنه يقيم علاقة مع إسرائيل، ويفتح الباب أمام التغيير!
وهذا له صلة بمنابع النيل ومحاصرة مصر عن طريق تكبيل السودان عن
طريق ما يسمى بـ (تداعيات السلوك بين الحركات) فبدأت الاضطرابات برواندا..
ثم بورندي ... ثم زائير.. ثم سيراليون.. ثم برازفيل.. ثم إفريقيا الوسطى.. كل
هذا التتابع في وقت قصير! .. والعدوى العرقية تتنشر بين الدول!
وكان لهذا الأمر أهميته في قمة دينفر الأخيرة؛ إذ كانت إفريقيا في مقدمة
موضوعات ورقة العمل الأطلنطية.
كل ذلك إضافة إلى سعي الولايات المتحدة لتقديم مساعدات اقتصادية لدول
إفريقيا بهدف دمج إفريقيا في النظام العالمي الجديد.
* موضوع زعماء الانقلابات في إفريقيا رغم اختلاف مناهجهم إلا أنه يدفع
بهم إلى السلطة؛ وهذا يلقي ظلالاً أخرى على كيفية الوصول إلى الاشتراكيين
بالذات، وتجنيدهم لمصلحة إسرائيل والغرب!
هناك بالفعل أمر عجيب يثير الدهشة، وهو أن إسرائيل حاولت التغلغل بقوة
في إفريقيا، وتبنت في ذلك منظوراً إيديولوجياً يختلف من وقت لآخر، ومن
ظروف لظروف مغايرة.
فأيام انتشار الاشتراكية حاولت التغلغل من خلال المفهوم الاشتراكي لدرجة أنه
يوجد حوالي ١٧ معهداً أو أكثر في إسرائيل متخصصة في تدريب القيادات
الإفريقية على أفكار الموساد والكيبوتس ربما بأساليب مختلفة ونقل هذه الأفكار
داخل المجتمع.
مثلاً: إقامة مشروعات اقتصادية للمياه والري بالتنقيط، كما يجري استقدام
طلاب من إفريقيا في إطار تعاون علمي من أجل إعدادهم ليكونوا في المستقبل أداة
من أدوات إسرائيل في السيطرة على القارة الإفريقية.
* إذن هذا يكشف لنا عن تحركات أوسع من التحركات الاستخباراتية.. ربما.. أليس كذلك؟ !
هناك تحركات عسكرية إسرائيلية قوية في أغلب القارة السوداء؛ وإليك بعض
الأمثلة:
- ساعدت إسرائيل إريتريا في احتلال جزر حنيش، وتطهير جزر دهلك من
الألغام ... هناك حوالي ٤٠ جندياً إرتيرياً في بعثة بالقوات البحرية الإسرائيلية وتم
إيفاد عسكريين إسرائيليين للعمل كمستشارين هناك.. وتجري الآن هناك مناورات
عسكرية من قوات قوامها ١٥٠٠٠ مجند نصفهم إسرائيليون تمهيداً لغزو جنوب
السودان.
- في إثيوبيا: تم تبادل قطع غيار طائرات ٥ وتدريب ٣٨ طياراً. كذلك
موضوع النيل الأزرق وإقامة ٢٠ سداً بمساعدة أمريكية وخبرة إسرائيلية لخنق
مصر والسودان وتقوية نفوذ أثيوبيا. ولا ننسى أن أثيوبيا مع إرتيريا تمثلان محوراً
من محاور التهديد للنظام الإقليمي العربي.
- في كينيا: هناك صفقات صواريخ (جيريل) الإسرائيلية.. وهناك قوات
كوماندوز ترابط في مطار نيروبي.
ويوجد ١٠٠ خبير إسرائيلي لمكافحة الإرهاب (الوجود الإسلامي) هناك.
- في أوغندا: يتم تدريب سلاح الطيران، تطوير طائرات ميج ٢١ في
المصانع الإسرائيلية.
- في تنزانيا: تدريب ضباط وهناك خبراء يهود لترويج الأسلحة الصغيرة
وأجهزة الاتصال المنقولة لأفراد الشرطة.
في تشاد ذات الأغلبية المسلمة: حصلت الحكومة هناك على سلاح إسرائيل
عن طريق زائير عام ١٩٨٣م وتوجد عناصر زائيرية في تشاد تقوم بتدريب الجيش
التشادي على نفقة إسرائيل!
- نيجيريا: رغم أنها تعتبر أكبر دولة إسلامية في إفريقيا إلا أن إسرائيل
تقوم بإنشاء ٣ قواعد جوية بمساعدة ٣ خبراء يهود.
وتقوم بتدريب ٣٥ ضابطاً وجندياً من قوات الكوماندوز لتأمين القيادة
النيجيرية.
* ننتقل إلى النقطة قبل الأخيرة في ندوتنا؛ والتي تنقلنا إلى كوبنهاجن
والتطبيع الثقافي! لنتساءل: ماذا وراء الأكمة؟ وما الذي يهدف العدو من وراء
توريط بعض المثقفين العرب في التطبيع الثقافي؟
د. جمال: العدو يهدف إلى عملية غسيل لمخ الأمة! ونجح في اختراق
الطبقة المثقفة عن طريق من كانوا يحملون لواء الشيوعية من قبل؛ الذين أصبحوا
يحملون لواء الديمقراطية.. نجح العدو في استقطاب عدد كبير منهم! لتصبح هناك
فئة تنادي بما ينادي به العدو؛ من نسيان القدس والمقدسات، وفتح أبواب التطبيع
أما كونهم وجدوا لهم صدى داخل المجتمع الإسرائيلي فهذا طابع تكتيكي ذراً للرماد
في العيون والنهاية ... أن الذين كانوا يزعمون أنهم يقاتلون في ٤٨، ٥٦، ٦٧،
٧٣ هم الذين وقّعوا عقد كوبنهاجن مع الفئة المستدرجة ليفتحوا باباً آخر من
الصراع هو الغزو الثقافي، وهو بلا شك أشد خطراً؛ لأنه يُخترَقُ من خلاله عقل
الأمة.
أ. كمال: أزمة المثقفين في العالم الإسلامي والعربي هي جزء من أزمة
الأنظمة التي روّج لها هؤلاء من قبل، وكلاهما يفتقد البعد العقدي في الصراع
بالإضافة إلى أن أكثرهم كانوا من المتسغربين الذين تربوا على موائد غير إسلامية، ولذلك فالمسألة في قناعاتهم سياسية؛ والسياسة بطبيعتها متغيرة، والموقف الذي
تتشدد فيه اليوم يمكن أن تتراجع عنه كلية إذا تغيرت الظروف في المستقبل.
فالمسألة لا تتعدى صفقة تجارية تخضع للربح المادي.
وللبحث في حس هؤلاء فإن هناك ملاحظة أخرى هي أن رموز هذا الفريق
من العرب هم من الأقليةِ، والأقليةُ أكثر قبولاً للاختراق وأكثر استجابة للتطبيع،
وأبرز هؤلاء لطفي الخولي وهو شيوعي نصراني!
* إذن هم لا يمثلون الأمة!
أ. كمال: نعم! هؤلاء المتحالفون بالإضافة إلى أنهم لا يمثلون الأمة في
هويتها لم يفوضهم أحد من الشعب المصري للتحدث باسمه، وإذا ادعي أنهم
يساعدون المفاوض المصري، فهذه ليست مسؤولية المثقف! ودور المثقف هنا هو
وضع علامات على الطريق للسياسي إذا اضطرته الظروف أن يتخذ موقفاً لا يمثل
ثوابته بحيث يرده إلى تلك الثوابت.
* وهل يعني سكوت الأنظمة عنهم موافقتها على هذا التطبيع؟ !
بالطبع لم يكن ممكناً لهؤلاء أن يتحركوا في هذا الاتجاه إلا بضوء أخضر من
وزارة الخارجية في مصر! وكذلك الحال في إسرائيل.
* المطبعون يقدمون مسوّغاً لتحالفهم بأنه يمكنهم عبر هذا التحالف اختراق
المجتمع الصهيوني؛ باعتبار أن هناك حركات سلام داخله يمكن أن يقام معها نوع
من الحلف لإجبار إسرائيل على إعطاء العرب حقوقهم؛ ورغم أن الأمر واضح في
الحس العام إلا أننا نود تجليته أكثر.
أ. كمال: هذه فرية كاذبة؛ لأن المجتمع الصهيوني برمته كله شيء واحد
بالنسبة لثوابتهم وهذا الادعاء من قبيل الوهم؛ لأن المثقف إذا ما أراد أن يخدم
قضيته فليخدمها أولاً داخل وطنه وأمته عن طريق توعية الناس.
ولكن الواضح أن هؤلاء المثقفين بالمعنى الدارج (قبضوا) ! !
د. جمال: العدو استفاد من تجربة ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية في
اعتمادها على العاهرات في جمع المعلومات؛ لأنهن ليس لديهن انتماء، وبالصورة
نفسها وظف العدو فئة من المثقفين ممن يبيعون أنفسهم من أجل المال من أجل جمع
المعلومات من خلالهم.
* هناك شخصيات ومنظمات تخدم التطبيع تحت أقنعة متعددة؛، فهل لنا أن
نقف على بعضها؟
د. البري: تشير بعض التقديرات إلى أن هناك ٣٠٠ مليون دولار سنوياً
تأتي من مصادر مشبوهة لتمويل مراكز الأبحاث في مصر فقط، مثل جمعيات
حقوق الإنسان ومركز ابن خلدون للدراسات الذي يشرف عليه د. سعد الدين
إبراهيم وهو أول من أقام مؤتمراً لحماية الأقليات في العالم، واعتبر الأقباط في
مصر حينها أقلية مضطهدة، وهو الشعار الذي تروِّج له اليوم الولايات المتحدة
للضغط على الدول.
كذلك عبد المنعم سعيد، ولطفي الخولي، واللواء أحمد فخر صاحب مركز
الشرق الأوسط الذي يصدر مجلة (أوراق الشرق الأوسط) وهذا المركز غاية في
الخطورة؛ لأنه يلتقط صغار الباحثين ويربيهم تربية تطبيعية!
* هل نتوقع أن ينفذ المطبعون ما أعلنوا عنه في تحالف كوبنهاجن؟
أ. كمال: أعتقد أن بيعة المثقفين خاسرة؛ لأنهم خسروا وانكشفوا أمام الأمة
ولا أظن أنهم يستطيعون تحقيق شيء مما أعلنوه.
* ربما تكون المسألة مسألة وقت!
بالعكس. وأقرب شاهد على ذلك أن الميزان التجاري بين مصر وهي أكبر
المطبعين وإسرائيل انخفض بنسبة ٥، ١٢ % لأسباب تتصل بمقاومة التطبيع من
القوى الإسلامية وقوى المعارضة.
ومما أثر في ذلك فتوى أصدرها مفتي مصر يعتبر فيها أن من يتعاملون مع
الكيان الصهيوني من رجال الأعمال في ظل هذه الأوضاع خونة! وكثير من رجال
الأعمال انزعج من هذه الفتوى وتأثر بها.
* هذا يجعلنا نتكلم عن المعارضة: فهل تتوقعون محاولات الالتفاف عليها
وإسكاتها أو إخمادها لا سمح الله؟
أ. كمال: لا يمكن بإذن الله احتواء المعارضة؛ لأن هذه الأمة ستظل تسري
في عروقها الحياة إلى أن يتحقق وعد الله.
وهناك حركات معارضة شعبية قوية، ولا تزال الجماهير متجاوبة معها رغم
كل الظروف، وهذا دور العلماء الربانيين في توجيه الأمة.
* لكن العلماء والصحوة عموماً يعانون تضييقاً وتعتيماً عليهم، فكيف يقومون
بالدور في ظل هذه الأوضاع رغم عظم الخطر وقلة الإمكانات؟
ينبغي أن تكون الثوابت الشرعية جلية واضحة في حس العلماء لا تتغير
بتغير الظروف، وعليهم أن ينطلقوا من هذه الثوابت وأن يستندوا إليها دائماً.
وعليهم كذلك أن يعوا قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وأن يعلموا من
خلال تاريخ الأمة أن طريق التحرير لا بد أن يمر بهم وينطلق منهم؛ كما فعل
صلاح الدين حينما تولى الحكم إذ أخرج العلماء من السجون وأعطاهم صلاحيات
واسعة لغسل قلب الأمة؛ فأعادوها إلى دينها؛ وهذا هو الدور المطلوب من العلماء؛ وهو الدور نفسه الذي قام به العلماء في التاريخ. وأذكر مثلاً من تاريخنا الحديث
يوم أن كان في الأمة بقية خير يعتبر معجزة، وتطبيقاً لقول الله (تعالى) : [وَأَعِدُّوا
لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ] [الأنفال: ٦٠] وهو حملة (فريزر) الفاشلة على رشيد عام
١٨٠٧م باعتبارها مدخلاً لاحتلال مصر من قِبَلِ الإنجليز عن طريق الأسطول
البحري البريطاني وقد استيقظ أهل رشيد ذات صباح على أصوات قذائف البوارج
والمدافع البحرية؛ وهنا برز دور العلماء إذ اجتمعوا في أحد مساجدها بقيادة الشيخ
حسن فريج، وتدارسوا الأمر، وقدموا خطة عملية بسيطة تتمثل في صعود الفتيات
على أسطح البيوت والتلويح بالرايات البيضاء علامة الاستسلام وهنا نزل الجنود
إلى الشوارع وكان أول ما يحتاجونه النوم، فناموا في الطرقات وبعد أن جهز الماء
المغلي داخل البيوت أمر الشيخ بالتكبير من على المآذن؛ وفي الحال خرج الجميع
ليصبوا الماء المغلي على الجنود ليصابوا جميعاً بالعمى، ويهرع بعدها الأعداء
فزعين مندحرين. بهذا التخطيط تأخر غزو مصر ٧٥ عاماً؛ ويظهر فيه أثر
العلماء في تحريك الأمة وقيادتها في الأزمات.
د. جمال: هناك أدوار كثيرة فيها خلل كبير وتقصير وتحتاج لجهود واسعة:
أولها: دور البلاغ والتعليم؛ لأن تجاوب الأمة مع الأحداث يرجع إلى جهلها
بالمطلوب منها؛ وهذا ترتب عليه قعود.
لذلك ينبغي تعريف الأمة بالثوابت بالفرائض بالواجبات بالعدو والصديق معنى
الولاء والبراء قيادة مسيرة الأمة على طريق النبوة إنشاء المجتمع المنضبط سلوكياً
وأخلاقياً وعقدياً وتعليمياً وإعلامياً مع الضوابط الشرعية؛ وبهذا تستعيد الأمة
هويتها التي ضاعت.
وهذا ليس كلاماً نظرياً؛ لكن موقف العلماء بالذات ينبغي أن يكون أقوى من
واقعهم؛ لأنهم يمثلون الحصن الأخير من حصون هذه الأمة؛ ولهذا فإن تحرير
القدس يبدأ بـ (اقرأ) .
ثانياً: لا بد أن يكون للصحوة دور في الإعلام لخدمة قضايا الأمة المصيرية.
ثالثاً: حشد طاقات الأمة وجَعْلها في مواجهة هذه الهجمة العسكرية الفكرية
العقدية الاقتصادية التعليمية الإعلامية الشرسة!
رابعاً: مطالبة الأنظمة بمصالحة مع الله أولاً. وكذلك المصالحة بين أبناء
الأمة، والسعي إلى وقف التطبيع بجميع أشكاله؛ لأن هذا من مقتضيات الولاء
والبراء.
خامساً: السعي نحو وحدة الأمة؛ لأن تداعي الأمم علينا لا يدفعه مثل توحد
الأمة على أصولها: [إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ]
[الأنفال: ٧٣] .
سادساً: إحياء الإيجابية في نفوس الناس؛ بحيث يدرك كل فرد منا أن
مواجهة هذه الحملة الشرسة واجب فردي كما أنه واجب جماعي: [فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ] [النساء: ٨٤] .
سابعاً: تعرية عدونا، وبيان نقاط ضعفه؛ فهو كيان ضعيف يعيش على
صدقات وإحسان، وهو عبارة عن شيء غريب في جسد الأمة يقوم بضخ الدم إليه
قوى خارجية! ويوم أن يتوقف هذا الدعم فإن هذا الكيان سيموت.
وقد يحدث هذا إذا نجحنا حتى مع غيرنا في إيقاظ الرأي العام الغربي لخطورة
الصهيونية على اقتصاده ونظامه وبالذات أمريكا حتى لو بقيت حالة (اللاحرب)
فإنها سترهق العدو أما في حالة الحرب فهو لا يستطيع الاستمرار؛ لأنه في كيان
محدود المساحة والموارد.
ثامناً: علينا أن نذكر المبشرات التي تحفز النفوس على العطاء، مثال ذلك
قول جارودي: (أوروبا الآن في مرحلة مخاض تحمل جنيناً في بطنها، وليس هذا
الجنين سوى الإسلام) لأنها تتطلع لحل مشاكلها بعد أن عجزت جميع النظريات عن
حل مشاكل الإنسان، وهذا يعطينا ثقة في ديننا وفي أمتنا؛ فنحن أمة ممتدة جغرافياً.. ممتدة عبر التاريخ ... لها عمق استراتيجي ولديها إمكانات محلية ثروات..
موارد مائية.. لدينا قبل ذلك كله عقيدة؛ لهذا فلدينا كل مقومات الحضارة وإمكانات
الاستمرارية والبقاء، وتنمية الحياة الإنسانية، وإقامة الأمن.
أما هم: فليس عندهم شيء من ذلك! كل شيء في مصلحتنا بإذن الله لو
أعدنا حساباتنا.
أما بدون ذلك.. فنرى العدو يستعجل المواجهة بعد أن خدر الوعي، ويخشى
من عودة الوعي مرة أخرى؛ فماذا نرى؟
نريد أن نضع أقدامنا على الطريق. واجبنا، إذ لا نملك غيرها، وليتهم
يتركونها لنا؛ لأن الكلمة التي تُسمع (كشجرة طيبة) .
لذلك نقول: أطلقوا حرية الدعوة إلى الله تربية الأمة وتعليمها؛ لتعرف هي:
مَنْ عدوّها مِنْ صديقها.
ناور أنت ما شئت عبر المفاوضات، لكن أطلق حرية العمل للأمة لتجهز
نفسها لتخطط من الآن لاستقلالها اقتصادياً وعسكرياً دون الاعتماد على أعدائها.
وأعود لأقول: القضية تحتاج لتحرير إرادة الأمة وقرارها.
وكلامنا لا معنى له إن لم تكن ثَمّ إرادةٌ، والإرادة لا تتحرر إلا بالعقيدة؛
وأعتقد أنه إن لم يحدث هذا وتخطو الأمة على الطريق فربما يكون الأمر مزيداً من
الضربات، وربما تطبق تجارب مثل البوسنة والهرسك والشيشان في كثير من بلاد
العرب، والعدو ما زال يحلم بخيبر والمدينة ولبنان والشمال الإفريقي.
د. البري: أحب أن أضيف أنه ربما تأتي الانفراجة من صواريخ نيتن ياهو
التي توقظ الجميع ليزيلوا جميع المعوقات التي تحول دون أداء الصحوة لدورها.
وعلينا أن نقرأ الحقائق القرآنية عن التركيب النفسي لليهود ليبين لنا قدر
عدونا ونعلم كثيراً من أسراره الحربية والنفسية مثل قوله: [لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إلاَّ
فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَاًسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى]
[الحشر: ١٤] .
لذلك نجد تصديقاً للآية عُرُقاً متعددة تتناطح داخل إسرائيل.
كما ينبغي ألا ينطلي علينا العداء المصطنع بين إيران والغرب؛ وهذا يعكس
دوراً مهماً للعلماء والصحوة هو: فضح الباطل وتعرية أهله وكشف مؤامراتهم.
وفي الختام نرجو أن نكون قدمنا تحليلاً ذا عمق لقضية الأمة الكبرى الصراع
العربي الإسرائيلي بعيداً عن السطحية وعن المنطلقات غير الشرعية.