المسلمون والعالم
[الأوضاع السياسية في سيراليون]
عثمان محمد بيسي
تقع سيراليون على الساحل الغربي من إفريقيا وعاصمتها فريتاون،
وأراضيها قليلة الموارد، والمناخ عموماً رطب. تحازي الساحل على المحيط
الأطلسي أحراش ومستنقعات. عدد سكانها عام ١٩٩٦م حوالي خمسة ملايين
نسمة، نسبة المسلمين فيهم ٣٠%، ونسبة النصارى ١٠% والبقية ٦٠% من ديانات ومعتقدات أخرى.
وفيما يلي نتحدث عن «كارثة الصراع على السلطة وأثرها على الإسلام
والمسلمين» :
١ - تاريخ الانقلاب وأسبابه:
قام صغار العسكريين من الجيش بالتعاون مع السجناء بانقلاب عسكري على
(تيجاني كابا) أول رئيس مسلم يحكم سيراليون منذ الاستقلال في ٥٢/٥/ ١٩٩٧ م،
ففرّ الرئيس المدني المنتخب إلى جمهورية غينيا المجاورة.
ذكر المتمردون أسباباً لقيامهم بالانقلاب تتلخص في خمس نقاط كلها مزاعم
في عدم اهتمام الحكومة المدنية بالجيش، واتفاقية السلام مع المتمردين،
والصحافة، وتباطؤ الحكومة في دفع الزيادات على رواتب العمال والموظفين، ونحو ذلك.
أصدرت الحكومة المدنية بياناً ردت به على جميع مزاعم الحكومة الانقلابية
بما اقتنع به الشعب والجمهور.
انقسم المحللون لدوافع الانقلاب إلى ثلاثة أقسام: فمنهم من يرى أن الدافع
قَبَلي إقليمي لكون الرئيس المدني من حزب إقليمَيْ شرق البلاد وجنوبها،
والمتمردون شماليون، ومنهم من يراه سياسياً لخوف رؤساء الأحزاب غير الفائزة
على استقرار الحكومة للرئيس الحالي؛ فلا ضمان لمستقبل أحزابهم، ومنهم من
يراه دينياً لكون الرئيس أول حاكم مسلم للبلاد، وَوُفِّقَ في تخليص البلاد من كثير
من مشاكلها في وقت قصير، والمتمردون وحكومتهم كلهم نصارى.
٢ - الانقلاب والرأي العام:
كان الرأي العام الداخلي والخارجي مضاداً للانقلاب العسكري هذا؛ مما أدى
إلى قيام الشعب عامة بالإضراب عن العمل في الدوائر الحكومية وغيرها، وإلى
قيام مظاهرات جماعية من فئات متعددة في البلاد أكثرهم طلاب الجامعات، فقابلتهم
الحكومة الانقلابية بالقمع والمذابح الرهيبة للسيطرة على البلاد.
كذلك يوجد انقسام داخل الجيش، وحدوث اصطدامات بين الانقلابيين
وميليشيات الحكومة المدنية في الأقاليم.
كان الغرض من إنشاء الميليشيات هو الدفاع المدني أمام خطر المتمردين في
البلاد، فأفراد هذه الميليشيات كانوا صيادين يتدربون على حمل السلاح لمقاومة
المتمردين، وهم متطوعون ملتزمون بالصدق والأمانة والإخلاص، ولذلك أحبهم
الشعب وأبغضتهم قوات الجيش التي دأب أفرادها على النهب والسلب عقب أي
مصادمات بينهم وبين المتمردين.
استعان الرئيس المدني المسلم بهذه الميليشيات في إخماد نار فتنة المتمردين،
فكان ذلك من أسباب تحالف بعض قوات الجيش مع المتمردين محتجين بأن الحكومة
المدنية آثرت المليشيات عليهم.
تَكَوَّنَ بعد الانقلاب «قوات الدفاع المدني» من الميليشيات خارج سيراليون
بغية إعادة الحكومة المدنية إلى الحكم.
هذا ولا يخفى على من كان يتابع أخبار سيراليون أيام الانقلاب أن جميع
الأسرة الدولية أدانوا الحكومة الانقلابية، وأنكروا عليها، ولم يعترفوا بها.
٣ - الجهود الدولية والمحلية لحل الأزمة:
كان أول مسعى لحل الأزمة بعد الانقلاب مباشرة ما قام به سفراء دول
نيجيريا، وبريطانيا، والقائم بأعمال السفارة الأمريكية، والمبعوث الخاص للأمم
المتحدة، وبعض السياسيين البارزين الذين عقدوا لقاءات مع قادة الانقلاب إلا أن
جميع مساعيهم باءت بالإخفاق.
واستجابة لنداء الرئيس (تيجاني كابا) أصدر زعماء دول غرب إفريقيا أمرهم
بزيادة عدد وحدات قوات حفظ السلام الإفريقية في المنطقة، فاستولوا على مناطق
استراتيجية في البلاد.
وبناءاً على قرار القمة الثالثة والثلاثين لمنظمة الوحدة الإفريقية، وانعقاد
مؤتمر وزراء خارجية الدول الأعضاء في كوناكري تم إصدار قرار يقضي بإعادة
الحكومة المدنية الشرعية لسيراليون ولو اقتضى الأمر استعمال التدخل العسكري.
واستناداً إلى القرار السابق تم تشكيل لجنة وزارية رباعية من وزراء خارجية
نيجيريا، وساحل العاج، وغانا، وغينيا، كما تمت المصادقة عليه من قِبَلِ مجلس
الأمن الدولي بالأمم المتحدة.
بدأت اللجنة الوزارية الرباعية تنفيذ القرارات بالحوار مع الحكومة
الانقلابية، وانتهى بالخداع والانهيار من قِبَلِ الانقلابيين مما يستدعي التدخل العسكري؛ إلا أن الشعب يأمل في التفاوض السلمي خوفاً من إزهاق المزيد من الأرواح وتدمير مقومات البلد.
المساعي الدبلوماسية بعد إخفاق المحادثات في أبيدجان:
دعا رئيس مجلس المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إلى قمة حول
أزمة سيراليون، وقررت القمة فرض الحصار والعقوبة الاقتصادية على الحكومة
الانقلابية، وأصدر مجلس الأمن الدولي قراراً يؤيد قرار قمة إفريقيا، ويعمم تطبيقه
على جميع دول العالم تأييداً لقرار قمة إفريقيا.
أما بريطانيا فأظهرت رغبتها في إقصاء النظام الانقلابي عن السلطة بكل
الوسائل الممكنة قبل استعمال القوة.
اجتمعت اللجنة الوزارية الإفريقية الموكلة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن في
كوناكري مع النظام الانقلابي، وشارك في الاجتماع رئيس المتمردين (سانكو)
وامتاز هذا اللقاء الثالث بإحراز تقدم ملموس أدى إلى التوصل لحل الأزمة سلمياً
تحت اتفاق مبرم بين الجانبين.
نص الاتفاق على بقاء النظام الانقلابي في الحكم لمدة ستة أشهر من تاريخ
إبرام الاتفاق يسلم الحكم بعدها للحكومة المدنية الشرعية، ويتم تطبيق برنامج
السلام في سيراليون خلال تلك الأشهر الستة.
يحتوي برنامج السلام الذي يطبقه مجلس المجموعة الاقتصادية لدول غرب
إفريقيا على ثمانية بنود هي:
١- الوقف الفوري لإطلاق النار بين جميع الأطراف تحت مراقبة قوات حفظ
السلام الإفريقي وقوات الأمم المتحدة من تاريخ توقيع الاتفاق.
٢- البدء بأعمال نزع السلاح وتجريد أفراد الجيش والمقاتلين من الأسلحة،
وتسريحهم على مدى شهر كامل على يد (الأكوموغ) قوات حفظ السلام الإفريقية.
٣- السماح بدخول المساعدات الإنسانية تحت مراقبة (الأكوموغ) مع بقاء
الحصار إلى حين عودة الحكومة الشرعية.
٤- العمل على عودة اللاجئين السيراليونيين إلى وطنهم.
٥- أن عودة الحكومة المدنية الشرعية إلى الحكم هو لب مساعي الدولة لحل
الأزمة، ويتوقع تعاون رئيس المتمردين (سانكو) في الحكومة وإصلاح البلاد.
٦ - احتواء المقاتلين الذين نزعت منهم الأسلحة، وذلك بتسجيل أسمائهم
لتأمين وظائف وحرف لهم، أو بإعطائهم منحاً دراسية لمواصلة دراساتهم داخل
البلاد أو خارجها، وسيساعد المجتمع الدولي بإيجاد ميزانية لتحقيق ذلك.
٧ - طلب تبرعات لمساعدات إنسانية عاجلة لإعادة التأهيل والبناء في
البلاد.
٨ - ضمان العفو العام عن جميع المتورطين في أحداث الانقلاب بدون قيد
ولا شرط.
لقي هذا الاتفاق نوعاً من ارتياح النفس لدى السيراليونيين وإن كانوا يتخوفون
من إعطاء مهلة ستة أشهر للنظام الانقلابي الذي يريدون التخلص منه.
٤ - آثار الانقلاب:
لهذا الانقلاب آثار غير جيدة من النواحي المختلفة الآتي ذكرها:
أ - الناحية الاقتصادية:
تحطيم لبنات التنمية الاقتصادية للبلاد سواء التي وضعت بعد الاستقلال
مباشرة أو التي وضعت خلال حكم الحكومة المدنية التي قام المتمردون بالانقلاب
عليها، وذلك من طرق متعددة منها: هبوط قيمة عملة سيراليون بعد الانقلاب،
وتوقف كافة المعاملات التجارية، ونهب الأموال والممتلكات للدولة والمواطنين،
وتجميد الإنتاج المحلي، وغلاء المواد المعيشية، وتجميد المساعدات والقروض،
وفرض الفقر على الشعب، وإغلاق جميع المكاتب الدبلوماسية؛ إضافة إلى فرض
العقوبة والحصار على الدولة من الأسرة الدولية.
ب - الناحية الأمنية:
كان دخول حرب المتمردين سنة ١٩٩١م بداية لفقدان سيراليون أمنها
واستقرارها، إلا أن ذلك اقتصر على القرى والأرياف، ولكن قيام الانقلاب عام
٧٩٩١م قوّض كل أسباب الأمن في سيراليون، وهدم بنيانه من أساسه بتعميم أنواع
الإجرام التي لا تتصور في جميع أنحاء البلاد في المدن وغيرها، وصار كل فرد
غير آمن على نفسه ولا على أهله وماله، ووقعت مصادمات عنيفة متنوعة في
أرجاء البلاد كلها بين قوات حفظ السلام الإفريقية وقوات نظام الانقلاب راح
ضحيتها آلاف من المواطنين وبعض الجيش، ومارست قوات نظام الانقلاب أنواعاً
من التعذيب المروع ضد المواطنين من ضرب وقتل، وقطع للأطراف من الأحياء
واغتصاب النساء والبنات، واعتقال الأبرياء، وغير ذلك مما لا يصدقه إلاَّ
من يشاهده؛ بل ارتكب الانقلابيون مذابح مفزعة في عدد من المناطق ضد
المواطنين.
ج - من الناحية الاجتماعية:
تدهورت الحالات الاجتماعية في سيراليون بعد الانقلاب بشكل تام من حيث
انتشار المجاعة، وتفشي الأمراض والأوبئة، وازدياد نسبة الوفيات، وتشريد
السكان، وهجرتهم إلى الدول المجاورة، وانتشار البطالة فيمن بقي، وشيوع
الفوضى التي يقودها نظام الحكومة الانقلابية، واختلال التوازن الاجتماعي
باستمرار أعمال السرقة والنهب، وإتلاف ممتلكات المواطنين مما قاد إلى استمرار
المظاهرات والاضطرابات الاحتجاجية الشعبية ضد النظام الانقلابي.
د - من الناحية التربوية:
سبَّب هذا الانقلاب المشؤوم ضياع مستقبل الطلاب في جميع المستويات
التعليمية في سيراليون لوقوع الانقلاب في وسط أيام امتحانات المدارس والجامعات
في سيراليون سواء امتحانات النقل أو امتحانات الشهادة.
فمن جراء هذا الانقلاب توقفت جميع النشاطات التربوية والتعليمية في البلاد
بجميع مراحل التعليم، إضافة إلى قتل عشرات من الطلاب، واعتقال مئات منهم
أثناء المظاهرات، وتسليح الأطفال دون السابعة من أعمارهم بعد اختطافهم عنوة
من مدارس حكومية لها أقسام داخلية، ونمو البطالة، وانتشار الفواحش بين
الطالبات، واعتقال كثير من أعضاء الاتحاد الوطني للمعلمين، وهجرة معظم
أساتذة الجامعات، ونهب الأدوات التعليمية الحديثة في معظم المدارس والمؤسسات
التعليمية وتدمير بعضها، وتحويل معظم المؤسسات التربوية إلى معسكرات لإيواء
المتمردين، وغير ذلك من الأمور التي أفقدت شباب سيراليون مقومات الحياة
التربوية في البلاد.
٥ - أوضاع المسلمين ومعاناتهم من الأزمة:
لَمَّا كان المسلمون في سيراليون يشكلون ٣٠ % من السكان جعل معظم
الكوارث في هذا الانقلاب تحل بهم، إضافة إلى أن الإسلام والمسلمين هما الهدف
الأساس في القيام بهذا الانقلاب؛ لأدلة واضحة منها: كون جميع أفراد الانقلابيين
نصارى معروفين بحقدهم على الإسلام، وكون رئيس الحكومة المدنية الذي قاموا
ضده أول رئيس مسلم لسيراليون منذ الاستقلال، وكون المليشيات الذين يساندون
الحكومة المدنية معظمهم مسلمون، ثم إن ما قام به رئيس الحكومة المدنية من مد
جسور العلاقات مع بعض الدول العربية والإسلامية، وإصدار أحكام منع تعاطي
المخدرات وترويجها، وغيرها من أحكام تتمشى مع مبادئ الإسلام كل ذلك مما
أغضب أعداء الإسلام، وأدى بهم إلى القيام بالانقلاب وارتكاب ما يأتي:
أ - نهب ممتلكات المساجد من سجادات، ومصاحف، ومولدات الكهرباء،
وساعات، ومراوح وغيرها وخاصة في العاصمة.
ب - ملاحقة الأئمة، والدعاة، والمشايخ، وشن غارات على المساجد أثناء
أداء الصلوات إرهاباً وبحثاً عن الدعاة.
ج - تدمير بعض المساجد بالقنابل، وتدنيس بعضها.
د - تضييق النشاطات الدعوية والثقافية على الدعاة.
هـ - تدمير بعض المدارس الإسلامية، وتحويلها إلى معسكرات للجيش
والمتمردين. وغير ذلك من أضرار لحقت بالمسلمين مباشرة من جراء هذا
الانقلاب.
ختاماً:
استخلاصاً من العرض السابق فإن مأساة الانقلاب لم تكن إلا امتداداً لحروب
صليبية دُبِّر لها بالتحالف بين رئيس الحكومة الانقلابية النصراني، ونائبه الملحد
اللاديني ضد أول رئيس مسلم للبلاد، وضد الإسلام والمسلمين.
وكان لأيدٍ خبيثة من أعضاء الأحزاب المعارضة في البلد دور في تدبير
الانقلاب؛ إذ رأوا أن الرئيس المسلم وفقه الله في مدة وجيزة من توليه حكم البلاد
إلى تحقيق إصلاحات يعجز غيره عن القيام بها؛ فرأوا أنهم لو تركوا الحكم بيده
إلى أن تأتي فترة الانتخابات القادمة فإن الحزب الحاكم سيفوز لتمكنه من تحقيق
طموحات الشعب، فلا يستطيعون الفوز أيضاً، فدبروا بالتحالف مع الجيش
وبالتعاون مع المتمردين ليقوم هذا الانقلاب المدمر، ومن هنا يتضح لنا أن الإسلام
والمسلمين هما الهدف الأساس لقيام الانقلاب.