المنتدى
أخي الحبيب.. هل أعذرنا إلى الله؟ !
رضا محمد فهمي
كثير أولئك الذين يتألمون لواقع أمتهم فيغشاهم الإحباط كلما سمعوا خبراً هنا
أو هناك، ومنهم الذين ألقوا التبعة عن كاهلهم وكأنهم قد أعذروا إلى الله. وقليل
أولئك الذين يَعدُّون أنفسهم من أسباب ما حلَّ بأمتهم من بلاء - كل حسب موقعه وما
هو عليه من ثغر - فقاموا ونهضوا، والأمل يملأ قلوبهم في التغيير والإصلاح.
قلت لأحدهم - وقد أطال الدعاء بعد ختم الصلاة -: ماذا تفعل؟
قال: وهو مسبل عينيه الدامعتين: أستعين بالصبر والصلاة (الدعاء) .
قلت له: علامَ؟
قال - وهو مستنكر لسؤالي -: على التبعة الملقاة علينا؛ فقدري وقدرك أننا
أتينا في زمنٍ الكلمةُ فيه كثيراً ما تكون لغير أهلها، يريد الله أن يتوب علينا،
ويريد الذين يتبعون الشهوات أن نميل ميلاً عظيماً، وقد خلقنا ضعافاً فلا بد أن
نستعين.
قلت: وما عساك أن تفعل؛ فهم يجنون الثمار وما لنا خيار؟
قال: أَعْذِر إلى الله.
قلت: في لهفة: وكيف يكون الإعذار؟
أخذ يستنشق الهواء ويقول: ما أطيب نسيم الفجر وضياءه بعد الظلام!
تسألني: كيف يكون الإعذار؟
نزيل الغبار عن غايتنا في هذه الحياة، ونجعلها نصب أعيننا منذ بداية العام،
وغايتنا هي: رضا الله - عز وجل - والفوز بالجنان.
قلت له: وهذه أيضاً غايتي، ولكنها تنجلي في رمضان بالصوم، وكثير
القيام.
قال: اسمعني؛ فما عدت أجيد المراء! ألم يُلعن بنو إسرائيل لأنهم لم يتناهوا
عن منكر فعلوه؟
قلت: بلى!
قال: فلنتناهَ عن المنكر ولنأتمر بالمعروف، ولنتناصح في مجالسنا وزياراتنا
وتلاقينا وتهاتفنا؛ وإلا فنحن سبب من أسباب محنتنا. ألم نؤمر بوقاية أنفسنا
وأهلينا من النيران؟
قلت: بلى!
قال: والثقة - والتصميم ينبعان من عينيه -: فلنقم بواجبنا في بيوتنا توجيهاً
وتعليماً ببرامج محددة وخطة منظمة لا إفراط فيها ولا تفريط، نكون قدوة في
تنفيذها، وإلا فسنندم عندما يسبقوننا إليهم، ولات حين مندم.
ألم ينهنا ربنا عن الظلم حتى لمن نبغض؟
قلت: بلى! قد قال ربنا: [وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا
هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] (المائدة: ٨) .
قال: فلنزن الناس بمبادئ ثابتة يمليها علينا الحق بعيداً عن سوء الظن
والأهواء، ولنلفظ الوشاة خاصة إذا ولينا أمراً للمسلمين، وإلا كنا سبباً من أسباب
محنتنا.
بذلك - والقرآن خير معين - نعذر إلى الله، ولنستعن: [بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ
وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ]
(البقرة: ٤٥-٤٦) .