نظر هارون الرشيد -رحمه الله تعالى- يوماً ما إلى سحابة في السماء فقال:
«أمطري حيث شئت يأتيني خراجك» ، وهي مقولة تدل على سعة رقعة الدولة
الإسلامية آنذاك، ولسعة رقعة العمل الإسلامي، بل وعجزه عن استيعاب
المدعويين، فإن الدعاة إلى الله أولى الناس بامتثال هذه المقولة في مجال دعوتهم
إلى الله.
فلو اعتبر كل داعية أنه وإخوانه من الدعاة والعلماء والجماعات في حب أهل
السنة والجماعة، عبارة عن سحب في سماء العالم الإسلامي، مملؤة بالعلم والنفع
والخير الكثير للأمة الإسلامية (لأمطر) كل واحد منهم علماً وخيراً ونفعاً كثيراً لمن حوله من البلاد والعباد، ولأتى الأمة الإسلامية خراجهم جميعاً. ولكن يا ... للأسف، فإن بعض الدعاة والجماعات يعانون ما يعانون من أمراض تجعلهم يخالفون الآيات والأحاديث الكثيرة الدالة على وجوب التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان. فتجد بعض الدعاة عاطفي القرارات، إن أبغض، أفرط في البغض، وإن عادى، أفرط في العداوة، وإن أحب، أفرط في الحب، وإن تحمس لوسيلة أفرط في الحماس لتلك الوسيلة، بل وقلل من شأن الوسائل الأخرى المشروعة، وهذا شأنه في كل قراراته، ولا يعي أهمية التعاون رغم حتمية الخلاف، ولا يقدم مصلحة الأمة على مصلحة نفسه أو حزبه، وهذا الصنف من الدعاة إن لم يعق العمل الإسلامي لم يقدمه. فالأولى بالدعاة إلى الله أن يعوا فقه الخلاف وأهمية التعاون، بل وحاجة الأمة إليه في كل مكان وزمان، خصوصاً في هذه الأيام، وأن يعتبر نفسه وإخوانه سحباً تروي، لا سحباً متفرقة لا خير فيها ولا بركة.
وأخيراً، هذه ليست دعوة إلى ترك التناصح فيما بين الدعاة، ولا إلى ترك
النقد البناء، لأن الخلاف الذي أشرنا إليه بين الدعاة مما يسع الأمة، ومما يدور في
إطار الخلاف المشروع، وإلا فإن التناصح بين الدعاة من أهم وسائل تنقيح مسار