[عندما تحاول الفرنكوفونية استلاب المرأة المغربية]
حنان أعميمي
تثبيت المنظور الجديد للعلاقات الأسرية المبنية على المصلحة المادية،
وإخضاع مدونة الأحوال الشخصية لأكبر قدر ممكن للنفَس الروحي التغريبي
أصبحت المسألة النسائية داخل الوطن العربي والإسلامي أكثر المجالات التي تبرز المخططات الرامية إلى النيل من ثوابت الأمة؛ فعلى مستوى القطر الواحد تشكل المرأة محل تجاذب إيديولوجي وصراع مذهبي بين تيارين: أحدهما إسلامي، والآخر علماني؛ بمرجعيتين مختلفتين؛ فالأول يعتمد الكتاب والسنة، والثاني يعتمد المواثيق والإعلانات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، أما على المستوى الدولي فالجبهة أوسع وأضخم لتتلخص في الصراع بين العالم الإسلامي والعالم الغربي الذي أصبح كل اهتمامهم ـ كما صرح الدكتور وحيد عبد المجيد رئيس التحرير للتقرير الاستراتيجي العربي ـ منصبّاً على تمويل الأنشطة المتعلقة بالمرأة والأبحاث الخاصة بالحركة الإسلامية.
إن الاتصال/ الاصطدام الذي حصل بين الغرب النصراني والمشرق الإسلامي في عهود الحروب الصليبية والتي دامت لعهود طويلة كان من نتائجه اختبار الطرف الآخر للعقيدة الإسلامية، فوجدها في قوتها، وبالمقابل اكتشف ضعفاً عاماً لدى المسلمين في مناحي الحياة الاجتماعية ليكتشف فيما بعد أن قوة المسلمين تكمن في الخلية الأولى للمجتمع، فانصبَّ الاهتمام على التحكم في المحرك «الدينامو» لهذه الخلية ألا وهي المرأة للنيل من مقوماتها وهويتها الإسلامية.
لم تخرج المرأة المغربية عن دائرة المخططات الغربية التي أصبحت مستهدفة بشكل كبير منذ بداية القرن الماضي بداية الاصطدام بالتيار الفرنكوفوني التغربيي الذي وظف وسائل متعددة منذ بداية الاستعمار الفرنسي للمغرب. في هذا التحقيق سنقف عند المخطط الفرنكوفوني الذي وُجِّه وما يزال يوجه ضد المرأة المغربية، مع الوقوف عند التاريخ الاستعماري الفرنسي الذي وظف فكره التغريبي للنيل من مدونة الأحوال الشخصية المغربية:
وسنحاول الإجابة عن الأسئلة التالية: ما هي معالم المخطط الفرنكوفوني الذي اعتُمِدَ لإذابة المرأة المغربية في المنظومة الفرنسية؟ ما هي المجالات التي تم الاشتغال عليها؟ في ظل المتغيرات الدولية هل لا زالت الفرنكوفونية تتمتع بالقوة التي كانت لها سابقاً؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة التقينا ثلة من الأساتذة وهم:
- الدكتور مصطفى الحيا أستاذ جامعي وعضو برلماني سابق، له عدة مؤلفات من بينها «المرأة المغربية بين مسارين وبين مسيرتين» .
- الأستاذة فوزية حجبي. كاتبة مغربية متخصصة في الشأن النسائي، وعضو منظمة تجديد الوعي النسائي.
- الأستاذ محمد يتيم. رئيس تحرير جريدة التجديد.
- الأستاذة لطيفة ويرزكان. محامية.
` الفرانكوفونية والمرأة المغربية بدايات الصراع:
أيديولوجية لتحطيم المرأة المغربية:
لا يمكن فصل مفهوم «الفرنكوفونية عن سيرورتها التاريخية المرتبطة وراثياً بالفترة الاستعمارية؛ كما أنها مرتبطة بفترة التخلص من الاستعمار التي لم تنتهِ بعد (١) .
عملت فرنسا منذ دخول قوتها على أن يصبح المغرب جزءاً من فرنسا ويدمج بأية وسيلة، وهو كذلك ما حاولته بالنسبة للجزائر، ولم يكن ذلك متاحاً إلا بالقضاء على العروبة والإسلام في هذين القطرين. فالاستعمار الذي تغلغل في العقدين الأولين من القرن الماضي في حياة المغرب حتى أصبح يسيطر على كل مقومات البلاد الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية بدأ بالبحث عن وسيلة جديدة يضمن بها البقاء، فاهتدى بالفعل إلى هذه الوسيلة التي تتمثل في تحطيم وحدة الوطن المغربي عن طريق التفرقة بين العرب والبربر في العرف وفي التشريع وفي الدين (٢) .
سعت فرنسا على ترسيخ الخصومة المزعومة بين العرب والبربر التي شكلت الموضوع الرئيسي فيما يسمى بـ «العقيدة البربرية» . والسمات الرئيسة لهذه العقيدة هي ان البربري متفوق على العربي وأن «الشعب البربري» و «الحضارة البربرية» فيهما صفة التجانس التي تسمح لهما بشرف الادعاء أنهم يشكلون «أمة» وهي ميزة لا يحق للعرب ادعاؤها؛ وأخيراً أن البربر والعرب كانا على خصومة لا سبيل إلى التوفيق بينهما بشأنها. وهكذا أصدرت فرنسا الظهير البربري في ١١/٩/١٩١٤م بعد سنتين من احتلال المغرب استصدره المارشال اليوطي؛ حيث نص على أن البربر ليسوا في الأصل مسلمين؛ إذ لديهم أعراف سابقة على دخول الإسلام للمغرب وهي أعراف خاصة بالزواج والطلاق والميراث والمعاملات التجارية؛ لذلك لا بد من إحيائها، ومن ثم إيقاف التعامل بنصوص الشريعة الإسلامية؛ على ان يتعامل البربر فيما بينهم بالأعراف البربرية القديمة (٣) .
سعت فرنسا إلى ترجمة «العقيدة البربرية» عبر السياسة البربرية واستغلت المرأة لهذا الغرض.
عند رجوعنا لمحضر جلسات المداولة في مشروع الظهير البربري يتبين لنا هذا الاستغلال؛ فقد جاء في محضر (لجنة تنظيم العدلية البربرية) المنعقد في ٨/١٠/١٩٢٤م ما يلي: «ليس هناك ضرب في تحطيم وحدة النظام العدلي في المنطقة الفرنسية؛ وبما أن المقصود تقوية العضو البربري نظراً لدور الموازنة الذي يمكن أن تستدعى الحاجة إليه؛ فلا شك أن هناك فائدة مؤكدة من الناحية السياسية في تحطيم المرأة» (٤) .
لماذا ركزت دوائر الاستعمار الفرنسي على المرأة الأمازيغية دون العربية لاستلابها واجتثاثها من الهوية الإسلامية؟
يجيب الدكتور مصطفى الحيا: «إن التركيز على المرأة الأمازيغية كان يستهدف منه إثارة فتنة كبيرة لكون التشكيلة العرقية بالمغرب تشكيلة مزدوجة؛ فهناك الأمازيغ، وهناك العرب، وقد سُوِّغت هذه السياسة التفريقية في نظرية استشراقية مفادها أن الأصول الحقيقية للأمازيغ تعود إلى أصول أوروبية، ومن ثمة فلا علاقة موجودة بين العرب والأمازيغ، وبالمقابل يجب أن تكون العلاقة بين الأمازيغ والفرنسيين علاقة حميمة ووطيدة» .
وتقول الأستاذة فوزية حجبي: «لقد شعر الاستعمار الفرنسي منذ أول يوم وطئت فيه رجله أرض المغرب بقوة الأسرة؛ لذلك سعى إلى تخريبها من الداخل اعتماداً على المرأة؛ لأنها هي الأداة الفعالة في هذا المجال، وهي التي تصنع الرجل والمنظومة القيمية والسلوكية، ومن ثم تبني المجتمع الذي تكون فيه الغلبة للقيم الإسلامية. وللوصول للأهداف الفرانكوفونية لا بد من صنع الإنسان المهزوم الذي لا هوية له؛ لأن هذه الأخيرة هي التي تصنع الممانعة وترفض الاستلاب» .
وتضيف الأستاذة فوزية حجبي عن المسوغات التي تعتمدها الفرنكوفونية للتدخل في شؤون المغرب قائلة: «إن استغلال المرأة للتحكم في الشؤون الداخلية بالمغرب هو استعمار جديد وبطرق ذكية وحضارية؛ حيث تعطي مسوغاً من قبيل محاربة العنف الموجه ضد المرأة، عدم ممارسة المرأة لحقوق المواطنة، محاربة التطرف، الانخراط في العولمة، بل يزعمون أن المتاعب التي تعاني منها المرأة المغربية سببها مدونة الأحوال الشخصية.. وهكذا يتم استعمال مفاهيم يراد منها إذابة الذات المغربية في كل ما هو تغريبي، وتتخذ المرأة أداة فاعلة لتحقيق هذه الرسومات والتخطيطات» .
` محنة مدونة الأحوال الشخصية بالمغرب:
في سنة ١٩٩٩م أصدرت «كتابة الدولة المغربية للرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة» مشروع «الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية» في عهد حكومة عبد الرحمن اليوسفي السابقة يضم حوالي ٣٠٠ صفحة، ورغم كون المشروع موجهاً للمرأة المغربية فقد تم إعداده باللغة الفرنسية ليترجم إلى اللغة العربية ترجمة رديئة مليئة بالأخطاء، واعتمد المشروع على دراسات غربية (*) ، وقد هدف هذا المشروع إلى تطبيق توصيات مؤتمري بكين والقاهرة بضع مطالب مختلفة منها تغيير مدونة الأحوال الشخصية في جوانب متعددة:
- إسقاط شرط الولي للمرأة في الزواج.
- منع تعدد الزوجات.
- وضع الطلاق بيد القاضي.
- رفع سن الزواج إلى ١٨ سنة.
- إلغاء مفهوم الأسرة.
- اقتسام الثروة بين الزوجين بعد الطلاق ... إلخ.
تقول الأستاذة فوزية حجبي: «من المؤكد أن الفرانكوفونية لا زال لها تأثير في المجال الأسري بالمغرب؛ ففي مجال مدونة الأحوال الشخصية ـ التي تعد المجال الأكبر للصراع بين التيار الإسلامي والتيار العلماني ـ هناك رغبة هناك سلطة غير مرئية للنخبة الفرنكوفونية بالمغرب للنيل من الثوابت الإسلامية لتثبيت المنظور الجديد للعلاقات الأسرية المبنية على المصلحة المادية وإخضاع مدونة الأحوال الشخصية لأكبر قدر ممكن للنفَس الروحي التغريبي من جهة ثانية؛ وذلك من خلال بث شعارات مثل «حرية المرأة» التي تقتضي انفصال المرأة عن الرجل بمنتهى السهولة ومن منطلق المساواة، عدم اعتماد الولي، المطالبة بحق المساواة في الإرث، الإنجاب خارج مؤسسة الزواج ... إلخ؛ فهناك توحد بين المنظور الفرنكوفوني والعلماني والتغريبي لاقتلاع البقية الباقية التي تحتويها مدونة الأحوال الشخصية. وقد تبين من خلال معارضتنا ومناهضتنا «لخطة إدماج المرأة في التنمية» ـ الرامية إلى تثبيت توصيات غربية في مجال الأسرة ـ أن المشكل ليس في مدونة الأحوال الشخصية التي تستمد قوانينها من نصوص ثابتة ونصوص شرعية مقدسة، وما يحتاج إليه هو تغيير العقليات والذهنيات البعيدة عن الثقافة الإسلامية ... » .
يقول الدكتور مصطفى الحيا: «إن الدعوى الرامية إلى تحرير المرأة ما هي إلا دعوى استعمارية ليس هدفها النهوض بالمرأة أو الدفاع عن حقوقها؛ فالغرب عامة والفرانكوفونية خاصة يعزفون على وتر واحد لتسويغ تدخلهم في الشؤون الخاصة، وأستدل على هذا بأستاذة أمريكية لها أكثر من ٨٠ كتاباً وقضت ٢٢ سنة في مصر (تناضل) من أجل تدمير مدونة الأحوال الشخصية المصرية؛ فأكدت في أحد عروضها التي حضرتها: «أن الصخرة التي تحطمت عليها كل جهودنا هي مدونة الأحوال الشخصية، وجئت الآن لأنقل تجربتي للمغرب» ... ومن جملة ما توصلت إليه هو: «لكي تصل المرأة إلى حقوقها في مصر يجب أن تصبح هي المفتية» ؛ لأنهم يعتبرون أن الرجال لا يمكن أن يفتوا لصالح المرأة. فقلت لها: لو تحقق مطلبكم هذا وأصبحت المرأة هي مفتية الديار، وأفتت بإبقاء المدونة على ما هي عليه فماذا سيكون ردكم؟ فقالت: إذا أفتت المرأة بذلك فستكون كارثة. إن هدف الغرب ليس أن تكون المرأة هي المسؤولة بل هدفهم هو تغيير الشريعة الإسلامية ... » .
` المرأة المغربية بين القانون الفرنسي والقانون المغربي:
أصدرت فرنسا في مجال الأحوال الشخصية قرارات خطيرة جداً ـ خلال المرحلة الاستعمارية ـ تضرب الثوابت الإسلامية في هذا المجال، وتسعى إلى إرجاع المرأة المغربية إلى العهود الجاهلية:
١ - المرأة جزء من الإرث، وتعتبر كقطعة من الأملاك التي يخلفها المورِّث لورثته.
٢ - إذا انتُهكت حرمة امرأة تدفع لذويها معاوضة قدرها ٢٥٠ فرنكاً.
٣ - تعويض شرف زوج خانته امرأته بـ ٣٧٥ فرنكاً يدفعها عاشقها.
٤ - إن وراثة امرأة لم يكن لها أبناء ذكور ترجع لورثة زوجها ولو كان زوجها قد طلقها في حياته واضطرت إلى تسيير شؤونها بنفسها.
٥ - الدية أو الدم: ١٥٠٠ فرنك على اغتيال رجل، و٧٥٠ فرنكاً على اغتيال امرأة (١) .
هذا هو «المشروع الحضاري» الذي سعت فرسا إلى تطبيقه في مجال الأحوال الشخصية بالمغرب، وهذه هي نظرتها التقدمية تجاه المرأة التي دافعت عن حقها في المساواة مع الرجل.
لماذا عملت فرنسا على حرمان المرأة المغربية من حقوق منحتها إياها الشريعة الإسلامية بل دافعت عنها في ثورتها الشهيرة باسم حقوق الإنسان؟
يقول الدكتور مصطفى الحيا: « ... دخل الاستعمار الفرنسي إلى المغرب فوجد المرأة المغربية متقدمة عن نظيرتها الفرنسية؛ حيث وجدها تتمتع بحريات متعددة من ضمنها حرية الاتجار في مالها، ولها استقلال مالي تتمتع به في قطاعات مختلفة في الوقت الذي كانت فيه المرأة الفرنسية لا تتمتع بهذا الحق (حق الاستقلال المالي) فعمل المستعمر الفرنسي على تكيف القانون المغربي الذي كان متقدماً عن القانون الفرنسي آنذاك حضارياً وحقوقياً لكي يحرم المرأة المغربية من هذا الحق وليؤخرها عن المرأة الفرنسية؛ فلا يعقل أن تكون الأولى متقدمة عن الثانية ... » .
وهكذا نصادف في القانون المغربي نصوصاً تشريعية متفرقة تسربت أو على الأصح نقلت من التشريعات الفرنسية الصادرة في القرن ١٩؛ وهذه المقتضيات ألغيت الآن في فرنسا أو عدلت، ولكن ما يزال العمل جارياً بها داخل المغرب؛ فقد جاء في المادة السادسة من القانون التجاري التي تقضي بأنه: «لا يجوز للمرأة المتزوجة أن تكون تاجرة في المغرب بدون رضى زوجها مهما كانت مقتضيات قانونها للأحوال الشخصية بهذا الصدد» (٢) .
وعن تأثير القانون الفرنسي على القضاء المغربي تقول الأستاذة لطيفة ويرزكان: «تعتمد مدونة الأحوال الشخصية بالمغرب على المذهب المالكي؛ لكن ما فتئت هذه المدونة بين الفينة والأخرى تقحم في الصراع الدائر بين التيارين الإسلامي والعلماني الذي يعتبرها مصدر المشاكل التي تعاني منها المرأة المغربية، لكن عندما نحاول أن نفكك الجوانب المتعلقة بالمشكل نجد أن الإشكال الحقيقي يعود إلى صعوبة وتعقد المساطر القانونية التي تعود بالأساس إلى مخلفات نظام القضاء الفرنسي الذي لا يزال يُعمل به إلى الآن في المحاكم المغربية.
فالعلاقة الزوجية مثلاً تنتهي من منظور الشريعة الإسلامية بمجرد أن ينطق الرجل بكلمة الطلاق، لكن مع تعقد المساطر القانونية التي تعود كما ذكرت إلى التأثير الفرنسي في هذا المجال، بل الإشكال يزداد احتداماً لكون النظام الفرنسي يتعامل مع ميثاق الزواج كعقد مدني، وهذا للأسف ما يدافع عنه التيار الفرنكوفوني اليساري بالمغرب؛ في حين ندافع على أن يتم التعامل مع عقد الزواج على أساس أنه ميثاق غليظ؛ لأن هذا هو المفهوم الذي جاء به القرآن الكريم ليؤكد قداسة العلاقة الزوجية المبنية على الود والرحمة، وليس على المصلحة المادية كما يؤكده مفهوم العقد المدني الفرنسي ... » .
` المرأة المغربية في الإعلام الفرنكوفوني:
في دراسة أنجزتها الدكتورة المهيدي مرية أستاذة بالمعهد العالي للصحافة بالرباط حول صورة المرأة المغربية في الإعلام الفرنكوفوني بالمغرب حول ثلاث جرائد مغربية، وهي: جريدة «ليبيراسيون» (جريدة تقدمية اشتراكية تصدر عن حزب الاتحاد الاشتراكي) وجريدة «لوبنيون» (جريدة تصدر عن حزب الاستقلال) ثم جريدة «لوماتان» جريدة رسمية، وهي جرائد مغربية ناطقة باللغة الفرنسية، فكان من نتائج البحث أن ٧٥.٣٤% من مجموع المواضيع المخصصة للمرأة داخل لوماتان مغربية محضة. كما أن لوبنيون قد خصصت نسبة ٧٠.١٥% من مجموع المواضيع التي تهم المرأة المغربية. مقابل ذلك نجد يومية ليبيراسيون تنحو منحى آخر؛ إذ تكثر من المواضيع الأجنبية المصدر، فخصت المرأة المغربية بنسبة ضئيلة ٣٤.٤٤% من مجموع المواضيع المخصصة للمرأة؛ بينما شكلت المواضيع الواردة من الخارج والتي تطرح قضايا وشؤون أجنبية نسبة ٦٥.٥٦%.
وعن الفئة النسائية التي تستهدفها اليوميات الثلاث نجد أن المغنيات يأتين في الصدارة داخل يومية حزب الاستقلال بنسبة ٤.٤٨% وهي نتيجة تعود بالأساس إلى احتكار «باب المنوعات» الذي يستقبل أكبر نسبة من المواضيع النسائية بـ ٢٦.٨٥%الذي يقترح مواضيع ترفيهية أجنبية. أما جريدة لوماتان فإنها أعطت الأولوية للرياضيات بنسبة ١٥.٧٦%. أما الجريدة الاتحادية (ليبيراسيون) فإنها أعطت الأولوية للنساء البرلمانيات على أن أغلب الصور التي تعتمدها في مواضيعها لا تخص المرأة المغربية إلا بنسبة ٢٥.٨١%، أما المرأة الأجنبية فتمثل ٧٤.١٩% (١) .
من النتائج السابق ذكرها يتبين النموذج النسائي المراد الترويج له داخل المغرب.
تقول الأستاذة فوزية حجبي: « ... تناسلت في الآونة الأخيرة بشكل كبير مجلات ومنابر إعلامية فرنكوفونية، والمريب في الأمر هو أن هذا الصنف من الإعلام يغلب عليه الطابع الفرنسي المحض سواء من حيث الإخراج الفني أو التعليقات والمضمون، أو الصور المعتمدة، أو منطوق المواضيع التي توجه لربة البيت والمثقفة والمراهقة، ونعطي مثالاً على ذلك مجلة (la famille الأسرة) فالعنوان يوحي إليك أن المجلة موجهة للأسرة؛ لكن عندما نحلل منطوق ومضمون الخطاب نجده خطاباً تغريبياً محضاً يدعو إلى مجموعة من القيم والسلوكيات والاعتقادات التي تتنافى مع القيم والمعتقدات الإسلامية، وتدعو إلى التطبيع مع الثقافة الغربية.
بدأت هذه المجلات بداية محتشمة لكنها ما فتئت تطور خطابها في اتجاه أكثر جسارة وأكثر اختراقاً ... » .
وعن المكانة التي يحتلها الإعلام الفرنكوفوني في المشهد الإعلامي المغربي يقول الأستاذ محمد يتيم: « ... ما يمكن التأكيد عليه أن المغرب لا يزال يختار الفرنكفونية كلغة؛ فاللغة الفرنسية لا تزال لغة المعاملات ولغة المقاولات؛ لذلك تحظى بدعم متواصل عن طريق الإشهار من طرف المستثمر الذي يتوجه للمنابر الفرنكفونية على اعتبار أن اللغة الفرنسية اليوم هي لغة النخب الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والتي تستفيد أكثر من توزيع الثروة، ومن ثم فإنني عندما أعطي إشهاراً لمجلة أو صحيفة فرنسية فإنني أتوجه إلى سوق مناسب للإشهار.
يرتبط الدعم الإشهاري بمواقف سياسية؛ لأن الدولة أو المؤسسة العمومية عندما تعطي الإشهار لجهة معينة فهذا يعني أنها تدعم توجهاً معيناً. وإن كانت الصحف العربية على العموم في المغرب إذا ما قورنت بالصحف الفرنسية فهي لا تستفيد من الإشهار. بالإضافة إلى الحقيقة الاقتصادية والحقيقة السياسية التي أشرت إليها سابقاً يراد منه كذلك دعم التوجه الثقافي الفرنكوفوني؛ فقد أخذنا مجلة نسائية بدون ذكر اسمها وأحصينا حوالي ١٣٠ صفحة إشهارية في مجلة تتكون ٢٤٠ صفحة. فإن حوالي ٥٠%من الصفحات كلها إشهارات في ورق رفيع، وأنيقة جداً، وبطبيعة الحال أسعارها خيالية. ولهذا فثمن بيع هذه المجلة هو أرخص بكثير من كلفتها الحقيقية، وقد سمعت أنه في بداية بيع هذه المجلة كانت تقدم معها هدية تقدر بـ ١٠ دولارات. مما يؤكد أن للإشهار بُعداً سياسياً يسعى إلى التشهير بثقافة ما ولتوجهات محددة. يجب على الإعلام الإسلامي أن يكون لسان حال المجتمع الإسلامي، ونبغي أن يستجيب للتحديات المطروحة في العالم الإسلامي، وإذا أُخِذَ المغرب مثلاً فإنه يتعرض لتحديات علمانية ضارية تريد أن تجتث ما تبقى من الأصول الإسلامية؛ فالتحدي الأكبر المطروح أمام الإعلام الإسلامي المغربي مثلاً هو رصد الحالات الهجومية الرامية إلى النيل من هويتنا، وأن يكون إعلاماً مقاوماً» .
` الفرانكوفونية واللباس:
من المجالات التي تقوَّت فيها الفرانكوفونية بالمغرب مجال اللباس الذي يعد أهم العناصر المشكِّلة للثقافة؛ فقد سعت الفرانكوفونية إلى طمس كل معالم الهوية المغربية العربية الإسلامية التي يتميز بها؛ فبغض النظر عن خصوصيات الزي الأوروبي الذي تعمل على نقله كما هو إلى المجتمع المغربي فإنها تعمل على إبادة تقاليد مغربية عريقة في مجال اللباس.
تقول الأستاذة فوزية حجبي: «.. باسم «الموضة» عملت فرنسا على اختراق الذات المغربية في شِق اللباس؛ فعندما نأخذ القفطان مثلاً الذي يعتبر رمز الزي المغربي المحتشم لم يسلم من التأثير الفرانكوفوني؛ فهناك عملية التثبيت (fixation) على الزي المغربي؛ فبعد أن كانت الصور التي تعتمدها المنابر الفرنكوفونية عارية، وبعد الاحتجاجات التي قامت بها الحركة تم تغيير الوجهة فتم التثبيت على القفطان المغربي الذي أصبح مستهدفاً ليفقد كل مقوماته وخصوصيات الحشمة التي يتميز بها لتصبح عبارة عن مجموعة من القطع المرقعة ذات تصميم غربي محض أكثر منه مغربياً، بل حتى عارضات الأزياء يشترط فيهن الصفة الأوروبية على اعتبار أنهن يُجِدْنَ عملية العرض؛ في حين أن الغرض هو التركيز على النحافة وطريقة المكياج وطريقة تصفيف الشعر؛ هذه العناصر التي يتم التركيز عليها لتركيب صورة غريبة عن المرأة المغربية الأصيلة التي ترتدي القفطان بكل تمظهراته المحتشمة والأصيلة والمحافظة؛ فهناك قلاع صامدة حتى في مجال اللباس؛ لأن الزي هو جزء من الثقافة والهوية؛ ومن ثم يجب النيل منه لإذابته في الآخر. إن الهدف هو تجوُّف المرأة المغربية لتصبح متهافتة على استهلاك كل المظاهر الغربية؛ فالمرأة المجوفة بهذا الشكل سوف تقطع العلاقة مع المرأة الرسالية المجاهدة ضد المظالم التي يخاف منها الآن والتي تستهدف في جميع المخططات الغربية ... » .
أما الدكتور مصطفى الحيا فيعلق على التأثير الفرنسي في مجال اللباس فيقول: «.. ظلت المرأة المغربية لعهود طويلة تعرف بزيها الأصيل والمحتشم الذي يشمل الجلباب والنقاب، لكن عندما خرج الاستعمار الفرنسي ترك نخبة تكونت بفرنسا فبقيت الحياة التنظيمية والعصرية مطبوعة بالطابع الفرنسي، فأثر ذلك على المظهر الخارجي للمرأة المغربية الذي أصبح مطبوعاً بالطابع الأوروبي؛ فالحجاب هو من خصوصيات المرأة المسلمة، ومنها المغربية، وقد استطاعت النخبة المغتربة بالمغرب أن تؤكد ان من مظاهر تحرر المرأة المغربية هو نزعها للحجاب، بل ذهب بعض مناضلي اليسار المغربي إلى اعتبار أن نزع المرأة المغربية للحجاب هو احتجاج على الاستعمار الفرنسي، وهذا منطق مغلوط؛ لأنه لا يمكن أن تكون مواجهة ومقاومة للغرب بنَفَس غير النفس الديني الإسلامي، وبدون الاعتماد على مقوماتنا، وخاصة أن عنصر القوة فينا هو الإسلام؛ ففي الجزائر مثلاً أصيب الاستعمار الفرنسي أثناء احتفاله بالذكرى المئوية لاحتلال الجزائر بالخيبة والحسرة عندما وجد نفسه أمام كم هائل من النساء الجزائريات المحجبات، فتأكد له أن كل خططه لن تنجح ما دامت المرأة ظلت متمسكة بدينها..» .
` تقوية الذات والهوية الثقافية:
أكد الدكتور المهدي المنجرة أن فرنسا أًصيبت برجَّة خلال حرب الخليج سياسياً وعسكرياً أمام أمريكا، ويضيف أن فرنسا الآن تعاني تأخراً تقنياً للغة الفرنسية؛ فكل المهندسين وكل رجال المعرفة في فرنسا وفي المواصلات وفي البيوجينيتك وكل العلوم المتطورة يعرفون أن فرنسا تعاني تأخراً يتراوح ما بين ١٠ و ٢٠ سنة كحد أدنى، وأنها تحتاج إلى خمس سنوات لنشر آخر المنشورات العلمية الإنجليزية؛ فعدد المتكلمين بالفرنسية في تراجع ولا يتعدى ٢.٥%، وهي تحتل المرتبة التاسعة في العالم (١) .
هذه الحقيقة العلمية تؤكد مدى الانحسار الشديد للفكر الفرانكوفوني لصالح الفكر الأنجلوساكسوني ومدى الهيمنة التي أصبحت للأمركة.
يجب ألا يفهم من المعطيات السابقة أننا ندعو إلى تبني الفكر الأنجلوساكسوني أو الاحتفاء بالسيطرة الأمريكية للعالم العربي ما دامت هي الآن القائد الجديد للكوكبة الإمبريالية، بل بالعكس؛ فالشعوب العربية والإسلامية أصبحت واعية كل الوعي بما يحاك ضدها.
ألم يحن الوقت أن نستفيق من الغفلة الثقافية والسبات الحضاري الذي يعاني منه الآن العقل العربي والإسلامي ليطرح أسئلته التي تخص ذاته وثقافته وهويته في مجالات عدة ومن ضمنها الأسئلة الخاصة بالقضية النسائية، ويجيب عنها بنفسه دون أن يستعير الإجابة من الطرف الآخر؟! لكي يحين ذاك الوقت لا بد من:
\ إعادة صياغة الإنسان الموحد لله والمرتبط به رؤيةً وحياةً؛ ليس في المغرب الذي ما يزال يعاني من الهيمنة الفرانكوفونية إلى جانب الأمركة بل في العالم الإسلامي كله.
\ بناء الممانعة لكل أشكال الغزو.
\ إعادة الاعتبار للثقافة الإسلامية على أن تكون البداية بإعادة اللغة العربية، وخاصة أن ما يروَّج له بالحوار الحضاري المنادَى به الآن يفرض حضور الشخصية العربية الإسلامية بمعالمها المميزة لها حتى يكون الحوار ندياً.