للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصية إدارية]

إبراهيم بن سليمان الحيدري

أيها الإداريون! اعلموا أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد ابتلى الدعاة بقلة مواردهم المالية، وها هو العالم اليوم يكبِّل الصدقات، ويحاصر الزكوات، بل إن العليم الحكيم اختبر الدعاة بندرة مواردهم البشرية؛ فما يجدون في الإبل المائة إلا راحلة واحدة تتخطفها المسؤوليات وتنهشها المشاغل؛ فما بال أقوام ومنظمات خيرية ـ والحال كذلك ـ غفلت عن هذا الواقع الذي تنطق به الأرض التي تقلهم والسماء التي تظلهم، جمعوا في منظماتهم من الأهداف ما تباين، ومن الأعمال ما تناثر حتى عجزوا عن إدارتها فضلاً عن تحقيق أهدافها، ترى لمنظماتهم في المجال الطبي يداً، وفي الاجتماعي قدماً، وفي الدعوة ساقاً. ساقتهم حاجات الناس المتنوعة والثغرات المتجددة إلى تعدد الأهداف وتنويع الأعمال زاعمين أنهم يقطفون من كل بستان زهرة، وما علموا أن الأزهار سرعان ما تذبل وتموت، وتظل الأشجار تنمو ببطء لتثمر على الدوام.

أيها الدعاة إلى الله تعالى! وصية الإداريين من قبلي ولعلها ستبقى من بعدي هي التركيز على مجال واحد من مجالات العمل؛ فالتركيز ما كان في شيء إلا أنضجه، وما غاب عن شيء إلا شتته. ففي التركيز على مجال واحد خير كثير ونفع عظيم، ومن خلاله تتحقق الأهداف وتُنال الغايات، يتوحد الهمُّ وتتحفز الرواحل، تُبنى الخبرات وتنمو القيادات، توظف الأموال وتستثمر الموارد.

إن التركيز مطلب في المنظمات الإدارية باختلاف أنواعها وأعمارها وهو في المنظمات الخيرية مطلب ملحٌّ لحداثة نشأتها المؤسسية ولقلة مواردها المالية والبشرية. والعمل الخيري حقل واسع وميدان فسيح، والأوْلى لمن احتوى قلوبَهم حبُّ الخير وسقوه باحتساب الأجر أن يتوِّجوا ذلك بالتركيز في العمل؛ فهو أحد أوجه الإتقان التي حثنا عليها المصطفى -صلى الله عليه وسلم - بقوله:

«إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» .

اللهم ألهمنا التركيز في أعمالنا، وقنا شر التشتت.


(*) ماجستير في الإدارة، باحث في إدارة العمل الخيري.