المسلمون والعالم
[مأساة مسلمي كوسوفا وواجبنا نحوهم]
صفوت وصفي
تقع كوسوفا في الجزء الجنوبي من البلقان يحدها من الشمال والشرق
(صربيا) ومن الجنوب الشرقي (مقدونيا) ومن الجنوب (ألبانيا) ومن الغرب والشمال
(الجبل الأسود) .
فتحها العثمانيون عام ١٣٩٣م، وكانت مركزاً للمسلمين؛ فنشروا الإسلام فيها
حتى أصبح المسلمون فيها ما يقارب ٩٥%، وبعد الحرب العالمية الثانية كانت
جزءاً من يوغسلافيا، وأعطيت حكماً ذاتياً عام ١٩٧٤م، وألغي هذا عام ١٩٨٩م
مع تغييرات جذرية لصالح الصرب، ويومها قال الرئيس (ميلوسيفتش) : إن معركة
كوسوفا بدأت قبل ستة قرون وانتهت اليوم، ونحن مستعدون أن نضحي بثلاث مئة
ألف مقاتل صربي لاستئصال الإسلام من سراييفو إلى مكة!
وكان رد فعل المسلمين أن رفضوا هذا الظلم، وقرر البرلمان إعلان
الاستقلال وأجريت انتخابات حضرها بعض المراقبين الدوليين ورُشّح إبراهيم
روجوفا رئيساً؛ لكن الدولة الصربية واجهت ذلك بالحديد والنار، وعانى المسلمون
كثيراً، وما تزال حالتهم منذ ذلك الوقت تزداد سوءاً يوماً بعد يوم بسبب ما قام به
الصرب من إجراءات عدوانية تمثلت فيما يلي:
١- إبعاد المسلمين وطردهم وتوطين الصرب مكانهم، وتشجيعهم على
الاستيطان في كوسوفا، وبنيت الوحدات السكنية لهم، ومُنحوا الوظائف والرواتب
المغرية بعد أن تم انتزاع أكثر من (٨٥٤) منزلاً من المسلمين أسكن فيها الصرب
القادمون من (كرايينا) عام ١٤١٥هـ.
٢- صودرت الممتلكات والمؤسسات الكوسوفية، وطرد أكثر من ١٥٠ ألف
عامل من وظائفهم من العمال والممرضين والأطباء، وأغلقت الجامعات والمدارس
فعاش الإقليم أسوأ حال؛ وقد نتج عن ذلك مشكلات خطيرة من أهمها:
* هجرة كثير من المسلمين إلى الغرب طلباً للعمل ولتوفير سبل العيش
لأهليهم.
* انتشار البطالة بين المسلمين، مما ينتج عنه كثير من الأخطار التي لا
تخفى.
* ظهور الأمراض المهلكة وانتشارها؛ لأن المؤسسات الصحية أخليت من
المسلمين وصارت بأيدي الصرب.
* ألغيت المدارس الألبانية، وفرضت المناهج الصربية، كما أُوقِف البث
الإذاعي والتلفزيوني للمسلمين.
* وُضعت عدة نقاط للتفتيش في أهم تقاطعات الطرق لإزعاج المسلمين
وسحب هوياتهم إيذاءً لهم ودفعاً بهم للهجرة من بلادهم.
* تطبيق سياسة التطهير العرقي والقتل بدون سبب لتهجير المسلمين رغماً
عنهم.
الغرب يتدخل ولكن بعد ماذا؟
عمل الجيش الصربي والشرطة الصربية على قتل المسلمين واستئصال
شأفتهم، ونقلت وكالات الأنباء ما حصل من مآسٍ تقشعر لها الأبدان حتى استيقظ
ضمير الغرب في جملة ما استيقظ فيه من أهداف فطالب في شخص (حلف الناتو)
الحكومة الصربية بإيقاف القتل للمسلمين، وعدم تهجيرهم، وسحب قواتها الضاربة
من كوسوفا؛ ولكن الرئيس الصربي رفض ذلك بدعوى أن الأمر مسألة داخلية
خاصة؛ فشن حلف الأطلسي الحرب ضده حفاظاً على مصداقية الحلف، ولتدمير
الآلة الصربية في كوسوفا وصربيا نفسها، وضرب البنية التحتية للدولة الصربية
بما فيها العاصمة (بلجراد) ومدنها الرئيسة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا قامت هذه الحرب؟ وهل هي لنصرة
المسلمين المستضعفين وتحقيق العدالة، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
* الحقيقة: أن الغرب الأطلسي ومركز ثقله (الأمريكي) يرى نفسه المهيمن
على إدارة الشؤون العالمية، وأنه وحده المحتكر للتوازن الاستراتيجي العالمي،
ويرفض الخروج عن هذا الاتجاه لأي متمرد، لا سيما في منطقة نفوذه.
* إن الغرب بحاجة إلى ساحات حرب حتى ولو كانت مفتعلة؛ لتجريب آلاته
العسكرية الجديدة ولو على رؤوس الآخرين ما دامت فلسفته تقوم على أن الغاية
تسوّغ الوسيلة.
* الحيلولة دون أي تجمع جديد يعيد أسطورة (حلف وارسو) لإبقاء سياسة
القطب الواحد، لا سيما أن دعوى تجميع الصرب والسلاف في حلف واحد أمل
تدعو إليه الأحزاب نفسها، ومن ثم؛ فإن هذه الحرب الهمجية ليست في صالح
المسلمين في المنطقة؛ بل إنها ضدهم؛ والدليل على ذلك ما يلي:
إن مسلمي كوسوفا نالوا من القتل والتهجير والتدمير الصربي أكثر مما كان
قبل هذه الحرب.
لقد شُرد المسلمون وشُتت شملهم في مختلف الديار؛ مما يوحي بصعوبة
عودتهم إلى ديارهم إلا ما شاء الله.
إن هؤلاء المسلمين أصبحوا فريسة سهلة المنال لجمعيات التنصير التي
استغلت هذه المأساة، ولا سيما في تنصير الأطفال والشباب والنساء الذين عاشوا
الجوع والفزع والإرهاب.
فقد المسلمون ممتلكاتهم، واستُغلوا حتى من الدول المجاورة التي ساومتهم
على الدخول بمقابل، ولا سيما من عصابات المافيا وغيرها.
أقفلت المدارس الألبانية وبخاصة في (مقدونيا) دون غيرها، وجعلت ملاجئ
للمسلمين المشردين.
إن هذه الحرب المأساوية قد كشفت عن أبعاد خطيرة في واقعنا الإسلامي من
أهمها:
ضعف الولاء والبراء بين معظم المسلمين؛ حيث أصبح الانتصار لإخواننا
المنكوبين ضعيفاً؛ بل وجدنا من المحسوبين على الإسلام من ينتصر للصرب
النصارى ضد إخوانه المسلمين.
إن الموقف الذي وقفه السوفييت والسلاف مع إخوانهم أرثوذكسيي يوغسلافيا
أشجع وأقوى من مواقفنا مع إخواننا المسلمين. ونحن الذين قال الله فينا: [إنَّمَا
المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ] [الحجرات: ١٠] ، فأين العاطفة الإسلامية؟ وأين الرابطة العقدية
بيننا؛ ونحن نرى الدعم لإخواننا أضعف من الحد الأدنى؟ !
إن الحرب الجائرة التي شُنّت ضد الجمعيات الخيرية الإسلامية في شتى
أنحاء العالم الإسلامي وغيره بدعوى أنها جمعيات إرهابية، قد ظهر لكل عاقل
منصف أنها حرب صليبية يشارك فيها أناس محسوبون على الإسلام ولا تريد لهذه
الجمعيات أن تؤدي رسالتها الدعوية والإغاثية ليفتح المجال للجمعيات التنصيرية
حتى في ديار الإسلام.
ضعف الدول الإسلامية تمثل في الموقف الانهزامي أمام الصرب، وعدم
جُرأة أكثر الدول الإسلامية على استدعاء سفير الصرب لديها ولو للاحتجاج على ما
تقوم به حكومته من جرائم في حق المسلمين!
ثم ماذا..
الحرب البلقانية دائرة بين عزم حلف الأطلسي على تأديب (ميلوسيفتش) أو
القبول بشروط الحلف وإصرار الزعيم الصربي على المقاومة واستثارة الروح
المعنوية لدى الصرب والسلاف ومحاولات توريط (روسيا) في الحرب التي لمح
الروس في البداية إلى إمكانية قيامها مما يهدد بحرب عالمية ثالثة تأكل الأخضر
واليابس.
والذي يظهر أن الحرب لن تنتهي بسهولة رغم المبادرات التي طرحت
لإيقافها وحفظ ماء وجه الطرفين، وإذا سلمنا جدلاً بأن وفاقاً دولياً قد يحصل فإن ما
بعد الحرب سيكون أكثر تعقيداً لا سيما في إعادة المسلمين إلى ديارهم، وبناء ما
دمرته الحرب، وإعطائهم الحكم الذاتي على الأقل؛ ولربما يكون الرابح الوحيد في
الحرب هو الزعيم الصربي وحده الذي جعلته الحرب بطلاً قومياً على حساب
المسلمين المغلوبين على أمرهم!
دعوة عاجلة لكل مسلم غيور:
١- في الجانب الإغاثي:
* ضرورة العمل وبكل سخاء من كل مسلم قادر لمد يد العون لصالح مسلمي
كوسوفا؛ فإعانة المنكوب وإغاثة الملهوف واجب شرعي يجب أن ينهض إليه
المسلمون بكل صدق.
* قطع الطريق على المؤسسات التنصيرية التي استغلت هذه الفرصة السانحة
لبث سمومها كالعادة.
* الدعاء لإخواننا في الصلوات وفي الأذكار بأن يمدهم الله بعونه ونصره.
٢- الجانب الدعوي والتعليمي:
* تفعيل دور المدارس والملاجئ التي أقامتها المؤسسات الدعوية الإسلامية
لتقوم بدور الرعاية للمسلمين الذين شتتوا أو هجروا ظلماً وعدواناً.
* إقامة الدورات التعليمية ودورات التوجيه للمسلمين هناك؛ لإحياء العقيدة
في قلوبهم، ولتوعيتهم بدينهم وبما يخطط ضدهم من أعداء الإسلام.
* إقامة المخيمات وتوزيع الكتب والأشرطة الإسلامية بلغات إخواننا هناك
خاصة التي لها أثرها الكبير في توعيتهم وربطهم بدينهم.
* إن عناية إخوانهم بهم وحرصهم عليهم يشعرهم برابطة العقيدة التي تربطنا
بهم مما يجعلهم يشعرون بأننا إخوانهم المسلمون قلباً وقالباً.