مثلت الانتخابات الإيرانية الأخيرة منعطفاً هاماً في تاريخ الثورة الإيرانية؛ حيث تولى رئاسة الوزارة لأول مرة أحد أبناء ثورة الخميني المخلصين وممن يوصفون بالسائرين على نهج الإمام ومن قادة الحرس الثوري. لقد كان منهج (الخميني) في إدارة البلد قائماً على استغلال طبقة من السياسيين الموالين للثورة والمحسوبين على التيار الوطني مثل (مهدي بازركان) و (أبو الحسن بني صدر) و (صادق قطب زاده) الذين انتهى بهم المطاف إلى الإبعاد أو النفي أو الإعدام. لم يكن الخميني يوماً رئيساً للجمهورية ولا رئيساً للوزراء، إنه المرشد الأعلى للثورة، كان الثابت وغيره المتغير. لقد استبدل بالطبقة الحاكمة أخرى هي أقرب لروح الثورة وهي طبقة المحافظين المعتدلين مثل (رفسنجاني) ومن بعدهم طبقة الإصلاحيين ويمثلهم رئيس الجمهورية الحالي (خاتمي) والسؤال المهم هو: لماذا انتظر السائرون على نهج الخميني ربع قرن لتتسلم السلطة التنفيذية بصورة مباشرة؟
على الرغم من أن (الخميني) يمثل رمز الثورة؛ فإن الذين تولوا تصفية نظام الشاه هم (مجاهدو خلق) و (التيارات الوطنية) ، وكان الشارع متحمساً لمبادئ الثورة؛ ولذا قامت الإدارة على أكتاف من يمكن التضحية بهم بسهولة في حالة الإخفاق. ومع ابتعاد الشارع عن التحمس للثورة التي تحولت إلى مجرد دولة لا تملك مشروع التوسع ونشر المذهب بصورة علنية؛ فإن ضبط الأمور يحتاج إلى أناس أقرب للثورة خاصة مع بروز إمكانية التمدد في العراق وما حوله؛ ولكن بدلاً من كونه تحت شعار:(الموت لأمريكا) و (محاربة الشيطان الأكبر) فإن الشعار الجديد هو (محاربة الإرهاب القادم من بلاد العرب) و (تثبيت الأمن في العراق) و (دعم حكومة الجعفري الشيعية) والاستعداد لمرحلة الانسحاب الأمريكي من العراق وكل هذا تحت مظلة (التنسيق التام) مع الاحتلال.
إن المرحلة الحالية من التنسيق الدقيق مع الغرب في إدارة الصراع في المنطقة يحتم وجود شخصية أصيلة قادرة على تنفيذ أهداف الثورة الحقيقية بعيدة المدى، وهو السيطرة المذهبية على العراق والخليج حتى ولو استظلت بأعلام التحالف الصليبي. لا شك في ارتباط أقطاب الحكومة العراقية بإيران، ولا شك أن (فيلق بدر) و (ميليشيا حزب الدعوة) صنيعتان لإيران؛ والأهم الآن أن إيران ستقوم بتدريب وتسليح الجيش العراقي الجديد.. إنه مجرد القيام بمهمة كان يجب أن تقوم بها أمريكا.
إن إيران تستعد من جديد لتلعب دور الشرطي في المنطقة نيابة عن الغرب، وبدلاً من مواجهة المد الشيوعي أيام الشاه؛ فإن الهدف الجديد هو مواجهة المد السني في أفغانستان والمنطقة العربية.
إننا نشهد حالياً مغامرة شيعية قائمة على تحقيق المصالح بالتحالف مع الغرب؛ وهذا التحالف لا يمثله علمانيو الشيعة المرتبطون بالمخابرات الغربية مثل (الجلبي) ، و (إياد علاوي) ولكن يمثله مراجعهم ورساليوهم؛ إنها مغامرة؛ لأن العدو المشترك هم السُّنَّة، والإخفاق يعني الكثير، ولنتساءل عن الشيعة بعد هزيمة التتار!
(*) أستاذ مساعد في كلية الهندسة، جامعة الملك سعود، الرياض.