[مشاهدات داعية في اليابان]
سيف الله بلوشي
توجد في اليابان في العصر الحالي ديانتان رئيستان هما: البوذية، والشنتوية. وكان دخولهما منذ القرن السادس عام ٥٣٨م.
كما أن البلاط الإمبراطوري له تأثير كبير على الشعب، ويحضرنا هنا ما قام به الإمبراطور الياباني قديماً حوالي ١٩٠٧م عندما طلب من المسلمين إرسال معلمين إلى اليابان ليعرفوا شعبه عن الإسلام، فذهب بعض الدعاة من باكستان، وأسلم على أيديهم آلاف اليابانيين. ولكن بعد ذلك ضاعت ديانتهم لعدم وجود الرعاية الكافية لهم من قِبَل المسلمين.
وكانت قوى المسيحية والبوذية قد حاولت أن تثني عزم الإمبراطور هذا عن رأيه، لكنها لم تفلح تماماً.
وإضافة إلى هذا ظهرت أديان كثيرة جداً شبيهة بالبوذية من حيث المبدأ في اليابان. مثلاً وجدت ديانة منذ حوالي ٧٠ عاماً، ومؤسسها رجل عسكري؛ فعندما انهزمت اليابان في الحرب العالمية لجأ هذا العسكري إلى الجبال، ولم ينتحر مثل زملائه، وأسس ديناً جديداً، وأصبح له أتباع كثيرون، وأمثاله كثير يكادون يصلون إلى الآلاف، ولهم أتباع وميزانيات كميزانية الدولة، ونذكر هنا قصة عجيبة حدثت معنا أثناء قيامنا بالدعوة.
مرة كنا خارجين من محطة القطار، فوجدنا امرأة عجوزاً يابانية تقرأ من كتاب، وتصيح وتنادي إلى مذهبها، وتحدثنا معها، فقالت: كل هؤلاء الناس الذين ترونهم بمئات الألوف ـ كل هؤلاء ـ من أولاد الشياطين إذا دخلوا في ديني فإنهم يصبحون أولاد الرب «كهامي ساما» ، فطلبنا منها أن توضح لنا منهج دينها، فقالت: تعالوا معي إلى مركزنا! فذهبنا مشياً على الأقدام حوالي ساعة كاملة، فوصلنا إلى عمارة مبناها كله من الزجاج، فدخلنا معها، وصعدنا المصعد، وفي الدور الثالث استقبلنا رجال ونساء يابانيون، ورحبوا بنا ترحيباً حاراً، فجلسنا معهم في المقاعد الخاصة بهم، وقالوا: مرحباً بكم في ديننا الجديد، فقلنا لهم: نحن لم ندخل في دينكم.
فبدؤوا يقدمون لنا صور أشخاص اعتنقوا دينهم، منهم أفارقة، وكثير من اليابانيين، فقالوا: مِنْ هؤلاء من كانوا مرضى نفسياً وجسمياً، وأرونا الجروح التي كانت في أجسادهم، فعندما دخلوا دينهم تعافَوْا تماماً بفضل دينهم هذا. فطلبنا منهم أن يأخذونا إلى المسؤول الأول عندهم، أو إلى مؤسس هذا الدين فقالوا: مؤسس هذا الدين، هو رجل عسكري برتبة جنرال في الحرب العالمية الثانية؛ عندما ألقت أمريكا القنبلة الذرية على هيروشيما، ومات الكثير منهم، ومنهم من نجا أو انتحر، وورَّث ابنته قيادة مذهبه، وهي تأتي إليهم مرة في الشهر، ولا نستطيع مقابلتها إلا بدفع تذكرة بالفلوس لنراها، فطلبنا مقابلة المسؤول الثاني، فقالوا: هو لا يستطيع مقابلتكم لكثرة انشغاله بالأعمال الدينية وهو في المركز الرئيسي. فطلبنا مقابلة المسؤول عندهم في عمارتهم تلك، فجلسنا، وطلبت منهم أن يروني طريقتهم في علاج المرضى؛ حيث كنت مصاباً في رجلي أثر حادث، فقلت: «هل تروني علاجكم؟ فقالوا: أغمض عينيك فأغمضت عيني، فبدأ يقرأ قراءته، وبدأت أنا أقرأ في نفسي المعوذتين؛ حتى لا أصاب بشيء مما يقول، فعندما انتهى سألني ماذا كنت تتمتم؟ فقلت: شيء من ديني الإسلام.
وكان هناك حوالي العشرات من أتباعهم، فقالوا: أنت لا تتأثر أبداً إلا إذا التزمت الصمت عندما نقرأ عليك. فقلت: لا أستطيع ذلك، ولقد سمعت منكم؛ فالآن أريدكم أن تسمعوا مني؛ فأنا أعرض عليكم ديني الإسلام، وإني أراكم في حاجة إلى دين الفطرة الذي ينقصكم، فاصمتوا، واسمعوا ما سأقرؤه عليكم! فبدأت اقرأ سورة من القرآن حتى ختمتها، وكانت سورة طويلة استمرت القراءة نصف ساعة، وهم يستمعون إليّ في صمت؛ فعندما انتهيت رأيت أعينهم تفيض من الدمع وفيها دهشة عجيبة، فبعضهم طلب المزيد من القراءة؛ لأنهم أحسوا بتغيير في نفوسهم ووجدوا راحة، وأعطوني عناوينهم لأتواصل معهم، واسْمِعُهم من تلك القراءة، وبعد فترة سمعت أن بعضاً منهم دخل في الإسلام، أو أتوا إلى الحج، فكنت أزورهم على فترات، وهكذا نجد الكثيرين لهم مذاهبهم وأديانهم المستحدثة منها والقديمة، ولكنهم لا يستقرون إلا في الدين الإسلامي عند اعتناقهم له.
أيضاً تحضرني قصة أخرى، عندما ذهبت إلى أحد المطاعم الريفية فرآني صاحب المطعم ورأى ثيابي، فقال: من أين أنتم؟ فقلت: نحن مسلمون، وعلى الفور قال: أنتم لا تأكلون إلا أكلاً حلالاً؟ فقلت: نعم! فدخل وأتانا بدجاج حيٍّ كثير هدية لنا، ودخل في الإسلام.
إن الشعب الياباني ليس له دين محدد يحكمه؛ ولذلك نشطت الهيئات الدينية المسيحية في إدخال اليابانيين في أديانهم، ولكنهم لم يفلحوا؛ وذلك لأن اليابانيين لا يميلون بطبعهم للدين المسيحي لأسباب كثيرة منها: أن المسيحية فيها رهبانية، وعقيدة الآلهة الثلاثة، مع عدم وجود نظام متكامل لحياة الإنسان، كذلك البوذية لم تفلح في إشباع الرغبة الروحية لهذا الشعب على الرغم من أن الشعب الياباني فريسة أمام المفترسين، إلا أن بعض دعاة الإسلام نشطوا في مجال الدعوة.
` بعض صعوبات الدعوة:
لقد واجهتنا بعض الصعوبات قديماً عندما كنا نجوع، ننتظر أياماً حتى نجد الأكل الحلال، ولكن الآن ـ والحمد لله ـ بنشاط بعض المسلمين هناك ظهرت محلات لبيع الأكل الحلال، كما كنا من قبْل نصلي على الرصيف، وصلاة الجمعة نصليها على الرصيف أمام مسجد طوكيو عندما كان مهدوماً، أما الآن فقد تحسنت الأمور قليلاً، وهناك بعض الصعوبات التي واجهت الدعاة كصعوبة طبيعة تلك البلاد من غلاء في المعيشة، وغلاء إيجار البيوت، والطقس ... إلخ؛ فبعض الدعاة في الماضي تعبوا كثيراً في الكيفية التي يريدون بها العمل الدعوي، بل قال بعض منهم: إن اليابان تحتاج إلى مائة سنة حتى يدخل شعبها في الإسلام؛ ذلك لأن الشعب الياباني يحب المجاملات، ولا يقتنع بأي شيء، كما أنهم قوميون وبلادهم بعيدة جداً ولغتهم صعبة، ولكن نقول: إن كل ما ذكر لا يعد أقوالاً قاطعة، بل أمر الدعوة يحتاج إلى التعاون والتفكير. يقول ـ تعالى ـ: {وَلا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: ٨٧] .
ومع هذا نشط بعض الناس هناك وكوَّنوا مصلَّيات، ودخل كثير من اليابانيين في الإسلام على يد المسلمين وعلى حسب نشاطهم وانتشار مذاهبهم؛ حتى أصبح المسلمون اليابانيون يسألون: إذا أسلمنا إلى أي مذهب سننتمي؟ بسبب كثرة التحزبات عندهم، وهذه مشكلة، وأكثر الناس دخولاً في الإسلام في اليابان هن النساء. إذا تزوجت اليابانية بمسلم فلا بد أن تدخل في الإسلام قبل الزواج؛ لأنها ليست كتابية، وزوجها يحدد مصيرها إن كان صالحاً أو طالحاً فهي تابعة له. وأصبح عدد المسلمين ما يقارب ١٠.٠٠٠ آلاف، ومعظمهم نساء أنجبن الأطفال، وإذا وجدوا رعاية واهتماماً من المسلمين فإنهن يكوِّنون مستقبلاً إسلامياً في اليابان. ومن هنا نرى خطأ بعض الدعاة عندما يَدخل شخص في الإسلام، ويتركونه بعد نطقه للشهادة، ويهملونه بحجة أنه دخل في الإسلام وكفى، فيتحولون عنه لآخر، وهكذا، بل يجب علينا أن نهتم بمن يسْلِم ونوليه عناية ورعاية حتى يتمكن في الدين، ويتعلم أساسيات الإسلام، ويترسخ فيها.
` مستقبل الإسلام في اليابان:
يبدو أن اليابان اليوم تتطلع إلى الحوار مع الحضارة الإسلامية؛ لأن اليابان أمام خطر العولمة مثل البلدان الأخرى؛ فالشعب الياباني ٨٠% منه على دين البوذية والشنتوية، وأكثر من ١% مسيحية، وأقل من ١% على دين الإسلام، وفي الوقت الحاضر يبدو أنهم يرغبون في المناصرة من قِبَل المسلمين؛ ولهذا قال الوزير كونو: «الحصول على معرفة كافية عن الإسلام أمر مهم جداً وضروري» . فالديانة البوذية توصي بعدم اتخاذ طبيب حسب علمي، وتقول: لا تأخذ ذهباً ولا فضة. وهذه الوصايا لا يمكن لأي بوذي تحمُّلها، وذلك عكس الإسلام؛ فهو دين وسط لا رهبانية فيه، ولا إكراه في الدين.
فإذا وجدت اليابان اهتماماً هذه المرة بالنسبة للدعوة الى الإسلام ـ إن شاء الله ـ فسوف يجد الإسلام طريقه على قلوبهم وخاصة الشباب؛ لأنه يمكن االتأثير فيهم عن طريق الحوارات واللقاءات والمناقشات.
يقول بروفيسور ياباني في أحد كتبه: إن الإسلام قريب جداً لليابانيين، إذا اعتُني بأمر الدعوة تماماً فسوف ينفجر الإسلام في اليابان كانفجار البركان في وقت قياسي. وأنا أقول قد يظهر الإسلام في اليابان كما تظهر الشمس عندهم.