المسلمون والعالم
مستقبل الصراع مع اليهود
ومسؤولية الإعلام العربي والإسلامي
عبد القادر فؤاد
إن تعجب، فمن صراخ بعض وسائل الإعلام العربي وضجيجها وحديثها
المتهالك قبل الانتفاضة عن السلام، وحتميته وفوائده وتفرده بين الحلول بأن يكون
خياراً استراتيجياً؛ وكأن الأمر قد اختصرته شريعة هيئة الأمم ومجلس أمنها إلى
صراع بين فئتين مؤمنتين شغب بينهما إبليس بتحريشه، فتنادى العقلاء وأهل
الرأي لوضع حدٍّ لهذا الصراع.
إذن ما هو السبب في جعجعة الإعلام العربي باختلاف أشكاله في حديثه عن
السلام؟ وأين هو من كل حقائق القرآن والسنة النبوية، وما اشتملت عليه من حشد
هائل لأحداث الصراع؟ وأين الإعلام من الصفحات الدامية عبر التاريخ؟ .. هل
نسي الإعلام ما فعله ابن سبأ وما قام به من فتنة في صدر الإسلام، أم تراه نسي ما
فعله اليهود وعملاؤهم من الماسون في القضاء على الدولة العثمانية، أم قد عميت
عيناه عن حروب إسرائيل للمسلمين على أرض فلسطين وخارجها خلال الخمسين
عاماً الماضية؟ ! إن إعلاماً بلا ذاكرة كإعلام بلا عقيدة أو هوية. وإعلام هذا حاله؛
هل يرجى منه استشراف المستقبل، وصياغة استراتيجية محددة المعالم لمخاطبة
العقل العربي والإسلامي في ظل التهريج الإعلامي الدولي؟ !
في خضم أحداث العنف اليهودي وما قام به يهود من قتل للأطفال الأبرياء
فضلاً عن الكبار تفاجئك بعض وسائل الإعلام العربي بالحديث المغرق في التفاؤل
عن جهود القادة المجتمعين في سبيل وحدة الصف العربي. وحُقَّ لكل مسلم أن
يسأل: هل افترقوا بعد اتحاد حتى يتحدوا من جديد؟ وهل اتفقت وجهات نظرهم
المتباعدة جداً (!) على أمر أدهى مما يسمى زوراً وبهتاناً مشروع السلام،
ومحاربة التطرف واجتثاثه وتجفيف منابعه؟ نعم! إنهم متفقون كل الاتفاق وإن
اختلفت الأدوار باختلاف الجغرافيا، وما على القارئ أو المستمع لشيء من جرعات
التخدير تلك سوى الربط بين التصريحات المدوية والتهديدات الصريحة والمبطنة
ضد يهود، وبين الصورة الجماعية بعد المؤتمر وقد علت الوجوه ابتسامات مشرقة
رغم إرهاق الاجتماعات وعنائها (!) ثم لينظر القارئ والسامع، ولينتظر تنفيذ
شيء مما صُرِّح به. لينظر في الواقع: هل تحركت جيوش؟ هل بدأ تنفيذ مخطط
للتواصل مع تلك الجموع المجاهدة داخل فلسطين بدلاً من تركها نهباً للرافضة
الباطنيين؟ لن يتعب القارئ ولا السامع في الوصول إلى قناعة هي أشد ثباتاً من
الجبال الراسيات من أن الأمر تحصيل حاصل لقرارات قرأها أحدهم قبل انعقاد
المؤتمر الذي نجم عنه توحيد الصف ولمّ الشمل (!) .
حقيقة الصراع:
إن الإشكالية التي يعاني منها عقل المسلم وقلبه على السواء ناشئة من هذا
الاختزال العفوي أو المتعمد من بعض وسائل الإعلام لحقيقة الصراع وأبعاده، فلا
يكاد يصحو المسلم على حقيقة الصراع وجذوره إلاّ في ظل كارثة جديدة أو ما
يسمّى إعلامياً: «الانتفاضة» ، «موجة العنف» ... إلخ.
وجُلّ ما يأتي من الطرح الأصيل لحقيقة الصراع، إنما هو من الخطباء
والمنابر الإعلامية الإسلامية الملتزمة، ومن خلال مساهمات بعض الإعلاميين
الصادقين في منابر إعلامية غير إسلامية أو محسوبة على المسلمين، ثم لا يلبث أن
يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل هذه الحادثة أو تلك من تصوير للصراع على أنه
صراع على الأرض: على حدود معاهدة التقسيم عام ١٩٤٨م، أو حدود هدنة عام
١٩٦٧م، أو تنفيذ مبادرات السلام الهزيل.
وأخيراً وليس آخراً تنفيذ قرارات أوسلو ومدريد وما بعدها، وهذا الانكماش
في تصوير نوع الصراع من صراع عقدي إلى صراع على الأرض، يقابله
انكماش آخر في ساحة الصراع؛ حيث الراية عِمِّية مقابل الراية اليهودية؛ حيث
تردد وسائل الإعلام المختلفة المحلي منها والعالمي: «الصراع العربي الإسرائيلي»
رغم ما يحمله المصطلح من تناقض بارز؛ حيث أحد طرفي الصراع «ديني»
والآخر «قومي عرقي» ! !
إن المعركة كما يقول الأستاذ سيد قطب: «معركة عقيدة، إنها ليست معركة
الأرض ولا الغلة ولا المراكز العسكرية ولا هذه الرايات المزيفة كلها. إنهم
يزيفونها علينا لغرض في نفوسهم دفين؛ ليخدعونا عن حقيقة المعركة وطبيعتها،
فإذا نحن خدعنا بخدعتهم لنا فلا نلومن إلا أنفسنا ونحن نبعد عن توجيه الله لنبيه
صلى الله عليه وسلم ولأمته وهو سبحانه أصدق القائلين: [وَلَن تَرْضَى عَنكَ
اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] (البقرة: ١٢٠) .
كما أنها معركة متعددة الجبهات وليست مقتصرة على ساحة القتال العسكرية؛
حيث يدرك اليهود أنهم جميعاً لن يتمكنوا من قتل (١٨٠) مليون كبش ناهيك عن
(١٨٠) مليون عربي، ناهيك عن (١٠٠٠) مليون مسلم؛ فإن ساحة الصراع
والحرب تمتد إلى عالم الاقتصاد والسياسة والعقيدة والفكر والتراث، وبكل ما
أوتوه من قوة.
إن الفارق بين عقلية الذي يفكر في السلام وقد تخلّى عن العقيدة والسلاح،
وبين عقل من يحارب ليستريح ويستريح ليحارب فارق كبيرٌ جداً، كالفارق بين
رسالة رئيس منظمة التحرير الطويلة إلى رئيس وزراء إسرائيل عام ١٩٩٣م،
ورد رئيس الوزراء الإسرائيلي المقتضب، مع فوارق ظاهرية وجوهرية.
مستقبل الصراع:
مما سبق يتضح لنا أن اليهود وحلفاءهم سيصطدمون بالمسلمين في المنطقة،
وستجري حروب على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية،
وما هذه التيارات السياسية والاقتصادية العالمية المتتالية في القرن الميلادي الأخير
رغم قصر المدة إلا موجات تتناوب مع الخيار العسكري لمواجهة المد الإسلامي
ومحاولة القضاء عليه، وما تخدع كلمات دهاقنة السياسة الغربية المموهة إلا ذوي
العقول المشلولة والأفئدة السقيمة، [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ]
(الأنفال: ٣٠) .
إن حقائق القرآن والسنة وشواهد التاريخ وتداعيات الواقع لتدل بما لا يدع
مجالاً للشك أن الصراع مع اليهود قائم ودائم ومستمر إلى قيام الساعة، ولن
يستطيع دهاقنة السياسة والاقتصاد تعطيل هذه النصوص القاطعة ولا السنن الربانية
الجارية، وبلا مبالغة هم أعرف بذلك من كثير من جهلاء المسلمين؛ حيث صرّحوا
أن الجولات السياسية ما هي إلا محطات استراحة يحققون من خلالها ما لم تحققه
الآلية العسكرية. يقول مناحيم بيجن في كتابه (التمرد) :» لن يكون هناك سلام
مع العرب ما دمنا لم نحرر وطننا بأكمله حتى لو وقَّعنا مع العرب معاهدة الصلح.
إن الأسلحة العبرية هي التي ستقرر حدود الدولة العبرية، ولا يمكن أن نشتري
السلام من أعدائنا بالمفاوضات. فهناك نوع واحد من السلام يمكن أن يشترى هو
سلام القبور «! كما يقول كارتر:» إن دولة إسرائيل أولاً وقبل كل شيء عودة
إلى الأرض التوراتية التي أُخرج منها اليهود منذ مئات السنين. إن إنشاء إسرائيل
هو إنجاز للنبوءة التوراتية وجوهره «.
دور الإعلام والإعلاميين:
إذا علمنا كل ذلك وغيره مما لم يتسع المقام لذكره، رأينا كم هي التبعة الملقاة
على المنابر الإعلامية المختلفة، كما يتجلّى لنا جسامة المسؤولية الملقاة على كل من
تولى أمراً في هذه المنابر الإعلامية أو ساهم فيها.
إن معركة السلاح لا بد أن يسبقها إعادة صياغة لهذا الكيان بكل جزئياته؛
لتستعيد الأمة هويتها صافية من كل شائبة تسربت إليها من خلال وسائل الغزو
الإعلامي العالمي، أو من خلال العملاء أو الجهلاء الذين غرسوا في عقول
المسلمين الهزيمة النفسية وأصّلوها من خلال التبعية الفكرية والأدبية. وهذه
المسؤولية رغم ضخامتها يمكن للإعلامي المسلم أن يمارسها ولو مجزأة، ومن
خلال الوسائل المتاحة لا سيما في عصر الإنترنت وما تتيحه من انتشار لا يحتاج
معه إلى جواز لعبور الحدود والسدود التي بدأت تتهاوى بصورة أو بأخرى.
هذا بالنسبة للإعلامي المسلم.
أمّا الأجهزة الإعلامية فهي مطالبة بما هو أكبر من ذلك، إنها مطالبة ببرنامج
عمل متكامل، لعل من أبرز معالمه:
١ - عدم قطع الحديث عن عداء اليهود للأمة، حتى بعد إخراج آخر يهودي
من الأراضي المقدسة.
٢ - توظيف الأحداث في تربية الأمة، ولنا في القرآن شواهد كثيرة، وكيف
أن الخطاب القرآني كان يستغل الحدث الواحد كتحويل القبلة لإبراز هذا العداء
الظاهر والمستتر.
٣ - استعراض التاريخ القديم للصراع منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم،
وتجلية دور العقيدة السليمة في حسم النزاع لصالح المعسكر الإسلامي.
٤ - توظيف طاقات الأمة المسلمة عربيها وأعجميها؛ لإعادة كتابة فصول
التاريخ المعاصر الذي تعاني كثير من طبقات الأمة من تجهيلها به وتشويه معالمه
على أيدي القوميين والعلمانيين، بسبب محاولاتهم المستميتة لستر عوار نكساتهم
وهزائمهم المتلاحقة.
٥ - استخراج الدروس والعبر من أحداث ١٩٤٨م، ١٩٦٧م، ١٩٧٣م،
١٩٨٢م، وما تلا ذلك من اعتداءات اليهود وحلفائهم وتوظيفها لبث الوعي العقدي
والتاريخي والسياسي في أفراد الأمة المسلمة رجالاً ونساءاً.
٦ - ألاَّ تنسينا كارثة فلسطين ما يجري في أندونيسيا والشيشان ... وغيرها
من البلدان المسلمة، فالأمة الإسلامية أمة واحدة إذا اشتكى منها عضو تداعى له
سائر الجسد بالحمى والسهر.
ختاماً:
إن أطفالاً وشباباً يصنعون بحجارتهم ما لم تصنعه الجيوش والمدافع في زمن
الذل والانكسار حريّ بهم أن يحققوا انتصارات كاسحة إن شاء الله تعالى؛ إذا
توفرت لعقولهم وقلوبهم التربية العقدية، والإعداد اللازم في ظل إعلام ملتزم.
[وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ] (الحج: ٤٠) .