للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مشاهداتي في بريطانيا]

المرأة الغربية والزواج

د. عبد الله مبارك الخاطر

قارئي الكريم: قلت لك منذ البداية: إنني طبيب في الأمراض النفسية، وهذا

العمل يتيح لي مشاهدة الوجه الآخر لمجتمعاتنا، والاتصال بأصناف متعددة من

الناس رجالاً كانوا أو نساءً، ومن طبيعة الذين يعملون في مثل هذه الاختصاصات

الاهتمام بمشكلات الناس، وقد يسير أحدهم في الشارع فتلفت انتباهه أمور لا يهتم

بها المارة.. وكم أتمنى أن يهتم العلماء الدعاة بمثل هذه القضايا ويقدمون لها الحلول

الناجعة، وسيكون دورهم أهم من دور الأطباء ورجال الأمن؛ لأن مخالفة تعاليم

الإسلام من أهم العوامل التي أدت إلى نشوء مثل هذه الأمراض.

وقد حرصت على ذكر هذه المقدمة حتى لا يستغرب القارئ ما أذكره له من

أحداث، وبشكل أخص زيارة النساء لنا في العيادة، والاستماع إلى مشكلاتهن، ولا

علاج بدون الاستماع إلى هذه المشكلات ومناقشتها.

وبعد هذه المقدمة أعود إلى الحديث عن المرأة الغربية والزواج، فأقول:

كنت أستغرب عند بداية إقامتي في بريطانيا أن المرأة هي التي تنفق على

الرجل، وكنت أشاهد هذه الظاهرة عندما أركب القطار أو أدخل المطعم، إذ ليس

في قاموس الغربيين شيء اسمه (كرم) ..

وبعد حين زال هذا الاستغراب، وأخبرني المرضى عن أسباب هذه الظاهرة، وفهمت منهم بأن الرجل لا يحب الارتباط بعقد زواج، ويفضل ما أسموه [صديقة] ، والمرأة تسميه [صديقاً] ، وليس هو أو هي من الصدق في شيء، وكم أساءوا

لهذه الكلمة النبيلة، فالصديق يعني: الصدق، والمحبة، والمروءة، والنخوة،

والكرم، والوفاء، وما إلى ذلك من معان طيبة كريمة.

والصديق عندهم يعيش مع امرأة شهوراً أو سنين، ولا ينفق عليها، بل هي

تنفق عليه في معظم الحالات، وقد يغادر البيت متى شاء، أو قد يطلب منها مغادرة

بيته، إن كانت تعيش معه في بيته، ولهذا فالمرأة عندهم تعيش في قلق وخوف

شديدين، وتخشى أن يرتبط صديقها (! !) بامرأة ثانية ويطردها، ثم لا تجد

صديقاً آخر.

وكما يقولون «بالمثل يتضح المقال» ، فسوف أختار مثالاً واحداً من أمثلة

كثيرة تبين وضع المرأة عندهم:

رأيت في عيادة الأمراض النفسية امرأة في العشرينات من عمرها، وكانت

حالتها النفسية منهارة، وبعد حين من الزمن شَعَرتْ بشيء من التحسن، وأصبحت

تتحدث عن وعيٍ، فسألتها عن حياتها، فأجابت والدموع تنهمر من عينيها، قالت:

مشكلتي الوحيدة أنني أعيش بقلق واضطراب، ولا أدري متى سينفصل عني

صديقي، ولا أستطيع مطالبته بالزواج منى، لأنني أخشى من موقف يتخذه،

ونُصِحتُ بالعمل على إنجاب طفل منه، لعل هذا الطفل يرغبه في الزواج، وها

أنت ترى الطفل، كما أنك تراني ولا ينقصني جمال، ومع هذا وذاك فأبذل كل

السبل؛ من تقديم خدمات، وإنفاق مال، ولم أنجح في إقناعه بالزواج، وهذا سر

مرضي، وسبب قهري إنني أشعر بأنني وحدي في هذا المجتمع، فليس لي زوج

يساعدني على أعباء الحياة، ولي أهل ولكن وجودهم وعدمه سواء، وليتني بقيت

بدون طفل؛ لأنني لا أريد أن يتعذب ويشقى في هذه الحياة كما تعذبت وشقيت.

وهذه المرأة المريضة ليست من شواذ المجتمع الغربي، بل الشواذ هم الذين

يعيشون حياة هادئة.. ومع ذلك ينقد الغربيون مجتمعاتنا الإسلامية، ويزعمون بأن

المرأة تعيش في بلادنا حياة بائسة محزنة، ونحن لا يهمنا رأي الغرب بنا، ولا

نطلب منه حسن سلوك، ولكن نريد من نسائنا أن يحمدن الله سبحانه وتعالى على

نعمة الإسلام، فلقد كانت في الجاهلية ذليلة مهينة، وجاء الإسلام ليرفع مكانتها،

وبفضل من الله سبحانه وتعالى أصبح الرجل يبحث عن المرأة، ويطلب الزواج

منها، وهي قد تقبل وقد ترفض، ولأهلها دور كبير في أمر زواجها، وسواء كانت

عند زوجها أو في بيت أبيها فهي عزيزة كريمة، والرجال هم الذين ينفقون عليها،

بل والذي نشكو منه في بلادنا الغلو في المهور، والتكاليف الباهظة التي تفرض

على الرجل حتى يحصل على زوجة، [يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ

إسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ] [الحجرات/١٧] .