خواطر في الدعوة
[هذه الشريعة عربية]
أبو أنس
[إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ]
معاذ الله أن نكتب من زاوية قومية، أو نتحدث بلوثة قومية، ولكن الحقيقة
التي قد تغيب عن بعض الأذهان هي أن هذا الدين لا يفهم حق الفهم، ولا تستوعب
مراميه القريبة والبعيدة، ولا يحاط بقواعده الكلية وتفصيلاته الجزئية إلا عن طريق
اللغة العربية فيها نزل القرآن الكريم، وبها بلّغ البشير النذير محمد -صلى الله عليه
وسلم- وبها كتبت أصول الإسلام في العقيدة والفقه والحديث والتفسير ... وهي من
الاتساع والشمول والدقة بحيث استوعبت مضامين الشريعة كلها، وتستطيع
استيعاب العلوم النافعة في أي عصر، وهي من أنقى اللغات عن الدخيل والهجين
وأفضلها تعبيراً عما يستكن في الضمير والشعور ولا سبيل إلى فهم هذا الدين من
غير هذه الجهة، لأن اللغة العربية وإن اشتركت مع اللغات الأخرى في أمور عامة
إلا أن لها أوضاعاً تختص بها، ليس هنا المجال لتفصيلها ولأنه مهما كانت الترجمة
إلى اللغات الأخرى صحيحة ودقيقة فلن تفي بالغرض ولن تؤدي المطلوب، هذا إذا
كانت هذه اللغات فيها من الحيوية ما يساعدها على استيعاب كثير من الأمور،
فكيف إذا ترجم إلى لغات محلية ضيقة هي مزيج من لغات شتى ليس بينها أي
ترابط.
والذي يرى في هذه الأيام ما تؤدي إليه الترجمة من أخطاء وأخطار في فكر
الذين يسلمون من أهل الغرب أو الشرق تتضح له صورة الماضي عندما دخل
الأعاجم في الإسلام ولكنهم لم يتقنوا العربية أو بقيت هي لغة العلم والثقافة وتمسكوا
بلغاتهم المحلية، ثم انتقل بهم الأمر فرجعوا إلى لغاتهم السابقة ونسوا العربية،
وجاءت نغمة الشعوبية القومية، وبدأ التفاخر بالفردوسى والشيرازي الذين كتبا
الشعر بالفارسية.
بل نستطيع القول: إنه لا يكفي في فهم الإسلام تعلم العربية في كتب النحو
بل لابد من معرفة معهود العرب يوم أنزل القرآن من هذا اللفظ أو من ذاك حتى لا
نحمّل اللفظ أكثر مما يحتمل، فإذا كانت الكلمات لا تزال هي هي في تركيبها إلا أن
بعضاً منها تغير مضمونها بسبب البعد عن الفصاحة، ولذلك فإن كثيراً من
الانحرافات في فهم الإسلام إنما جاءت من العجمة، والذي يتتبع تاريخ التفرق
سيرى مصداق ذلك.
نقول هذا ونحن نعلم الصعوبات التي تعترض انتشار العربية بين صفوف
المسلمين من غير العرب ولكن أليس حريّاً بالدعاة، وطلبة العلم والعلماء منهم أن
يتكلموا بالعربية ويقرؤوا تراثهم بالعربية؟ وهم يعلمون أن اعتياد التكلم بغير
العربية في قطر من الأقطار أو بلد من البلدان أمر كرهه العلماء، ذلك لأن العربية
هي شعار الإسلام ولغة القرآن وتعلمها من الدين، وما لا يتم الواجب إلا به فهو
واجب.