للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هموم ثقافية

إشكالية نتائج وإفرازات الديمقراطية

بقلم: سامي محمد الدلال

يحق لنا أن نقف موقف الانبهار عند شروعنا في الحديث عن إشكالية النتائج

بشأن التعبير العملي عن الديمقراطية، حيث إن كل نتيجة منها هي إشكالية بحد

ذاتها.

ونظراً لتزاحم إشكاليات النتائج فإني سأسوقها ضمن نقاط، ليس شرطاً أن

تأخذ نمطاً منطقياً في تتابع ذكرها، كما أني أستميح القارئ عذراً في اضطراري أن

أقتطع جزءاً نفيساً من وقته وهو يتابع هذه النتائج المهمة بتركيز شديد؛ فلنبدأ معاً:

١- اعتقد كثير من الإسلاميين ولا يزالون يعتقدون أن الديمقراطية ليست شيئاً

يذكر في مجال التهيب والوجل، فهي ليست إلا مجرد مجلس نيابي يمكن لهم أن

يحققوا من خلاله بعض المكاسب.

وقد تبين لنا خطأ هذا التصور وسطحيته؛ ذلك أن الديمقراطية، كما تبين لنا، تعني علمنة الدولة والمجتمع على كافة المستويات.

وبسبب التجذر العميق للمفاهيم الإسلامية في أمة المسلمين، فإن الانتقال بها

إلى هاوية العلمنة يقتضي اجتثاث تلك الجذور من أصولها، ولما كان ذلك ليس

سهلاً ولا هيناً، بل صعباً وشاقاً، بل هو في مرتبة الارتقاء نحو الاستحالة؛

خاضت العلمنة من خلال الطرح الديمقراطي صراعاً مريراً لتصل إلى تلك النتيجة، ولقد أظهرت تجليات الوقائع أن الديمقراطيين قد حققوا بعض النجاحات في هذا

الاتجاه، لكنهم أيضاً أصيبوا ببعض الإخفاقات، إلا أن من أهم نجاحاتهم البارزة

جداً هو تمكنهم من سحب كثير من قيادات الإسلاميين من مواقعهم المتحصنة بعقيدة

الإسلام إلى ساحات الانكشاف الديمقراطي، فأصبحوا كمن لا ظهراً أبقى ولا أرضاً

قطع. وبعد أن نجح العلمانيون في ضم الإسلاميين النيابيين إلى صفوفهم

الديمقراطية شرعوا في تعميق مؤثراتهم على المستوى الجماهيري التي تنأى

بالمسلمين عن الحياة الإسلامية، لقد طرح العلمانيون الديمقراطية منهجاً للحياة

يستوعب جميع مناحيها الفكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والفنية وغيرها؛

ولذلك فإنهم خاضوا الصراع، ولا يزالون في تلك المناحي جميعاً بقصد علمنتها

فكرة وحركة. لقد نجح العلمانيون في استخدام وتوظيف كافة الوسائل والأساليب

[من مثل: الإعلام، المناهج التربوية، الصيغ الاجتماعية، المؤسسات الاقتصادية

(البنوك وغيرها) ، الاستباحات الترفيهية] لتعميق المفهوم الديمقراطي في المناهج

الحياتية للمسلمين.

ولقد كانت نتائج الصراع في هذا الاتجاه لصالحهم حتى الآن، إلا أن

الإخفاقات التي واجهتهم هي فشلهم في استيعاب جميع المسلمين في تلك الأطر التي

خاضوا الصراع ضمنها. إن تمسك كثير من المسلمين بالكتاب والسنة بمفهوم

السلف الصالح جعل استيعابهم في المخطط العلماني الديمقراطي مستعصياً، وإن

كان العلمانيون قد نجحوا في استمالة بعض الشخصيات السلفية نحو أفكارهم

الديمقراطية إلا أن العبرة بجمهور المتمسكين بالكتاب والسنة وليس بآحادهم.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن سيطرة العلمانيين على الوسائل السالفة

واستخدامهم الأساليب المختلفة لا يعني أنهم تمكنوا من الاختراق الشامل للمضامين

الإسلامية المتراكمة في نفوس المسلمين عبر القرون الطويلة.

وهذا يعني أن صراع العلمانيين نحو علمنة المجتمعات الإسلامية عبر الجسر

الديمقراطي سيستمر، وأن توظيف نتائج ذلك ليصب في مكتسباتهم سيتواصل.

٢- لقد فطن العلمانيون إلى مربط الفرس في معمعة ذلك الصراع، واستقر

في أذهانهم أن نجاحهم في تنفيذ مخططاتهم لا يمكن أن يتوالى ويستمر إلا إذا حصل

على الدعم القانوني، إضافة إلى الإمكانات المادية والجموع البشرية؛ ولذلك فإن

إيجاد مؤسسة تقوم عليها أركان الدولة وتحقق تلك الغاية بات أمراً ملحاً ومطلباً

علمانياً مستعجلاً، إن من أهم مواصفات تلك المؤسسة أن يكون لتقنينها طابع قدسي

وبرغبة جماهيرية. ولقد جاءت فكرة المجالس النيابية في الأنظمة الديمقراطية ملبية

لتلك الأغراض مجتمعة، ثم إنها أخذت قدسيتها من التعاقب على تبنّيها في عالم

غير المسلمين عبر القرون. وعندما أفلح العلمانيون في إقحام الديمقراطية على

الدول الإسلامية التقطوا تلك البلورة وصاغوها في أطر مجالس نيابية هي طبق

الأصل في فكرتها لتلك التي في الدول الغربية.

ورغم أن كثيراً من الدول الإسلامية خضعت إلى أنظمة حكم ديكتاتورية فإن

تلك الأنظمة كانت ولا تزال ترى أن لها مصلحة عظمى في علمنة المجتمعات

الإسلامية؛ ولذلك فإن بعضها فطن أو لقن أن تبنيه للديمقراطية يحقق له تلك

المصلحة العظمى، وهي بقاؤه ممسكاً بالسلطة، فسارع إلى الأخذ بها. ولأجل أن

تكتسب القوانين المشرعة من قبل المجالس النيابية قوة تنفيذية أوسعَ، وتأثيراً نفسياً

أعمق كان لا بد من أن تستوعب تلك المجالس النيابية أكبر عدد ممكن من الشرائح

الجماهيرية ذات التوجهات العلمانية، دون إغفال توريط بعض الإسلاميين في

إقحامهم في ذلك المجهول لاتخاذهم دريئة تتترس بها، وعلى الجماهير ألا تحتج

على أي قانون وإن خالف دينها؛ إذ إن ذلك القانون قد صدر من المجلس النيابي

الذي يحضره ممثلوها!

إن خلاصة ما ذكرناه في هذه النتيجة هو أن الفئات العلمانية نجحت في

استخدام الديمقراطية في علمنة المجتمعات الإسلامية بالقانون وبدعم إسلامي! !

٣- إن الديمقراطية تعني الانفتاح الفكري بغير حدود ولا قيود، وتعني أيضاً

ممارسة الحرية المعبرة عن ذلك. إن الديمقراطية لدى معتنقيها هي فوق الأديان

جميعاً، وإن للمجلس النيابي الكلمة الفصل في التحليل والتحريم وذلك بحسب ما

يراه أعضاؤه من توجهات خاصة بهم أو بأحزابهم أو قبائلهم، إن الحرية

الديمقراطية أطلقت العنان لكل صاحب عقيدة أن يدعو إلى عقيدته وإن كانت إلحادية

بحتة، وإن كانت تحارب الله ورسوله جهاراً نهاراً، بدون قيد ولا شرط.

ولقد استغل العلمانيون مظلة الديمقراطية أيما استغلال، وراحوا يدعون من

على منابرها المجلسية النيابية وأجهزتها الإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية

إلى وأد الفضيلة ونشر الرذيلة بحماية قانونية ودعم من المواد الدستورية.

٤- رغم أن الفئات العلمانية نجحت في استخدام الديمقراطية لعلمنة المجتمع

الإسلامي، ورغم توقعنا استمرار جهود تلك الفئات، بل وتصعيدها، ورغم تحقيقها

مكاسب شيطانية تتعلق بممارسة التحليل والتحريم وفق أهواء البشر؛ رغم كل ذلك

فإن الديمقراطية لن تتمكن من مواصلة طريقها عبر المجتمع الإسلامي إلى نهايته؛

وذلك لأسباب، من أهمها:

أن الإسلام بوصفه عقيدة، قد تجذرت آثاره العملية من خلال الممارسة في

أعماق المجتمع الإسلامي عبر قرون طويلة.

وأن الله (تعالى) قد تكفل بحفظ دينه؛ فلا يكاد يمر قرن من الزمان إلا وفي

طيات سنيه جهابذة من العلماء المصلحين يقومون بدورهم في تجديد الدين.

ولأن الجسد الإسلامي كالجسد الآدمي، فيه من المناعة الذاتية ما يقاوم به

الفيروسات الوافدة، سواء كانت في أشكال عقدية أو فكرية أو حركية، ثم لا يلبث

أن يلفظها أو يقضي عليها.

ولأن كنوز التراث الإسلامي لم تندثر، بل لا تزال محفوظة في المكتبات

العربية والإسلامية والأجنبية.

إن توفر تلك المقومات جميعاً، وغيرها التي لم أذكرها هنا، لهي كفيلة إذا

رجع المسلمون إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام بأن تواصل حبل

الحاضر بماضيه وتمده إلى مستقبله.

وبالتالي فإن الديمقراطية ستخفق في فك الارتباط بين المجتمع الإسلامي

المعاصر وبين تاريخه، على كافة المستويات العقدية والثقافية والسلوكية، إذا

توفرت المقومات التي نوّهت عنها، ومن أهمها بعد الاستمساك بالكتاب والسنة:

بعث التراث الإسلامي من جديد.

٥- إن النتيجة التي ذكرتها في (٤) ، تصطدم بمعوقات كثيرة؛ ذلك أن

الجهود الحالية: المحلية والدولية، منصبّة على إقناع الجماهير الشعبية بأهمية

الديمقراطية وأنها هي المخلص لتلك الجماهير من حالة التسلط الديكتاتوري، ومن

حالة الجهل والفقر والمرض ... إلخ. وإننا سنكون قد خدعنا أنفسنا إذا ادعينا أن

العلمانية قد أخفقت في مشروعها الديمقراطي بهذا الخصوص.

ولقد وجدنا أن كثيراً من المنتسبين للإسلام يهاجمون الإسلام من منطلق

الديمقراطية.

وبالتالي فإن الإسلام لا يتعرض حالياً لمحاولة إجهاض انبعاثه من قبل

السلطات الحاكمة فحسب، بل من شرائح متعددة من الطبقات الشعبية، تزداد

اتساعاً يوماً بعد يوم.

وهكذا فإن الديمقراطية ساعدت على نقل الصراع ضد الإسلام من انفراد

التصدي السلطوي إلى مزاوجة السند الشعبي لذلك التصدي، أي إن الإسلام في ظل

الديمقراطية يفقد سواد معتنقيه.

٦- وبناء على ذلك فإن الشعوب الإسلامية في ظل الديمقراطية ستبدأ في فقد

هويتها المميزة. تلك الهوية المتمثلة في كونها شعوباً تدين لله (تعالى) بعقيدة التوحيد، وأن تلك العقيدة قد أضفت عليها لبوساً حضارياً منفرداً، تغلغلت آثاره في كافة

مناحي حياتها، شاملة جميع مكوناتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

إن الديمقراطية، بطبيعتها العلمانية، لا تستطيع أن تقدم نموذجاً يضفي هوية

مميزة على أي مجتمع يعتنقها عقيدة وتطبيقاً.

ولذلك فإن دورها في حياة المسلمين هو دور تهشيمي، يهشم مقوماتها

الإسلامية ويحتّ أصالتها الانتمائية، وينتهي بها إلى فراغ اللاشيء! !

٧- إضافة إلى ذلك، فقد تبين لنا أن الديمقراطية بما وفرته من الحرية غير

المنضبطة بالإسلام قد أدت إلى التفتيت الأسري، ثم إلى التفكيك الاجتماعي.

ولقد لاحظنا أن الديمقراطية تتوحد مع الديكتاتورية في هذا الاتجاه.

وقد ترتب على ذلك أن فقد المجتمع الإسلامي مقوماً مهماً من مقوماته هو مقوم

الوحدة والاندماج. إن بديل الوحدة الاجتماعية هو التضعضع والتخلخل، مما يؤدي

إلى الضعف والوهن، ولذلك فإن حكومات الدول الديمقراطية والديكتاتورية، بعد

أن شعرت أنها قد وصلت إلى هذه النتيجة، وهي توهين الشعوب وإضعاف إرادتها، لم تتردد في عقد معاهدات الصلح مع اليهود، في أجواء احتفالية وزخارف

ابتهاجية ترفرف عليها أعلام الديمقراطية، إن إشكالية هذه النتيجة ذات طابع خطير؛ لأنها ستحمّل الأجيال المقبلة تبعات وتركات حالة الانهزام التي تمر بها الأجيال

المعاصرة.

٨- لقد تعلقت آمال كثير من المسلمين بأحلام الرفاهية والطمأنينة والسلام

والأمن إذا تمكنوا من حكم أنفسهم بأنفسهم في ظل نظام ديمقراطي؛ إلا أن تلك

الآمال ذهبت أدراج الرياح بعد أن حكمتهم الديمقراطية بأنياب لا تقل حدة عن أنياب

الطغاة الديكتاتوريين.

لقد سيق كثير من الإسلاميين إلى غياهب السجون، بل وعلقوا على أعواد

المشانق، في ظل الحكام الديمقراطيين، فلم يشفع لهم مجلس الشعب.

إن كثيراً من الطغاة المتجبرين استغلوا مدة تربعهم على عرش السلطة ليفتكوا

بالإسلاميين، ثم هم أنفسهم بعد ذلك يدعون إلى الانتخابات النيابية، وإقامة

الحكومات الديمقراطية.

فليعلم الجميع بأن الإرهاب الديمقراطي لا يقل عن الإرهاب الديكتاتوري في

بعض الحالات.

وقد أعجبني بهذا الصدد ما قاله الدكتور توفيق الواعي في مجلة (المجتمع)

الكويتية عدد ١١٠٣، المؤرخ: ٤ محرم ١٤١٥هـ الموافق ١٤ يونيو ١٩٩٤م

تحت عنوان (هل عاد زوار الفجر) إذ قال: (نعم عادوا، ولكنهم ليبراليون

ديمقراطيون، ومصطلح زوار الفجر أطلق في العصر الحديث على عصابات

الأنظمة البوليسية في العالم الثالث، وعلى الفرق المخابراتية في الأمم المتخلفة،

التي كانت تطارد الأحرار والعناصر الفاعلة والنابهة في الأمة، تباغتهم ليلاً

وتنزعهم من أحضان أسرهم ومن بين أطفالهم وذويهم، إلى حيث يغيبون في

سجون، أو قل في قبور، بحيث لا يعرف عنهم طير ولا إنس ولا جان أي أثر،

يلاقون من العذاب ما يشيب له الولدان وتضع له كل ذات حمل حملها، ثم تلفق لهم

القضايا وتنتزع منهم الاعترافات..) ، ثم ساق أبياتاً من قصيدة للدكتور يوسف

القرضاوي يذكر فيها سوقه إلى السجن في ظل الحاكم الديكتاتوري الديمقراطي! !

(عبد الناصر) ، يقول فيها:

يا سائلي عن قصتي اسمع لها ... قصص من الأهوال ذات شجون

أمسك بقلبك أن يطير مفزعا ... وتول عن دنياك حتى حينِ

فالهول عات والحقائق مرة ... تسمو على التصوير والتبيين

والخطب ليس بخطب أرض وحدها ... بل خطب هذا المشرق المسكين

في ليلة ليلاء من نوفمبر ... ِ فزعت من نومي لصوت رنينِ

فإذا كلاب الصيد تهجم بغتة ... وتحوطني عن شمأل ويمينِ

فتخطفوني من ذويّ وأقبلوا ... فرحاً بصيد للطغاة سمينِ

وعُزلت عن بصر الحياة وسمعها ... وقُذفت في قفص العذاب الهونِ

ما كدت أدخل بابه حتى رأت ... عيناي ما لم تحتسبه ظنوني

في كل شبر للعذاب مناظر ... يندى لها -والله- كل جبين

ثم قال الدكتور الواعي: (لهذا يلجأ بعض الفارين من مطاردة الشعوب إلى

الاختباء وراء ديمقراطيات مزورة وحريات مغشوشة، علهم يفلتون، وما أظن ذلك

يغني عنهم من عذاب الله من شيء، أو من المصير المحتوم، أو من هجمة

الشعوب وانطلاقة الأمم، وقد يكون ذلك إلى حين..) .

إن كثيراً من الديمقراطيات التي تحكم العالم الإسلامي إنْ هي إلا واجهات

لحكم الطغاة. فالرأي هو رأي الحاكم، وعلى المجلس النيابي أن يبصم، بطريقة

أو بأخرى! !

٩- لقد وجد التجار وأصحاب رؤوس الأموال في الديمقراطية ضالتهم

ليحكموا سيطرة رأس المال على رقاب الشعوب باسم الديمقراطية.

وقد جاءت النتائج الواقعية مدعمة لهذه الحقيقة، وهكذا تحولت المجالس

النيابية إلى مواقع انطلاق دستورية لامتصاص عرق الكادحين وابتزاز جهود

العاملين، وراحت المجالس النيابية تصدر القرارات تلو القرارات بزيادة الضرائب

وفرض الرسوم ورفع أسعار الخدمات، كل ذلك لأجل مصلحة الشعب! !

كذبوا؛ ليس ذلك إلا لمصلحة جيوبهم التي أتخمها المال الحرام!

إن إشكالية هذه النتيجة تتجسد في رضوخ هذه الشعوب المنكسرة إلى هذا

اللون من الجور الديمقراطي. أليست هي رضيت بالديمقراطية منهجاً وطريقاً؟

ولكن إلى متى؟

نعم، سيستمر هذا الواقع المهين إلى أن تدرك الشعوب المسلمة أن الحكم

بالديمقراطية لا يزيد في إفلاسه عن الحكم باسم القومية العربية أو الاشتراكية العلمية

كما يسمونها زوراً وبهتاناً أو البعثية أو ... وعندها لا بد أن تتملل هذه الشعوب

المسلمة، ثم تتحرك، ثم تندفع كالرياح العاتية لتقتلع الأصنام الحديثة المتدثّرة

بالديمقراطية.

إن الديمقراطية في العالم الثالث هي أحد منابع الانفجار الاجتماعي المرتقب؛

ولكن هل ستعي هذه الشعوب المسلمة أن لا بديل عن الإسلام؟

نعم، إنها ستعي ذلك، ولكن بعد أن تدفع الثمن غالياً نتيجة سيرها ولهاثها

خلف الشعارات الديمقراطية الزائفة.

١٠- إن الناخبين يعلقون آمالاً كباراً على مرشحيهم لاعتقادهم بامتلاك أولئك

المرشحين لعصا سحرية سرعان ما يلمع بريقها في ردهات البرلمان؛ فتحل بذلك

جميع مشاكل الذين انتخبوهم وأوصلوهم إلى سدة المجلس العتيد؛ وبسبب استحواذ

تلك الآمال الوضاءة على أفئدة الناخبين؛ فإنهم لا يبالون بما يبذلون من جهد ووقت

ومال لدفع مرشحيهم إلى تلك المواقع المتقدمة، يفعلون ذلك وهم سادرون في أوهام

الشعارات التي يرفعها المرشحون، ولكن ما إن يستتب الأمر، ويصل المرشح إلى

كرسي المجلس حتى تبدأ آمال الناخبين بالتلاشي شيئاً فشيئاً بما يرون من عدم مبالاة

المرشحين بقضاياهم الحقيقية وانشغالهم بالقضايا الذاتية. إن هذه السمة ليست من

اختصاصات ديمقراطية العالم الثالث فحسب، بل هي من السمات الملصقة

بالديمقراطية حيثما وجدت.

إن نائباً مثل (برنار تابي) وهو رئيس نادي ميلانو الإيطالي لا يبالي بقضايا

فقراء إيطاليا؛ ذلك أنه منهمك في تثمير أمواله وتوجيه دفات قنواته التلفزيونية،

ومثل ذلك يقال عن (سلفيو برلسكوني) الفرنسي الذي كوّن، بسبب قدرته المالية

الفائقة، حزباً سياسياً خلال شهرين ليفوز بواسطته بالأغلبية الانتخابية ثم يتولى

منصب وزير أول [١] ، نعم لقد استفاد جداً من كونه رئيساً لنادي أوليمبيك مرسيليا، ولكن ماذا استفادت الجماهير التي انتخبته؟ .

إنها تقوم بالمظاهرات احتجاجاً على الأداء السيئ لنواب الشعب المنهمكين في

سباقهم مع الزمن لتحصيل مصالحهم قبل انقضاء مدة المجلس! !

إن إشكالية النتائج هنا تتعلق بخيبة الأمل التي تصيب الجماهير بالإحباط لأن

الثقة التي أعطوها للنواب كانت كسراب بقيعة، مما أفقد الجماهير ثقتها بنفسها

أيضاً، بسبب وضوح عدم وصولها مرحلة الرشد التي تؤهلها لاختيار من يمثلها

تمثيلاً صحيحاً! !


(١) صحيفة شؤون عربية ١٩/٦/٩٤، مقابلة مع محمد مواعدة.