خواطر في الدعوة
أنماط التفكير
[٣]
محمد العبدة
جاء الإسلام والإنسان العربي يملك صفات إيجابية فطرية تساعده على حمل
الرسالة، كما أن فيه صفات سلبية تحول دون ذلك، فكانت آيات القرآن تتنزل
لتصوغ شخصية المسلم صياغة أخرى تذهب عنه أوضار الجاهلية ومفاهيمها،
وعاداتها وتقاليدها.
جاء الإسلام والعربي يغضب لكلمة، ويثور لحادثة بسيطة، فيكون من ورائها
القتال والدمار، وكانت الآيات القرآنية تطلب من المسلمين الصبر وعدم رد العدوان
حتى يأذن الله وحتى يتمكن المسلمون في الأرض، وتحول العربي المسلم إلى
شخصية متماسكة متوازنة يغضب في محل الغضب، ويرضى في محل الرضا،
ولا يتصرف ضمن دائرة الفعل ورد الفعل، ولا يستطيع أعداؤه التلاعب به
بالضغط على مكامن الضعف فيه.
انتشر الإسلام في الآفاق، وكانت هذه التوجيهات تؤثر في شخصية المسلم من
كل جنس ولون بعد أن صاغت شخصية العربي، ولكن الناس لم يثبتوا طويلاً على
هذا المنهج الرباني، فعاد فريق منهم لطبيعته أو لبيئته الثقافية التي تربى فيها على
ردود الأفعال وعلى التعصب لما ألفه، فعندما ظهرت فرقة الخوارج بغلوها
وضلالها وتشددها كانت ردة الفعل أن ظهر الإرجاء والتساهل في أمر الدين،
وأصبحت الأوامر والنواهي التي طالب الله بها عباده وكأنها لعالم آخر، وعندما
ظهر الاعتزال والانحراف عن المنهج الوسط، وحكّموا العقل في النص الموحى به، كانت ردة الفعل أن وُجد من لا يريد للعقل أن يمارس دوره الطبيعي، ووجد من
ينفي الحكمة عن نصوص الشرع ويبتعد عن التفكر في أمر الله الكوني والشرعي،
بل ظهر من يلغي العقل تماماً ويعتبر أن مصدر المعرفة هو الرؤى والذوق
والإشراق، وعندما تفشى الترف والإسراف وحب الدنيا في المجتمع الإسلامي كان
رد الفعل: الزهد البارد والزهد السلبي الذي أضر بالمسلمين ضرراً بالغاً.
وهكذا أصبحنا نعيش علمياً وثقافياً بل وسياسياً على ردود الأفعال، ولا نفكر
فيما ينفعنا في ديننا ودنيانا تفكيراً هادئاً مستقلاً، ولقد نشأت في هذا العصر تجمعات
إسلامية تدعو إلى الله، قد تصيب وقد تخطأ، ولكن بعض المسلمين مازال
يتصرف ضمن دائرة ردود الأفعال، فإذا وجد خطأ عند إحدى هذه الفصائل فيجب
أن يخالفها في كل صغيرة وكبيرة، ويعمل بعكس ما تعمل ولو كان عملها صواباً،
وتجده دائماً في حالة تشنج وضيق صدر، فيقع منه الظلم والغبن لإخوانه، وتقوم
المعارك الكلامية التي لا فائدة منها، فإلى متى تبقى شخصية المسلم شخصية
انفعالية مزاجية سريعة التقلب، لا يعرف إلا طَرَفَي القضية، فإذا لم تكن معه فأنت
ضده، وإني لأظن أن من أسباب هذا التمزق في الشخصية عدم وضوح أو تحديد
الغاية والهدف من الأعمال التي نريدها، وبالتالي: عدم وضوح الأسباب المؤدية
إلى هذه الغاية.
إن أعداءنا يعلمون هذا منا، فيقومون ببعض الأفعال ليكون رد الفعل مناسباً
لهم، وإذا لم نتمكن من وحدة التفكير ووحدة الهدف، فسيكون الأمر كما قيل: كلٌ
يغني على ليلاه.