الصفحة الأخيرة
الأرض الثقافية المحروقة!
جمال سلطان
الثابت في ساحة الفكر والثقافة العربية الحالية؛ أن ثقافة الاغتراب والعلمنة
والتبعية، آلت إلى المحاق الأخير، وأوشكت آثارها على الاندراس نهائياً من ديار
الإسلام، فقد سقطت الماركسية في أعلى نماذجها، بل إن موجة (الاشتراكية) ذاتها
تُمنَّى بانتكاسات خطيرة على امتداد العالم كله، شرقية وغربية، كما أن العلمانية
الغربية ودعاوى التقدم والإخاء الإنساني والحضارة الإنسانية الواحدة، والعقلانية
وعصر النور، كل هذه الدعاوى الغريبة قد سقطت تماماً على أرض الواقع، وتم
تكفينها ودفنها من تراب البوسنة والهرسك، حتى ارتفعت أصوات بعض المثقفين
الغربيين بالصراخ ولطم الخدود، وشق الجيوب على هذا الانحدار المزري الذي
آلت إليه حضارة أوربا وإنسانيتها، أمام ما يحدث بين جنباتها أو تحت سمعها
وبصرها وبصنع أيديها.
اليسار العربي - بفصائله - والعلمانية العربية على اختلاف ألوانها ومذاهبها، ترى ذلك وتتيقن منه، وتعلم يقيناً أن فكرها ومذاهبها ومناهجها وأحزابها، ليس
إلا زبالة ستئول إلى مقابر التاريخ! كما أنها توقن أن " الدين الإسلامي " هو دين
الأمس واليوم والغد، في ديار العرب والإسلام، وهل تخطيء العين شمس الواقع
ونهاره إلا عن رمد أو عمى؟ المهم في القضية هو: أن ثقافة الاغتراب وثقافة
الماركسيين العرب، تأبى لجماهير الأمة أن تختار طريقها، وتخط مستقبلها،
وتبني مشروعها الثقافي والحضاري، بحرية وهدوء، وترقى إلى تدمير كل شيء،
أي شيء من ثقافة الأمة، ودين الأمة، ومعالم حضارتها وسكب الوحل على
تاريخها كله، ولا تزال فلول المخربين المتنفذة في بعض مراكز التوجيه والقرار -
في عدد من البلدان العربية - تحاول إحراق أرضنا الثقافية قبيل إعلان النصر
الإسلامي الحضاري نهائياً على أعداء الإسلام، ولا زالت الفلول تغذي نيران الفتنة، طائفية أو سياسية، في عدد من ديار العرب، بغية تدمير ما يمكن تدميره من بناء
الأمة النفسي والاجتماعي.
هذه الهجمة الموتورة، هي - بلا شك - إرهاصات النصر وإشارات المنتهى، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.