أسس تقويم المنهج
(٢)
عبد العزيز صادق
أ- الصدق:
لا بد أن تكون الوسائل المستخدمة في التقويم صادقة. ونقصد بذلك أن تكون
الوسائل لديها القدرة على قياس الشيء المراد قياسه بدقة دون أن تتأثر النتائج
بعوامل أخرى غير تلك التي وضعت الوسيلة لقياسها.
فمثلاً لو أردنا قياس قدرة الشخص على فهم نص معين عن طريق القراءة
فينبغي أن يكون الخط واضحاً والوقت كافياً لإنهاء النص. أما إذا كان الخط غير
واضح ولم يستطيع الشخص فهم النص فقد يكون سبب عدم الفهم هو سوء الخط
وليس قصورّ في الفهم عنده. وبذلك تكون هذه الوسيلة غير صادقة في تقويم قدرة
الشخص على الفهم.
كما أن الوسيلة لا تكون صادقة في الحكم على جميع الجوانب إذا كانت هذه
الوسيلة مقتصرة على جانب معين فقط.
ومثال ذلك: لو أردنا معرفة حصيلة شخص من الفقه فسألناه عدة أسئلة،
ولكنها جميعها تدور حول موضوع واحد في الفقه فإننا لا نستطيع أن نعمم ونقول إن
قدرته وحصيلته الفقهية ضعيفة إذا لم تكن إجابته صحيحة. وذلك لأن هذه الوسيلة
اقتصرت على جزئية ولم تكن شاملة لعدة مواضيع حتى تعكس حصيلته العلمية في
الفقه. أما إذ كانت الأسئلة شاملة بحيث تغطي جوانب الفقه المتعددة وكانت الإجابة
ضعيفة فحينئذ نستطيع أن نقول: إن الوسيلة صادقة في كشف قدرته العلمية في
الفقه.
وينبغي أن نلاحظ أيضاً أن كل وسيلة لا يمكن أن نحكم عليها بأنها صادقة أو
غير صادقة إلا إذا ربطناها بالموقف الذي استخدمت فيه. فقد تعتبر الوسيلة صادقة
في بعض المواقف ولكنها نفسها قد تعتبر غير صادقة في مواقف أخرى.
فإذا استخدمنا وسيلة ما لقياس انضباط الشخص في وقت كان فيه في حالة شدة
وغضب فإن هذه الوسيلة تعتبر صادقة تكشف هذا الجانب فيه. أما إذا استخدمت
في فترة الهدوء والرخاء فإنها لا تعتبر صادقة في كشف مدى انضباطه.
ب- الثبات:
ويقصد بالثبات هنا هو الوصول إلى النتائج نفسها تقريباً لو أعيد استخدام
الوسيلة عدة مرات سواء في صورتها الأولى أو في صورة مماثلة لها.
هناك مجالات يسهل فيها الوصول إلى درجة الثبات عند إعادة استخدام
الوسائل نفسها في القياس كما هو الحال في مجال العلوم والهندسة والطب. ولكن
الأمر يختلف عند التعامل مع البشر لقياس المهارات والاستعدادات والقدرات
ومعرفة النفسيات والاتجاهات ففي هذه الحالات يصعب الوصول إلى نتيجة ثابتة
بإعادة استخدام الوسيلة نفسها.
ولذلك لا بد من اختيار الوسائل التي تعطي قدراً معقولاً من الثبات وفقاً للمجال
التي تتم فيه عملية القياس على ألا يكون هناك تناقض في النتائج المختلفة التي
نصل إليها.
ج- الموضوعية:
ونقصد بالموضوعية عدم تأثر نتيجة التقويم بالعوامل الشخصية التي يتعرض
لها المربي أو من يشاركه في عملية التقويم. وينبغي أن نلاحظ أن هناك عدة
عوامل شخصية قد تؤثر في عملية التقويم منها:
- الحالة النفسية أو الصحية أو الاجتماعية والظروف المحيطة بالشخص.
- قيم المربي واتجاهاته وآراؤه. فكثيراً ما يتعاطف الفرد مع الذين يشاركونه
نفس القيم ويوافقونه في آراؤه.
- نوعية العلاقة بين المربي والتلميذ. فأحياناً يرتبط المربي بتلميذه بعلاقة
شخصية سببها الجيرة أو القربى ولهذه العلاقة درجات متفاوتة في تأثيرها على
التقويم. فإذا كانت هذه العلاقة قوية ووطيدة فإنها قد تؤثر في النتيجة بصورة
إيجابية وإذا كانت سيئة للغاية فإنها ستؤثر في النتيجة بصورة سلبية.
وحتى تكون عملية التقويم فيها موضوعية فمن الواجب اختيار الوسائل
المناسبة التي تساعد على تحقيق الهدف دون أن تتأثر بالعوامل الشخصية.
والموضوعية التامة أمر صعب بين البشر إلا إنه من الضروري التقليل من
تأثير العوامل الذاتية في نتائج التقويم.
د- التنوع:
لا بد من استخدام وسائل مختلفة في عملية التقويم وعدم الاقتصار على وسيلة
واحدة فقط. فاستخدام الوسائل المختلفة يمكننا من إلقاء الضوء على الجوانب
المختلفة من شخصية التلميذ بحيث تساعد كل وسيلة في الكشف عن جانب معين من
سلوك التلميذ وقدراته ومن ثم نستطيع أن نعدل من هذا السلوك وفقاً للهدف المنشود. ومن الضروري أن تتكامل هذه الوسائل المختلفة بحيث نحصل في النهاية على
صورة صادقة وكاملة لشخصية التلميذ.
ونريد أن نلفت النظر إلى أن طريقة التقويم التي تستخدم وسيلة واحدة مثل
الاختبارات هي طريقة تفتقد إلى خاصية التنوع وبذلك تكون نتائجها غير شاملة
لجميع الجوانب. فالتقويم الصحيح يعتبر التنوع ركناً من أركانه، ويتطلب التنوع
استخدام مجموعة من الوسائل المختلفة مثل:
- الاختبارات.
- المقابلات.
- دراسة الحالات.
- ملاحظة ردود الفعل عند المواقف المختلفة.
- الاستبيانات.
- مقاييس العلاقات الاجتماعية.
- المناقشة الجماعية (الندوات) .
- التكليف ببعض المسئوليات وملاحظة الأداء.
ولا يقصد بالتنوع الاكتفاء باستخدام وسائل متنوعة فقط وإنما يجب أن يمتد
التنوع إلى داخل كل وسيلة تسمح طبيعتها بذلك.
فالتنوع بالنسبة للاختبارات (التي تعتبر وسيلة من الوسائل) يتطلب استخدام
كافة أنواع الاختبارات (التحريرية، الشفهية، اختبار المقال، الاختبارات
الموضوعية، اختبار القدرات، الاختبارات العلمية) .
والتنوع بالنسبة للملاحظة يتطلب القيام بها في مجالات مختلفة ومواقف
مختلفة حتى نستطيع أن نلاحظ معظم الجوانب في شخصية التلميذ. كما يفضل أن
يقوم بالملاحظة عدة أفراد حتى تتحقق الموضوعية في التقويم بقدر الإمكان.
والتنوع بالنسبة للمناقشة الجماعية يتطلب القيام بها في مجالات مختلفة ...
ومواقف مختلفة:
- داخل حجرة الدراسة: حول أحد الموضوعات، مناقشة الأخطاء الشائعة،
تصحيح هذه الأخطاء والمفاهيم.
- أثناء التخطيط للأنشطة المختلفة وبعد الانتهاء منها مناقشة التجارب العملية
التي مر بها التلميذ.
هـ - التمييز:
والمقصود بالتمييز هنا هو القدرة على إظهار الفروق بين التلاميذ. وتعتبر
هذه العملية في منتهى الأهمية وذلك لأنها تساهم في الكشف عن ميول كل فرد
وقدراته واستعداداته واتجاهاته ومن ثم يكون توجيه كل فرد إلى ما يناسبه ويلائمه.
فإذا ما روعيت قضية التخصص في الطاقات فإننا نساعد في تنمية القدرة على
الابتكار والإبداع الذي يعتبر من الأهداف الرئيسية التي ينبغي أن نوليها أقصى
اهتمامنا. فبذلك يكون التكامل والعطاء الغزير بين الأفراد.
كما أن وجود عنصر التمييز يساهم أيضاً في الكشف عن التلاميذ الذين يعانون
من نقص أو تخلف في بعض الجوانب ومن هنا يمكن رعايتهم رعاية خاصة وبذل
المزيد من الجهد معهم حتى يلحقوا بأقرانهم.
وهكذا تقوم عملية التقويم بالتشخيص والعلاج معاً، تفسح الطريق أمام
الموهوبين وتأخذ بيد الضعفاء والمتخلفين.
و التخطيط:
يعتبر التخطيط أمراً هاماً وحيوياً ليس فقط في مجال التقويم وإنما في جميع
المجالات. والتقويم المبني على أساس علمي لا بد أن يرتكز على التخطيط في كل
مما يأتي:
- في تحديد الجوانب التي تنصب عليها عملية التقويم والهدف منها.
- في اختيار أنسب الوسائل لتقويم كل جانب من هذه الجوانب.
- في التنسيق بين مجموعة الوسائل المستخدمة لغرض واحد. فإذا كان
الهدف من التقويم هو الكشف عن قدرة التلميذ على التفكير العلمي السليم فمن الممكن
استخدام عدة وسائل لتحقيق هذا الهدف مثل الاختبارات المخصصة لهذا الغرض،
الملاحظة، المقابلة الشخصية. وحيث أن كل وسيلة من هذه الوسائل يقوم بها أفراد
معينون فمن الضروري التنسيق بين مجموعة الوسائل.
- اختيار الأشخاص المدربين (أهل الاختصاص) لاستخدام كل وسيلة.
- وضع خطة زمنية يتحدد فيها استخدام كل وسيلة حسب الظروف المناسبة
لكل منها. وكذلك عدد مرات الاستخدام إذا خطط لها أن تستخدم أكثر من مرة.
- تحديد أدق وأنسب الطرق لتسجيل نتائج كل وسيلة ويفضل استخدام
البطاقات المخصصة لكل فرد.
- أن تتسم الخطة الموضوعة بالمرونة الكافية بحيث يمكن تغيير مواعيد
استخدام الوسيلة أو استبدالها بوسيلة أخرى إذا دعت الظروف لذلك.
ز- مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ:
كثيراً ما يخطيء المربي حين يقارن تلميذاً بتلميذ آخر. وإنما التقويم الصحيح
يوجب مقارنة التلميذ بنفسه بدلاً من مقارنته بغيره من التلاميذ لكي نعرف مدى ما
أحرزه هذا التلميذ من تقدم نحو بلوغ الأهداف المنشودة. فالمقارنة هنا تحدد نوعية
هذا التقدم وهل هو بالقدر المطلوب أم لا، وبذلك يكون الحكم على التلميذ وفقاً
لإمكاناته وقدراته وظروفه.
أما مقارنة التلميذ بغيره من التلاميذ سواء التلاميذ الذين معه في الدرس أو في
سنه ومرحلته ففي ذلك تجاهل لمبدأ الفروق الفردية. وهذا التجاهل يؤدي إلى شعور
التلميذ محدود القدرات والذكاء باليأس والاستسلام والإحباط. وقد يؤدي إلى إحساس
التلميذ المتفوق الذكي بالغرور الذي قد يدفعه في بعض الأحيان إلى الكسل والتراخي. وفي كلتا الحالتين فإن هذا يعتبر ضرراً بالغاً. وليس معنى ذلك أن نغفل مقارنة
التلميذ بغيره وإنما نقصد أن نبدأ بمقارنة التلميذ بنفسه أولاً لكي نعرف مدى التقدم
الذي أحرزه وعندما نلمس أنه أحرز نوعاً من التقدم نقارنه بغيره ولكن بحرص
وحذر وتشجيع.
ويتطلب مراعاة الفروق الفردية استخدام وسائل التقويم المتنوعة إلى أقصى
درجة ممكنة. فبالنسبة للاختبارات مثلاً فإنه من الضروري استخدام كافة أنواع
الاختبارات الشفهية منها والتحريرية، المقالية والموضوعية بحيث تعطينا النتائج
وصفاً دقيقاً للأفراد.