للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دراسات في الشريعة

الجهاد في سبيل الله..

هو الطريق الوحيد إلى النصر

د. محمد عبد الله الخطيب [*]

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ

تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ

حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً

عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ

مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ] (الحج: ٧٧-٧٨) .

[كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى] (العلق:

٦-٨) .

إن من الواجب على المسلمين اليوم أن يلتفتوا إلى دستورهم الخالد ليعملوا

بتوجيهاته، وينفذوا أوامره كاملة فى حياتهم؛ فإن هذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما

صلح به أولها، وهذه حقيقة لا جدال فيها، ولقد قال الله لنا آمراً وموجهاً: [قُلْ

سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ] (الأنعام: ١١) .

والسير في الأرض للاستطلاع والتدبر ودراسة التاريخ، ولمعرفة سنن الله

التي لا تتغير، ورؤية مصارع الطغاة، من المكذبين والمستهترين، وقد آخذ الله

من قبلنا أمماً كانت أشد منا قوة، وأكثر تمكيناً، وثراء ورخاء، لكنهم استكبروا

وبغوا وظلموا، فكانت العاقبة الأليمة.

قال تعالى: [فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا

قُوَّةً أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ]

(فصلت: ١٥) .

إن مساحة ضخمة في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي

تاريخ الأمم، تدور حول عاقبة الظلم والظالمين، والطغاة، والمستكبرين، وتكشف

عن حقيقة هذه القضية لما لها من خطر على مستقبل الشعوب ومصير الأمم.

يقول الحق سبحانه: [كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى

رَبِّكَ الرُّجْعَى] (العلق: ٦-٨) ، ويقول: [وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً

وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ] (الأنبياء: ١١) .

ولقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن عاقبة هذا التهور، ونهاية هذا

الظلم فقال: «إن الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ [وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ

إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ] (هود: ١٠٢) » [١] .

ولقد حدثنا الحق تبارك وتعالى عن مواقف فرعون المخزية فقال: [إِنَّ

فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ

وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ] (القصص: ٤) . لقد بغى وطغى على

بني إسرائيل، واستطال بجبروت الحكم والسلطان، كما بغى قارون بجبروت العلم

والمال، وكانت النهاية واحدة: هذا خسف به وبداره، وذاك أخذه اليمّ هو وجنوده؛

لقد بلغ السفه به بل الجنون: [فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى] (النازعات: ٢٤) ، وقال:

[مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى] (غافر: ٢٩) ، وقال: [مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي]

(القصص: ٣٨) ، عند ذلك تدخلت القدرة الإلهية، فوضعت حداً للبغي والفساد،

حين عجز الناس عن صد التيار الجارف العنيف، تدخلت القدرة الإلهية سافرة

متحدية، [وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ] (الأنعام:

٤) .

إن القدر الأعلى الذي يرعى هذا الكون ويدبره دائماً للظالمين بالمرصاد:

[وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ] (الشعراء: ٢٢٧) .

وها هو طاغية آخر إنه أبو جهل، طالما تحدى الرسالة في مكة، وتحدى من

يحملها، ووقف بالمرصاد أمام المؤمنين، وفي غزوة بدر خرج مغروراً متحدياً

للمؤمنين، متطاولاً على الله، وحين قيل له: إن العير قد نجت، ولا داعي لملاقاة

محمد فارجع! فقال الطاغية: «واللهِ لا نرجع حتى نَرِدَ بدراً، فنقيم ثلاثاً: ننحر

الجزور، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب

وبسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبداً» [٢] .

لكن نهايته كانت في بدر؛ فقد سقط يلفظ أنفاسه، ومر عبد الله بن مسعود

بالقتلى، فوجد أبا جهل فيهم لا يزال به رمق، فصعد على صدره وأجهز عليه.

واليوم تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بحمل راية ما سمي بالنظام العالمي

الجديد، وهو نظام مزعوم، يقوم بدور مشبوه يوقد الصراعات في مناطق العالم

الثالث، ويباشر سياسة مزدوجة المعايير، ويؤكد على ضرورة التحكم في مصير

المنطقة العربية والإسلامية بأسرها، وأمريكا تعطي وتمنح كيف شاءت، فهي

تزود الصهيونية بكافة أنواع الأسلحة الفتاكة، وتمدها بالمال وبالخبرة النووية، ثم

في نفس الوقت تفرض قيوداً صارمة على صادرات الأسلحة لأي دولة عربية، أو

إسلامية، بل وتهدد باستخدام القوة العسكرية في مواجهة أي دولة تشك أن لديها أي

مصنع للأسلحة الكيماوية، حتى ولو كان للأدوية.

إن صفحات التاريخ وسنن الله تعلمنا أنه ليس هناك دولة واحدة، مهما كانت

قادرة على التحكم في قيادة العالم، وهذا ما يؤكده الواقع، والعولمة نظام استعماري

يهدف إلى المزيد من الهيمنة والسيطرة، ويغطي تلك التوجهات تحت شعار حقوق

الإنسان، أو الشرعية الدولية التي لا وجود لها.

واليوم تصدم الجماهير العربية والإسلامية، ومعها عقلاء العالم كله، بما

يجري من كيد وإجرام وعدوان يهودي على إخواننا في فلسطين، وعدوان أمريكي

غاشم على إخواننا في أفغانستان، وتهديد وحشي، وحشد للأساطيل وللجيوش

وللصواريخ حول شعب العراق المسلم الأعزل، وتندفع أمريكا في تهديدها للشعوب

العربية والإسلامية خاصة في السودان واليمن وإيران، تطاولاً وعربدة، وترويعاً

للآمنين، وها هي العراق تمطر ليل نهار بالصواريخ والقنابل وتهدم البيوت على

رؤوس أهلها.

إن التصريحات الغريبة التي يرددها بوش ليست مصادفة، وإن كانت

أعجب من المصادفة، كما أنها ليست ضربة حظ جاءت عفواً، وإن فاقت أقصى

التصورات فى غرابتها؛ فالعراق في زعمه عنده أسلحة تهدد العالم، ويجب عليه

أن يعترف بها، وأن يتخلص منها، ولجان التفتيش تطوي الأرض يميناً وشمالاً،

بحثاً عن لا شيء، والجيوش والأساطيل وحاملات الطائرات تحيط بالأمة العربية

كلها، وسلسلة طويلة من التصريحات والأحداث والتهديدات، من أجل مخطط رُسِمَ

وأعد من شر استعمار عرفته الدنيا، استعمار الرأسمالية الأمريكية واليهودية العالمية

التي تسعى للسيطرة على العالم، من خلال السيطرة على الوطن العربي، قلب

الكرة الأرضية، ومركز السيطرة الاستراتيجي على العالم، وتساند أمريكا اليهود

بكل ما تملك في تنفيذ هذا المخطط، ولقد بدؤوا بأفغانستان، وها هي بغداد، ولا

ندري ماذا بعد ذلك؟ وموقف النمرود الذي زعم أنه يحيي ويميت، وجادل سيدنا

إبراهيم؛ وهذا لون من الطغيان بسبب الملك الذي آتاه الله إياه؛ والمفروض أن

يشكر عليها، فرد عليه سيدنا إبراهيم بما أحجه وأوقفه عند حده، ورد باطله

وضلاله: [قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ

فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ

يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ] (البقرة: ٢٥٨) .

موقف أصحاب الأخدود الذين فتنوا عباد الله من المؤمنين والمؤمنات، ولم

يتورعوا عن حرقهم بالنار وإلقائهم في الأخدود المشتعل، فتوعدهم الحق سبحانه

بقوله: [قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ

عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ]

(البروج: ٤-٨) .

هذا كله وغيره طغيان وعدوان، والحق تبارك وتعالى هو المنتقم الجبار:

[إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ] (البروج: ١٢-١٣) .

إن اليهود في هذا الموقف العصيب يواصلون غاراتهم ضد العزل في أرض

الإسراء، الذين لا يجدون لقمة الخبز، ولا شربة الماء؛ فهم تحت الحصار،

ومواكب الشهداء لا تنقطع، والجرحى لا حصر لهم، والسجون والمعتقلات تمتلئ

بالشباب المسلم في قبضة اليهود، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والأمة العربية لا

تفعل شيئاً، بل هي غائبة أو مغيبة، وحكامها آثروا الصمت، فالسكوت من ذهب!

* ناقوس الخطر:

هذا الطيش وهذا الاندفاع من الولايات المتحدة الأمريكية نعتقد يقيناً، ونؤمن

إيماناً جازماً بأنه سينتهي، كما انتهت عهود الطغيان على مدار التاريخ، ولقد

تعالت في هذه الأيام أصوات العقلاء في أمريكا نفسها، تحذر من عواقب هذا

الطيش، وهذا الطغيان والاندفاع، ولم تكن هذه الأصوات من أفراد أو رجال

عاديين، لكنها من رئيسين سابقين للولايات المتحدة، ينتقدان الأوضاع بشدة:

الأول الرئيس كارتر الذي يقول: «إن سياسة القوة التي تتبعها الإدارة الأمريكية

الحالية، لن تجلب لأمريكا النصر أو الاستقرار، ولكنها سوف تثير عليها العداوات

في كل مكان، وستواجه بالإرهاب وهو سلاح الفقراء والضعفاء، في مواجهة القوة

الطاغية» [٣] .

ويقول الرئيس السابق بيل كلينتون في حديثه المنشور في نفس الصحيفة

تحت عنوان: «أمريكا يجب عليها أن تقود العالم بدلاً من أن تسعى إلى الهيمنة»

يقول: «ومن الحكمة أن يكون دور أمريكا قيادة العالم، لكي يدوم لها هذا التفوق،

بدلاً من السعي إلى الهيمنة؛ لأن الهيمنة لا تدوم» ويقول: «ويجب عليها ألا

تستخدم قوتها لإكراه الشعوب على الخضوع لإرادتها، وممارسة الضغط والقهر،

وفرض الإذعان على الآخرين» ثم يقول: «وعلى أمريكا أن تفهم أن تعامل

الشعوب معها في المستقبل، عندما تتوافر لها القدرة سيتوقف على الطريق التي

تعاملهم بها الآن» .

فهل يرتفع صوت العقلاء؟ وهل يصل إلى ما يسمى صقور الإدارة الأمريكية

اليوم الذين يريدون أن يدمروا العالم وأن يقودوه إلى البوار والضياع؟

* التفوق الروحي هو الحل:

حيوية الأمة شبه معطلة مع أن أسباب الحيوية موجودة ومتاحة، وهي العقيدة

والإيمان والوحدة؛ وصلاح الدين الأيوبي، حين واجه الصليبيين، حرص على

وحدة المسلمين على أساس العقيدة، ثم جمع الأمة تحت راية الإسلام، وحارب

المجرمين واللصوص وقضى على الجريمة، وجمع المسلمين على إحياء فريضة

الجهاد في سبيل الله؛ وبهذا انتصر.

إن عقيدة الإسلام هي التي عزت بها الأمة المقهورة، وتحولت على أثرها إلى

أمة تمكنت من رد العالم إلى الله، وإخضاعه لكلمة العدل المطلق، وأحيت المفهوم

الإنساني الواسع لكلمة حقوق الإنسان، التي ترتبط بتوحيد الخالق، رب كل الخلق.

إذا أردنا أن نقف أمام هذه الموجة الطاغية؛ فالعقيدة سر قوة الإنسان، وسر

الخوارق التي صنعها المسلمون على الأرض، وهي الزاد الحقيقي الذي دفع أسلافنا

إلى البذل والجهاد، والتضحية والفداء، وبذل العمر الفاني المحدود في سبيل الحياة

الباقية: [وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] (العنكبوت: ٦٤) ،

هي التي تجعل الأفراد القلائل يقفون أمام قوى الباطل، وقوى المال، وقوى الحديد

والنار؛ فإذا بها كلها تنهزم أمامهم؛ هي القمة الكبرى في حياة الفرد، وفي حياة

الجماعة، وفي حياة الأمة.

إن هذه العقيدة هي القوة الهائلة في حياتنا العميقة في كياننا، لا يمكن أن

يتخلى عنها الفرد أو الأمة، في الصراع مع الباطل، إلا أن يكون هناك اضطراب

في الموازين أو قصور في الفهم، ومن العقيدة ينبثق كل شيء، فهي القاعدة التي

ينطلق منها وينظر إلى الدنيا وما عليها من خلالها، فسعي المسلم وعلمه وحياته

تصبغه بها: [صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ] (البقرة:

١٣٨) .

* أيها المسلمون:

للأسف الشديد أن عدوكم وهو على الباطل يتمسك بدينه؛ فهو يحرم الزواج

المدني ولا يقبل من يهودي أن يعمل في يوم السبت، ولقد رفض رئيس إسرائيل

وسار في جنازة على الأقدام، حيث وافق اليوم الذي يحرم فيه استخدام وسائل النقل؟

لقد قالوا: «إن شعب إسرائيل لم يحافظ على السبت، بل إن السبت هو

الذي حافظ على شعب إسرائيل» .

بالإيمان المزعوم يهاجر اليهودي من أقصى الدنيا، ويضحي، ويتحمس،

ويسرق الاختراعات ويقاتل، كل ذلك في سبيل الباطل والضلال والعدوان.

ماذا كان يملك أسلافنا؟ لا شيء سوى عقيدة التوحيد، والإحساس بأنهم

يقاتلون من أجل الحق، ومن أجل قيم أفضل، ونظرة للوجود أشمل، والإنسان

أرقى وأكمل، ونظراتهم أفضل من نظرة خصومهم، وأحق بأن تنصر. روى

الطبري أن قيصر بعث جاسوسه إلى معسكر المسلمين، فعاد إليه بصفة المسلمين

فقال: «هم بالليل رهبان، وبالنهار فرسان، ولو سرق ابن مليكهم قطعوا يده،

ولو زنى رجم، لإقامة الحق فيهم» .

أسلافكم بالعقيدة انتصروا، وتعلموا وعلموا وجاهدوا واخترعوا وهاجروا

وشيدوا، وأثروا التاريخ البشري.

إن نقطة البدء في كل حضارة وتقدم هي العقيدة، هي القيم الصحيحة التي

تقود وتوجه، هي الأفكار الربانية التي تملأ العقل والقلب، وتبني الأمم

والحضارات.

إن العقيدة هي الراية التي يجاهد المؤمنون تحتها وينتصرون من أجلها وبها،

ولا بد من اتخاذ الأسباب من قوة روحية ومادية، لنواجه المؤامرات التي تدخل

علينا من كل باب، وصدق الله العظيم إذ يقول: [وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم

بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ

اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ

وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ] (الحج:

٤٠-٤١) .


(*) من علماء الأزهر الشريف.
(١) متفق عليه.
(٢) سيرة ابن هشام.
(٣) هيرالد تريبون، عدد ١٩ ديسمبر ٢٠٠٢م.