نحو تطوير الذات
[خطوات في طلب العلم]
عبد الله الشرقاوي
ركن جديد يعكس من زاويته ثمرة خبرات وأفكار تفتق عنها العقول وتمنحها
التجارب فتأتي بمثابة مرشد أمين في عملية (تطوير الذات) الملحة في شتى أقطاب
العملية التنموية المتكاملة: الفكرية، والمعرفية، والشخصية، والأخلاقية،
والاجتماعية، والاقتصادية، من خلال نقاط مركزة تصلح لأن تكون محاور لدراسة
مطولة. ونرحب بمشاركات القراء التي تثري هذه الزاوية.
١ - اعلم أن صحة المنطلق هي الأساس للوصول إلى المسار الصحيح في
العلم والتعلم، والقاعدة تقول: (من صحت بدايته استقامت طريقه وصحت نهايته،
ومن فسدت بدايته اعوجَّت طريقه وساءت نهايته) .
٢ - تعلّمْ آداب طالب العلم، والتزم بها حتى لا تكون عن أخلاق أهل الإسلام
بمعزل.
ومن هذه الأخلاق:
الإخلاص فلا يكن في قلبك محل يراد به غير الله - تعالى -.
الصدق في النيات والاعتقادات والأقوال والأفعال، فكن صادقاً في انتسابك
للإسلام وطلب العلم.
الجدِّيَّة في الطلب مع حفظ الوقت من الباطل وفضول المباح، مع التوازن في
العلاقات الاجتماعية، وتذكر أن: (من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة) ،
و (بقدر ما تتعنّى تنال ما تتمنّى) .
التكامل والتوازن في: (الأخلاق والصفات، والعلوم، والقول والعمل) .
حسن الخلق في التعامل مع المعلم والزميل، وعامة الناس؛ لأنك تدعو ...
بسلوكك كما تدعو بلسانك.
الربانية؛ أي: كن دائم الصلة بالله ذا قلب حي ذاق حلاوة الإيمان؛ فهو
مطمئن به، ولْتظلَّ قريباً من كل طاعة بعيداً من كل معصية.
اتباع هدي السلف والتمسك بالكتاب والسنة فهماً وتطبيقاً وحكماً عند
الاختلاف.
أن تكون صالحاً في نفسك مصلحاً لغيرك، واقفاً نفسك على خدمة الدين،
يجدك الله تعالى حيث أحب، ويفقدك حيث نهى.
٣ - كن متوثّباً للأعالي متشوّقاً للمعالي، ولتكن نفسك توّاقة كلما أدركت
مرتبة تاقت لما فوقها، ولا تقل: (كم ترك الأول للآخر؟) ، ولكن قل كما قال ابن
مالك في التسهيل: (وإذا كانت العلوم مِنَحاً إلهية، ومواهب اختصاصية، فغير
مستبعد أن يُدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين. أعاذنا الله من
حسد يسد باب الإنصاف، ويصد عن جميل الأوصاف) .
٤ - أدم النظر في كتب آداب الطلب، فاقرأ - على سبيل المثال - في
الكتب الآتية: (تذكرة السامع والمتكلم - حلية طالب العلم - ثماني قواعد للمتفقهين
- صفحات من صبر العلماء) .
أخي طالب العلم! كيف تحقق أهدافك؟
إذا أردت تحقيق أهدافك فلا بد من تحديدها أولاً، والوسيلة إليها ثانياً،
والسعي إليها ثالثاً.
اجلس لحظة تفكر فيها خالياً مع ربك ذاكراً مستغفراً مستهدياً، ثم تأمّل
شريط حياتك لتعرف أين أصبت وأين أخطأت، فإذا عرفت نفسك وماذا تريد من
هذه الحياة فحاول وضع خطة لتحقق أهدافك، ولا تنس أن تسأل نفسك: (من أنا؟
وما هدفي في الحياة؟ وما الطريق لتحقيق هدفي؟ وما هويتي؟ وهل أنا عبد لله
حقاً؟ وهل حققت مظاهر العبودية لله - تعالى -؟ وهل أسير في طريق الهداية
والرضوان؟ وإن متّ الآن فأين سأكون؟ ما أخطائي؟ وأين يكمن ضعفي؟ وما
الخلل في شخصيتي؟ كيف أجد إيماني وحياة قلبي؟ وهل تتحقق فيّ صفات طالب
العلم؟ وما الصعوبات التي تواجهني؟ وكيف أحقق ما سبق؟ وكيف أتجاوز
العقبات؟ وما برنامجي المقبل لتحقيق كل ذلك؟) .
كرّر الجلسة حتى يتبين لك الطريق وتعرف هدفك.
إذا صعب عليك الأمر فلا بأس أن تجالس أخاً ناصحاً تستهدي برأيه
ومشورته يساعدك على وضع خطتك الطموحة لتحقيق أهدافك وتحديد أولوياتك.
احرص على حسن التخطيط لتضمن أحسن استفادة من الوقت، وتذكر أنك
أيام؛ إذا ذهب يومك ذهب بعضك.
إشارات تربوية:
هذه إشارات وقائية تقيك بإذن الله من الزلل:
استحضر دائماً هدفك الأسمى والوسيلة إليه؛ فمن عرف شرف مطلوبه هان
عليه ما يجد في سبيله. وتذكر قول شيخ الإسلام: (العامة تقول: قيمة كل امرئ
ما يحسن. والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب) .
تذكر الواجبات لتحاسب نفسك: ما مدى إحسانك وإتقانك لها؟
تذكر المنهيات لتحاسب نفسك: ما مدى بعدك عنها؟
حدد حاجاتك العلمية منطلقاً من الكتاب والسنة، وتذكّر قول المقرّي في
قواعده: (والواجب الاشتغال بحفظ الكتاب والسنة وفهمهما والتفقه فيهما، والاعتناء
بكل ما يتوقف عليه المقصود منهما) . فابدأ بالأهم فالمهم، وبالأصل قبل الفرع.
استحضر قِصَر العمر وكثرة المشاغل وعِظَم الهدف، وليكن شعارك:
(الواجبات أكثر من الأوقات) .
وطّن نفسك على الإقلال من المباحات وترك توافه الأمور وسفاسفها؛ فقد
نُهينا عن كثير من الإرفاه. ومن النعم التي كان ينوِّه بها أبو الوفاء ابن عقيل ما
ذكره في قوله: (وعصمني من عنفوان الشبيبة بأنواع من العصمة، وقصر محبتي
على العلم وأهله، فما خالطت لعّاباً قط، ولا عاشرت إلا أمثالي من طلبة العلم) ،
وليكن شعارك: (الدنيا ساعة فاجعلها طاعة) .
نوِّع زادك العلمي حتى لا يتسلل إليك الملل والكلل.
ضع أمامك سورة العصر ولا تنسها، وحاول تطبيقها باستمرار.
أزهار تجمّل بها برنامجك!
١ - إحسان تلاوة القرآن تجويداً وترتيلاً.
٢ - وِرْد يومي لقراءة القرآن وختمه كل شهر على الأقل.
٣ - وِرْد يومي لحفظ القرآن الكريم، مع قراءة تفسير ما تحفظ من تفسير
متوسط الطول.
٤ - القراءة في كتاب السنة كمختصر صحيح مسلم أو رياض الصالحين مثلاً.
٥ - القراءة في كتاب للسيرة النبوية، أو التربية السلوكية كمختصر منهاج
القاصدين مثلاً.
٦ - قسِّم يومك مراعياً تفاضل الساعات في الفضل والبركة على نحوٍ مما يلي:
اجعل لنومك (٦) ساعات، ولا ترهق جسدك بالسهر.
اشتغل بالذكر بعد صلاة الفجر، ثم اقرأ وردك من القرآن حتى شروق
الشمس ثم صلّ ركعتين.
اغتنم ما تبقى من الوقت حتى موعد الدراسة بالدرس العلمي، وقدّم ما
يحتاج لفهم وصفاء ذهن.
احرص على القيلولة لتجدد نشاطك باقي اليوم.
وزّع ما بعد صلاة العصر من أيام الأسبوع في قضاء حوائجك وعلاقاتك
الاجتماعية ونشاطاتك غير العلمية، ولا يذهب الوقت كله في ذلك؛ بل خصص
جزءاً منه لبرنامجك العلمي.
استكمل بعد صلاة المغرب ما تبقى من برنامجك، وخصص آخره لتناول
العشاء.
ضع الأعمال القصيرة في الأوقات المحصورة، وأما الأوقات الطويلة
فخصصها للمطالعة والبحث والتفكير. فقراءة حديث من (رياض الصالحين) مع
شرحه من (نزهة المتقين) مثلاً لا يستغرق وقتاً طويلاً فضعه بين العشاءين أو قبل
عمل طويل.
لا تنس أن توتر قبل أن تنام إن كنت لا توتر من آخر الليل.
وصايا عامة:
- حافظ على صحتك العامة، ونوّع طعامك، وتجنب الفضول منه.
- حافظ على صحتك النفسية واطرد القلق والاكتئاب عن نفسك بكثرة الذكر
والعبادة.
- مرّن ذهنك على التفكير حتى لا يصاب بالخمول.
- إذا كان يشق عليك تطبيق برنامجك اليومي فعليك أن تتواصى مع زميل لك
جاد على تنفيذه.
تذكر قول الشاعر:
إذا كان يؤذيك حر المصيف ... ويبس الخريف وبرد الشتا
ويلهيك حسن زمان الربيع ... فأخذُك للعلم قل لي متى؟