للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصفحة الأخيرة

[التغالي في بناء المساجد]

إن بناء المساجد، وتوسيعها، والعمل على إبرازها وخدمتها ورفع شأنها كل

هذا مما حض الإسلام عليه ورغب فيه، ولكن هذا شيء، والإنفاق إلى درجة

السرف على أشياء تتعلق بالمساجد، وليست مقصودة ولا مطلوبة شرعاً من بنائها؛

شيء آخر.

إن الله يقول على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-: «وما أنا من المتكلفين

» والبذخ في تزيين المساجد وجعلها معارض فنية من التكلف الذي تأباه روح

الإسلام، فضلاً عن أنه إسراف وتبذير فيما لا فائدة دنيوية أو أخروية منه.

أما دنيوية: فإن هذه الأموال التي تصرف على الفن المعماري وما إليه يمكن

أن تنفق على جهات ومشاريع تغني البلاد عن الحاجة إلى الديون الخارجية ذات

الفوائد التي تتضاعف سنة بعد سنة، وتقضي على البطالة التي يعاني منها الكثير،

ولا شك أن الإنفاق على بناء الإنسان أهم بكثير من الإنفاق على بناء المعالم والآثار، لأن الإنسان هو الهدف وإلا عاش في عبودية.

وأما أخروية: فإن المساجد أمكنة يذكر فيها اسم الله في الأرض وترتفع بها

كلمته، هذا هو الهدف من إنشائها، وليس تقليد أهل الأديان الأخرى بقطع

الضروريات عن البشر من أجل التفاخر والتطاول بالحجارة؛ وإلا فما الفرق بين

الإسلام وغيره من الأديان إذا أصبحنا نسير في بناء مساجدنا على خطى من بنوا

الأهرام والمعابد البوذية الضخمة، والكاتدرائيات الباذخة وغير ذلك من المعالم

الوثنية.

وماذا أفادنا المماليك الذين حكمونا حقبة من الزمن فخلفوا لنا مساجد باذخة

تأخذ بالألباب بينما كانت المظالم من المعالم البارزة لحكمهم الأمر الذي ضرب علينا

الذلة، وقتل الحيوية في شعوبنا؟ !

وماذا تجدي عنا المساجد التي بنيت للتفاخر والتقليد واستقبال السائحين في

حين يكفي المسلمين مساجد متواضعة ولكن نظيفة، وفسيحة لكن مملوءة برجال لا

تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ ! .