[سرطان الاستيطان.. والموت الطيء..]
محمد خليل
لذلك ومع احتلال هذه الأراضي، والاعتراف الدولي المجحف بالدولة «العبرية» ، والهجرة الجماعية لليهود تم إحياء السياسات المتمحورة حول العرقية في فترة الاستعمار من قِبَل الحركة الصهيونية في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، وتمت إعادة تشكيل المناطق التي ركزت على التهويد الشامل والتوسعي، أو محو الملامح العربية، وهو ما تم تبنيه من قِبَل دولة الاحتلال «حديثة التكوين» ؛ بهدف ملء الفراغات الجغرافية التي أوجدها نزوح المليون فلسطيني عن أراضيهم ومنازلهم، وسعياً إلى تشجيع «المهاجرين الجدد» على استعمار الأراضي المحتلة حديثاً.
وبُني برنامج (التهويد) على خرافة السيطرة التي زُرعت منذ قيام الصهيونية والمبنية على أن الأرض تخص الشعب اليهودي وحده فقط. وتطور نظام توطين عرقي على الأرض من أجل دمج المهاجرين اليهود بالأرض الجديدة بأقصى سرعة ممكنة، وأيضاً لإخفاء وتهميش وجود الشعب الفلسطيني على الأرض قبل وصول الصهاينة.
ولقد أدخلت تعبيرات جديدة على اللغة العبرية؛ من أجل تمجيد وتشجيع الاستعمار في هذه المناطق، والتي عرفت فيما بعد بـ «التخوم» . وأضحت تلك «التخوم» مشاعل للمشروع الصهيوني، وقد اعتبرت مستعمرات «التخوم» أحد أعظم إنجازات أي صهيوني، وأضحت القرى الزراعية التعاونية، أو ما تسمى «الكيبوتسات» (التخوم) مثالاً يحتذى صهيونياً، وامتلأت اللغة العبرية بتصويرات دافعة مثل: «عليات كركع» الصعود للأرض أو الاستعمار، «غيئولات كركع» إعتاق الأرض، «هييشوفوت» أو «هيتنحلوت» وهي مصطلحات توراتية دافعة ومحرضة على الاستعمار اليهودي، «كيبوش هاشمما» احتلال الصحراء، و «هاجشما» حرفياً تعني الإنجاز، ولكن تشير إلى استعمار التخوم.
وبناء على ذلك فقد ساعد تمجيد «التخوم» في تشكيل الهوية الإسرائيلية الوطنية والهوية اليهودية، من خلال احتلال مساحات واسعة من الأرض؛ من أجل تجسيد تلك الهوية عليها، وتُرجم تمجيد التخوم إلى برنامج توسعي من التهيئة الاجتماعية الإقليمية الصهيو - يهودية، تمثل في مناهج المدارس، والأدب، والخطب السياسية، وغيرها من المجالات، وبهذا استمر «الاستعمار» في كونه حجر الزاوية لبناء الأمة الصهيونية، حتى بعد إنشاء ما أصبح دولة يهودية ذات سيادة.
إن الإدراك التاريخي والفهم السياسي الاستعماري للأرض الفلسطينية على أنها «مِلك حصري لليهود» أوجد نقاشاً وطنياً هيمنت عليه الفكرة التاريخية أحادية المسار المنبثقة عن ادعاء اليهود إجبارهم على النزوح من فلسطين قبل ٢٠٠٠م عام، ومن ثم فإن العودة إليها من حقهم.
وقد أسهمت النقاشات الداخلية التي جرت في تشريع سياسات عنصرية كثيرة لدى الصهاينة فرضت على المواطنين الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها فرض الحكم العسكري، والحرمان من التطوير الاقتصادي والاجتماعي، وفرض المراقبة السياسية، والتمثيل السياسي غير العادل، وبالطبع فإن الأمر أكثر ارتباطاً بالموضوع، وهو الاستيلاء الواسع النطاق على الأرض الفلسطينية.
- الاستعمار والأراضي الفلسطينية:
مع إنشاء دولة الاحتلال بلغ المشروع الاستعماري الصهيو ـ يهودي أشده، في مهمة لمحو الهوية العربية من البلاد، ومن أجل السيطرة على الأراضي الفلسطينية؛ ففي الفترة ما قبل عام ١٩٤٨م كان حوالي ٧ ـ ٨% من فلسطين التاريخية مستولى عليه من اليهود، وحوالي ١٠% تحت سيطرة الاستعمار البريطاني، لكن دولة الاحتلال زادت نسبة سلبها للأراضي، حتى وصلت إلى ٩٢% من نسبة أراضي فلسطين التاريخية داخل ما يسمى «الخط الأخضر» ، وكانت حصة الأسد من الأراضي المسلوبة تتم عبر نهب أملاك اللاجئين الفلسطينيين، فضلاً عن الاستيلاء على ثلثي الأرض التي كان يمتلكها من بقي صامداً على أرضه من فلسطيني الداخل، لتصل نسبة ما تبقى مما يملكونه من أراضيهم الأصلية إلى ١٦% فقط.
ومنذ إنشاء الدولة اللقيطة كان نهب الأراضي يتم من جانب اليهود من الأفراد، أو من قِبَل دولة الاحتلال بذاتها، ولقد تم ضمان بقاء هذا الأمر بإنشاء منظومة قانونية ومؤسساتية لإدارة الأرض تمرر القوانين التي تسهل عمليات النهب والسلب للأراضي والممتلكات، وبواسطة إعطاء الوكالة اليهودية، والصندوق القومي اليهودي ـ هما أكبر مؤسستين تمثلان اليهود في العالم ـ الحقَّ القانوني للصهاينة في الاستعمار، وما يسمى (تطوير الأراضي المصادرة) بالنيابة عن الدولة.
وخلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تم إنشاء أكثر من ٧٠٠ مستعمرة يهودية، في إطار تشكيل البنية التحتية لتوطين وتسكين المهاجرين اليهود الذين ما زالوا يتدفقون على فلسطين المحتلة حتى اليوم، ونتيجة لذلك تغلغل المهاجرون اليهود في معظم المناطق الفلسطينية؛ مما جعل كثيراً من القرى الفلسطينية محاطة تماماً بالمستعمرات اليهودية؛ حيث كان غير اليهود يُمنعون من شراء وحدات سكنية فيها، وأصبحت الأقلية الفلسطينية محتجَزة في معازل «غيتوهات» .
وفي إطار ذلك، لم يفقد المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل ممتلكاتهم الشخصية فقط، بل تم تهجيرهم وتشريدهم من أراضيهم ومناطقهم؛ حيث كانت كل أراضي فلسطين المحتلة ١٩٤٨م تقريباً حكراً على الاستعمار اليهودي.
- المستعمرات وأثرها على المجتمع الإسرائيلي:
إن التركيز على استعمار «التخوم» بوصفها جزءاً من مشروع الاستعمار اليهودي أوجد العديد من الصدوع داخل المجتمع الإسرائيلي؛ حيث تقدمت طبيعة هذا المشروع الاستعماري اليهودي العرقية والاجتماعية في ثلاثة مراحل رئيسة، كانت أخطرها المرحلة الثالثة التي انبثقت في العقدين الأخيرين الماضيين.
وقد بدأت هذه المرحلة بإنشاء ما يقرب من ١٥٠ مشروعاً مدنياً صغيراً، عرف بالمجتمع أو المستعمرات الخاصة (يشوفيم كهيلاتييم) ، وهذه الضواحي الصغيرة الواقعة قرب مناطق مهمة على جانبي «الخط الأخضر» تم تقديمها للجمهور على أنها جهد جديد لـ «تهويد» تخوم إسرائيل العدوانية، والتي تم تشريعها عبر حجة «الأمن القومي» و «التهديد العربي» لأراضي الدولة، واحتمال قيام حركة انفصالية عربية. وفي الضفة الغربية تم تقديم حجة إضافية للاستعمار اليهودي فيها، وهي فكرة العودة إلى المناطق اليهودية التوراتية القديمة.
- الديمقراطية العرقية للمستعمرات:
لقد تميزت موجات الاستعمار الصهيوني المختلفة اجتماعياً ومؤسساتياً بدعم وتشجيع من الدولة «العبرية» ؛ حيث تم استنباط وتنفيذ سلسلة واسعة من الآليات، ليس فقط من أجل الحفاظ على أنماط منيعة من التمييز العنصري بين العرب واليهود، بل لإنشاء خطوط تفرقة متباعدة بين الطبقات اليهودية العرقية، وتضمنت آليات الفصل: تمييز الحكومات المحلية وحدود الدوائر التعليمية، وتطبيق خدمات حكومية منفصلة وغير متساوية، خصوصاً خدمات التعليم والإسكان، بالإضافة إلى التوزيع غير المتساوي للأرض بناء على الخلفية الطائفية.
هذا الفصل والتمييز الذي بُني على أساس التوزيع السياسي والجغرافي والعرقي عبر إسرائيل قاد عدداً من المحللين والكتاب، وخاصة داخل إسرائيل إلى التساؤل حول ماهية إسرائيل باعتبارها ديمقراطية؛ مفضلين وصف هذه الحالة السياسية كـ «ديموعرقية» مشيرين إلى توزيع القوى حسب الأصل العرقي.
ولقد جعل الاستعمار في الأراضي الفلسطينية المحتلة «الخط الأخضر» بلا معنى كحدود للسيادة الإسرائيلية، لكون عدد من الإسرائيليين يقطنون داخل الضفة الغربية، والقدس المحتلة، وقطاع غزة. وامتد القانون الإسرائيلي بشكل أحادي الجانب ليضم كل مستعمرة داخل فلسطين، ومن ثم فقد تحول الخط الأخضر إلى آلية جغرافية للفصل، ليس فقط للإسرائيليين عن المستعمرين اليهود بل أيضاً للفلسطينيين غير المواطنين.
- العمل الدائب لتوسيع المستعمرات:
كان التوسع الاستعماري المترافق مع طرد السكان الأصليين الفلسطينيين من أعمدة سياسة الحكومة الإسرائيلية الرئيسة منذ عام ١٩٤٨م، بعدما أُجبر حوالي مليون فلسطيني على مغادرة منازلهم، وقتل ١٣ ألفاً منهم، فيما بات يعرف بالنكبة؛ حيث احتلت إسرائيل ٧٨% من فلسطين التاريخية، ومسحت أكثر من ٥٠٠ قرية فلسطينية عن الخارطة، وكانت هذه السياسة مؤثرة، خاصة في السنوات الأولى.
بعد حرب عام ١٩٦٧م، عندما احتلت إسرائيل الـ ٢٢% المتبقية من فلسطين، كان هناك ضغط دولي كبير عليها للانسحاب، وقد شعر الكثير من الإسرائيليين بأن استمرار الاحتلال سيكون ذا عواقب وخيمة على مستقبل إسرائيل الأمني، وعلى الرغم من ذلك قامت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، سواء من حزبي التكتل «الليكود» أو العمل باتباع سياسة الاستعمار المستمر في المنطقة.
الجنرال (آرييل شارون) الذي كان آنذاك قائد المنطقة الجنوبية، وصف الاستراتيجية في قطاع غزة بمصطلحات يرتد صداها في سياسات اليوم: «أردت مستعمرة بين غزة ودير البلح، وأخرى بين دير البلح وخانيونس، وأخرى بين خانيونس ورفح، وأخرى غرب رفح، ولو أردنا في المستقبل السيطرة على هذه المنطقة فإننا نحتاج إلى تأسيس وجود يهودي فيها الآن، وإلا فلن يكون لدينا الدافع للبقاء هناك خلال الأوقات العصيبة» .
وفي السنوات السبع التي تلت توقيع اتفاقية أوسلو للسلام عام ١٩٩٣م، ضاعفت الصهيونية من تعداد المستعمرين من ٢٠٠ ألف إلى ٤٠٠ ألف مستعمر في الضفة الغربية، وعندما تسلمت السلطة الفلسطينية المقامة حديثاً المدن والبلدات الفلسطينية بعد الاتفاقية، أنشؤوا طرقاً استعمارية التفافية، من أجل ربط المستعمرات بها، عازلة الأراضي التي تسلمتها السلطة بعضها عن بعض، وأصبح استخدام هذه الطرق والشوارع الحديثة، واستخدام مساحات الأراضي على جانبيها ممنوعاً على الفلسطينيين؛ فمقابل كل ١٠٠ كيلو متراً من الطرق الالتفافية، استولت دولة الاحتلال على حوالي ١٠ آلاف دونم من الأراضي الفلسطينية، مدمرة أي بيوت أو أشجار في طريقها.
وطالبت خطة «خارطة الطريق» للسلام التي قُدمت من قِبَل الولايات المتحدة في مايو ٢٠٠٣م إسرائيل بإيقاف نشاطها الاستعماري، بما في ذلك ما يدعى «النمو الطبيعي» ، وطالبتها بتفكيك أكثر من ١٠٠ «بؤرة استعمارية» أنشئت منذ مارس ٢٠٠١م. وعلى أرض الواقع وافق الصهاينة حديثاً على توسيع مستعمرة في غزة، واعتبروا ذلك نتيجة «للنمو الطبيعي» المزعوم، ووافق آرييل شارون على تفكيك عدد من «البؤر غير المصرح بها» ، مدعياً أنه «تنازل مؤلم» ، ولكن حتى أغسطس ٢٠٠٣م لم يتم إزالة سوى ١٠ «بؤر استعمارية» ، وهي عبارة عن مقطورات غير مأهولة، وقد كانت عملية تفكيكها مخططة بعناية من أجل إظهار مدى «معاناة» إسرائيل للعالم من أجل السلام.
وفي يوليو ٢٠٠٣م، قال شارون لحكومته: إن بناء المستعمرات يجب أن يستمر، لكن بصمت.
وفي محاولة أخرى لجعل بعض التطورات غير قابلة للتغيير؛ فإن الجدار العنصري الذي تبنيه إسرائيل يتلوى الآن في عمق أراضي الضفة الغربية، ويخنقها كالأفعى، ضامّاً الكتل الاستعمارية إلى إسرائيل، وعندما يتم الانتهاء منه في أواخر العام الحالي على أقل تقدير سيضم ما نسبته ٦٠% من أراضي الضفة إلى إسرائيل.
- لماذا ينتقل الإسرائيليون للمستعمرات؟
أعداد كبيرة من المتشددين الإسرائيليين ينتقلون للعيش في المستعمرات لأسباب عقائدية، زاعمين أن المنطقة جزء من «إيريتس إسرائيل» أو إسرائيل الكبرى؛ فهم يفسرون «العهد القديم» بأن الرب قد وعد أرض فلسطين لسلالة إبراهيم، وبالنسبة لمجموعات مثل: مجموعة «غوش إيمونيم» أو ما يسمى (كتلة المؤمنين) ؛ فإن استعمار الأرض هو واجب مقدس.
وعلى الرغم من ذلك فإن أكثرية المستعمرين تسكن فيها لأسباب اقتصادية؛ فالحكومة تعرض سكناً رخيصاً وذا نوعية عالية، بالإضافة إلى قروض بدون فوائد ومنح، وهو ما يجتذب المهاجرين الجدد بشكل خاص؛ لأنه حسب «قانون العودة» الإسرائيلي فإن أي يهودي يحق له السكن والمواطنة في إسرائيل، وفي بعض المستعمرات فإن اللغة الوحيدة المتكلمة هي الروسية.
وفي شهر أغسطس ٢٠٠٣م، أوردت صحيفة «معاريف» العبرية خبراً مفاده أن شارون قرر إحضار مزيد من المستعمرين لغور الأردن في الضفة الغربية، وسيكون السكن فيها للمتزوجين حديثاً مجانياً إذا وعدوا بأنهم سيقطنونها لمدة أربع سنوات على الأقل، بالإضافة إلى «تبرع» بقيمة ٢٧٠٠ دولار للأزواج الحديثين إذا وجدوا عملاً في المنطقة.
ومثل تلك الحوافز التي ترقى لمرتبة «الرشوة» الحكومية، شجعت على النمو السريع للمستعمرات؛ فأكبر مستعمرة إسرائيلية «معاليه أدوميم» ، على سبيل المثال، يسكنها ٣٠ ألف مستعمر، وتوجد هناك خطط بلدية لإقامة ٣٥٠٠ وحدة سكنية جديدة لاستيعاب ١٥ ألف نسمة بحلول عام ٢٠٠٨م، ومن بين أكثر المستعمرين تطرفاً هؤلاء الذين يعيشون في مدينة الخليل، والبالغ عددهم ٤٥٠ مستعمراً تحت حماية ١٥٠٠ جندي، وهم يعيشون في قلب مجتمع فلسطيني محافظ يقدر بما يزيد عن ١٣٠ ألف نسمة، من بين كل مدن الضفة الغربية؛ فالخليل أكثرها تأثراً بحظر التجوال؛ حيث بلغت نسبة أيامه في المدينة أكثر من ٥٥% من الأيام بين حزيران ٢٠٠٢م ويوليو ٢٠٠٣م؛ مما أدى إلى شل الحياة الاقتصادية والحياة التعليمية للفلسطينيين.
هذا فضلاً عن تجوال المستعمرين المسلحين بحرية في شوارع البلدة القديمة المهجورة؛ حيث لا يتمكن التجار الفلسطينيون من الوصول إلى متاجرهم، وحتى عندما يرفع حظر التجول فإن معظم الفلسطينيين يخشون من مغادرة منازلهم في البلدة القديمة خوفاً من بطش المستعمرين، إضافة إلى أن المستعمرين يسرقون كل ما تقع أيديهم عليه من الممتلكات الفلسطينية في الخليل، لبسط سيطرتهم بالقوة على المدينة بالتدريج، في محاولة خبيثة لطرد سكانها الفلسطينيين.
- شكل المستعمرة:
تتراوح المستعمرات ما بين مناطق زراعية شبه مأهولة وأحياء سكنية ضخمة، الكثير منها يبدو مشاريع سكنية سوداء مكفهرة؛ حيث تبدو كأنها بنيت على عَجَل، والعديد منها تطل كالحصون فوق التلال المشرفة على المدن الفلسطينية، معزولة عن محيطها بشبكة من الطرق المسفلتة.
ووصف الصحافي الإسرائيلي (جدعون ليفي) الواقع المروع للمستعمرات بمصطلحات دقيقة للغاية: «من كل مكان تستطيع أن ترى المستعمرة فوق التل تلوح لك كقلاع ضخمة، مهددة من حولها بشكل مخيف: (غانيم وكديش) فوق جنين، و (بسغوت) فوق رام الله، و (آريئيل) فوق سلفيت، و (إيلون موريه) فوق مخيم عسكر للاجئين، و (معاليه أدوميم) فوق العيزرية، (بيتار إيليت) فوق نحالين، و (براخا) فوق بورين، كلها غريبة، مهددة، محتلة للمنازل، وتواقة للمزيد» .
وتزايد مؤخراً تشابك المستعمرات بعضها ببعض بشكل واضح، مشكلة شبكة من المناطق الاستعمارية في عمق الأراضي المحتلة، وأكبرها تمتد شرقاً من القدس حول مستعمرة «آريئيل» التي تقع فوق أكبر مخزون للمياه الجوفية في الضفة الغربية، وقد وافقت الحكومة الإسرائيلية الآن على ضم هذه المستعمرة إلى دولتهم عبر بناء الجدار العنصري حولها.
وها هي الأرض الفلسطينية تُسرق، والمدن والقرى تُمنع من التوسع الطبيعي الحقيقي، وسيكون من المستحيل على الفلسطينيين السفر من أحد أجزاء الضفة الغربية إلى الآخر، وهو ما تثبّته دولة الاحتلال يوماً بعد يوم.
ووصف تقرير نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية عام ٢٠٠١م التناقض المذهل بين المستعمرات في قطاع غزة، والتجمعات السكانية الفلسطينية المجاورة. ويقول التقرير: إن التناقض بين التجمعات لا يمكن أن يكون أقسى من ذلك؛ فداخل المستعمرات اليهودية يعيش السكان في «شاليهات» فاخرة ذات أسقف حمراء، محاطة بأراضٍٍ مروية، وتوجد هناك مراكز مجتمعية، وبرك سباحة، وبيوت محمية، تنتج الطماطم والخس. أما العالم الفلسطيني في الخارج فهو جاف للغاية ومغبر، ذو أزقة مزدحمة بالعربات التي تجرها الحمير والأطفال والبسطات، ويبلغ عدد سكان (خانيونس) الآن حوالي ٢٠٠ ألف، ولا يوجد لديهم نظام مجارٍ، وتُجمع النفايات المنزلية والصلبة في شاحنة، يتم التخلص من حمولتها على بعد بضعة أميال.
- زرع «ثقافة العنف» :
لقد ذهب المستعمرون بعيداً في اعتداءاتهم على الفلسطينيين انطلاقاً من فكرهم التسلطي، وأحقيتهم المزعومة في الأرض، وشملت اعتداءاتهم تلك العديد من القرى والبلدات الفلسطينية المجاورة للمستعمرات في مسعى حقيقي للعودة إلى سياسة ترحيل الفلسطينيين؛ وذلك لتفريغ الأرض من سكانها الأصليين، لتسهيل عمليات السيطرة غير الشرعية عليها؛ فإلى جانب احتلال الأراضي والأملاك بشكل رسمي والتضييق على حركة الفلسطينيين؛ سجلت مئات أو آلاف الحالات التي استخدم فيها المستعمرون العنف ضد الفلسطينيين.
وفي ظل هذه الأجواء يبدو أن التنظيمات اليهودية السرية التي هدأت، وعملت في السر خلال العقد الماضي، وإنْ على نطاق ضيق بدأت تطفو على السطح من جديد، وبروح أكثر عنفاً وعنصرية، ويعتبر الكثير من المستعمرين ذلك السفاح «باروخ جولدشتاين» الذي ذبح عشرات المصلين الفلسطينيين في الحرم الإبراهيمي بالخليل «بطلاً» .
- موقف القانون:
تعتبر المستعمرات وفقاً للقانون الدولي الإنساني غير قانونية وتناقض ما يسمى الشرعية الدولية وفقاً لمعاهدة جنيف الرابعة التي وقعت عليها دولتهم التي أكدت أن وجود المستعمرات غير قانوني، وخصوصاً في حالة دولتهم باعتبارها قوة احتلال؛ حيث إنه لا يجوز لتلك القوة ترحيل المدنيين إلى أرض محتلة، أو حتى إحداث أي تغييرات دائمة لا تخدم السكان الواقعين تحت الاحتلال؛ فالمستعمرات من شأنها إيجاد أوضاع تنكر على الفلسطينيين حقوقهم الأساسية المنصوص عليها في قانون حقوق الإنسان.
ومن بين هذه الحقوق:
- الحق في المساواة: إن المستعمرين تعتبرهم دولة الاحتلال مواطنين إسرائيليين يتمتعون بكامل الحقوق المدنية، بينما الفلسطينيون الواقعون تحت الاحتلال محرومون من ممارسة أبسط حقوقهم على أرضهم.
- حق تقرير المصير: إن وجود المستعمرات والطرق الالتفافية تسجن الفلسطينيين في معازل، وتحول دون أي تكامل سياسي واقتصادي واجتماعي بين أراضي الضفة الغربية والقطاع، وهو الأمر الذي يلزم لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.
- حق حرية الحركة: وهو ما تقيِّده الحواجز العسكرية وحواجز الطرق المنتشرة بكثرة بحجة حماية المستعمر.