للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

كوسوفو المسلمة.. المنسيّة

عبد الله الكوسوفي

تمتد منطقة كوسوفو (والأراضي الألبانية المسلمة في يوغسلافيا سابقاً) نحو

(٢٠) ألف كم٢ تجاورها (مقدونيا) من الجنوب الشرقي، وصربيا في الشمال

الشرقي، وسنجاق والجبل الأسود من الشمال الغربي، وتحيط كوسوفو من الجنوب

ألبانيا (الدولة الأم) والمحيط الإدرياتيكي وبحيرة برسبا.

وتمثل كوسوفو بالنسبة للمسلمين الألبانيين كل الأراضي الألبانية المستولى

عليها من قبل صربيا والجبل الأسود من عام ١٧٨٧م حتى ١٩٤٥م، وتسكن هذه

الأراضي الغالبية العظمى من المسلمين الألبان من القديم وإلى يومنا هذا.

ومن أجل تسهيل عملية القضاء على هذا الشعب المسلم فقد جزأت السلطات

الصربية

-وبترحيب من مؤتمر لندن سنة ١٩١٣م - منطقة كوسوفو وضمت تلك

الأجزاء إلى ثلاث جمهوريات يوغسلافية: ماقدونيا والجبل الأسود وصربيا.

أصل أهل كوسوفو:

إن أصل الكوسوفيين (الألبان) من القبائل الإيليرية ذات الجنس الآري وسموا

بأكثر من اسم منها: الألبان والأرناؤوط واشكيبتار، واتفق المؤرخون على أنهم

أول من نزل شبه جزيرة البلقان في عصر ما قبل التاريخ على شواطيء البحر

الأدرياتيكي الشمالية والشرقية قبل آباء اليونان، وكان ذلك منذ أكثر من ثلاثة آلاف

سنة، ثم توسعت وانتشرت القبائل الإيليرية في أنحاء البلقان، وبعد ذلك اجتمعت

القبائل وانتخبت رئيساً لها وأنشأوا دولة لهم قبل الميلاد بثلاثة قرون؛ وجمهورية

كوسوفو اليوم تقع في الموقع الذي كان يسكن فيه أجدادهم الداردانيون والقبائل

الإيليرية الأخرى، وكانت دولتهم تسمى داردنيا، وبمرور الزمان ضعفت دولتهم

فاحتلها الرومان، وبقيت تحت احتلالهم إلى أن زالت امبراطوريتهم، وانقسمت إلى

شرقية وغربية فأصبحت بلاد الألبان تحت حكم الإمبراطورية الشرقية، حتى فتح

العثمانيون بلادهم ونعمت قروناً تحت حكمهم.

اعتناق الكوسوفيين الإسلام:

اتفق المؤرخون على أن الإسلام دخل إلى البلاد البلقانية قبل الفتح العثماني،

وذلك عن طريق التجار والدبلوماسيين والدعاة، إلا أن ذلك كان على نطاق ضيّق

ومحدود، أما انتشار الإسلام في تلك البلاد فقد كان بعد مجيء العثمانيين، ودخل

فيه الشعب الألباني أفواجاً، وحسن إسلامهم وكان منهم في الدولة العثمانية القواد

العظام مثل بالابان باشا (قائد من قواد فتح القسطنطينية) وكبار الكتاب والشعراء

(كانوا يؤلفون بلغات خمسة هي: الألبانية والبوسنوية والعربية والتركية والفارسية)

مثل محمد عاكف أرسوي رحمهم الله جميعاً.

وقد تمكن الحكم العثماني في جزيرة البلقان بصورة نهائية بعد المعركة

الشهيرة المسماة «معركة كوسوفو» ، التي قاد فيها السلطان العثماني مراد الأول

الجيش الإسلامي بنفسه، وقبيل فوز الجيش الإسلامي استشهد السلطان مراد وتسلم

القيادة السلطان بايازيد، وانتصر على الجيوش المتحالفة (الأوروبية) وقتل الملك

لازار (الصربي) وذلك سنة ٧٩٢ هـ (١٣٨٩ م) ، فبعد هذه المعركة الحاسمة

خضعت كوسوفو وصربيا تحت الحكم العثماني ما عدا مدينة بلغراد فإنها فتحت في

عهد السلطان سليمان القانوني، وذلك في ٢٦ من رمضان المبارك سنة ٩٣٨هـ

(١٥٢١م) .

وكانت ولاية كوسوفو إحدى أكبر الولايات العثمانية في «رومليا» (أوروبا)

وكانت أول عاصمة لها مدينة بريزرن (PRIZREN) ثم بريشتينا

(PRISHTINA) وفي الأخير مدينة اشكوب (SHKUP) عاصمة مقدونيا اليوم،

ومازال فيها إلى يومنا هذا عدد من الألبان أكبر من عددهم في تيرانا عاصمة ألبانيا.

بعد اضطهادٍ بشع في الفترة الشيوعية الأولى (بعد الحرب العالمية الثانية)

نجح المسلمون الألبان في كوسوفو بالحصول على الحكم الذاتي، وذلك في أواخر

عهد الهالك تيتو؛ وفي مستهل الثمانينات عاد الصرب من جديد إلى تعديل الدستور

وابتلاع كوسوفو مرة أخرى، الأمر الذي رفضه المسلمون وقاموا سنة ١٩٨١ م

بثورة شعبية على مستوى كوسوفو كلها يطالبون فيها باستقلال (كوسوفو) عن

(صربيا) ومنحها حكم الجمهورية داخل يوغسلافيا الفيدرالية الشيء الذي جعل

السلطات الصربية تأمر القيادات العسكرية بقمع المظاهرات السلمية حيث نزل

الجيش المدجج بالدبابات والأسلحة الحديثة وقتلوا من المسلمين في يوم واحد أكثر

من ٣٠٠ شخص.

فاستمر المسلمون في المطالبة بحقوقهم إلى بداية انهيار الشيوعية حيث بدأت

كل جمهورية تأخذ مسيرتها نحو استقلالها التام عن يوغسلافيا الفيدرالية فتوقع

المسلمون الألبان في كوسوفو كإخوانهم في البوسنة والهرسك أن ظهور الديمقراطية

والحرية في أوروبا الشرقية وفي الجمهوريات اليوغسلافية نفسها ستمنح لهم حقوقهم

أيضاً، فأعلنت البوسنة استقلالها (بعد سلوفينيا وكرواتيا) إلا أن أعداء الإسلام لم

يسمحوا بقيام دولة مسلمة وسط تلك المنطقة الأوروبية بل سعوا في قتل أهلها،

وتهجيرهم، وتشريدهم فحدث ما حدث من الجرائم الوحشية والمذابح الجماعية التي

شهدها العالم بأجمعه ولم يحرك لها ساكناً.

وكذلك المسلمون الألبان في كوسوفو أجروا فيما بينهم استفتاء في طور تفكيك

الاتحاد اليوغسلافي في سبتمبر «أيلول» ١٩٩١ م أسفر عن انحياز الأغلبية

المطلقة للاستقلال، وتطور الأمر إلى انتخاب مجلس نيابي وتشكيل حكومة

وتنصيب رئيس لجمهوريتهم المستقلة: هو الدكتور إبراهيم دوغوفا ولكن الحكومة

الصربية تجاهلت كل هذه الإجراءات واعتبرتها كأن لم تكن بل بدأت بمرحلة جديدة

من الاعتقالات والتعذيب والاضطهاد فاقت سابقاتها حيث سحبوا أدنى الحقوق

الإنسانية من هذا الشعب الأعزل.

مخطط تدمير الاقتصاد الكوسوفي:

إن حكومة بلغراد لم تتورع في استخدام أية وسيلة في سبيل إرغام المسلمين

الألبان على الهجرة من كوسوفو.

ففي المجال الاقتصادي على سبيل المثال ذكرت جريدة «بويكو» الألبانية

أن حكومة صربيا ماضية في إخضاع اقتصاد كوسوفو لسلطة بلغراد المباشرة،

وذكرت أن ٢٩٦ شركة عامة في كوسوفو تم دمجها بـ ١٧٣ شركة مماثلة في

صربيا، من بينها جميع منشآت الطاقة الكهربائية، وشبكة السكك الحديدية

وشركات النقل، والطيران المدني، واستخراج المعادن، وصناعات المطاط

والنسيج والجلود، والمواد الكيماوية، والانتاج الزراعي، والغذائي ومجالات

السياحة، وهذا يعني أن حكومة صربيا تسرق من كوسوفو بلايين الدولارات،

إضافة إلى سيطرة بلغراد التامة على جميع مناجم كوسوفو وتعطيلها، وتفريغها من

العمالة المسلمة ومن الخبراء المسلمين، الشيء الذي جعل منجم «تربجا» (أكبر

المناجم في يوغسلافيا السابقة والمشهور بالرصاص والذهب والفضة والمواد

الكيماوية الأخرى) في مدينة ميتروفيتا يخسر سنويا (٠٠٠ر٢٠٠ر٥٧) دولار، كل

هذا بسبب عدم وجود عدد كافٍ من العمال وبسبب عمل غير المتخصصين من

الصربيين.

ومن ناحية أخرى أخذت الحكومة الصربية منذ شهور بتقطيع الأشجار في

الغابات الكوسوفية وشحنها إلى صربيا والجبل الأسود للاستفادة منها هناك ويتجاوز

هذا التقطيع (٠٠٠ر٥٠٠) متر مكعب.

ومن ذلك الاستيلاء على الأراضي الزراعية التابعة للمسلمين، وبناء

مستوطنات صربية عليها، وخاصة في الأماكن التي فيها كثافة المسلمين الألبان

كبيرة.

من ناحية أخرى تستمر السلطات الصربية في فصل المسلمين من العمل

بشكل كبير جداً مع أن نسبتهم في الماضي كانت ضئيلة جداً، ففي سنة ١٩٨١م

كانت نسبة العمال من جميع الشعب الألباني ١١% فقط. وفي السنوات الأخيرة

تقلصت هذه البقية الباقية من المسلمين حينما طردت (٥٢٠) عائلة مسلمة من

منازلهم، وهناك (٠٠٠ر٥٠٠) شخص تحت خطر المجاعة.

المجزرة القادمة في كوسوفو:

إن كوسوفو منذ سنة ١٩٨١ م وإلى يومنا هذا تعيش حالة الطواريء وقد بلغ

عدد الجنود الصربيين أكثر من ٨٥ ألف جندي وظيفتهم قهر وبطش المسلمين وقد

أجروا في الأيام الأخيرة تمشيط للمدن والقرى المسلمة لمصادرة الأسلحة التي لم

توجد أساساً لدى الأهالي المسلمين بخلاف البيوت الصربية الممتلئة بأنواع من

الأسلحة المختلفة، وقد اعترف بذلك رئيس الوفد «البرلماني الأوربي» «جون

دي» ، الذي زار كوسوفو في هذا الشهر حيث يقول: «إن الصرب شددوا من

إجراءاتهم لطرد الألبان من كوسوفو وذلك بالضرب والقتل والسجن والتهديد

والسرقة وسحب الأسلحة..

كل هذه الاجراءات الصربية، ليست إلا مقدمة صريحة للمذبحة الكبيرة التي

ينويها هؤلاء المجرمون ضد المسلمين الكوسوفيين، وما جرى لإخواننا في البوسنة

تحت مرأى ومسمع من العالم بأجمعه أكبر دليل على ذلك، وقد تكون ضربة

المسلمين في كوسوفو أشد وأنكى حيث تتميز كوسوفو بالنسبة العالمية للمسلمين

وفيها مدن وقرى خالية من الصرب (بخلاف المدن البوسنية) فيسهل عليهم قصفها

وتدميرها دون أي تردد، لاسيما ونحن نرى تخاذل الموقف الدولي تجاه هذه القضية

الخطيرة التي قد تتفجر في أي لحظة، ويروح ضحيتها عشرات بل مئات الآلاف.

ملخص جرائم النظام الصربي ضد المسلمين في كوسوفو من ١٩٨١م إلى يومنا هذا:

- قتلت السلطات الصربية خلال هذه السنوات مئات المسلمين الألبان وذلك

في حالة السلم من غير إعلان حرب في كوسوفو.

- قتل أكثر من ١٠٠ جندي ألباني خلال خدمتهم العسكرية في الجيش

اليوغسلافي (الصربي) وجرح أكثر من ٦٠٠.

- وضعت السلطات الصربية سنة ١٩٩٠ م سماً في خزانات مياه المدارس

بمدن كوسوفو وتسمم منها أكثر من سبعة آلاف طفل.

- فصل من العمل أكثر من ١٥٠ ألف عامل مسلم، وكان عددهم الإجمالي

قبل ذلك ٢٠٠ ألف عامل مسلم فقط.

- احتلت صربيا جميع مستشفيات كوسوفو وطردت جميع الأطباء

والممرضين الألبان، فليس اليوم للمسلم في كوسوفو مستشفى يتجه إليه للعلاج،

وليس للمرأة الألبانية مستشفى ولادة تلد فيها.

- أغلقت تقريبا جميع المدارس الابتدائية والثانوية الألبانية.

- أغلقت المكتبة المركزية الجامعية وجميع مكتبات المدارس الأخرى وأخذت

السلطات الصربية كثيراً من الكتب العلمية النادرة ونقلتها بواسطة الشاحنات

العسكرية إلى مصانع الورق لتصنيعها ورقاً عادياً! !

- أغلقت أكاديمية العلوم والفنون في بريشتينا، وكذلك يمكن أن يقال عن

معهد الألبانولوجي لأن الدولة لا تنفق عليه.

- أغلق معهد التاريخ.

- أغلق التلفزيون والإذاعة (باللغة الألبانية) وصودرت الجريدة الوحيدة

اليومية باللغة الألبانية (ريلينديا) .

- فصل جميع الألبان العاملون في الشرطة من وظائفهم.

- بدّلت لغة الإدارة الألبانية بالصربية وذلك في جمهورية يبلغ فيها عدد

المسلمين ٩٣ % ويبلغ عدد الصرب فيها ٧ % فقط! !

ماذا بعد هذه الحقائق الثابتة التي اعترف بها حتى ممثلوا السياسة الغربية؟

هل سيبقى المسلمون مكتوفي الأيدي دون اتخاذ أية إجراءات تساعد في إيقاف هذه

المعاناة، ومنع وقوع مجزرة بشرية جديدة في قطر جديد من العالم الإسلامي؟

أو سيطلق المسلمون كما نرجو هذه المرة المقولة الشهيرة (الوقاية خير من

العلاج) قبل انتقادهم بالمشاعر والعواطف، فيما يرون تلك الدماء البريئة

والأعراض المنتهكة وما أكثرها عند المسلمين هذه الأيام.

لذا نرفع أصواتنا إلى جميع المسلمين في العالم للقيام بواجب الاخوة الإسلامية

لمنع حدوث مذابح متوقعة ...

والله نسأل أن يعلي كلمته ويعز جنده.. والله غالب على أمره