للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

الحفريات الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى المبارك تؤكد أن:

الأقصى في خطر

نائل نخلة [*]

(قضية بناء هيكل على حساب المسجد الأقصى المبارك هي محل إجماع

قومي وديني من كل الأطراف السياسية في المؤسسة الصهيونية، وهي دائبة على

هذا المشروع بشكل تدريجي، وكل ما حدث حتى الآن من مشاريع هي عبارة عن

مؤامرات لضرب المسجد الأقصى المبارك تهدف في نهاية الأمر للوصول إلى هذا

الهدف المرسوم، الهدف الذي يتلخص في مقولة بن جوريون: «لا قيمة لإسرائيل

بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل» ) هذا ما قاله للبيان الشيخ رائد

صلاح رئيس جمعية الأقصى ورئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام

١٩٤٨م.

وتشير كل الدلائل إلى الأخطار الحقيقية المحدقة بالمسجد الأقصى المبارك

والتي تشكل تهديداً واضحاً وجلياًَ لكيان المسجد الأقصى المبارك؛ فاليهود حكومة

ومؤسسات وشعباً مصممون على النيل من المسجد الأقصى المبارك وبناء هيكلهم

الثالث المزعوم، زاعمين أن المسجد الأقصى مُقام على أنقاض هياكلهم المندثرة

تحت أرضيته.

ومن الواضح جداً أن لا فرق في الكيان الصهيوني بين يسار ويمين ومعتدل

ومتطرف فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، وبحسب الشيخ صلاح الذي تحدث عن

زيارة المجرم أرييل شارون إلى ساحات المسجد الأقصى في ٢٩/٩/٢٠٠٠م، تحت

حراسة ٢٠٠٠ جندي من حكومة باراك. يقول: «أؤكد أن (أرييل شارون)

بشكل خاص يعاني من عقدة نفسية من المسجد الأقصى المبارك، والذي أقصده أن

شارون ما زال في مخيلته التخوف والهاجس من عودة شخصية صلاح الدين الجديد

إلى الأمة الإسلامية والعالم العربي، وواضح أن هذه الشخصية ارتبطت في التاريخ

الإسلامي بالمسجد الأقصى المبارك، لا أقول ذلك رجماً بالغيب بل إحدى

الصحافيات صحفية يهودية أجرت في أحد المرات لقاء مع (أرييل شارون) ،

وباختصار كانت محررة اللقاء تسأل شارون: لماذا هذا التخوف والقلق الذي يبدو

عليك وأنت صاحب الأدوار العسكرية في المكان الفلاني وفي الزمن الفلاني، وقد

حصلت على المراتب الفلانية؟ فقال لها بالحرف الواحد: أخشى أن يظهر صلاح

الدين جديد في العالم العربي والإسلامي. فكان ردها: ولكن العالم العربي

والإسلامي هو ممزق في وضع صعب.. فكان رده: في مثل هذا التمزق ظهر

صلاح الدين في الفترة السابقة في العالم الإسلامي والعربي.

وثانياً: بالنسبة لأرييل شارون هو واضح جداً في موقفه الصريح من قضية

المسجد الأقصى المبارك عندما سئل من قبل مجموعة من الصحفيين بعد اقتحامه

الأخير للمسجد الأقصى المبارك سألوه: ما سبب دخولك إلى المسجد الأقصى

المبارك؟ فكان جوابه: أنا لا أعرف شيئاً اسمه المسجد الأقصى المبارك.

هو أصلاً لا يعترف حتى بهذا المصطلح، لا يعتبر نفسه أنه اقتحم شيئاً

محظوراً، ولا يعتبر نفسه دخل إلى مكان للآخرين، ولذلك دخول شارون إلى

المسجد الأقصى المبارك.

ويعمل اليهود من أجل تحقيق ذلك المبتغى من خلال جمعيات ومؤسسات

وحركات يهودية ونصرانية صهيونية؛ حيث تؤمن الأخيرة أن تمكُّن اليهود من

النَّيْل من الأقصى وبناء الهيكل سيعجل في قدوم المسيح المخلص الذي سيقود هذا

العالم المليء بالشرور والآثام إلى الخلاص، وتنشط هذه الجهات في مجال التنقيب

عن الهيكل المزعوم تحت باحات الحرم القدسي الشريف، والاستيلاء على البيوت

الإسلامية في البلدة القديمة في القدس، وطرد المواطنين المسلمين من الأحياء

العربية والإسلامية، إضافة إلى عملها على دعم الاستيطان في القدس وفلسطين.

ومن الواضح أن عمل هذه الجهات يحظى بدعم مالي ولوجستي من

الحكومات الصهيونية المتعاقبة، ويشار إلى أن هذه الجهات تتلقى أيضاً دعماً مادياً

كبيراً من جهات أجنبية يهودية ونصرانية تتركز معظمها في الولايات المتحدة

الأمريكية.

ولعل الأخطر في موضوع الحفريات الصهيونية هو أن أخبار سيرها أو حجم

خطورتها وتهديدها لكيان المسجد الأقصى المبارك، قد انقطع بنسبة حوالي ٩٥%

بعد منتصف السبعينيات، فلا أحد من الشعب الفلسطيني أو من العالم العربي

والإسلامي يملك معرفة ذلك بالضبط، ويعود ذلك إلى السرية والكتمان الكامل الذي

تحظى به تلك الحفريات؛ وهناك عدد من الأسباب سنأتي على ذكرها لاحقاً.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحفريات تحت المسجد الأقصى كانت قد بدأت به

جهات إنجليزية سنة ١٨٧٦م بتمويل هائل من عدة جهات مثل صحيفة» تلغراف «

و» بنك ميجر «إلا أنهم توقفوا عن ذلك بعد أن ثارت ثائرة المسلمين هناك،

ولجؤوا إلى الحفر بشكل سري إلى أن اكتُشِفَ أمر ورشة حفر بريطانية سنة

١٩١٠م، واستؤنفت حفرياتهم مرة ثالثة بعد استعمارهم لفلسطين أوائل القرن

المنصرم.

أما الصهاينة فقد باشروا الحفر تحت المسجد الأقصى المبارك بعد احتلالهم

للقدس الشرقية بما فيها المسجد القدسي الشريف سنة ١٩٦٧م بعد انتصارهم على

الجيوش العربية في حرب ٥ حزيران من نفس العام؛ وهو ما يعكس الرغبة

الصهيونية الجامحة والإرادة الصلبة القوية في القيام بأعمال الحفريات تحت الأقصى

المبارك، وتسوِّغ بعض الجهات العاملة في هذا الحقل أعمالها الحفرية هذه بأنها

تقوم بأعمال تنقيب عادية تهدف إلى الاستفادة العلمية ودراسة التاريخ لا أكثر.

* الحفريات الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى المبارك حسب المراحل التي تمت

فيها:

١ - المرحلة الأولى:

شرع البدء في هذه المرحلة في نهاية عام ١٩٦٧م وبداية عام ١٩٦٨م؛ حيث

تركز العمل في هذه المرحلة في جنوبي المسجد الأقصى المبارك بطول ٧٠ متراً

من أسفل الحائط الجنوبي والمتحف الإسلامي والمئذنة الفخرية وأبنية جامع النساء.

وكان عمق هذه الحفريات ١٤ متراً. ومن الواضح أن هذه الحفريات قد أحدثت

تصدعات وتشققات للأبنية المذكورة.

٢ - المرحلة الثانية:

وبدأ العمل بها سنة ١٩٦٩م وهي استكمال للمرحلة الأولى، ويذكر أنها بدأت

من نقطة انتهاء المرحلة الأولى، وقد اتجهت هذه الحفريات شمالاً حتى وصلت باب

المغاربة مروراً بأربع عشرة بناية منها مركز الإمام الشافعي، ووصل طول هذه

الحفريات إلى ٨٠ متراً، وقد أحدثت هذه الحفريات في هذه المرحلة تصدعات

بجميع الأبنية التي مرت من تحتها، وقامت إسرائيل بنفس العام بجرفها جميعاً

وإجلاء سكانها.

٣ - المرحلة الثالثة:

وتم بها العمل في سنوات ١٩٧٠م - ١٩٧٤م، وتوقفت عام ١٩٧٤م، ثم

استؤنف العمل بها سنة ١٩٧٥م، ولا زالت مستمرة حتى كتابة هذه السطور.

ويمتد العمل في هذه المرحلة من مكان تحت المحكمة الشرعية القديمة (المدرسة

التنكزية) وتتجه شمالاً مروراً بأسفل ٥ أبواب من أبواب الحرم القدسي الشريف

وهي: باب السلسلة، باب المطهرة، باب القطانين، باب الحديد، وباب علاء

الدين البصري. إضافة إلى مجموعة من الأبنية الدينية والأثرية والسكنية منها ٤

مساجد وسوق القطانين ومئذنة قايتباي. وتسببت هذه الحفريات في هذه المرحلة

بتصدع الأبنية المذكورة إضافة إلى المدرسة الجوهرية ورباط الكرد والجامع

العثماني، وبلغ عمق هذه الحفريات من ١٠ - ١٤ متراً.

٤ - المرحلة الرابعة:

وبدأ العمل بها سنة ١٩٧٣م، وانتهى سنة ١٩٧٤م؛ حيث اقتربت الحفريات

في هذه المرحلة إلى الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك، ووصل عمق هذه

الحفريات إلى ما يقارب ١٣ متراً.

٥ - المرحلة الخامسة:

وبدأ العمل بها سنة ١٩٧٤م؛ حيث توسعت الحفريات تحت الحائط الغربي

للمسجد الأقصى إضافة إلى تركزها خلف الحائط الجنوبي الممتد من أسفل القسم

الجنوبي للمسجد الأقصى وسور الحرم القدسي، وقد امتدت هذه الحفريات إلى شرق

الحرم، وبلغ طولها ٨٠ متراً.

ومن الجدير ذكره أن المرحلتين الرابعة والخامسة أدتا إلى اختراق الحائط

الجنوبي والدخول عبره إلى الأروقة السفلية للمسجد الأقصى المبارك (وذلك في

تموز سنة ١٩٧٤م) في أربعة مواقع وهي:

أسفل مسجد عمر والجناح الجنوبي الشرقي للمسجد الأقصى.

أسفل محراب المسجد الأقصى بعمق ٢٠ متراً إلى الداخل.

أسفل الأروقة الجنوبية الشرقية للأقصى.

ولا شك أن هذه الحفريات بدأت تهدد السور والمسجد الأقصى المبارك بخطر

الانهيار.

٦ - المرحلة السادسة:

شرع العمل في هذه المرحلة سنة ١٩٧٥م، وبدأت أعمال الحفريات تتركز

في مكان في منتصف سور البلدة القديمة وسور الحرم القدسي الشريف، وهذا

المكان يقع بين باب السيدة مريم والزاوية الشمالية الشرقية لسور البلدة القديمة.

ويذكر أن اليهود قد قاموا في سبيل إتمام عملهم هذا بمصادرة الأراضي

الملاصقة لمقبرة إسلامية هناك، كما أن هذه الحفريات لا زالت تهدد الكثير من

المقابر الإسلامية التي تعتبر من أقدم المقابر الإسلامية في القدس والتي تحوي على

رفات الصحابيين: عبادة بن الصامت وشداد بن أوس، والعديد من رجال العلم.

٧ - المرحلة السابعة:

ويرجح أنها بدأت سنة ١٩٧٧م، وكانت عبارة عن مشروع تعميق ساحة

البراق الملاصقة للحائط الغربي للأقصى، ووصل عمق الحفريات في هذه المرحلة

إلى ٩ أمتار، وقد كانت هذه الساحة حتى عام ١٩٦٧م تضم ٢٠٠ عقار، ولكن

الدولة العبرية قامت بجرفها خلال عشر سنوات (١٩٦٧م - ١٩٧٧م) ، ومن

الواضح أن هذه الحفريات خطر حقيقي للعديد من الأبنية مثل: عمارة المدرسة

التنكزية، عمارة المكتبة الخالدية، مسجد وزاوية أبو مدين الغوث، ٣٥ بناية

يقطنها ما لا يقل عن ٢٠٠ مواطن.

٨ - المرحلة الثامنة:

يذكر أن العمل قد بدأ بها سنة ١٩٦٧م خلف جدران المسجد الأقصى الجنوبية،

وحملت شعار:» كشف مقابر ملوك إسرائيل في مملكة يهودا «، ولا شك أن

أخطاراً عديدة تحدق بهذه الجدران.

٩ - المرحلة التاسعة:

وفي هذه الفترة أعيد فتح نفق» وارن « (على اسم الإنجليزي وارن الذي

اكتشف النفق سنة ١٨٨٠م) ، ويقع ما بين باب السلسلة وباب القطانين، وقد

اقتربت الحفريات الصهيونية في هذه المرحلة إلى الحائط الغربي، وتوغلت أسفل

الحرم على طول ٢٥ متراً شرقاً وبعرض ٦ أمتار ووصلت إلى» سبيل قايتباي «.

وقد أدت هذه الحفريات كما أشير في تقرير المهندسين سنة ١٩٨١م إلى تصدع

الأروقة الغربية الواقعة بين باب السلسلة وباب القطانين.

١٠ - المرحلة العاشرة:

يشار إلى أن هذه المرحلة قد بدأت بالتوغل تحت أرضية المسجد الأقصى

المبارك والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم.

ويذكر أن الصهاينة قد ركزوا عملهم في هذه المرحلة تحت باحات الحرم

القدسي الشريف؛ حيث إنهم بدؤوا بتفريغ الأتربة من تحت كل باحات الحرم

القدسي الشريف، ولعل هذه الحفريات هي من أخطر المراحل؛ لأنها تقع مباشرة

تحت باحات الحرم وخصوصاً تحت الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، وقد

بدأ يظهر آثار ذلك؛ حيث أخذت بعض الشقوق تظهر جلياً للعيان في قطع الرخام

في قبة الصخرة والمسجد الأقصى.

ونستطيع أن نلخص تركز الحفريات الصهيونية جغرافياً:

- غرب المسجد الأقصى.

- جنوب المسجد الأقصى.

- جنوب الحفريات الجنوبية.

من الواضح أن حديثنا أعلاه قد تركز بشيء من التفصيل على الحفريات تحت

المسجد الأقصى المبارك وتحت أسواره وجدرانه، من حيث سنوات الحفريات

وطول الأنفاق وعمقها وسنوات البدء بها.

ولكن لوحظ أن هذه التفاصيل قد بدت شحيحة بعد منتصف السبعينيات مقارنة

بالمعلومات التي كانت تتعلق بالحفريات ما بين الأعوام ١٩٦٧م - ١٩٧٥م، ولعل

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: لماذا لا يتم استمرار الحديث عن نفس هذه

الحفريات بنفس الطريقة أو بنفس روح ما بعد منتصف السبعينيات؟

يقول الأستاذ أحمد فتحي خليفة، الباحث في شؤون القدس والأقصى للبيان:

١ - إن الحفريات الصهيونية ابتعدت عن عيون الناس وملاحظاتهم، كما أنها

ابتعدت عن شوارعهم وأزقتهم؛ وذلك لأن سير هذه الحفريات اتجه من تلك المناطق

السكنية القريبة من ملاحظة الناس إلى داخل الحرم، وهي نسبياً بعيدة عن

ملاحظات المواطنين.

٢ - يضاف أن الصهاينة كانوا قبل عام ١٩٧٥م يسمحون للباحثين والكتاب

أن يبحثوا ويطلعوا على سير عمل تلك الحفريات، أما بعد هذا التاريخ فقد منعت

المؤسسة اليهودية الحاكمة هؤلاء الكتاب والباحثين بمن فيهم من كتابهم وباحثيهم

الذين كانوا يكشفون النقاب عن هذه الحفريات من الاطلاع على أدنى حد من

المعلومات المتعلقة بالموضوع.

٣ - إن ما تقوم به السلطات الصهيونية من إغلاق لبوابات الحرم بعد نصف

ساعة من انقضاء صلاة العشاء يمنع ملاحظة ومعرفة ما يدور من حفريات تحت

المسجد الأقصى.

أما الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية ورئيس مؤسسة الأقصى

لإعمار المقدسات الإسلامية، فقد أعرب عن استيائه ومرارته لعدم توفر معلومات

واضحة موثقة بالصورة والخريطة وقال:» إنه لا يوجد أحد من شعبنا الفلسطيني

أو من عالمنا العربي والإسلامي يملك الإجابة عن حجم الخطورة المحدقة بالمسجد

الأقصى «ملمحاً بعدم المعرفة العميقة بسير وخطورة الحفريات الجارية أسفل

المسجد الأقصى المبارك.

ولكن مع كل ذلك فإن هناك الكثير من الشواهد والأدلة التي تؤكد استمرار

الحفريات بالمسجد الأقصى المبارك، بل وحتى بدأت تهدد مناطق حساسة جداً مثل

مسجد قبة الصخرة المشرفة.

وأشار الباحث أحمد فتحي خليفة في نفس المقابلة أن الحفريات وصلت أسفل

باحات الحرم القدسي الشريف ولا سيما تحت المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة

المشرفة، ويستدل الأستاذ أحمد على ذلك بالتصدعات والشقوق التي بدأت تظهر

بكل وضوح على قطع الرخام المصفحة لجدران قبة الصخرة المشرفة إضافة إلى

المنطقة الشرقية الغربية وفوق المحراب مباشرة، ويجزم الأستاذ أحمد خليفة أن هذه

الشقوق تعود إلى الفراغات الموجودة تحت قبة الصخرة المشرفة. وبالطبع فإن هذه

الفراغات سببها الحفريات الصهيونية تحت قبة الصخرة وباحات المسجد.

إضافة إلى كل ذلك يشير الأستاذ أحمد إلى أن المسجد الأقصى المبارك يحوي

على ٤٣ بئراً تتصل فيما بينها منها ما يصل عمقه إلى ٢٠ - ٢٥ متراً، ويرجح

الأستاذ أحمد خليفة أن اليهود قاموا بربط جميع الآبار بعضها مع بعض (أي

فتحوها على بعضها البعض) ، ويخلص إلى نتيجة مفادها أن اليهود قد سيطروا

سيطرة كاملة على الطبقة الجوفية للأقصى.

أما الشيخ رائد صلاح فقد ذكر لنا في نفس المقابلة العديد من الأدلة والبراهين

التي تؤكد بشكل لا لبس ولا ريب فيه أن المؤسسة اليهودية ماضية في تنفيذ

مخططاتها ومن هذه الأدلة:

١ - ما نقله إليه المواطنون من آل الأنصاري ومن آل الدجاني الذين يقطنون

في بيوت ملاصقة للمسجد الأقصى المبارك ما يسمعونه من أصوات اهتزازات تنبع

من تحت المسجد الأقصى المبارك.

٢ - ما نقله له الحراس من مشاهداتهم للشاحنات الكبيرة وهي تنقل أتربة من

تحت المسجد الأقصى المبارك.

٣ - ويذكر الشيخ رائد صلاح ما أشارت إليه صحيفة هآرتس (البلاد)

الصادرة في ١١/٨/١٩٩٩م عما اكتشفه حاخام حائط المبكى في يوليو سنة ١٩٨١م

من نفق يتجه تحت قبة الصخرة.

٤ - ما نقله له أحد العاملين في سلك الآثار الفلسطينية أن إحدى ورشات عمل

الحفريات الإسرائيلية قد تقدمت في الحفريات ووصلت حتى منطقة» الكأس «

الواقعة بين قبة الصخرة والمسجد الأقصى المبارك.

٥ - ما نقله له حراس المسجد الأقصى من أنهم يسمعون أصواتاً قوية أسفل

المسجد الأقصى شبيهة بأصوات حفريات وانفجارات.

٦ - ما وصل للشيخ رائد من معلومات تؤكد أن الكيان الصهيوني يستعمل

حوامض كيميائية تساعد في تفتيت الصخور.

٧ - ما نقله له أحد رجالات الوقف الإسلامي في القدس أن هناك حفريات تتم

أسفل المدرسة التنكزية وتصل هذه الحفريات تحت قبة الصخرة المشرفة.

٨ - ما نقله له بعض موظفي لجنة التراث في بيت المقدس من سماع أصوات

اهتزازات وضربات بالقرب من باب الرحمة؛ وذلك بتاريخ ٣/٢/٢٠٠٠م، وتبين

لاحقاً أن هذه الأصوات صادرة من رجل يتبع لتنظيم جماعة» جبل أمناء الهيكل «

كان يحفر في قبر (السادة المولوية) محاولاً فتح باب لنفق هناك.

ويشير الشيخ رائد صلاح أن المؤسسة الإسرائيلية تهدف من وراء حفرياتها

طبعاً بالإضافة إلى هدفها الاستراتيجي وهدم الأقصى وبناء الهيكل إلى السيطرة

والتحكم بجميع المباني التابعة للأقصى.

الشيخ صلاح كانت له تجربة مباشرة مع هذه الحفريات يحدث البيان عنها

قائلاً:» أنا دخلت في الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى المبارك..، وهذه

الزاوية تمثل مدخلاً إلى أحد الأنفاق التي بدأت المؤسسة الإسرائيلية بحفر نفق هناك

في سنوات التسعينيات، وأنا شخصياً دخلت إلى هذا النفق بعمق تسعة أمتار،

ومشيت في هذا النفق بامتداد حوالي مائتي متر باتجاه يوازي ساحة الأقصى من

الجنوب ومن الغرب، ووجدت أن هذا النفق يتفرع منه عدة أنفاق صغيرة تصل

إلى أساسات المسجد الأقصى المبارك «.

ويتابع:» ما أؤكد عليه هنا ليس هو الشيء الوحيد الموجود من حفريات في

ساحة المسجد الأقصى المبارك، وليس هو مشروع التآمر الوحيد لضرب المسجد

الأقصى المبارك، بل هناك مبادرات كثيرة تحاول جهات كثيرة أن تنفذها بهدف

الوصول إلى بناء هيكل على حساب المسجد الأقصى المبارك «.

وسألته البيان عن وجود مخطط صهيوني حقيقي لهدم المسجد الأقصى، أم أن

هناك مبالغات فيما يتعلق بهذا الجانب؟ فقال:» لا أقول هناك مخطط، هناك

مخططات، ولا أقول إن هناك فقط مخططات، بل هناك تنفيذ؛ فالآن يجري تنفيذ

بعض جوانب هذه المخططات في ساحة المسجد الأقصى المبارك، والأمثلة على

ذلك كثيرة جداً، إذا أردت أن أستعرض أمثلة سريعة:

- في عام ١٩٩٦م عندما قام في حينه نتنياهو بدخول نفق سمي اسماً تضليلياً

بنفق (الحشمو نائيم) هو جزء من مخطط موجود.

- افتتاح إيهود باراك السابق لمكان تم تبليطه في الجهة الجنوبية من ساحة

الأقصى المبارك.

- جزء من هذه المخططات التأكيد الذي سمعناه في الماضي من رؤساء

حكومات إسرائيليين سابقين بما في ذلك رئيس الحكومة الحالي وبعض وزرائه على

أنهم يصرون على سيادة مطلقة على الأقصى المبارك هو تأكيد على هذه المخططات.

- تأكيد الحاخامية الدينية الأولى في شخص الحاخام (لاو) والحاخام

(دورون) على أن هناك سيادة مطلقة على الأقصى هي جزء من هذه المخططات.

- مطلب البعض ببناء كنيس في داخل الأقصى المبارك، ومطلب البعض

بتحويل المدرسة العمرية إلى كنيس وهي جزء من الأقصى المبارك.

- وجزء من هذه المخططات ما تم تنفيذه حتى الآن هو إزالة مقبرة تاريخية

كانت فيما مضى في الزاوية الجنوبية الغربية للأقصى المبارك.

- تحويل حائط البراق الذي هو جزء ثمين من الأقصى المبارك إلى ما يسمى

تضليلاً الآن بحائط المبكى وهو جزء من هذه المخططات «.

ويكشف الشيخ رائد صلاح أن بعض علماء الآثار اليهود مثل (بن دوف)

و (هرتزوك) يقولون بالحرف الواحد:» إنه بعد حفريات استمرت أكثر من ثلاثين

عاماً لم يجدوا ولو قطعة حجر تدل على وجود أثر إسرائيلي ديني في حرم الأقصى

المبارك.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن إسرائيل تفرض حصاراً على الأقصى؛ حيث لا

يسمح بإدخال أية مواد بنائية تساعد على ترميم الأقصى «.

وتعهد الشيخ صلاح بالاستمرار بكل المشاريع التي من شأنها تثبيت الحق

الإسلامي في القدس والأقصى، وتساعد في منع تقدم واستمرار الحفريات

الإسرائيلية.

* هل تهدد الحرم بالانهيار فعلاً؟

يقول الشيخ رائد صلاح:» هذه الحفريات لها نتائج كثيرة جداً، ومن أخطر

هذه النتائج أنها قد تهدد حرم المسجد الأقصى بالانهيار، بحيث تعطي الإمكانيات

للمؤسسة الإسرائيلية - الدينية والسياسية - أن تفرض سيطرة على ما يوجد تحت

المسجد الأقصى المبارك من تحت الأرض، ومن خلال هذه السيطرة قد تسيطر

على أماكن فوق الأرض «.

ويتابع:» هناك مدرسة اسمها المدرسة العمرية تقع في الزاوية الشمالية

الغربية للمسجد الأقصى المبارك، هذه الزاوية يطالبون الآن أن تحول إلى كنيس

يهودي، تحت هذه المدرسة هناك أنفاق تسير وتصل مباشرة إلى الصخرة المشرفة؛

فالذي يسيطر على المدرسة العمرية والذي يسيطر على هذه الأنفاق طمعه واضح

في المستقبل أن يسيطر على الصخرة المشرفة التي تقع بالضبط في وسط ساحة

المسجد الأقصى المبارك.

ومما يشار إليه أن إسرائيل قامت منذ عام ١٩٤٨م وحتى الآن بهدم ما يقرب

من ألف ومائتي مسجد واقتلاع آلاف المقابر، وقامت بتحويل كثير من المساجد إلى

خمارات ومطاعم ومراقص ليلية وبيوت للدعارة وأوكار للمخدرات مثل مسجد

(عين كارم) الذي يستخدم الآن وكراً لأعمال الرذيلة، ومسجد (مجدل عسقلان)

الذي حول إلى متحف ومطعم وخمارة، ومسجد (البصة) الذي حول إلى حظيرة

أغنام، ومسجد (العفولة) الذي حول إلى كنيس يهودي، والمسجد الأحمر في

صفد الذي حول إلى ملتقى الفنانين.

أما مقابر المسلمين فقد حول بعضها إلى مزابل. أما أوقاف المسلمين فإن

ريعها يحول الآن إلى وزارة الأديان الإسرائيلية، ويصرف على خدمة الكنس

اليهودية ورواتب الحاخامات؛ فهل هي الآن عاجزة (أخلاقياً، وأيديولوجياً،

وعملياً) عن هدم المسجد الأقصى المبارك آجلاً أم عاجلاً؟


(*) مراسل المجلة في فلسطين.