للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلام: أمل فلسطين

بعد عشرين عاماً على الهزيمة

بمناسبة مرور الذكرى العشرين لحرب حزيران ١٩٦٧ حذرت الحكومة

الإسرائيلية خطباء المساجد في مدن وقرى فلسطين من أن يشيروا إلى الاحتلال

الإسرائيلي، أو يحرضوا الناس على ما من شأنه أن يبث الوعي بينهم، وينبههم

إلى حقوقهم الأساسية المنهوبة من قبل العدو اليهودي.

ولم تكتف سلطات الاحتلال بالتحذير، بل إنها استجوبت بعض هؤلاء

الخطباء عما ينشرونه بين الناس من أفكار رافضة لكل أشكال الهيمنة والاحتلال.

ومناسبة يوم الخامس من حزيران لا ينبغي أن تمر دون أن يشار إلى مجموعة

من الحقائق التي تتعلق بها.

- لابد من الإشارة إلى أن الهزيمة عام ١٩٦٧ أمام اليهود، ومن قبلها هزيمة

عام ١٩٤٨ كانت هزيمة أنظمة، وليست هزيمة شعوب، تلك الأنظمة التي جثمت

على صدر شعوبها، وبدل أن تكون حارساً أميناً، وراعياً رحيماً، كانت على

خلاف ذلك، فلا هي تسلمت هذه الأمانة الثقيلة بجدارة، ولا هي حافظت عليها

بحرص وحصافة، وإنما أذاقت محكوميها المرَّ كله، وجردتها من كل معاني العزة

والكرامة، وداست كل حرمة في سبيل الحفاظ على هيمنتها وتحكمها وامتيازاتها

التي اغتصبتها من حق الشعوب المسكينة المسوقة بالحديد والنار إلى مالا تريد.

وإن تعجب؛ فإن أعجب العجب ما بلغته هذه الأنظمة المهزومة التي كانت

بادية العري لكل ذي مُسكة من عقل، فأصبحت بعد هزيمة ١٩٦٧ مكشوفة

السوءات لكل ذي عينين؛ حيث ادعت أن هدف إسرائيل (كان) إسقاط هذه الأنظمة

التي هي رأسمال كل مجد وعزة لشعوبها (! !) ولكن الله قدر ولطف! فلم تستطع

إسرائيل تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي! في حين احتلت الأرض وشردت ناسها،

ولكن ذلك لا يعتبر شيئاً، وليس خسارة تقاس بالكسب الذي تحقق، وهو خروج

هذه الأنظمة سليمة معافاة من هذه المحنة! ! .

أرأيت هذه القِحّة؟ ! وهل هناك صفاقة إعلامية تعدل هذه الصفاقة؟ ! .

- في الوقت الذي بنت فيه إسرائيل دولتها على أساس من إيمانها بالتوراة

المحرفة، وجعلت عقيدتها الدينية هي المحرك الفكري الذي تنطلق منه وتعتز

بباطلها أشد الاعتزاز، وتعلن بذلك أمام سمع العالم وبصره، ترانا على المستوى

الرسمي -نحن الذين هزمتنا إسرائيل بمثل هذه العقيدة العنصرية الباطلة، وبمثل

هذا الزور المفضوح- ضائعين تائهين نتسول الأفكار والمذاهب من عتبات الشرق

والغرب، ونلبس المرقَّعات التي يفصلها لنا أعداؤنا الذين لا يريدون لنا خيراً،

فنبدو كمجموعات من المتسولين الأذلاء، فاقدي الحس والكرامة.

ولكن رغم هذه الصورة القاتمة التي يعكسها إعلامنا، ورغم الحرب التي

يعلنها على الإسلام أعداؤه في الداخل والخارج، ورغم الاحتلال الصهيوني الذي

يحاول أن يلغي هوية الشعب الفلسطيني وينكر عليه أي انتماء فإننا نجد هذا الشعب

أكثر ما يكون تمسكاً بحقوقه، وكذلك فإن بوادر رجوعه إلى الإسلام يحس بها كل

من يرصد الاتجاهات الفكرية التي تحرك هذا الشعب.

- والعودة إلى الإسلام تتجلى بالإحساس العميق الذي أخذ يشعر به الجيل

الجديد من أبناء فلسطين؛ من أن له هوية قد منع من التعبير عنها لمدة طويلة، وله

عقيدة تمده بكل عوامل الصمود في وجه التحديات. وأن هذه العقيدة -وهي

الإسلام- هي العقيدة الوحيدة القادرة على التصدي للعدو الذي فشلت في صده كل

النظريات والأيديولوجيات والأفكار التي قوبل بها حتى الآن.

وهذه العقيدة لا تعوزها الاستدلالات الملتوية، ولا الدعاية المركزة من أجل

غرسها وتحبيب الناس بها، بل هي مركوزة في ضمير هذا الشعب وفي وعيه

الباطن، والتفاتة بسيطة إلى الماضي كي يكتشف أبسط الناس ثقافة في فلسطين

وفي غيرها أن هذه البلاد قد تعرضت لهجوم صليبي استيطاني شرس في السابق،

وأنها وقعت ضحية الفرقة والتناحر التي ضربت العالم الإسلامي، وبعد مدة طويلة

عندما استفاق الوعي الإسلامي، وأخذ المسلمون بأسباب النصر من الرجوع إلى الله

والإعداد الجاد طردوا الصليبيين شر طردة، واقتلعوهم من هذه الأرض التي

دنسوها لفترة ليست بالقصيرة.

والرجل العادي حينما يتذكر ذلك يتذكر ببساطة أن الجحافل التي نظفت

فلسطين وباقي بلاد الشام من رجس الصليبيين كانت تفعل ذلك باسم الله، وتحت

راية الإسلام، وتتخذ من مصطلحاته زادها الفكري والتعبوي من مثل الجهاد

والمرابطة، والذود عن حياض الإسلام، وتطهير مسرى النبي -صلى الله عليه

وسلم-، وإعادة الأرض التي بارك الله فيها إلى حظيرة ديار الإسلام.. وأن سنين

طويلة منذ أوائل هذا القرن، من التبعية للغرب ولرموزه، ومن الجري وراء

سراب الشعارات التي يرفعها أعداء الإسلام من شتى الألوان والاتجاهات، يستغلون

ويخدعون بها ذراري المسلمين؛ لم تورثنا إلا ذلاً على ذلك، ولم نجن من وراء

سرابها إلا الخيبة والخذلان على كل صعيد! .

كل ذلك جعل أهل الحق يحاولون نفض الغبار والتراب الذي أهاله أهل

الباطل عليه، مما نقرأه أو نسمع عن أنبائه في داخل فلسطين المحتلة.

* هذه العودة المباركة إلى الإسلام تلقى حرباً من جهتين:

فاليهود وحلفاؤهم يتخوفون من آثارها ويرصدونها بعيون مفتوحة،

ويحاولون الوقوف في طريقها بشتى الوسائل، مثل التعتيم الإعلامي الذي تعامل ... به، وذلك التشويه الذي يمارس ضدها. وهذا طبيعي بالنسبة لليهود فهل يعلمون أن العقيدة الوحيدة التي لا ينطلي على معتنقيها كيدهم وغدرهم هي العقيدة الإسلامية، وأن عدوهم الأول الإسلام، وصدق الله القائل:

[لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا] [المائدة / ٨٢] .

على أن الشيء المؤسف هو معاداة التوجه الإسلامي بين العرب في فلسطين

من قبل أدعياء الوطنية من العلمانيين والمرتبطين بهذه الجبهة أو تلك ممن يتاجرون

بالقضية الفلسطينية، والذين افتضح إفلاسهم وتضخيمهم لأدوارهم وألاعيبهم لكسب

الأنصار والأعوان.

ومما يثير الأسى ويؤلم الفؤاد ما كتبه صحفي فلسطيني -ممن تدفع لهم منظمة

التحرير وتنفق على صحفهم في الضفة الغربية- ناعياً على أصحاب هذا التوجه

الإسلامي من أهل فلسطين، ومعتبراً خطورة فكرهم قد تفوق الفكر الصهيوني،

وإذا عرفنا سبب هذه الحملة التي يحملها هذا الصحفي وأمثاله على التوجه الإسلامي

الفتي في فلسطين بطل عجبنا وزال استغرابنا.

فتنامي التيار الإسلامي في فلسطين يهدد بسحب البساط من تحت الذين

يحتكرون ادعاء مقاومة إسرائيل في العلن، بينما هم يلتقون معهم في السر [انظر

ما نشر من كتاب يوري أفنيري: صديقي العدو] .

وكذلك فإنه لا يروق لأمثال حنا سنيورة وإلياس فريج أن يروا للمسلمين أثراً

ولا أن يسمعوا لهم صوتاً، كي لا يفقدوا مبرر وجودهم وعيشهم على ما تقدمه

منظمة التحرير من رواتب وامتيازات.

- تبقى هناك كلمة أخيرة حول النشاط الإسلامي في فلسطين، فهذا النشاط هو

معقد الأمل بالنسبة لغالبية المسلمين في كل بقاع العالم من أجل تحرير فلسطين.

وهذا البعث الإسلامي الذي يبشر بخير هو الجدير منا بكل مساندة مادية أو معنوية،

وينبغي التنويه به وتسديد طريقه نحو سلامة التصور ووضوح الهدف.

أما سلامة التصور فتتلخص في اتخاذ الإسلام القائم على كتاب الله وسنة

رسوله والانطلاق من هذا الأساس الواضح لفهم الإسلام، والبعد كل البعد عن ما

يخالف ذلك من المناهج والسبل، وكذلك عدم الانخداع بكثير ممن يحملون الراية

الإسلامية ليغطوا بها كراهيتهم الدفينة للإسلام وحقدهم القديم على العرب -حملة

الإسلام للعالمين- كالشعوبيين والباطنيين الذين يفوقون في خطرهم اليهود

والنصارى والملاحدة لأن هؤلاء كراهيتهم معلنة ممكن اتقاؤها، أما أولئك فعداوتهم

باطنة قد تخفى أو تغيب عن كثير من ذوى النوايا الطيبة.

وكلنا أمل في أنه لو قيض لأصحاب الصوت الإسلامي النقي -ممن يرزحون

تحت نير الاحتلال الإسرائيلي والقهر اليهودي، ومن إخوانهم في المهاجر في شتى

بقاع العالم- القيادة الحكيمة التي تجمع كلمتهم على التقوى والمنهج الإسلامي

الصحيح، بعيداً عن أصحاب الأهواء من مستغلين ومبتدعين، وبعيداً عن تجار

الجماجم الذين انكشفت خزاياهم؛ لو حصل ذلك -وما ذلك على الله بعزيز- لزالت

أسطورة (إسرائيل) من الوجود كما زال كثير من الأساطير التي كانت في يوم من

الأيام حقائق.

فنسأل الله لإخواننا في فلسطين المحتلة السداد والثبات والرشاد بمنه وكرمه إنه ولي ذلك والقادر عليه.