ملفات
فلسطين.. نزف مستمر وعطاء دائم!
[قراءة في مستقبل المقاومة الفلسطينية]
أحمد فهمي
[email protected]
تعددت وسائل نقل المعلومات وتنوعت ما بين فضائيات وإنترنت
ومطبوعات، ولم يعد السؤال الذي يشغل الناس: ماذا يحدث الآن؟ بل أصبح
السؤال الأكثر أهمية: ماذا سيحدث في الفترة القادمة؟
والمقاومة الفلسطينية من القضايا الحيوية للأمة التي يكثر بشأنها التساؤلات
وتقل الإجابات، وخاصة ما تعلق منها بالمستقبل؛ وسعياً لرؤية متوازنة تستوعب
أبعاد الصراع، كان لنا هذا اللقاء مع مجموعة من الإسلاميين والمتخصصين في
الشأن الفلسطيني، طرحنا عليهم عدداً من المحاور وتلقينا إجاباتهم.
* أما المحاور فهي:
س ١: هل نجحت المقاومة الفلسطينية في تحقيق أهدافها في فلسطين؟
س ٢: هل يوجد أمام الفلسطينيين حل آخر سوى الانتفاضة؟ وهل هناك
إمكانية لبحث حل سلمي؟
س ٣: هل تؤيد مشاركة مصرية في الإدارة الأمنية لقطاع غزة؟ ولماذا؟
س ٤: ما هو مستقبل السلطة الفلسطينية بعد عرفات؟
س ٥: هل تتوقع حدوث تغيير في الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية
إذا انتهت الانتخابات بفوز الديمقراطيين؟
س ٦: حسب المبادرة الأمريكية «الشرق الأوسط الكبير» هل تتوقع
تخلي العرب عن حل عادل للقضية الفلسطينية كمطلب رئيس؟
* وأما ضيوفنا في هذا التحقيق فهم:
- الدكتور عبد الحي يوسف، رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة
الخرطوم، السودان.
- الدكتور علي مقبول أستاذ مساعد في كلية الآداب جامعة صنعاء.
- الأستاذ عبد الغفار عزيز نائب رئيس الجماعة الإسلامية الباكستانية.
- الأستاذ ياسر الزعاترة باحث ومحلل سياسي إسلامي.
- الأستاذ عامر عبد المنعم رئيس تحرير صحيفة الشعب على الإنترنت.
ونبدأ بالمحور الأول بالسؤال عن مدى نجاح المقاومة في تحقيق أهدافها.
وهنا تختلف الإجابات بحسب تحديد المقصود من الأهداف، وتبرز وجهتا نظر:
فيقول الدكتور عبد الحي يوسف: «الهدف الرئيس للمقاومة يتمثل في زوال
الاحتلال ورد الحقوق إلى أهلها، ويتبع ذلك عودة اللاجئين الذين أخرجوا من
ديارهم بغير حق، وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني، هذا
الهدف الأهم لم يتحقق إلى الآن في ظل غياب الدعم العربي والإسلامي الرسمي
والشعبي، مع استمرار الدعم الكامل لليهود من قِبَل الغرب الصليبي مادياً ومعنوياً
» ولكن هذا لم يمنع من تحقق أهداف أخرى كثيرة يذكر منها الدكتور يوسف:
أولها: تجييش الشعب رجالاً ونساءً في مواجهة العدو.
ثانيها: تحقيق توازن الرعب.
ثالثها: إبقاء جذوة الجهاد حية في نفوس الشعب الفلسطيني.
رابعها: زرع الأمل في نفوس الناس بأن الأمة قادرة على صنع الكثير رغم
تفاوت ميزان القوة بينها وبين عدوها.
خامسها: ربط الأمة بالقيادات القمينة بالريادة، وفضح القيادات الهزيلة
والعميلة.
سادسها: تحقيق الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني.
سابعها: تعطيل مشاريع التسوية الأمريكية «.
أما وجهة النظر الأخرى فيتبناها الأستاذ ياسر الزعاترة، وهي تعتبر أنه:
» لا بد من تحرير مصطلحَيِ النجاح والإخفاق في صراع تتداخل فيه عناصر
التاريخ والجغرافيا بوقائع الصراع الدولي وميزان القوى على نحو سافر بين الأمة
وأعدائها. وهنا يمكن القول إن حسم الصراع على نحو شامل في ضوء المعطيات
القائمة يبدو صعباً، لكن لمعادلة الصراع بين عدو محتل ومقاومة شعبية عناصر
مختلفة، ثم يزيد الأمر وضوحاً بالقول: «فما دام الشعب قادراً على مواصلة
المقاومة ورفض الخضوع لإملاءات المحتل، فإن بالإمكان القول إنه يحقق جزءاً
مهماً من أهدافه» . ويعتبر الزعاترة أن من هذه الأهداف المتحققة:
«استنزاف العدو وإحباط مخططاته في الوصول إلى التسوية التي يريد، والتي
تتمثل في اعتراف فلسطيني بوجوده من دون استرداد حقيقي لجزء من الحق» .
ويشير الأستاذ عامر عبد المنعم إلى بعض الدلائل الهامة على نجاح المقاومة،
وآخرها: «إعلان إسرائيل الانسحاب من غزة بقرار أحادي الجانب، وأيضاً بناء
شارون للسور العنصري للتحصن خلفه والانكماش بعد موجة التوسع في الاحتلال
خلال العقود الماضية» أضف إلى ذلك أسلمة الجهاد في فلسطين.
ويلقي الاستاذ عبد الغفار عزيز الضوء على بُعد آخر في المعادلة الفلسطينية
من حيث النجاح والإخفاق، فيقول: «إن المقاومة قد نجحت في أداء دورها وفي
إحياء قضية المسلمين، ولكن الأمة فاشلة إلى الآن» . ويوافقه الدكتور علي مقبول
الذي يعتبر أنه لولا «الخيانات من بعض العرب لانهارت إسرائيل تماماً؛ ولله في
ذلك حكمة» .
المحور الثاني في تحقيقنا يتساءل عن حلول أخرى مطروحة سوى
الانتفاضة، وعن إمكانية نجاح الحل السلمي، وهنا تتفق جميع الآراء على أنه لا
بديل عن المقاومة، وأن الحل السلمي ثبت إخفاقه قطعاً، فيقول الدكتور مقبول:
«الانتفاضة هي التي سترغم الكيان الصهيوني على الحلول السلمية» ولكنه
يتوقف بالقول: «وإن كنت أرى غدر اليهود وعدم إيفائهم بعهودهم» . ويقول عبد
الغفار عزيز: «لو كان هناك طريق آخر لسلكه الشعب الفلسطيني» ثم يتناول
موقف شارون فيقول: «لسان حال شارون يقول: سحقاً لكل المبادئ
الإنسانية، ولا طريق غير طريق الإبادة الكاملة لأعداء السامية المزعومة» ثم
يؤكد على بطلان وَهْم الحل السلمي قائلاً: «التجارب أثبتت أن كل المحاولات
السلمية كانت لكسر شوكة الانتفاضة ولتضليل الرأي العام فحسب» .
ويتناول الزعاترة المسألة بطريقة عقلانية فيقول: «من المؤكد أنه يوجد لدى
الفلسطينيين خيار آخر غير الانتفاضة، فبإمكانهم مثلاً القبول بالاحتلال والتعايش
معه، ولعب دور الجسر الذي يعبُر من خلاله إلى الواقع العربي، كما أن بإمكانهم
القبول بصيغة التسوية التي يعرضها عليهم الاحتلال؛ لكن هل يختار الفلسطينيون
أيّاً من ذلك؟ يقول:» ولكنهم شعب حر ومؤمن، ولا يمكنهم القبول بذلك؛ فهم
يفضلون التضحية على القبول بحل ذليل «.
وهناك أمثلة على عدم جدوى الحل السلمي، منها، كما يقول الدكتور يوسف؛
ما طرحه العرب من:» مبادرة سلمية في مؤتمر قمة بيروت؛ فكيف كان ردُّ
العدو عليها؟ بل كيف الرد على مبادرات تتابعت منذ قمة فاس عام ١٩٨٦م؟
«ويذكر عامر عبد المنعم مثالاً آخر:» عندما أعلنت حركات المقاومة هدنة
من جانب واحد خرقتها إسرائيل ولم تتجاوب معها «.
المحور الثالث يتناول المشاركة المصرية المحتملة في الإدارة الأمنية لقطاع
غزة، بداية هذا الأمر مرفوض بالإجماع، ويصل كما يقول الأستاذ ياسر إلى أنه:
» من الخطأ بل الخطيئة أن يوافق المصريون على أي ترتيبات أمنية مع
الإسرائيليين «. ويقول الأستاذ عامر:» تورط مصر في أي إدارة أمنية لقطاع
غزة لن يضعف المقاومة، وإنما يضعف مصر، ويجعلها تخضع لمزيد من الابتزاز
الصهيوني «.
وتعدت الأسباب التي قدمها الضيوف الأفاضل لهذا الرفض التام، فيذكر
الدكتور عبد الحي أن:» القيادة المصرية كسائر القيادات العربية ليس في
استراتيجيتها سوى الحل السلمي منذ أطلق السادات صيحته الشهيرة بأن حرب
أكتوبر هي آخر الحروب، وليس الجهاد المسلح من خياراتها «ثم يفصل القول
موضحاً حيثيات الرفض:
» أولاً: هذه المشاركة سيكون هدفها الأول القضاء على المقاومة المسلحة أو
تقزيمها.
ثانياً: المشاركة المصرية قد تثير حفيظة أهل فلسطين وهم الذين صبروا
على جور السلطة وأذاها، فلا يصبرون على المصريين، فيقع المحظور.
ثالثها: المشاركة المصرية يراد لها القيام بالدور الذي عجزت عنه الدولة
الصهيونية «.
ويرى الزعاترة رفض المشاركة في الأساس؛ لأن» شارون سيخرج من
غزة فراراً من المقاومة، ولذلك عليه أن يخرج بلا ثمن، أما الأهم فهو أن خروجه
من غزة بفرض خروجه الكامل لا ينبغي أن يلفت الانتباه عن أن المهمة لم تنته بعد،
حتى بمنطق القرارات الدولية التي تقبل بها الأنظمة «.
ويكشف عامر عبد المنعم سبباً هاماً للرغبة» الإسرائيلية «في تولية مصر
الملف الأمني:» فاليهود يجيدون الضغط على الدول؛ لأن تهديدها ممكن، ولكنهم
يعجزون عن إخضاع حركات المقاومة السرية والمعقدة، ولهذا السبب وافقوا على
مجيء السلطة الفلسطينية بقيادة عرفات للقيام بهذا الدور؛ فلما لم يفعل حبسوه في
مقر المقاطعة وقوضوا سلطته «.
ويوافقه الدكتور مقبول لأن» مصر تتبنى مكافحة الإرهاب، وحماس من
المؤسسات الإرهابية على زعم أمريكا؛ فقد يحصل ضغوط أمريكية على مصر
لملاحقة الانتفاضة «، ولذلك يؤكد الأستاذ عزيز في الختام أن» الطريق الأمثل
هو أن يترك أمر الشعب الفلسطيني للشعب الفلسطيني «.
المحور الرابع يتساءل عن مستقبل السلطة الفلسطينية بعد عرفات، وهو
تساؤل حير الكثيرين، وبحثه متخصصون سياسيون واستخباراتيون، وتفاوتت فيه
الآراء. وبداية يفصل ياسر الزعاترة بين الوفاة الطبيعية لعرفات أو قتله كما يلي:
» لن يتغير الكثير في حال مات الرجل بشكل طبيعي ولم يقتله الإسرائيليون؛ ذلك
أن وفاة الرجل ستبقي السلطة في يد حركة فتح التي ستتوافق على شخص جديد
يوافق عليه المصريون بشكل أساسي، ولا يكون للأمريكيين عليه اعتراضات
كبيرة، أما في حال قتله فإن الوضع سيكون أفضل من زاوية مصلحة القضية؛
لأن ذلك قد يكون إيذاناً بانتهاء السلطة التي يشكل وجودها مصلحة للاحتلال من
الزاوية الأمنية والاقتصادية والسياسية. وستغدو المقاومة خياراً شاملاً وقادراً على
استنزاف العدو «.
أما الدكتور يوسف فيرى أنه:» ليس في قيادة السلطة الفلسطينية ممن هم
حول عرفات من يمثل الثقل الذي يمثله عرفات، بالإضافة إلى ظهور عجز السلطة
التام في مواجهة الكيد الصهيوني؛ مع الاستخفاف الذي تعاملت به الإدارة الأمريكية
والحكومة الصهيونية معها، أضف إلى ذلك أنه لم يَعُدْ للسلطة سيطرة على أفراد
المقاومة المسلحة من حركة فتح نفسها «ويحسم رؤيته لمستقبل السلطة بقوله:
» لا أرى لهؤلاء المحيطين بعرفات مستقبلاً في إدارة الشأن الفلسطيني نظراً
لغياب البعد الشعبي لهم من ناحية، وظهور القيادات البديلة التي التصقت بواقع
الناس «.
وينبه الأستاذ عامر إلى حقيقة هامة، وهي:» هناك تأثير خارجي استطاع
تشكيل مجموعات داخل الحركة تعمل على تقزيم العناصر المقاومة واعتبار
التفاوض خياراً استراتيجياً؛ وهذه العناصر ستلعب دوراً تكاملياً مع شخصيات أمنية
متنفذة مدعومة من إسرائيل ومن دول عربية أخرى مثل محمد دحلان وجبريل
الرجوب اللذين عادا بقوة مرة أخرى للبروز رغم استبعادهما عقب فضائح تتعلق
بتعاونهما مع الاحتلال «ثم يذكر أن هذا السيناريو الخارجي للسلطة يواجهه
» سعي للتقارب بين فصائل المقاومة المسلحة والذي برز في تنفيذ عمليات
عسكرية مشتركة، وهذا التقارب يصاحبه تقارب بين ممثلي التنظيمات السياسيين «
ولذلك يتوقع عبد المنعم أن تخفق أي سلطة أمنية تتسلم المهام بعد هروب
الاحتلال من غزة، ويقول:» الأقرب هو تشكيل قيادة جماعية تمثل كل الفصائل
الفلسطينية متناغمة مع القوة الشعبية والعسكرية لكل فصيل «.
المحور الخامس في هذا التحقيق يتحدث عن التغيرات المتوقعة في الموقف
الأمريكي لو فاز الديمقراطيون بالرئاسة: يجيب الأستاذ عزيز بالمختصر المفيد:
» هما وجهان لعملة واحدة، ولا يفوز الديمقراطيون إن فازوا للمرة الأولى «
ويوافقه الدكتور مقبول في عدم حدوث تغيير» اللهم إلا لعب أدوار معينة، وإعادة
ترتيب الأوراق، والدخول في مفاوضات عقيمة «والدكتور يوسف يسير على نفس
المنوال، لكنه يفصل قليلاً:» للإدارة الأمريكية ثوابت لا تحيد عنها سواء كانت
للجمهوريين أو الديمقراطيين، ومن أهمها حفظ أمن دولة اليهود وضمان تفوقها
العسكري على العرب والمسلمين، وهم لا يهتمون بالشأن الفلسطيني إلا بقدر ما
يضمن عدم شيوع الفكر الجهادي بين الناس «.
ويستشهد الأستاذ عبد المنعم على صحة ذلك بالقول:» نحن نتذكر كيف أن
جورج بوش فاز في الانتخابات السابقة بأصوات العرب انتقاماً من إدارة كلينتون؛
فإذا به أكثر ضراوة وشراسة من سابقه «.
لكن للأستاذ الزعاترة رأي آخر فيقول:» ربما يكون الملف الوحيد الذي
يزايد فيه الجمهوريون على الديمقراطيين في الولايات المتحدة هو ملف القضية
الفلسطينية، ولذلك يمكن القول إن السوء على القضية سيكون واحداً في الحالين،
لكن فوز بوش سيكون أفضل وإن بدا أكثر انحيازاً، والسبب أنه قائد أرعن
سيواصل ارتكاب الأخطاء وكسب الاعداء، وهو الأمر الذي سيحقق مصالح كثيرة
للأمة «، ثم يبين الزعاترة حجم التغلغل اليهودي في الحزب الديمقراطي:
» اليهود ينحازون تقريباً إلى الحزب الديمقراطي بدليل أن ثلاثة من المتنافسين
على ورقة ترشيح الحزب كانوا يهوداً او نصف يهود، فويسلي كلارك يهودي،
أما هواراد دين فزوجته وكذلك أبناؤه يهود، بينما جون كيري يهودي من ناحية
أمه وأبيه، وإن ادعى الأب أنه تنصر عام ١٩٠٥م، لكن شقيقه عاد وتهود مرة
أخرى «.
المحور الأخير يتناول مبادرة الشرق الأوسط الكبير الأمريكية وتحديداً
إهمالها للقضية الفلسطينية كمحور للسياسة العربية الخارجية، وسبَّب كثيراً من
المشكلات، وهنا يؤكد الزعاترة على أن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن للدول
العربية وخاصة مصر تجاوزها، رغم القابلية لتقديم المزيد من التنازلات، فلن
يصل الأمر إلى الحدود التي يريدها الطرف الصهيوني، ولكن عامر عبد المنعم
يخالف هذا الرأي قليلاً، فيقول:» الطغيان الأمريكي لم يعد يحتمل أن تكون
الحكومات العربية بوجهين، ولم يعد يقبل أن يقال في العلن خلاف ما يقال في
الغرف المغلقة «.
ويفرق الدكتور عبد الحي يوسف بين موقف الزعامات والشعوب، فيقول:
» إذا كان المقصود الزعامات فقد حصل هذا التخلي من وقت بعيد منذ طرحت
الحلول السلمية التي أهملت موضوع القدس وعودة اللاجئين، وأقرَّت حق اليهود في
العيش بسلام على أرض فلسطين؛ وأما الشعوب فلا تزال في الجملة بخير، وهي
بانتظار من يحرِّكها مما يضاعف من مسؤولية الدعاة والموجهين وأهل الفكر «،
ويوافقه الدكتور علي مقبول في ذلك تماماً، ويختم الأستاذ عبد الغفار عزيز
بالقول:» المعادلة المطلوبة والتي قد تكون صعبة أن تجمع الأمة بين قوة الشعب
ومصالحها العليا، وبين الأنظمة المستعدة لرعاية شعوبها، ومن ثم تسير على
درب البناء والنمو متمسكة بحبل الله المتين «.