خاطرة أدبية
أدباء.. بلا أدب
د. محمد بن ظافر الشهري
قالوا عن الرجز أنه حمار الشعراء، قلت: ليس الأمر كذلك إذا عد الحداثيون
شعراء، ذلك أن الصحف باتت أطوع الحمر للحداثيين، فهي لا تبالي من الذي
يمتطيها ولا ماذا يحمل، مادام لا يحمل كلمةً ثابتة الأصل شامخة الفرع، وعلى كل
حال فلم تعد الحمر بنوعيها وسائط نقل مقنعة في هذا الزمان، ولهذا عمد أهل
الارتزاق بالكلمة إلى «سيارات الكذب» فركبوا أسرعها لأن الثمن يتناسب باطراد
مع السرعة، وامتطى قليلو الأدب «طائرات الاغراء» فحلقوا بها في سماء
المجاهرين، أما عديمو الأدب فقد استقلوا «مكوك سب الإسلام» الذي أثبتت
معامل النظام العالمي الجديد / القديم أنه أسرع وسيلة للوصول إلى النجومية العالمية،
وهو مجهز بأحدث وسائل السلامة! ! .
لقد نال سلمان رشدي جائزة الدولة النمساوية إيماناً بـ «آياته الشيطانية» ،
واستحق «الطاهر» بن جلون جائزة جونكورد الفرنسية في «ليلة قَذَرِهِ» ،
وتسبب «أولاد حارة» نجيب محفوظ في منحه جائزة نوبل.
إن المتابع للحركة الأدبية يلاحظ انتشار «الشذوذ الفكري» الذي أدرك عبيد
الدرهم والشهرة أنه أيسر السبل لتسنم الهرم الأدبي المعاصر.
ليس شيئاًًً مما ذكرت يدعوا إلى العجب، فإن الحرب بين الحق والباطل سنة
ماضية، ولكن إذا كان هؤلاء «الشذاذ» قد آثروا الحياة الدنيا، فأين الذين آمنوا
بأن الآخرة خير وأبقى؟ ! ، إن هذا ينبغي أن يكون حافزاً لكل من وجد في نفسه
القدرة على التعامل مع الكلمة وتطويعها أن يتقدم في ثقة وثبات متوكلاً على الله،
راجياً وجهه، منافحاً عن العقيدة الناصعة والفكر الأصيل.
على الشاعر والناثر والناقد أن يشعروا بالمسؤولية الملقاة على كواهلهم
وليحذروا من أن يرمي بهم التقليد الأعمى في غياهب الغموض، أو يحصرهم في
خطاب أساتذة الأدب الانجليزي في كليات الآداب، إنهم مطالبون بإيصال الفكرة
عبر الكلمة إلى الناس.. كل الناس.
وتبقى الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، ويبقى الأديب المؤمن
صّداعاً بالحق مهما كثر الناعقون بالباطل، [.. فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما
ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال] [الرعد: ١٧]