الافتتاحية
أما آن للسيوف أن تغمد..!
رسالة لإخوة الجهاد في أفغانستان
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما
بعد..
حينما انطلقت شعلة الجهاد الأولى ولم يُلق أحد لكم بالاً، بل عده بعضهم
طيشاً وتهوراً، فكيف يستطيع همج رعاع من رجال البوادي والجبال أن يقفوا أمام
قوة نووية كبرى..؟ ! وما هي إلا أشهر يسيرة حتى سارت الركبان بأخبار
انتصاراتكم وبطولاتكم، التي أدهشت جميع المراقبين والمحللين وأصبحت الشغل
الشاغل للساسة والإعلاميين ورجال الاستخبارات.
كانت هذه الشعلة المباركة روحاً جديدة سرت في العالم الإسلامي من أدناه إلى
أقصاه، دبت الحياة في نفوس كثير من المسلمين، فراية الجهاد التي ظلت منكسة
عقوداً متتابعة في ظل أنظمة العجز والتبعية، شمخت بكل إباء وشمم على ربى
أفغانستان، لتثبت للعالم أجمع أن الإسلام لازال حياً، ولازال قوياً قادراً على
العطاء. التفت جموع المسلمين على رايتكم، وتقاطر الشباب من كل مكان إلى
أرضكم، يتربى على روابيكم وجبالكم، تاركاً وراءه النساء والأولاد والأموال ومن
حبسه العذر منهم، ظل قلبه معلقاً بكم، تحدثه نفسه بالجهاد يوماً بعد يوم.
كل انتصار لكم كان يهز قلوب المسلمين، ويزيد من حميتهم وأملهم في الله
العظيم، فقد أصبحتم ملء بصر العالم وسمعه، وأصبحتم «قضية المسلمين
الأولى» . ألوف من الشهداء نحتسبهم عند الله تعالى.. ألوف من الجرحي والمعاقين.. ألوف من الأيتام والأرامل.. لقد كانت التضحيات جسيمة، والأرواح العبقة الطاهرة التي نحسبها استشهدت في سبيل الله ما كانت في يوم من الأيام عقبة تحد من عزائمكم، بل كانت حادياً إلى مزيد من العطاء والبذل والتضحية، ومازالت تلك القبور المتناثرة على الهضاب والجبال رمزاً من رموز الشهامة والكرامة، ومازالت تلك الدماء الزكية تلون الصخور ورؤوس الجبال بأزهى الألوان وأعطرها.
كنا نسمع أخبار الشهداء وتضحيات الأبطال، ثم نرى دموع الشباب، بل
والشيوخ تتساقط شوقاً إلى الشهادة، كلهم يتمنى أن يكون ذلك الشهيد. ثم.. كانت
الثمرة بحمد الله وفضله نصراً مؤزراً، حينما سقطت كابل بأيدي المجاهدين،
وتفرقت فلول الشيوعيين، وتعالت تكبيرات المسلمين فرحاً بنصر الله تعالى، وجاء
البشير يعطر أسماعنا بهذا الفتح المبارك، حتى أصبحت آثار السعادة والفرح تُرى
على الوجوه، وضجت مساجد المسلمين بالدعاء والثناء على الله، وحمده والشكر له.
بدأت جموع المهاجرين في بيشاور وغيرها تحزم الأمتعة، وتعود إلى وطنها
فرحة بنصر الله، استيقظ الأمل في نفوسهم، فما أحلى العودة إلى الدور التي
هجرت، والمزارع التي أقفرت.. فضلاً عن حنين الصبية الذين ولدوا في المهجر
يشدهم إلى المنزل الأول الذي طالما سمعوا عنه من آبائهم وأمهاتهم. نعم فتحت
كابل وتحررت من أسر الشيوعيين، ولكن ما الذي حدث بعد ذلك؟ !
هل قامت دولة الإسلام الموعودة، وحكمت بالكتاب والسنة..؟ ! هل
ارتفعت راية التوحيد، وتساقطت رايات الجاهلية..؟ هل اندحر الشيوعيون
والعلمانيون والنفعيون، وشمخت رؤوس الموحدين الأبرار..؟ ! هل تساقطت
الأحزاب والتجمعات القبلية، واجتمع الناس على كلمة سواء..؟ ! هل رسم
المجاهدون خططهم لترسيخ الإسلام في بلادهم، وتعليم الناس أصوله وقواعده
العامة..؟ ! هل ضمدت الجراح، وجفت الدماء، وبدأت رحلة الإعمار والبناء..
؟ ! هل.. وهل.. أسئلة تتلاحق، ولكن إجابتها جميعها مع الأسف الشديد واحدة لا
تتغير: لم يحدث شيء من هذا على الإطلاق..! !
إذاً ما الذي حدث..؟ ! تحولت مدافع المجاهدين إلى إخوانهم يقتل بعضها
بعضاً، ويسفك بعضهم دماء بعض..! بنيت تحالفات جديدة مدارها على المصالح
الحزبية، والمنافع القبلية..! أصبح المتصارعون لا يجيدون إلا لغة الرصاص..
والتدمير! .. كان النداء الكريم الذي يشحذ الهمم ويقوي العزائم هو: الله أكبر..
الله أكبر، ولكن أخشى أن نداء الغنيمة أصبح أرفع صوتاً..!
لم يستطع الشيوعيون أن يعتدوا على المساجد خوفاً من غضبة الشعب أما
صراعات الإخوة فقد وصلت إلى المساجد فدمرت بعضها..! ! عند ذلك عادت
فلول المهاجرين تحمل متاعها ثانية هاربة من كابل، ولكنها هذه المرة لا تهرب من
الشيوعيين، بل من تقاتل «المجاهدين» ! !
وظلم ذوي القربى أشد مضاضةعلى الحرّ من وقع الحسام المهنّد
عاد الشيوخ والعجزة والنساء ثانية إلى مهاجرهم، بقلوب امتلأت خيبة
وحسرة وإحباطاً.. أهذه ثمرة الجهاد التي نتطلع إليها..؟ ! أهذا هو ثمن النفوس
الزكية والجراحات الندية..؟ ! أهذا هو ثمن الدموع والدماء والأشلاء المتناثرة هنا
وهناك..؟ ! أربعة عشر عاماً من اللأواء والعنت وألوان المصاعب والأهوال..
أتضيع وتتآكل أمام النعرات القبلية والأهواء الحزبية والحظوظ الشخصية..!
أيها المجاهدون:
كنا نتابع أخباركم يوماً بيوم، وننصت سامعين لمن يُحدّثنا عن أحوالكم
وانتصاراتكم بكل فخر، وتلهج ألسنتنا بالدعاء لكم، ثم ها نحن اليوم نستحي ونتألم
حينما نسمع صراعاتكم وتنافسكم على اقتسام السلطة.. إي والله نستحي لأنكم
أصبحتم مادة لسخرية العلمانيين وتهكمهم..!
لقد حاول كثير من الإعلاميين استغلال هذا الحدث لإثبات فشل تجربة الجهاد
الأفغاني برمته، بل أرادوا التسلق بذلك إلى القدح في كل عمل إسلامي في أي
مكان كان..!
والذي ينبغي تأكيده أن للجهاد الأفغاني فوائد إيجابية كثيرة، وكثيرة جداً،
منها إحياء تلك الفريضة التي أريد إماتتها في النفوس قروناً طويلة، وظهر أن
المسلمين يمكن أن يكونوا قوة تُهاب متى ما استغلت مشاعرهم الإسلامية وقادهم
أناس صالحون مصلحون، وإثبات أن ديننا الحنيف هو الطريق المستقيم لإعادة
مجد القوة والمنعة لأمتنا، ولا طريق آخر غيره، فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام
ومهما طلبنا العزة في غيره أذلنا الله. وهذه المحن الأخيرة يجب أن يستفيد منها
المسلمون، وعليهم أن يدرسوا المحاسن والمساوىء بموازين منهجية متجردة،
لتكون رصيداً فاعلاً يُضاف لرصيد التجربة الإسلامية المعاصرة.
ولهذا نقول لكم أيها المجاهدون بكل صدق:
اتقوا الله في الفتوح المباركة التي فتحها الله على المسلمين.. اتقوا الله في
الأرواح التي استشهدت.. اتقوا الله في الشيوخ والعجزة والنساء والصبيان.. اتقوا
الله.. اتقوا الله.. اتقوا الله..! !
[ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم] . [وإن تتولوا يستبدل قوماْ
غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم] .