الورقة الأخيرة
[خواطر في زمن الغربة]
سالم فرج سعد
الغربة الحقَّة:
أستعيدُ ذكريات الماضي فلا تتراءى أمامي إلا أشباحُ الغربة بعذاباتها ومتاعبها.. أجول بخاطري فيما مضى، وفيما يأتي فيتقاذفني اليأس والأمل،
والشدة والرخاء.. نعم كنت أحب الغربة والوحدة لأعيش فيها لحظات خيال سابحة
جعلني أتأمل في الكون والحياة؛ لكن عندما عايشتها عرفت أن الحب شيء
والتعايش مع هذا الحب شيء آخر.. قد يفهم البعض من الغربة ترك الأهل والوطن والسفر من أجل لقمة العيش أو تحصيل علم، وهو فهم صادق لكنه قاصر؛ فالغربة الحقيقية هي التي يعيشها المسلم في زمن الظلام والظلم والجاهلية العمياء، غربته في دينه ودنياه، وفي فكره وعقيدته، تلك هي الغربة الصعبة المريرة التي يشعر فيها العبد المؤمن أنه مسافر غريب في هذه الدنيا وينتظر راحته في دار النعيم، والقرار بأعماله الصالحة وطاعته لربّه ومولاه ... شعاره الدائم نصيحة
رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: (كن في الدنيا كأنك غريبٌ، أو عابر
سبيل) [١] .
وتهون كل المصائب.. وتضعف كل المتاعب.. التي تحيط بهذه الغربة الحقّة.. لأنها غربةٌ في سبيل الله.
غرباء وارتضيناها شعاراً للحياةْ ... غرباءُ ولغير الله لا نحني الجِباه ...
لماذا أكتب؟
إنه سؤال يطاردني كلما كتبت أو أردت أن أكتب ومع ذلك لا بد من طرحه
والإجابة عنه لتكون الكتابة هادفة وخالصة.
ونظرة سريعة إلى أعمدة الصحف وأسطر المجلات اليومي منها والأسبوعي،
الشهري والسنوي، تجد التباين الشاسع بين أساليب المقالات، وأفكار الكتابات،
وعندها يتأكد لك مدى أهمية هذا السؤال: لماذا أكتب؟
إن الكتابة للكتابة هي هواية وحرفة لا تؤدي مفعولها ودورها إلا حينما تكون
الفكرة والصراحة والوجدان تلامس الواقع، وتخاطب العقول والضمائر.
إن أمانة القلم تفرض هذا السؤال العَلَم: لماذا أكتب؟
حفاظاً على حرية الكلمة، ورصانة العبارة، وقوة الفكرة والهدف.
(١) رواه البخاري، ح/ ٧٣٩٥.