للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حوار

المفكر الأمريكي اليهودي نعوم تشومسكي

في حوار شامل وصريح لـ " البيان "

أعد الحوار: خالد محمد حامد

حاوره في واشنطن: عارف المشهداني

[email protected]

أمريكا قائدة الإرهاب العالمي

وصناع القرار الأمريكي خطر على البشرية!!

تمهيد:

يعد المفكر اليهودي الأمريكي البروفيسور نعوم تشومسكي من المفكرين

الأمريكان القلائل الذين أحدثوا ضجة فكرية وسياسية لدى الرأي العام الأمريكي بل

والعالمي؛ بمواقفه الجريئة المتحررة وغير الخاضعة لسلطة اللوبي الصهيوني الذي

يريد صياغة الرأي العام وفقا لأطروحاته وأجندته، وهذا ما أثار حنقهم عليه

ومحاربتهم له على كل الأصعدة، لكن سمعة الرجل ومكانته الفكرية تتصاعد يوماً

بعد آخر، وكتبه تتلقفها الأيدي نظراً لعمق وصواب تحليلاته التي لا تروق

للكثيرين من صناع القرار الأمريكي.

«البيان» حملت أسئلتها، فيما يخص قضايا الساعة، إليه فكان هذا الحوار.

البيان: أنتم تُحسبون على رموز التيار اليساري الاشتراكي في أمريكا: ما

موقع هذا التيار في الساحة السياسية الأمريكية؟ وما مدى قوته وتأثيره سياسيّاً

وشعبيّاً؟

- الولايات المتحدة ليست مجتمعاً عقائدياً بحيث نصف ونقسم المجموعات

على أساس عقائدي. نحن مجتمع نشط جداً، ولدينا منظمات عديدة واسعة الانتشار

من مختلف الاتجاهات، تساهم في طرح آرائها بشكل واضح في مختلف القضايا

بدءاً من قضايا المشردين وليس انتهاء بالحرب على العراق. وتختلف وتنتقد بشدة

إدارة البيت الأبيض في كثير من القضايا السياسية والاقتصادية كالعولمة مثلاً؛

فأمريكا منظمة من هذا الجانب فعدم وجود أحزاب كثيرة في أمريكا، كما هو الحال

في أوروبا لا يعني أن الشعب الأمريكي غير منظم أو نشط سياسياً؛ فأنا أمضي

الساعات العديدة يومياً لأرد على استفسارات الأمريكان من مختلف الاتجاهات؛

وهذا يدل على فاعلية الشعب الأمريكي.

البيان: إلى أي مدى برأيك يلعب الإعلام دورًا في تشكيل الرأي العام

الأمريكي عن الصراع في الشرق الأوسط وخصوصاً تجاه قضيتي العراق

وفلسطين؟

- هذا الدور كبير جداً، وسأتناول موضوع العراق أولاً؛ فالرئيس العراقي

صدام حسين أصبح مكروهاً لدى الشعب الأمريكي، ويكاد يكون العراق هو البلد

الوحيد الذي نسمع عنه بشكل يومي في أمريكا. ولو أجرينا استفتاء منذ أحداث

سبتمبر لغاية الآن فسنجد أن ٦٠ - ٧٠% من الشعب الأمريكي خائفون من صدام

حسين. فالكثير من الأمريكان يظنون أنه إن لم نوقفه الآن فسيبتلعنا غداً!! وربما

تجد ذلك في كل مكان تقريباً ولكن قد تجدهم يكرهونه ولكن لا يخافونه كما في

أمريكا. فمن أين جاء ذلك؟ إنه من الدعاية الضخمة حوله والتي ابتدأت بعد أحداث

سبتمبر إلى الآن مروراً بانتخابات الكونغرس التكميلية بداية نوفمبر الماضي.

فالدعاية الأمريكية كانت تصوّر الرئيس العراقي سابقاً على أنه مثير متاعب؛ أما

الآن فإنها تصفه بأنه عدو لمدنيتنا! وهذه الدعاية أثرت في الناس هنا. هذه الدعاية

تأتي من الحكومة مثلما تأتي عن طريق الإعلام؛ وهو ما قاد الناس إلى الخوف منه.

قد تراهم يعارضون الحرب على العراق لكنهم خائفون إن لم نوقفه اليوم فسيقتلنا

غداً!! هذا الخوف لم ينتج عن معلومات حقيقية وإنما من ضخامة الدعاية والرعب

الذي أثاره الإعلام الأمريكي في قلوب الناس. أما فيما يخص النزاع العربي

الإسرائيلي فنجد أن الموقف الشعبي الأمريكي يثير الاستغراب حقاً!! لقد تعرضوا

إلى غسل دماغ من قِبَل الإعلام. ففي دراسة موسعة لأحد مراكز البحوث التي تعنى

برصد ودراسة مواقف الرأي العام في جامعة مريلاند حول النزاع العربي

الإسرائيلي جاءت النتائج مثيرة ومفادها أن الرأي العام يريد من الحكومة الأمريكية

قطع أية مساعدة مادية عن أي طرف من الجانبين الفلسطيني و «الإسرائيلي»

يرفض الجلوس على طاولة المفاوضات ولا يقبل بتسوية الأزمة سياسياً. لكن

الرأي العام لا يعرف أنه واستناداً لذلك يجب قطع المساعدة المادية عن «إسرائيل»

لأنها ترفض التسوية السلمية. فهم يتصورون أن «إسرائيل» ونتيجة الدعم

الأمريكي لها تسعى للحل السلمي وليس العكس!!

ولننتقل إلى خطة السلام السعودية؛ فعندما سئل المشاركون في الدراسة نفسها

أنه لو تم الوصول إلى حل سلمي بين الطرفين فكيف تقترحون ان تكون نسبة

المساعدات المادية الأمريكية للطرفين؟ فكات النتيجة بالأغلبية أن تكون المساعدة

بالتساوي لكلا الطرفين!! فالناس هنا لا يعرفون ماذا يعني هذا؛ لأنهم لا يعرفون

حقيقة الوضع على الأرض. والنسبة نفسها ترى أن على الولايات المتحدة أن تدفع

عملية السلام للأمام ولا يعرفون أنها الولايات المتحدة هي التي وقفت بوجه ذلك منذ

أكثر من ٢٥ سنة عندما رفضت أول قرار لمجلس الأمن الدولي لتسوية النزاع عام

١٩٧٦م!! كما أن الشعب هنا لا يعرف حقيقة ما جرى في مفاوضات كامب ديفيد

التي جرت هنا في الولايات المتحدة صيف ٢٠٠٠م؛ فوصف الإعلام الأمريكي كان

أن «إسرائيل» والولايات المتحدة بذلتا جهوداً عظيمة وخارقة، وقدمت

«إسرائيل» تنازلات ضخمة لحل النزاع، وأن الطرف الفلسطيني هو الذي

رفض الحل وفضل اللجوء إلى العنف!!! وأسهل طريقة لمعرفة مقدار هذه

«الجهود العظيمة والخارقة» هو النظر إلى الخارطة لمعرفة حقيقة الأمر. لكن لا أحد من الصحفيين يرغب بنشر الحقيقة؛ فالمقترحات الإسرائيلية تريد تقسيم

الضفة الغربية إلى ثلاث مقاطعات منفصلة بعضها عن بعض، وقطع القدس

الشرقية عنها، وفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة؛ لكن الناس هنا لا يعرفون

كل ذلك، وما يعرفونه هو ما يقرؤونه، وهو أن يقدم الطرف الفلسطيني جهوداً

عظيمة وتنازلات ضخمة كما «قدّم» الطرف الإسرائيلي والقبول بهذه التسوية؛

فمعلوماتهم محدودة جداً عن حقيقة ما يجري، ومواقفهم لا تختلف كثيراً عن أية

مواقف أخرى في باقي دول العالم، ولكنهم لا يعرفون حقيقة التطبيقات السياسية

لمواقفهم المبنية على معلومات غير صحيحة. فأوافقك الرأي بأن الإعلام الأمريكي

يلعب دوراً كبيراً في صياغة الرأي العام الأمريكي في مختلف القضايا.

البيان: وجد كتابكم الأخير عن أحداث سبتمبر انتشارًا ملحوظًا لدى القراء؛

فهل تعتقدون أن الرأي العام الأمريكي يبحث بالفعل عن الحقيقة ولكنه لا يجدها في

الخطاب الثقافي السائد، أم أنه استسلم لـ (الماكينة) الإعلامية الأمريكية؟ وهل

من سبيل لتغيير المفاهيم الخاطئة التي ينشرها هذا الإعلام؟

- معلومات الشعب الأمريكي عما يجري في العالم محدودة للغاية؛ فهم

يجهلون الكثير. أحداث سبتمبر كانت حدثاً مثيراً فتحت أعين الكثير من الأمريكان،

وجعلتهم يدركون أن من الأفضل الاطلاع على ما يجري في أنحاء العالم الذي

نعيش فيه. صحيح أن الحدث هز الجميع لكن الكثير بدأ يتساءل: لماذا حدث ما

حدث؟ وأرادوا معرفة وجهة النظر الأخرى. الكتاب المذكور مثال لعدة كتب

أخرى لعدة مؤلفين نالت رواجاً كبيراً بين القراء. فأنا وقلة قليلة من المؤلفين ممن

تصدوا لتبصير القراء بالحقائق المغيبة عنهم قبل أحداث سبتمبر، وازداد الإقبال

على كتبنا بعد أحداث سبتمبر. بل أن صغار الناشرين بدؤوا بإعادة طبع كتبنا

المؤلفة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي التي تكشف تحليلاتنا

السياسية لما ستؤول إليه أمريكا نتيجة سياساتها. لقد حدث تحول إيجابي لدى الرأي

العام الأمريكي خلال السنوات الأربع الماضية ويمكن ملاحظته من خلال ردة فعل

الشارع الأمريكي للحرب التي تنوي الإدارة الأمريكية شنها ضد العراق وموقفه تجاه

الحرب الأمريكية ضد فيتنام. لقد مرت الذكرى الأربعون لعدوان أمريكا ضد فيتنام

١٩٦٢م عندما قصفت الطائرات الحربية الأمريكية جنوب فيتنام. لقد كان عدواناً

مباشراً وحرباً غير منضبطة قتل فيها ٢٧٠ ألفاً من الشعب الفيتنامي، وكما يحدث

الآن في أفغانستان؛ فهل حدث احتجاج وقتها؟ لا؛ فقد مرت ٤ - ٥ سنوات حتى

بدأ الشعب الأمريكي بالاحتجاج والتظاهر والمطالبة بإيقاف الحرب في فيتنام،

وحينها كانت جنوب فيتنام قد دمرت، والآلاف من الجنود الأمريكان قد تعرضوا

للقتل والإصابة، فبدأ الشارع الأمريكي يتحرك، وأغلب الاحتجاج كان ضد توسع

الحرب التي شملت بقية فيتنام!! وكذا كان الحال في أوروبا. لكن الاحتجاج

الحقيقي ضد الحرب المدمرة في جنوب فيتنام لم يتطور لدى الشعب الأمريكي إلا

في وقت متأخر عام ١٩٦٩م عندما أعلن ٧٠% من الشعب الأمريكي أنها حرب

خاطئة وغير أخلاقية. الآن المعارضة للعدوان في ازدياد مستمر، والتظاهرات

الشعبية الواسعة تخرج قبل وقوع الحرب على العراق، وهذا ما لم يحدث في تاريخ

الولايات المتحدة وأوروبا سواء فيما يخص حرب فيتنام أو أية قضية أخرى.

فحركات الحقوق المدنية والعدل ومعارضة العولمة في نمو في كل مكان منذ

السبعينيات من القرن الماضي وإلى الآن، وازدادت بعد أحداث سبتمبر. لكن مع

ذلك فالناس ما زالوا خاضعين لتأثير الإعلام، بل حتى الذين يعارضون الحرب ضد

العراق ربما يخبرونك بأن عليهم شن حرب ضد العراق؛ لأنهم إن لم يفعلوا ذلك

فإنهم يخشون أن يقتلهم صدام حسين؛ فالناس إن لم يكن لديهم معلومات وتحليلات

كافية فإنهم سيكونون عرضة للدعاية الأمريكية المضللة!

البيان: رغم كونك يهودياً؛ لكنك تنتقد السياسة الإسرائيلية؛ فما تفسير

ذلك؟

- الكثير من الإسرائليين ينتقدون السياسة الإسرائيلية أكثر مما انتقدها أنا؛

فموقعي يفرض عليَّ انتقاد ما أراه خاطئاً، والسياسة الإسرائيلية تحتاج إلى المزيد

من هذا الانتقاد.

البيان: كيف تفسر دعم الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عهد الرئيس

ترومان إلى الآن لـ «دولة إسرائيل» خاصة أنه في كثير من الأحيان على

حساب المصالح الأمريكية؟

- هذا ليس دقيقاً؛ فخلال عقد الخمسينيات من القرن الميلادي السابق لم يكن

الدعم الأمريكي لـ (إسرائيل) قوياً نسبياً. العلاقات أصبحت أقوى إلى حدٍّ ما في

سنة الأزمة ١٩٥٨م عندما بدا واضحاً أن دعم «إسرائيل» - كقاعدة للقوة

الأمريكية يمكن الاعتماد عليها - أصبح هاماً لأزمة الولايات المتحدة مع القومية

العربية، القلق الرئيسي لها. في عام ١٩٦٧م قدمت إسرائيل خدمة عظيمة

للولايات المتحدة والدول العربية المتحالفة معها بقضائها على الرئيس جمال عبد

الناصر. منذ ذلك الوقت تطورت العلاقة بين الطرفين (أمريكا - إسرائيل) لالتقاء

أهدافهما الاستراتيجية في المنطقة، إلى حد أصبحت فيه إسرائيل اليوم قاعدة

عسكرية أمريكية في المنطقة، مع تعاون اقتصادي عسكري عالي المستوى.

البيان: مارس الأوروبيون حملات إبادة ضد السكان الأصليين في أمريكا،

ثم مارس الأمريكان عمليات إرهاب عديدة أثناء حرب التحرير؛ فهل ترون أن هذه

الممارسات تشكل خلفية تاريخية ونفسية لتسويغ التأييد الأمريكي المطلق

للممارسات الإسرائيلية الإرهابية تجاه الشعب الفلسطيني؟

- بصراحة.. لا أرى ربطاً بينهما فيما يبدو لي.

البيان: ينكر كثير من السياسيين على الفلسطينيين قيامهم بعمليات مسلحة

أو تفجيرية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.. باعتباركم مفكرًا تقدميًا، ما هي

الوسائل الملائمة التي ينبغي اتخاذها في ظل القيادة والممارسات الصهيونية

الحالية؟

- يوجد إجماع دولي قوي على التسوية السياسية المتمثلة بدولتين، فلسطينية

و «إسرائيلية» وفق الحدود المقررة دولياً (ما قبل سنة ١٩٦٧م) مع تعديلات

بسيطة مشتركة (النص الرسمي الأمريكي لم يلغ رسمياً بعد سنة ١٩٦٧م ولحد الآن

رغم أنه أنتهك عملياً) . الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي توافق على هذا الحل

الذي انتهك من قبل الحكومة الأمريكية عام ١٩٧٦م عندما مارست حق النقض

(الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن بهذا الخصوص. لكن يمكن الوصول لهذا الحل؛

فمحادثات طابا في يناير ٢٠٠١م بين الفلسطينيين والإسرائيليين اقتربت منه.

صحيح أن المفاوضات لم تكن رسمية لكنها كانت على مستوى رفيع، وجهد

دبلوماسي جدي يمكن أن يدفعهم للأمام، ربما لحل مقبول. كثير من النزاعات في

العالم بدت غير قابلة للحل لأول وهلة؛ لكن لا بد من السير للأمام باتجاه تسوية

عادلة تقلل على الأقل مستوى العنف وتفتح الطريق لتطورات بناءة. هذا ما يمكن

عمله، مع إرادة وحسم كاف. أما الآخرون، وأقصد خارج الولايات المتحدة

وإسرائيل وفلسطين، فيمكنهم المشاركة جزئياً.

البيان: أشرتم في بعض كتاباتكم إلى أن رحلات كريستوفر كولومبوس

وفاسكو دي جاما كانت بداية لعهد استعماري وتأسيس نظام عالمي قائم على النهب

والاستلاب، هل ترون أن ذلك كان لأهداف حضارية مرتبطة بسقوط دولة

المسلمين في الأندلس ومن ثم: بداية استكشافهم واستهدافهم في عقر دارهم،

أم أن الأهداف كانت أطماعًا اقتصادية بحتة؟

- كانت هناك أهداف عديدة، لكن الهدف الاقتصادي كان الأهم، العالم

الإسلامي سيطر على خطوط التجارة المباشرة بين أوروبا والدول الغنية والمتطورة

في الشرق وجنوب آسيا، وهذا ما دفع الآخرين للبحث عن طريق بحري.

البيان: بغض النظر عن أحداث سبتمبر، هناك دراسات ومؤشرات أطلقها

بعض المفكرين والباحثين الغربيين والأمريكيين قبل هذه الأحداث تخلص إلى أن

قوة أمريكا آخذة في الأفول وربما الانهيار؛ فماذا ترون حيال هذه الرؤى؟ وهل

تعتقدون أن تحركات أمريكا الحالية ترمي إلى منع هذا التدهور والانهيار والحفاظ

على موقع القوة العظمى الوحيدة في العالم؟

- لا أعتقد ذلك. أعتقد أن التحركات العسكرية الأمريكية تستغل أحداث

سبتمبر كمسوغ لتوسيع قوة الولايات المتحدة عالمياً، وهي ليست وحدها في هذا

المسعى؛ فهناك دول عديدة حذت حذوها؛ فروسيا زادت من عدوانها على الشعب

الشيشاني، وكذلك الصين ضد أهالي الصين الغربية (أي مسلمي تركستان الشرقية)

فالولايات المتحدة وفرت لهم الفرصة لذلك. أنا لست ممن يعتقد أن قوة الولايات

المتحدة في أفول، في بعض الحالات نعم؛ مثلاً قبل ٥٠ سنة وبعد نهاية الحرب

العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة تملك نصف ثروة العالم، ونقصت النسبة إلى

ربع ثروة العالم سنة ١٩٧٠م؛ فمن هذا الجانب نعم هناك تناقص، أما عسكرياً فلم

تكن الولايات المتحدة قوية عسكرياً على مر التأريخ كما هي الآن من ناحيتي

الميزانية والمعدات الحربية إضافة إلى سعة تحالفاتها. على الجانب الآخر هناك

نقاط ضعف؛ لكن أمريكا بلد غني ومن أفضل الدول صناعياً، ولديها الكفاءات في

كل الميادين، ومن ناحية المال والقوة فالذين يمتلكون هذه القوة يمكنهم استخدامها

لأغراض خاطئة. وهذه المجموعة التي تملك هذه القوة هي التي تحكم الآن في

واشنطن إنهم يهددون العالم بل ويهددون القيم التي تأسست عليها الولايات المتحدة

الأمريكية.

البيان: مع قدوم الإدارة الأميركية الجمهورية الجديدة عاد نظام الدرع

الأميركي المضاد للصواريخ، ثم جاءت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية

المنشورة في سبتمبر ٢٠٠٢م لترسخ الاتجاه نحو الاعتماد على القوة في حل

المنازعات وتهميش القوى الأخرى أو المصادمة معها، بحجة حماية «مصالح

الأمن القومي الأمريكي» . فما هي قراءتك؟

- لديَّ بعض الشكوك حول عبارة «مصالح الأمن القومي» . ساسة الدول،

وليس فقط في الولايات المتحدة، يبالغون في تضخيم التهديدات التي تواجه الأمن

القومي الحقيقي. فهناك قضايا أخرى لها أهمية. مصطلح «الأمن القومي» غالباً

ما يساء استخدامه لتسويغ سياسات تحمل أغراضاً أخرى. هذه قراءتي في حدود

علمي.

البيان: في رأيك ما هي الأهداف الحقيقية وراء الحرب الأمريكية ضد

العراق؟

- هناك مصالح عديدة وراءها؛ فالعراق يملك ثاني أكبر احتياطي من النفط

الخام، ومنطقة الخليج هي أهم منطقة في العالم لتصدير مصادر الطاقة (النفط

والغاز) وستصبح أكثر أهمية مستقبلاً؛ فمنذ الأربعينيات من القرن الماضي كانت

الولايات المتحدة تخطط لزيادة مصادر الطاقة وهي بحاجة فعلية للنفط، كما أن

الولايات المتحدة ترغب بزيادة قوتها وهيمنتها على دول العالم وإلغاء أو تهميش

القوى المنافسة كفرنسا مثلاً، كما أن السيطرة على العراق تعني التحكم بشكل

مباشر أو غير مباشر بمصادر الطاقة العالمية، وتأسيس قواعد عسكرية في المنطقة.

كما أن المصالح الداخلية والصراع بين الحزبين الجمهوري الحاكم والديمقراطي له

دور في ذلك؛ فقد كان يوصف صدام حسين سابقاً على أنه شرير؛ أما خلال

الانتخابات النصفية للكونغرس (نوفمبر الماضي) فقد أصبح يوصف بأنه خطر

على أمن الولايات المتحدة، وتم استغلال ذلك جيداً ما ساهم في فوز مرشحي

الحزب الجمهوري في تلك الانتخابات، وهم يريدون استغلال نفس الأمر

للانتخابات الرئاسية القادمة؛ فموظفو الإدارة الأمريكية الحالية يعيدون سياسة إدارة

ريغان في ثمانينيات القرن الماضي عندما شنت عدواناً ضد نيكارغوا وغرينادا

وليبيا لتقوية مكانتها عسكرياً ومن ثم استغلال ذلك لأغراض انتخابية؛ فقد يثيرون

الهلع في قلوب الشعب كما هو الحال اليوم من أجل الفوز في الانتخابات وقد حققوا

ما يريدون سواء أكانت إدارة ريغان أم إدارة بوش.

البيان: هل تعتقد أن المستهدف بالحرب هو العراق فقط، أم أن هناك فكرة

لتأسيس خارطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط؟ وما هي انعكاسات هذه الخريطة

لو تحققت على خريطة أوروبا المستقبلية؟

- مخططو السياسة الأمريكية والذين يمسكون القوة في أيديهم لا يرغبون

بإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وحدها؛ وإنما الصين أيضاً؛ بل إعادة رسم

خارطة العالم من جديد؛ وهذا خطر عظيم؛ فهناك مجموعة ترغب بذلك وهنا

المشكلة.

البيان: مع تسارع الأحداث الحالية في المنطقة، هل تعود فكرة (الترانسفير)

لترحيل الفلسطينيين إلى الأردن أو العراق مثلاً مرة أخرى؟ وما درجة احتمالية

تحقيق هذه الفكرة الآن؟

- يمكن ذلك في حالة حدوث حرب كبرى في المنطقة، وكان الأمر مدبراً

ومتفقاً عليه. عدا ذلك لا أتوقع أن يتم هذا الأمر. على الجانب الآخر؛ فإن فرض

ظروف قاسية تدفع الكثيرين إلى المغادرة وخاصة المتميزين وذوي الكفاءات كما

حدث ويحدث الآن.

البيان: في نظركم.. ما هي مصداقية ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب،

وهل تعتقد أن الإسلام كحضارة مستهدف من هذه الحرب؟

- هي ليست حرباً ضد الإسلام كما أنها ليست حرباً ضد الإرهاب!! فأمريكا

نفسها قائدة الإرهاب في العالم!! وقد أدينت من قِبَل محكمة العدل الدولية بدعم

الإرهاب في العالم، ولديها سجل حافل بذلك لا يخفى على أحد!! فإدارة ريغان

جاءت للحكم عام ١٩٨١م حاملة شعار الحرب على الإرهاب، وما يسمى الحرب

على الإرهاب الآن إنما هو إعادة لما طرح سابقاً! وشنت إدارة ريغان حروباً في

أكثر من مكان في العالم، فقد شنت أمريكا في الثمانينيات حرباً في أمريكا الوسطى

التي تضم كبرى الجماعات الإرهابية وقتل فيها الآلاف، كما أن الكنائس الكاثولوكية

كانت من ضمن الأهداف الرئيسة المستهدفة، وتشن الولايات المتحدة حرباً ضد

المنظمات المعادية لها والكنائس في كولومبيا التي لها أسوأ سجل في انتهاك حقوق

الإنسان. كما أن أمريكا دعمت دولاً إسلامية مثل إندونيسيا التي تعد أكبر بلد

إسلامي؛ فقد دعمت الجنرال سوهارتو وسجله حافل بانتهاك حقوق الإنسان أكثر

من صدام حسين، بل إن أمريكا دعمت صدام حسين نفسه في الثمانينيات، فيوجد

صراع بين الإسلام والغرب ولكن توجد مصالح كبيرة بينهما أيضاً.